يمكن النظر الى هذه القضية من زاويتي الاستقلالية و عدمها، فاذا فرض قيام الانسان بالاحياء بصورة مستقلة و من دون الاستعانة بالله، فهذا مما لا ينسجم مع القول بالتوحيد الافعالي و يتعارض مع التوحيد في الخالقية. و الفرض الثاني ان يقوم الانسان بذلك مستعينا بالفيض الالهي و القوة الربانية التي افاضت عليه القدرة على القيام بذلك الفعل (الاحياء)، و مما لاريب فيه أنه لا يوجد أي مانع عقلي أو نقلي يمنع من ذلك؛ و ذلك لكون الفاعل الحقيقي هو الله تعالى و ليس للعبد الا دور الواسطة كدور عزرائيل في قبض الارواح.
هذا على مستوى الامكان و عدمه، و أما على مستوى الوقوع فقد صرح القرآن بوقوع ذلك على يد النبي عيسى (ع): " وَ أُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ"، و قد اتفقت كلمة المسلمين على التسليم بهذه الحقيقة القرآنية الناصعة. و لما كان النبي الاكرم (ص) أفضل من عيسى بلا شك في ذلك؛ لانه أرفع منزلة من سائر الانبياء، و إن أمير المؤمنين (ع) هو نفس النبي الاكرم (ص) بصريح القرآن، فليس من المستبعد أن يقوم (ع) بما قال به عيسى (ع). و لكن ذلك لا يتعدى مجرد الامكان فقط، و أما الوقوع الفعلي فيحتاج الى دليل آخر، و لاريب ان الدليل على ذلك ينحصر في الدليل النقلي فقط، فعلينا البحث عن المصادر الروائية لنرى هل صدر ذلك من الامام أم لا؟
الاجابة الصحيحة عن التساؤل المطروح تقتضي تفكيك السؤال المطروح الى ثلاثة اقسام ثم الخروج بالنتيجة.
الاول: البحث على مستوى الثبوت و الامكان الذاتي.
و هل من الممكن لانسان مخلوق ينتظر رزقه من خالقه و أنه في نهاية المطاف يذوق طعم الموت، أن يقوم باحياء الموتى؟
الثاني: البحث على مستوى الاثبات و الوقوع الخارجي
على فرض التسليم بامكان ذلك، فهل وقع ذلك و نزل الى حيز الواقع أم لا؟
الثالث: هل تمكن الامام علي (ع) من القيام بذلك العمل؟
امكان احياء الموتى في مقام الثبوت
و هذا القسم ينظر اليه من زاويتين:
الف. هل ينسجم ذلك (القيام باحياء الموتى بصورة مستقلة و من دون الاستعانة بالله) مع القول بالتوحيد الافعالي ( و التوحيد في الخالقية)؟
عندما نرجع الى الآيات و الروايات التي تعرضت للحديث عن التوحيد الافعالي نجدها تعتبر الاماتة و الاحياء من خصائص الباري تعالى الى جنب مجموعة من الافعال كالخلق و الرزق و الغنى و الفقر و العزة و الذلة و الصحة و المرض.[1] وعليه ينحصر أمر الاماتة و الاحياء بالله تعالى.[2]
ب. الفرض الثاني ان يقوم الانسان بذلك مستعينا بالفيض الالهي و القوة الربانية التي افاضت عليه هذه الكرامة فاعطته القدرة على مستوى النفس و العمل بالقيام بذلك الفعل (الاحياء)، و لاريب أنه لا يوجد أي مانع عقلي أو نقلي يمنع من ذلك؛ و ذلك لكون الفاعل الحقيقي هو الله تعالى وليس للعبد الا دور الواسطة كدور عزرائيل في قبض الارواح.
إحياء الموتى في مقام الاثبات
لاريب أن " أدل دليل على إمكان الشيء وقوعه" و نحن اذا رجعنا الى القرآن الكريم نجده يصرح بما لاريب بان ذلك الامر وقع على يد النبي عيسى (ع): " وَ رَسُولاً إِلى بَني إِسْرائيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَ أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ وَ أُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وَ أُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَ ما تَدَّخِرُونَ في بُيُوتِكُمْ إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنين".[3] و قد اتفقت كلمة المسلمين على التسليم بهذه الحقيقة القرآنية الناصعة.
وقوع الاحياء على يد أمير المؤمنين (ع)
اذا كان النبي عيسى (ع) قد قام بذلك العمل كما ذكرت الآية السابقة، و كان النبي الاكرم (ص) أفضل من عيسى بلا شك في ذلك؛ لانه أرفع منزلة من سائر الانبياء[4]، و إن أمير المؤمنين (ع) هو نفس النبي الاكرم (ص) بصريح القرآن،[5] فليس من المستبعد أن يقوم (ع) بما قال به عيسى (ع). و لكن ذلك لا يتعدى مجرد الامكان فقط، و اما الوقوع الفعلي فيحتاج الى دليل آخر، و لاريب ان الدليل على ذلك ينحصر في الدليل النقلي فقط، فعلينا البحث عن المصادر الروائية لنرى هل صدر ذلك من الامام أم لا؟ و لايمكن القطع بوقوعه او نفيه من دون استعراض للادلة. و هذا ما يحتاج الى متابعة و تبحر في الروايات.
تحصل: أنه لا مانع من تمكين الله تعالى أولياءه كالامام علي (ع) من القيام بذلك الفعل.
[1] طيب، سيد عبد الحسين، أطيب البيان في تفسير القرآن، ج 6، ص 326، انتشارات اسلام، طهران، الطبعة الثانیة، 1378 ش.
[2] الشعراء، 81.
[3] آل عمران، 49؛ المائدة 110.
[4] الطبرسي، فضل بن الحسن، ترجمة مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 3، ص 101، انتشارات فراهاني، طهران، الطبعة الاولی، 1360 ش.
[5] آل عمران، 61: " فَمَنْ حَاجَّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبين".