عندما یکون للأحزاب أهدافٌ معینة کالعدالة الاجتماعیة، و المراقبة لعمل المسؤولین، توجیه الأفکار العامة و أمثالها، فإن العمل بهذه الأحزاب یقبله الإسلام و یؤیده، و یقره القانون الأساسی فی (المادة 26)، کما أنه مورد قبول المرشد العام للثورة الإسلامیة، و لکن ضمن الشروط التالیة:
أ. الإیمان بثوابت الإسلام و عقائده و قیمه.
ب. مراعاة الموازین الشرعیة و القانونیة فی عملیة الترویج للأفکار الحزبیة و التنافس مع باقی الأحزاب.
ج. الاهتمام بوحدة الأمة الإسلامیة، و الوحدة الوطنیة و تجنب ما یثیر الاختلاف و التفرقة.
د. الاعتقاد بولایة الفقیه و طاعة الحاکم الإسلامی.
من أجل أن نجیب عن السؤال لابد من وقفة لتعریف الأحزاب و تاریخ نشوئها، و ضرورة وجودها و شروط ذلک:
أ ـ تعریف الحزب
الحزب فی اللغة ««party بمعنى المجموعة و الفئة التی تلتزم منهجاً معیناً و لها هدفٌ خاص، و تکون أهدافهم و أعمالهم واحدة.[1]
و أما فی السیاسة فهو: مجموعة أو فریق تتبنى نظریة خاصة لمجتمعٍ معین أو طبقة معینة و تسعى لتطبیقها.
و الحزب تجمع اجتماعی ـ سیاسی قائم على أساس الانتماء التطوعی من أجل الوصول إلى أهدافٍ ذات منشأٍ أیدیولوجی یجمع أفراد الحزب، و مثل هذا التجمع ـ و بمقتضى الطبیعة السیاسیة لأی نوع من أنواع التشکل ـ لابد و أن یکون له ثلاثة قواعد و أرکان أساسیة، الأهداف ـ الأسس ـ النظام.
ب ـ تاریخ الأحزاب:
یرى البعض أن تاریخ الأحزاب فی إیران یرجع إلى زمان المشروطة[2] و أما رواجها و انتشارها فتاریخه یعود إلى حقبة ما بعد الثورة الإسلامیة.
ج ـ ضرورة وجود الأحزاب:
إن وجود الأحزاب فی المجتمع أمر ضروری و لیست مسألة جدیدة لا یمکن أن نجد لها نماذج فی تاریخنا الإسلامی، و إنما یمکن أن نسجل للأحزاب سعیها فی تحقیق الأهداف السامیة و الآثار المفیدة و الإیجابیة فی مجالات الحیاة المختلفة منها:
1ـ توسعة الآفاق السیاسیة
2ـ توسعة الآفاق الاجتماعیة
3ـ بسط العدل الاجتماعی
4ـ مراقبة أعمال المسؤولین
5ـ إنعاش فریضة الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر
6ـ تربیة الکوادر القیادیة فی الحکومة
7ـ تنظیم و إدارة القوى المبعثرة
8ـ إخفاء الانسجام على الأفکار العامة غیر المنسجمة
9ـ عرض مطالب الناس للجهاز الحکومی
10ـ مقاومة الاستبداد و الفساد السیاسی و الاقتصادی و الإداری للجهاز الحاکم
11ـ إضفاء الشفافیة على وجهات النظر، و کتابة البرامج فی غضون المسیرة السیاسیة التنافسیة.
12ـ بث الوعی السیاسی و الاجتماعی فی صفوف الجماهیر و حثهم على المشارکة فی هذا المیدان
إن الثقافة الإسلامیة ملیئة بالعناصر المساعدة على التنمیة، و من البدیهی إنه إذا کان وضع المسلمین الذهنی و النفسی و الاجتماعی مناسباً و منسجماً مع هذه الثقافة «ثقافة التنمیة»، فإن من الممکن جداً أن یستفاد من هذه العناصر فی عملیة التنمیة التی یریدها الإسلام و یسعى لتحقیقها.
و على کل حال فالمسألة الهامة تکمن فی الأهداف و نوعیة النشاط الذی یقوم به کل تشکیل، و لذلک فإن الإمام الخمینی (ره) یقول: «لیس الأمر أن یکون الحزب سیئاً أو أن کل حزب جید، المیزان فی جودة الفکرة»، و یقول فی مکانٍ آخر: «نعم لحریة الأحزاب و لا للموآمرة» و علیه فلا یمکن رفض أو قبول التعددیة السیاسیة بالمطلق.
د ـ الشروط اللازم توفرها لمشروعیة العمل الحزبی:
من الممکن للتحزب و التعددیة السیاسیة أن یکون مثمراً و فعالاً فی نظر الإسلام، و لکن فی إطار الحفاظ على الشروط و الضوابط التالیة:
1ـ الاعتقاد و الإیمان بالأسس العقائدیة و الأحکام و القیم الإسلامیة: و ذلک أساس قوله تعالى: «إن الدین عند الله الإسلام».[3] و «و من یبتغی غیر الإسلام دیناً فلن یقبل منه...».[4] فلا ینبغی الحیدة عن تعالیم الإسلام و أحکامه و قیمه.
2ـ التعاون و المحبة بین الأحزاب السیاسیة فی المجتمع الإسلامی على أساس الحب و البغض الإلهی: «یا أیها الذین آمنوا لا تتخذوا آبائکم و أخوانکم أولیاء إن استحبوا الکفر على الإیمان».[5]
3ـ مراعاة المعاییر الشرعیة و القانونیة الأخلاقیة أثناء عملیة التنافس، بمعنى عدم إتباع الوسائل غیر المشروعة فی عملیة التنافس کالتکفیر و الاتهام.
4ـ الاهتمام بوحدة الأمة الإسلامیة، و الوحدة القومیة و اجتنابه الاختلاف و التفرقة: «و اعتصموا بحبل الله جمیعاً و لا تفرقوا».[6]
5ـ الاعتقاد بحاکمیة الله و إطاعة الحاکم الإسلامی و ولایة الفقیه: «أطیعوا الله و أطیعوا الرسول و أولی الأمر منکم».[7]
و فی المادة 26 من القانون الأساسی للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة: «ضمان الحریة للأحزاب و الجمعیات و المنظمات السیاسیة و المهنیة و الإسلامیة أو الأقلیات الأخرى شریطة ألا یتسبب ذلک فی انتقاض قواعد الحریة و الاستقلال و الوحدة الوطنیة و القیم الإسلامیة و الأسس التی تقوم علیها الجمهوریة الإسلامیة».
و بعد هذه المقدمات نصل إلى نتیجة مؤداها أن وجود مجموعات مختلفة فی المجتمع تتمحور حول القیم الإسلامیة و تتحرک باتجاه تحقیقها أمرٌ ضروری، یؤدی إلى تقدم و تطور النظام الإسلامی، کما یلعب دوراً فی عملیة التنمیة و التعرف على خصائص الإسلام، و إن عدم وجود مثل هذه الأحزاب و التجمعات فی دائرة الدین الإسلامی باعتباره الدین الخاتم و الأشمل و الأکمل یعد نقصاً کبیراً، یتسبب فی عرقلة تطور النظام و یحد من اتساع نطاق الدین، و من الممکن أن یکون سبباً لظهور الکثیر من المشاکل، و هذا ما یؤید فعالیة و نشاط الأحزاب فی هذا البلد.