جاء التعبیر فی الکتب الفقهیة الاستدلالیة بعبارات من قبیل انجبار ضعف الخبر بعمل الاصحاب او "الشهرة جابرة" و المراد هنا الشهرة العملیة، و هذه الشهرة هی التی ذهب المشهور الى انها توجب انجبار الضعف السندی للروایة. و اما الشهرة الفتوائیة فقد اختلف العلماء فی شأنها فمنهم من ذهب الى حجیتها بشرط کونها حاصلة بین قدماء الفقهاء.
الشهرة لغة تعنی الظهور و البروز[1]. و المعروف ان الشهرة تنقسم الى ثلاثة انواع:
الاول: الشهرة الروائیة: و مؤداها انتشار روایة ما تم تداولها بین الرّواة على نحو مستوعب فی الجملة و مقابلها الندرة و الشذوذ. و قد اعتبروها من مرجحات باب التعارض بین الروایات.[2]
الثانی: الشهرة العملیة او الشهرة فی الاسناد: و المقصود منها اشتهار العمل بالروایة، أی الاستناد إلیها فی مقام التعرف على الحکم الشرعی.[3]
الثالث: الشهرة الفتوائیة: و المقصود منها اشتهار الفتوى بحکم من الاحکام دون ان یکون ثمّة مستند لهذه الفتوى و لو کان ضعیفا إلا انه یحتمل اعتمادهم علیه، و حینئذ لا تکون الشهرة فتوائیة. فضابطة الشهرة الفتوائیة هو عدم وجدان مدرک یحتمل اعتماد المشهور علیه.[4] و ذهب بعض الفقهاء کالسید البروجردی الى حجیة خصوص "المشهور عند القدماء"، کالمقنع لوالد الشیخ الصدوق، الهدایة للشیخ الصدوق، المقنعة للشیخ المفید، الکافی لأبی الصلاح الحلبی، النهایة للشیخ الطوسی، المراسم لسلار و المهذب لابن البراج.[5] و ذهب الامام الخمینی (ره) الى حجیة الشهرة بین القدماء الى عصر الشیخ الطوسی و اما الشهرة بین المتاخرین فلیست بحجة، حیث قال: اعلم أنّ الشهرة فی الفتوى قد تکون من قدماء الأصحاب إلى زمن الشیخ أبی جعفر الطوسی - رحمه اللَّه - و قد تکون من المتأخّرین عن زمانه:
أمّا الشهرة المتأخّرة فإنّما هی فی التفریعات الفقهیّة، و لیست، بحجّة، و لا دلیل على حجّیتها. و ما استدلّ لها - من فحوى أدلّة حجّیة خبر الواحد، أو تنقیح المناط، أو تعلیل آیة النبأ، أو دلالة المقبولة أو تعلیلها علیها - مخدوش کلّه.
و أمّا الشهرة المتقدّمة - و هی التی بین أصحابنا الذین کان دیدنهم ضبط الأصول المتلقّاة من الأئمّة فی کتبهم بلا تبدیل و تغییر، و کان بناؤهم على ضبط الفتاوى المأثورة خلفا عن سلف إلى زمن الأئمّة الهادین، و کانت طریقتهم فی الفقه غیر طریقة المتأخّرین، فهی حجّة، فإذا اشتهر حکم بین هؤلاء الأقدمین و تلقّی بالقبول یکشف ذلک عن دلیل معتبر.[6]
و قد یأتی التعبیر فی الکتب الفقهیة الاستدلالیة بعبارات من قبیل انجبار ضعف الخبر بعمل الاصحاب او "الشهرة جابرة"[7] و المراد هنا الشهرة العملیة، و هذه الشهرة هی التی ذهب المشهور الى انها توجب انجبار الضعف السندی للروایة و لکن بشرطین:
الاول: ان تکون الشهرة العملیة واقعة بین قدماء الاصحاب کالسید المرتضى و الصدوقیین و المفید و سلار و الشیخ الطوسی (رحمهم الله).
الثانی: هو إحراز استناد الفقهاء الیها فی مقام الافتاء و انه لا مدرک آخر لهم غیر هذه الروایة الضعیفة و الا فمع احتمال وجود مستند آخر و انّ ذکر هذه الروایة فی مقام الاستدلال انما هو من باب التأیید فان الشهرة لا تکون جابرة، اذ لا نحرز حینئذ ان هذه الروایة مشتهرة عملا و انما نحتمل ذلک، فالتعبیر بانها مشهورة عملا تسامحی.[8]
و الشهرة تارة: یتکلّم عنها فی بحث المرجحات لأحد الخبرین المتعارضین على الآخر، و أُخرى: فی انجبار الخبر الضعیف بها. و کلا البحثین خارجان عن محل الکلام و انَّما البحث عن حجیة الشهرة الفتوائیة فی نفسها.[9]
لأن الشهرة الروائیة تکون من المرجحات عند تعارض الخبرین، و الشهرة العملیة تکون مؤیدة؛ نعم، البحث فی حجیة الشهرة فی الشهرة الفتوائیة.[10]
علما انه – قد اتضح- أن أهم الادلة على حجیة الشهرة الفتوائیة یکمن فی دیدن العلماء بضبط الأصول المتلقّاة من الأئمّة فی کتبهم بلا تبدیل و تغییر، حیث کان بناؤهم على ضبط الفتاوى المأثورة خلفا عن سلف إلى زمن الأئمّة الهادین.[11] فإذا اشتهر حکم بین هؤلاء الأقدمین و تلقّی بالقبول یکشف ذلک عن دلیل معتبر عندهم استندوا الیه فی الفتوى و لکنه لم یصل الینا. و بهذا البیان اتضح ان الشهرة الفتوائیة بذاتها لیست حجة و انما اصل حجیتها کالاجماع[12] یتعلق بالحدس برأی المعصوم (ع).
[1] ولایی،عسیی،فرهنگ تشریحی اصطلاحات اصول،ص 225،نشر نی، طهران، 1374هـ ش.
[2] انظر: الحکیم، محمد تقی، الاصول العامة، ص 213،انتشارات المجمع العالمی لأهل البیت (ع)، النجف الاشرف، 1418. علما ان بعض الفقهاء کالسید الخوئی لایتبنى هذا الرأی فلا یرى الشهرة جابرة لضعف السند عند التعارض. انظر: صنقور، الشیخ محمد، المعجم الاصولی، حرف الشین، الشهرة الروائیة.
[3] محمد صنقور، المعجم الاصولی؛ فرهنگ تشریحی اصطلاحات أصول،ص 225.
[4] محمد صنقور، المعجم الاصولی.
[5] فرهنگ تشریحی اصطلاحات أصول،ص 225.
[6] الخمینی، سید روح الله، انوار الهدایة، ج1، ص 261، موسسة تنظیم و نشر آثار حضرت الامام الخمینی، طهران، 1415هـ.
[7] انظر: النجفی، محمد حسن، جواهر الکلام، ج43، ص 273، دار احیاء الثراث العربی،بیروت، بدون تاریخ.
[8] محمد صنقور، المعجم الاصولی، الشهرة العملیة.
[9] انظر: الصدر، السید محمد باقر، بحوثفی علم الأصول، ج 4، ص 321،موسسة دائرة معارف الفقه الاسلامی،قم، 1417هـ.
[10] انظر: الموسوی، سید حسن، منتهىالأصول، ج 2، ص 91 ، بصیرتی، قم.
[11] انوار الهدایة، ج1، ص 261.
[12] لا یعد الاجماع عند الشیعة دلیلا مستقلا بل حجبته تکمن فی کشفه عن رأی المعصوم (ع). انظر: انوار الهدایة،ج1، ص 255.