من المعروف أن معرکة بدر الکبرى کانت تمثل منعطفا خطیراً فی حرکة الدعوة الاسلامیة و کانت التجربة الاولى للمسلمین فی خوض المواجهة العسکریة بهذا النحو، و من هنا کانت القضیة خطرة جدا حیث برز عصارة المؤمنین على وجه الارض بامکانات محدودة جداً للتصدى لعدو متمرس فی الحروب و یتفوق علیها عدة وعددا، فلو قدر -لا سماح الله – لهذه المجموعة المؤمنة الانکسار فی تلک الحرب لکانت العواقب وخیمة جداً و لما قام للاسلام عود، و من هنا جاء المدد الالهی والدعم الربانی کما جاء فی متن السؤال و ما ذلک الا لضرورة المدد فی تلک الواقعة.
أما فی معرکة أحد فصحیح ان المعرکة انتهت بالنصر الظاهری للمشرکین على المؤمنین بسبب تخلف الرماة عن أمر رسول الله (ص) و ترکهم المواقع التی حددها لهم الرسول (ص) و أمرهم بعدم ترکها مهما کانت الظروف.
و لکن ذلک لا یعنی بحال من الاحوال عدم وجود المدد و الدعم الالهی فی المعرکة، فمن الذی أعمى بصیرة المشرکین فلم یواصلوا زحفهم نحو المدینة المنورة؟ و من الذی منعهم من البحث عن النبی الاکرم (ص) للقضاء علیه بعد ان انهزم جیش المسلمین و لم یبق معه (ص) الا عدد الاصابع على رأسهم علی بن أبی طالب (ع)؟
من هنا نحن نؤمن إیمانا راسخا بان معرکة أحد هی الاخرى شمل المؤمنین فیها الدعم و الامداد الالهی، حیث القى تعالى فی قلوب العدو الرعب مما عجل فی انسحابهم الى مکة المکرمة.
أضف الى ذلک هناک روایات تشیر الى کون الملائکة عرضت على الامام الحسین (ع) المساعدة الا انه رفض ذلک.
والامر المهم هنا، و بحسب تصریح الآیة الشریفة التی ذکرناها فی النقطة الرابعة أن نزول الملائکة لتقویة المعنویات و تثبیت المقاتلین و البشارة بالنصر لا مباشرة القتال ونجلس کما جلس بنو اسرائیل وقالوا لموسى (ع) عندما أمرهم بالقتال "قالُوا یا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فیها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّکَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ".
و هنا نتساءل: لماذا لم ینقذ الله تعالى کلا من زکریا و یحیى و سائر الانبیاء (ع) کما انقذ إبراهیم (ع) من ید نمرود و عیسى (ع) من ید بنی اسرائیل؟! فهل هو –نعوذ بالله- عاجز عن ذلک أو ان الدعم الاعجازی له مبرراته و ظروفه الموضوعیة؟للاجابة عن السؤال المطروح نرى من المناسب التذکیر ببعض الامور المهمة:
1. القوانین و الاصول الجاریة فی عالم الدنیا خلقت منه نظاما منسجما و هادفا.
ومن ضمن القوانین الالهیة الحاکمة فی عالم الدنیا أن من یسعى و یثابر یجنی ثمار سعیه و حرکته بغض النظر عن کونه انسانا سویا او منحرفا عن الصراط " فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّی لا أُضیعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْکُمْ مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثى".[1] انطلاقا من هذا القانون الالهی نجد الکثیر من الانبیاء کزکریا و یحیى قتلوا على ید بنی اسرائیل بل ذکرت بعض الروایات ان عدد الانبیاء الذین قتلوا فی یوم واحد 43 نبیاً و 112 من المؤمنین الصالحین.
قال تعالى فی سورة البقرة: "أَ فَکُلَّما جاءَکُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُکُمُ اسْتَکْبَرْتُمْ فَفَرِیقاً کَذَّبْتُمْ وَ فَرِیقاً تَقْتُلُونَ".[2] و هذا یعنی الارادة الالهیة شاءت جریان قانون الارض على الجمیع بما فیهم الانبیاء الا فی حالات استثنائیة.
2. تقتضی الحکمة الالهیة و المصلحة الربانیة تعطیل العلل او خلق معلول من دون المجاری الطبیعیة المتعارفة؛ کما فی قضیة جعل النار بردا و سلاما على ابراهیم (ع) و خلق عیسى (ع) من دون أب، و ان کانت تلک الحالات لا تعد تمردا على قانون الطبیعة الحاکم فی الارض، و انما هی استثناء من القانون الطبیعی العام و قعت على نحو الاعجاز. من هنا عندما قرر بنو اسرائل القضاء على عیسى (ع) تدخلت الارادة الالهیة لتمنع من ذلک کما اشار الى هذه الحقیقة قوله تعالى: "وَ قَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسیحَ عیسَى ابْنَ مَرْیَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لکِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَ إِنَّ الَّذینَ اخْتَلَفُوا فیهِ لَفی شَکٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَ ما قَتَلُوهُ یَقیناً".[3]
3. قال تعالى فی کتابه المجید :"یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ یَنْصُرْکُمْ وَ یُثَبِّتْ أَقْدامَکُ".[4]
فالآیة تحضیض لهم على الجهاد و وعد لهم بالنصر إن نصروا الله تعالى فالمراد بنصرهم لله أن یجاهدوا فی سبیل الله على أن یقاتلوا لوجه الله تأییدا لدینه و إعلاء لکلمة الحق لا لیستعلوا فی الأرض أو لیصیبوا غنیمة أو لیظهروا نجده و شجاعة.
و المراد بنصر الله لهم توفیقه الأسباب المقتضیة لظهورهم و غلبتهم على عدوهم کإلقاء الرعب فی قلوب الکفار و إدارة الدوائر للمؤمنین علیهم و ربط جاش المؤمنین و تشجیعهم.[5]
4. قال تعالى فی کتابه الکریم: "وَ ما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرى لَکُمْ وَ لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُکُمْ بِهِ وَ مَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزیزِ الْحَکیمِ".[6]
و مع الاخذ بنظر الاعتبار الامور المذکورة یمکن الاجابة عن السؤال بجوابین الاول حلّی و الآخر نقضی:
الف: من المعروف أن معرکة بدر الکبرى کانت تمثل منعطفا خطیراً فی حرکة الدعوة الاسلامیة و کانت التجربة الاولى للمسلمین فی خوض المواجهة العسکریة بهذا النحو، و من هنا کانت القضیة خطرة جدا حیث برز عصارة المؤمنین على وجه الارض بامکانات محدودة جداً للتصدى لعدو متمرس فی الحروب و یتفوق علیها عدة وعددا، فلو قدر -لا سماح الله – لهذه المجموعة المؤمنة الانکسار فی تلک الحرب لکانت العواقب وخیمة جداً و لما قام للاسلام عود، حتى قال الرسول الاکرم (ص): اللهم إن تهلک هذه العصابة لا تعبد فی الأرض، مادّا یدیه، حتى سقط رداؤه عن منکبیه.[7] و من هنا جاء المدد الالهی والدعم الربانی کما جاء فی متن السؤال و ما ذلک الا لضرورة المدد فی تلک الواقعة.
أما فی معرکة أحد فصحیح ان المعرکة انتهت بالنصر الظاهری للمشرکین على المؤمنین بسبب تخلف الرماة عن أمر رسول الله (ص) و ترکهم المواقع التی حددها لهم الرسول (ص) و أمرهم بعدم ترکها مهما کانت الظروف.
و لکن ذلک لا یعنی بحال من الاحوال عدم وجود المدد و الدعم الالهی فی المعرکة، فمن الذی أعمى بصیرة المشرکین فلم یواصلوا زحفهم نحو المدینة المنورة؟ و من الذی منعهم من البحث عن النبی الاکرم (ص) للقضاء علیه بعد ان انهزم جیش المسلمین و لم یبق معه (ص) الا عدد الاصابع على رأسهم علی بن أبی طالب (ع)؟ بل الاکثر من ذلک نجد الرسول الاکرم (ص) هو الذی واصل مطاردتهم حتى مع انکسار جیشه، و هذا ما اشار الیه المؤرخون أنه: لما انصرف المشرکون یوم أحد عن رسول الله صلى الله علیه و سلم خرج رسول الله صلى الله علیه و سلم حتى انتهى إلى حمراء الأسد- و هی من المدینة على ثمانیة أمیال- لیبلغ المشرکین أنّ بهم قوة على أتباعهم.[8]
من هنا نحن نؤمن إیمانا راسخا بان معرکة أحد هی الاخرى شمل المؤمنین فیها الدعم و الامداد الالهی، حیث القى تعالى فی قلوب العدو الرعب مما عجل فی انسحابهم الى مکة المکرمة.
أما فی خصوص الامامین الحسن و الحسین علیهما السلام، لابد من الالتفات الى کون الخصم المواجه لهم کان على ظاهر الاسلام و یشهد الشهادتین و یؤدی الفرائض ظاهرا، من هنا:
أولا: لم تشأ الارادة الالهیة أن یکون کل شیء یعالج بالمعجزة و الاعمال الخارقة للعادة.
ثانیا: الدنیا محل اختبار و لابد ان یتعرض الفریقین للامتحان و الاختبار الالهی. أضف الى ذلک هناک روایات تشیر الى کون الملائکة عرضت على الامام الحسین (ع) المساعدة الا انه رفض ذلک.[9]
و الجدیر بالذکر أن الظاهر من سیر الاحداث و سبب ثورة الامام الحسین (ع) یکشف عن کون واقعة عاشوراء کان العنصر الفاعل فیها دم الامام (ع) و اصحابه الذی استطاع ان یعید للامة هویتها و و إرادتها فی مواجهة الطواغیب الامویین، و هذا ما لمسنا آثاره فی الحوادث و الوقائع التی حصلت بعد الثورة حتى استطاعت ان تزعزم اسس البناء الاموی الجائر و تزلزله.
والامر المهم هنا، و بحسب تصریح الآیة الشریفة التی ذکرناها فی النقطة الرابعة أن نزول الملائکة لتقویة المعنویات و تثبیت المقاتلین و البشارة بالنصر لا مباشرة القتال کما أراد بنو اسرائیل من موسى (ع) عندما أمرهم بالقتال "قالُوا یا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فیها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّکَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ".[10]بل القضیة تقع على عاتق المؤمنین هم الذی تحملون المسؤولیة فی تقریر مصیرهم و مستقبل قضیتهم.
ب: و هنا نتساءل: لماذا لم ینقذ الله تعالى کلا من زکریا و یحیى و سائر الانبیاء (ع) کما انقذ إبراهیم (ع) من ید نمرود و عیسى (ع) من ید بنی اسرائیل؟! فهل هو –نعوذ بالله- عاجز عن ذلک أو ان الدعم الاعجازی له مبرراته و ظروفه الموضوعیة؟
تحصل مما مرّ أن المعجزة و إن کان أمراً خارقا للعادة و لکنها غیر خارجة عن النظام العام و لا متمردة علیه، بل هی استثناء تقتضیه ظروف موضوعیة خاصة تقررها الحکمة الالهیة.
[1]آل عمران، 195.
[2]البقرة، 87.
[3]النساء، 157.
[4]محمد، 7.
[5]الطباطبائی، محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج18، ص: 229، نشر مکتب النشر الاسلامی التابع لجماعة المدرسین، قم، الطبعة الخامسة، 1417هـ.
[6]آل عمران، 126.
[7] ابن عربی، أحکام القرآن، ج3، ص: 1318.
[8]انظر: أبو عمر یوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر، الاستیعاب فی معرفة الأصحاب، تحقیق علی محمد البجاوی، ج 3، ص 1428، بیروت، دار الجیل، ط الأولى، 1412/1992.ُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ
[9]انظر السؤال رقم 11265(11137)و 7605.
[10]المائدة، 24.