لا یمکن أن تستفاد وحدة أو تعدد الولی الفقیه لا من الروایات، و لا من المستندات الکلامیة التی یستدل بها على ولایة الفقیه، و لکن فی حالة حفظ النظام و المنع من الفوضى و الهرج یمکن لعدد من الفقهاء إعمال الولایة بصورة منفردة أو على نحو الشورى و قد ورد إمکان الشورى فی القانون الأساسی للجمهوریة الإسلامیة فی المادة (1358). و لکن منعاً لحدوث بعض المشکلات فقد اعتمدت وحدة القیادة فی القانون الأساس فی عام (1368)، و قد أیدت الأمة فی إیران هذا القانون من خلال الاستفتاء فکانت النتیجة مثبتة.
و المحصلة: إن هذه الوحدة لم تنسب إلى الروایات حتى نحاول إثبات خلافها، و إنما هو اختیار أبدته الأمة بآرائها و لم یکن مخالفاً لنظر الشارع.
و قد ذکر جواب آیة الله هادوی الطهرانی (دامت برکاته) فی فقرة (الجواب التفصیلی).
فی البدایة لا بد من التوجه إلى أن لفظ (رواة) لم یستعمل فی مقبولة عمر بن حنظلة و إنما ورد لفظ آخر و هو مرادف له، لأن الروایة جاءت بالنص التالی: «ینظران إلى من کان منکم ممن قد روى حدیثنا...»[1]. و لکن عبارة «رواة حدیثنا» وردت فی التوقیع المنسوب إلى إمام الزمان (عج)[2].
و على أی حال فالروایات توصی المؤمنین بالرجوع إلى علماء الدین فی حالة الاختلاف لمعرفة الحق و الحقیقة، و قد أعطت إطاراً عاماً کی لا یصار إلى الخروج عنه. و حتى مع فرض عدم وجود مثل هذه الروایات فإن العقل یحکم بالرجوع إلى العلماء و المتخصصین بالدین لمعرفة أمور الدین. و لکن هل یمکن أن یستفاد من هذه النصوص الوحدة أو التعدد فی مسألة ولایة الفقیه بشکلٍ مباشر؟ الجواب هو لا یمکن استفادة الوحدة و لا التعدد من هذه النصوص و إنما یمکن أن یستفاد أن الحاکم أو الفقیه یمکن أن یکون شخصاً واحداً أو مجموعة أشخاص، تثبت لهم هذه الولایة. و إن المستفاد من هذه النصوص هو إثبات المعیار اللازم فی اختیار الولی و لا تشیر إلى المصادیق. و مثال ذلک ما ورد فی القرآن الکریم فی قوله تعالى «فسئلوا أهل الذکر إن کنتم لا تعلمون»[3]. فهل یمکن أن نثبت من الآیة أن الذی تتوجه إلیه بالسؤال هو عالم واحد أو مجموعة من العلماء؟ من البدیهی أنه لا یمکن الإجابة عن هذا السؤال. لأن الآیة لیست بصدد الإشارة إلى الأفراد الذین نرجع إلیهم بالسؤال. و النتیجة هی أن إثبات الوحدة أو التعدد فی مسألة ولایة الفقیه غیر ممکن من خلال الروایات و النصوص المشار إلیها. و إنما تبتنی على استدلالات نظریة أخرى، و یمکن التوجه إلى الأمور التالیة فی هذه القضیة:
1ـ على أساس وصایا الأئمة المعصومین ففی حالة عدم إمکانیة الوصول إلى الإمام یرجع إلى العارفین بعلوم الأئمة فی حال الاختلاف و الاضطراب.
2ـ إن الإسلام یخالف الفوضى و الهرج فی المجتمع و یرى لزوم وجود الحاکمیة، و من جهة أخرى یرى أن من یتولى أمر الحکومة لا بد و أن یکون من أصحاب اللیاقة و المعرفة بأمور الدین العامل بها.
3ـ بالنظر إلى القوانین و القواعد المؤثرة فی إدارة المجتمع و مع دراسة جمیع أنظمة الحکم الموجودة یمکن الوصول إلى النتیجة التالیة: إن جعل قرار الحکم بید مجموعة لا بد و أن یؤدی إلى الاختلاف فی النظر، و بهذا نعود إلى حالة الفوضى التی یرفضها الإسلام و لا یرتضیها.
4ـ و فی هذا الإطار، و بما أنه من الممکن وجود عدد کبیر من أصحاب العلم فی المجتمع، و إن عددهم یزداد بمرور الزمن، فحتى لو اعتقدنا أن الجمیع یتمتع بحق الولایة، فإن إعمال الجمیع لولایته، و خاصة فی الأمور المختلف علیها فإن النتیجة هی الوقوع فی الهرج و اختلاط الأحکام و عدم الوضوح.
5ـ و لهذا السبب یلزم اختیار شخص واحد أو مجموعة محدودة ممن تتوفر لدیهم قابلیة قیادة المجتمع الإسلامی و یقدم باعتباره الولی الفقیه، و على کلا الفرضین المتقدمین «الوحدة أو التعدد» فإن الفقهاء الذین لم ینتخبوا لا یمکنهم إعمال الولایة.
6ـ أما فیما یخص السؤال هل إن عنوان الولی الفقیه یؤدی واجباته فرد واحد أم شورى فقهاء؟ فلا یمکن أن یقال أن أحد هذین الخیارین قد نص علیه من قبل أئمة الدین. و لکن ما یمکن قوله هو أن المجتمع الإسلامی یرجح أحد الخیارین بحسب تشخیص الأصلح لتحقیق المصلحة العامة.
7ـ على أساس المادة 107 من القانون الأساسی المقر 1358 من الممکن أن یشغل موقع ولایة الفقیه شخصٌ واحد أو شخصین أو ثلاثة أو خمسة بحسب نظام الشورى، و لکن طبقاً للتعدیل المقر فی عام 1368 ألغی خیار شورى الفقهاء. و لا بد أن نعلم أن إلغاء شورى الفقهاء لا یعنی أنها غیر شرعیة، و لکن نظراً لتشخیص سلبیات و عیوب هذا النظام تم اختیار القیادة الانفرادیة، و هذا الخیار عرض على عموم الأمة الإیرانیة و حظی بالإقرار و التصویب.
و نتیجة القول: إن وحدة الولی الفقیه لم تکن خیار الشارع الوحید حتى یطلب هنا استنباطها من الروایات، و إنما هو اختیار الأمة الإیرانیة الذی رجحته من خیارین ممکنین.
جواب حضرة آیة الله هادوی الطهرانی (دامت برکاته) بخصوص المسألة:
1ـ إن کلمة «رواة» وردت فی التوقیع الشریف بسند اقوی اعتبارا و لم ترد فی مقبولة عمر بن حنظلة.
2ـ ولایة الفقیه، قیادة الفقاهة فی المجتمع الإسلامی فی زمن الغیبة الکبرى.
3ـ کل فقیه عادلٍ کفوء «أی یمتلک الصلاحیة العلمیة و العملیة لإدارة مرکز القیادة» فإنه أعطی نوع ولایة من قبل الشرع فی زمن الغیبة الکبرى. و لکن إذا تمکن شخصٌ واحد یمتلک هذه الصلاحیة من التصدی للقیادة بسبب إقبال الناس علیه، فلا یحق حینئذ لأی شخصٍ آخر أن یعارضه و یخالفه فی المحیط الذی یتصدى به ویعمل فیه ولایته ، و إن حکمه نافذ على الجمیع بما فی ذلک نفسه، و لا یملک حق مخالفته حکمه حتى هو ذاته.
للاطلاع تراجع المواضیع التالیة:
1ـ تعیین الولی الفقیه، السؤال 2588 (الموقع: 2912)
2ـ أفضل الطرق الاختیار الولی الفقیه، السؤال رقم 4453، (الموقع: 4687).
3ـ أبعاد مسؤولیة ولایة الفقیه الإداریة السؤال رقم 4191، (الموقع: 4867).