إن الاعتقاد بلزوم حب أهل البیت و القول بولایتهم من التعالیم المستقاة من القرآن الکریم و السنة المطهرة و هی من الامور التی لا تتردد الشیعة فی الاعتقاد بها و الاصحار بها على رؤوس الاشهاد بل یعتبر ذلک من ارکان المعتقد الشیعی. کذلک نعتقد بان العبد یوم القیامة کما یسأل عن الصلاة و الصوم و الحج و الزکاة ، یسأل عن ولایة أهل البیت و حبهم، بل یعد ذلک من أهم أسئلة ذلک الیوم، لان هذه المحبة - کما صرح القرآن الکریم – هی الطلب و الاجر الوحید الذی طلبة الرسول الاکرم (ص) من أمته مقابل کل ما قدمه لهم من خدمات جلیلة و کبیرة.
بطبیعة الحال أن المحب لاهل البیت یسعى جاهدا لتطهیر نفسه من الذنوب و المعاصی من خلال الایمان الصحیح و العمل الصالح و یتقرب الى الله تعالى عن طریق التأسی بهؤلاء العظام، و لاریب أن هذا النوع من العبارد یکون أکثر أملاً بالنجاة و نیل الرحمة الالهیة و العفو عما صدر عنه من هنات و ذنوب غفلة.
الروایة التی وردت الاشارة الیها فی السؤال هی الروایة المنقولة عن کتاب "عیون اخبارالرضا" و التی نقلها صاحب البحار بالنحو التالی: "قَالَ النَّبِیُّ (ص): أَوَّلُ مَا یُسْأَلُ عَنْهُ الْعَبْدُ حُبُّنَا أَهْلَ الْبَیْت"[1].
و البحث فی هذه القضیة یقتضی التعرض لبعض النکات بصورة مختصرة ثم التخلص الى نتیجة نهائیة، و هذه النکات هی:
1. هناک آیة فی الذکر الحکیم تصرح بأن النبی الاکرم (ص) لم یطلب من أمته أجراً الا مؤدة أهل بیته (ع)، و هی قوله تعالى: "قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبى".[2]
و قد فسر عموم الشیعة الآیة المبارکة بمحبة أهل البیت (ع) و ذکر الکثیر من الروایات المؤیدة لهذا الرأی، منها ما روی: "عن سعید بن جبیر عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآیة قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبى قالوا: یا رسول الله من هؤلاء الذین أمر الله بمودتهم؟ قال: فاطمة و ولدها علیهم السلام".[3]
و فی هذا المجال تعد ولایة أهل البیت و محبتهم رکناً من ارکان المعتقد الشیعی و تعتبر الشیعة أن موقفها هذا یمثل استجابة لما یرغب به الرسول الاکرم (ص) و طلبه من الامة.
2. إن محبة أهل البیت و القول بولایته لا تکون مجرد لقلقة لسان، بل لا بد أن تتجسد فی عمل وسلوکیات الموالین و المحبین من خلال التبعیة لاوامرهم و نواهیهم التی هی اوامر و نواهی الشرع، قال تعالى مخاطباً نبیه الاکرم (ص): "قُلْ إِنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونی یُحْبِبْکُمُ اللَّهُ وَ یَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحیم".[4]
من هنا تکون المحبة سببا و مقدمة للطاعة و کلاهما فی النتیجة یؤدیان الى غفران الذنوب.
3. روی عن الامام الصادق (ع) أنه قال فی هذا المجال: "إِنَّ أَوَّلَ مَا یُسْأَلُ عَنْهُ الْعَبْدُ إِذَا وَقَفَ بَیْنَ یَدَیِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ الصَّلَوَاتُ الْمَفْرُوضَاتُ وَ عَنِ الزَّکَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَ عَنِ الصِّیَامِ الْمَفْرُوضِ وَ عَنِ الْحَجِّ الْمَفْرُوضِ وَ عَنْ وَلَایَتِنَا أَهْلَ الْبَیْتِ".[5]
فهذه الروایة و ما یشابهها من الروایات تظهر التلازم الوثیق بین عنصرین هما "الولایة" و "العمل الصالح" و تبیّن أن:
1-3. إن من عرف منزلة النبی الاکرم (ص) و علم بلزوم محبة أهل البیت (ع) من خلال ما ورد من الآیات و الروایات الواردة عن الرسول (ص)، و لکن مع ذلک یلج فی عناده و یحسدهم على مقامهم و لم یبد أی حب او احترام لهم، فمثل هکذا انسان لاتقبل أعماله التی یظهر أنها صالحة، لانها لم تنطلق من نیّة سلیمة.
2-3. و فی المقابل هناک طائفة تتظاهر بحب أهل البیت (ع)، لکنهم فی مقام العمل یخالفون توصیات و أوامر أهل البیت (ع)، فهؤلاء لا یمکن تصنیفهم ضمن المحبین حقیقة لهم علیهم السلام لانه الحب لابد ان یقترن بالطاعة کما قلنا.
3-3. صحیح أن الروایة التی وردت فی متن السؤال اعتبرت أن أول ما یسأل عن العبد حب أهل البیت، و لکن هذا لایعنی – انطلاقا من باقی الروایات- أن سائر الاعمال لاقیمة لها، بل العکس هو الصحیح کما صرحت الروایة التی نقلناها عن الامام الصادق (ع) إِنَّ أَوَّلَ مَا یُسْأَلُ عَنْهُ الْعَبْدُ إِذَا وَقَفَ بَیْنَ یَدَیِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ الصَّلَوَاتُ الْمَفْرُوضَاتُ وَ عَنِ الزَّکَاةِ الْمَفْرُوضَةِ.....".و الجدیر بالذکر هنا اتحاد هذه الروایة و الروایة التی جاءت فی متن السؤال فی جملة "أَوَّلُ مَا یُسْأَلُ عَنْهُ الْعَبْدُ ".
المحصلة النهائیة للجوابه هی: یوم القیامة یسأل الانسان عن عدة أمور و واجبات شرعیة مهمة کالصلاة و الصوم و الحج و... و تعتبر الولایة من ضمنها بل فی مقدمتها، و هذا الامر لایتنافى مع التعالیم الواردة فی القرآن الکریم و السنة المطهرة. و نحن معاشر الشیعة لا نتردد فی بیان معتقدنا فی هذه المجال بکل اطمئنان و ثبات.
[1] المجلسی، محمد باقر، بحار الانوار، ج 27، ص 79، ح 18، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 هـ ق.
[2] الشوری، 23.
[3] ابن ابی حاتم، تفسیر القرآن العظیم، ج 10، ص 3277، ح 18477، مکتبة نزار مصطفی الباز، السعودْ~، مکة المکرمة ، 1419 هـ ق.
[4] آل عمران،31.
[5] الحر العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ج 4، ص 124، ح 4688، مؤسسة آل البیت، قم، 1409 هـ ق.