إنه لایوجد ترابط جبری بین الایمان و الوفاء بالمیثاق و العهد و بین رفع الجبل (الطور) على رؤوس بنی اسرائیل، و قد تعرض المفسرون لذکر بعض الاجابات عن هذه الاشکالیة نشیرالیها اولا ثم نخلص الى النتیجةالنهائیة:
1. مسألة رفع الجبل فوق بنی إسرائیل لتهدیدهم عند أخذ المیثاق تثیر سؤالا بشأن إمکان تحقیق الالتزام عن طریق التخویف و الإرهاب.
هناک من قال: إن رفع الجبل فوقهم لا ینطوی على إرهاب و تخویف أو إکراه، لأن أخذ المیثاق بالإکراه لا قیمة له.
و الأصح أن نقول: لا مانع من إرغام الأفراد المعاندین المتمردین على الرضوخ للحق بالقوّة. و هذا الإرغام مؤقت هدفه کسر أنفتهم و عنادهم و غرورهم، و من ثم دفعهم للفکر الصحیح، کی یؤدوا واجباتهم بعد ذلک عن إرادة و إختیار.[1]
2. و وضع رفع الطور فوقهم یدل على أنه کان لإرهابهم بعظمة القدرة من دون أن یکون لإجبارهم و إکراههم على العمل بما أوتوه و إلا لم یکن لأخذ المیثاق وجه، فما ربما یقال: إن رفع الجبل فوقهم لو کان على ظاهره کان آیة معجزة و أوجب إجبارهم و إکراههم على العمل، غیر وجیه فإن الآیة لا تدل على أزید من الإخافة و الإرهاب و لو کان مجرد رفع الجبل فوق بنی إسرائیل إکراها لهم على الإیمان أو العمل، لکان أغلب معجزات موسى موجبة للإکراه.[2]
تحصل: أن التحذیرات و الوعید الذی ورد فی القرآن الکریم یراد منه إخافة العباد و سوقهم نحو العبودیة، فمن عبد الله تعالى انطلاقا من هذه الحیثیة (حیثیة الخوف) فقط من دون ان یدخل الایمان الى قلبه حقیقة فهو مجبر على ایمانه کما هو واضح و کما جاء فی متن السؤال یعد اجبارا لاقیمة له.
و الحال نحن نعتقد ان هذه الاخافة تنبع من الرحمة الالهیة؛ و ذلک لان الذی ینطلق خوفه من رؤیة المعجزة لابد أن یفکر ملیّاً فیها، من هو المصدر القوی الذی اوجدها و...و أی قوة استطاعت ان تفعل ذلک بحیث تجعل الجبل کأنه ظله و تسمکه بنحو لا یسقط على الرؤوس؟ و لاریب انه سیصل بعد هذا التأمل و التفکیر الى الحقیقة التی تقول ان هذه القوة هی قوة الباری تعالى. ثم یصل الى قناعة تامة انه لابد من عبادة الله و الخضوع له و هذا الامر بنفسه یستلزم میثاقا و لا یتبعه أی جبر او اکراه. بل هو تنبیه و توجیه و تذکیر و من ثم اختیار و حریة فی اتخاذ الموقف.
أضف الى ذلک، ان التجربة قد اثبتت أن الانسان اذا ما ابتعد فی أول الامر عن الانحراف و السلوکیات الخاطئة نتیجة الخشیة فانه على مر الایام و السنین تتحول عنده هذه الحالة الى ملکة و عادة راسخة؛ شأنه شأن السائق الذی یتجنب المخالفة خشیة العقاب القانونی او الاصطدام و... فانه بمر الاعوام یتحول الى انسان ملتزم بالقانون من دون ان یکون دافعه الخشیة او الخوف من القانون.
لمزید الاطلاع انظر:
- الرق فی الاسلام و عدمن انسجامه مع الحریة،3392 (الرقم فی الموقع:3862).
- الدین و الاکراه،1046 (الرقم فی الموقع:1115).
- الانسجام بین تبلیلغ الدین و شن الحرب، 6893 (7142).
- الایمان و الامر بالمعروف و ...الجهاد الابتدائی، 1116(الرقم فی الموقع:1160).
- مسؤولیة النبی تجاه ایمان الناس، 941 (الرقم فی الموقع:1346).
- رفع جبل الطور على بنی اسرائیل، 11159(الرقم فی الموقع:11048).