إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم على النساء. و لكن هذا النزيف الذي مصحوب بالألم الشديد و مشاكل أخرى للنساء، هو لازم عالم المادة و الطبيعة. إذ أن قانون الطبيعة و عالم المادة قد صحب الليل مع النهار و النفع مع الضرر و اليسر مع العسر و الارتياح مع الألم و السرور مع الحزن و … حيث لا يمكن تفكيكها عن بعض في عالم المادة و الطبيعة. لا يخفى أن هذه الآية تقول أن المحيض موجب للأذى لا أن الله قد صمم هذا النظام في جهاز المرأة من أجل إيذاء النساء.
إن سبب طرح هذا السؤال هو عدم الانتباه الدقيق إلى معنى الآية. فمن أجل اتضاح حقيقة المسألة نعيد مرورنا على الآية و معناها و تفسيرها. قال الله سبحانه في هذه الآية: (وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحيضِ و لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ....)[1]
إن هذه الآية بصدد بيان فلسفة حكم حرمة الجماع أثناء حيض النساء، إذ أن الجماع في هذه الحالة مع أنه مقزز يؤدي إلى أضرار كثيرة و قد أثبت الطب الحديث ذلك، و منها احتمال عقم الرجل و المرأة و توفير أرضا خصبة لنمو ميكروبات الأمراض الجنيسية من قبيل الزهري و مرض السيلان، و التهاب الأعضاء التناسلية لدى المرأة و نفوذ الدم الملوث في عضو الرجل و غيرها مما جاء في الكتب الطبية. و لهذا منع الأطباء الجماع مع هؤلاء النساء. و من جانب آخر إن نزيف هذا الدم مصحوب بألم شديد للمرأة.
إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. الدم الذي يدفع أثناء العادة الشهرية هو دم يجتمع شهريا في رحم المرأة من أجل تغذية الجنين المحتمل، إذ أن رحم المرأة ينتج بويضة شهريا و في نفس الوقت، تمتلئ العروق الداخلية في الرحم من الدم تأهّبا لتغذية النطفة. ففي هذه الأثناء، أي عند دخول البويضة في الرحم، إن كان هناك الحيوان المنوي (نطفة الرجل)، تتكوّن النطفة و الجنين و يصرف الدم الموجود في عروق الرحم لتغذيته. و إلا فبسبب تقشر مخاط الرحم و انشقاق العروق يخرج الدم الموجود و هذا هو دم الحيض. و بهذا يتضح دليل آخر على منع الجماع في هذه الحالة، إذ أن رحم المرأة في هذه الحالة فاقد الاستعداد الطبيعي لاحتضان النطفة، وعليه فيتضرر بها. [2]
إذن وجود دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم على النساء. إن مدى تأثير هذا النزيف في صحة المرأة بقدر حيث عدم وجود العادة النسوية بعد البلوغ و قبل الإياس يدل على عدم صحة المرأة و ضرورة علاجها، فإن لم يخرج هذا الدم من المرأة شهريا و لم تكن المرأة حاملا حتى يصرف لجنينها، سيسبب بقاؤه في أوردة المرأة خطرا كبيرا. أما كون هذا النزيف المفيد و الضروري مصحوبا بالآلام الشديدة و غيرها من المعاناة على النساء فذلك مقتضى عالم المادة و الطبيعة، إذ قانون الطبيعة و عالم المادة قد صحب الليل مع النهار و النفع مع الضرر و اليسر مع العسر و الارتياح مع الألم و السرور مع الحزن و … حيث لا يمكن تفكيكها عن بعض في عالم المادة و الطبيعة. لا ينبغي أن نتوقع المنفعة الخالصة و اللذة المطلقة الخالية عن المصاعب و المتاعب و المعاناة في عالم المادّة، لأن هذا التوقع لا هو عقلائي و لا هو عملي.