یتوقف الجواب الاجمالی عن هذا السؤال على ذکر عدة امور و هی:
1- ان الادراک و المعرفة هو بمعنى الاطلاع على الحقیقة أو تحصیل الطریق إلیها.
2- یمکن للانسان تحصیل هذا الادراک والمعرفة بواسطة اربعة طریق: طریق الحس، طریق العقل، طریق القلب (طریق التهذیب و التزکیة) و طریق الوحی والکتاب الالهی.
3- انه و من وجهة نظر علم المعرفة فان الحس یعتبر اضعف طرق المعرفة؛ ثم یلیه طریق العقل، و بعده طریق القلب، ثم المعرفة الوحیانیة التی هی فوق جمیع المعارف.
4- المعرفة العقلیة تعنی المعرفة المفاهیمیة للحقائق الثابتة، و هی احدی طرق الوصول الى الواقع و ادراکه.
5- ان متعلق ادراکنا (و هو المدرَک) هو اما الموجودات التی لها مقدار و حجم لکنها لیست مادیة (و هی المجردات المثالیة) او الموجودات و المعقولات التی لیس لها حجم و مقدار أیضاً (و هی المجردات العقلیة).
6- یعتبر القرآن العقل أحد الحجج الالهیة، فهو قادر على درک بعض المعارف و الحقائق و ان مدرکاته معتبرة و مقبولة فی الدین الاسلامی.
7- فی المعرفة القلبیة – و التی هی معرفة شهودیة – یری الانسان بعض الحقائق أو یسمعها، فی حین ان الآخرین محرومون من هذه المعرفة، فان الذی شرع فی سلوکه و معرفته عن طریق تزکیة النفس و تطهیر القلب و استمر على طریقه و واصله الى النهایة فانه سیکون قادراً على التعرف على اسرار العالم و الملک و الملکوت والجبروت و سیحظى بالمشاهدة الالهیة.
ان الامور المتقدمة توصلنا الى هذه النتیجة و هی: ان عقلنا له القدرة على درک بعض النعم و الآلام البرزخیة، طبعاً لا بمعنی قدرته على ادراک ماهیة و کنه الحقائق بشکل کامل.
و کذلک فانه لا یلزم من هذا الکلام انکار الادراک العقلی، بل العقل یحتاج فی کثیر من موارد ادراکاته الى الوحی، فیحتاج مثلاً الى مساعدة الوحی فی معرفة تفاصیل الامور الغیبیة والبرزخیة و جزئیاتها.
و حول السؤال المتقدم نقول: ان معرفة العقل و ادراکه للنعم و الآلام البرزخیة شبیهة بالادراکات المنامیة و التعرف على الامور المجردة و المثالیة فی عالم الرؤیا، و تلک ادرکات لا شک فی وقوعها و لا یمکن انکار آثارها.
8- ان عالم الوجود على قسمین: محسوس (و هو عالم الشهادة) و غیر محسوس (و هو الغیب) و یمکن للانسان الوصول الى بعض تفاصیل عالم الغیب.
9- تحدثت الآیات والروایات فی موارد کثیرة عن نعم و آلام لم ترها عین و لم تسمع بها اذن و لم تخطر على قلب بشر.
یتضح الجواب التفصیلی عن هذا السؤال بذکر عدة امور:
تعریف الادراک والمعرفة: ان الادراک و المعرفة هی من المفاهیم البدیهیة و غیر القابلة للتعریف، و الدلیل على ذلک هو اننا نتعرف على کل الاشیاء بواسطة العلم، فاذا اردنا تعریف العلم و الادراک بالعلم فسیکون هذا التعریف مشتملاً على الدور المصرّح، و ان اردنا معرفتهما بغیر العلم فیلزم أن نتعرف على ذلک الغیر أولاً بواسطة العلم، و بعد ذلک نتعرف على العلم بواسطة ذلک الغیر، و علیه یکون هذا التعریف أیضاً بمنزلة ذلک الدور المصرح نفسه.
اذن فما یذکر فی تعریف المعرفة او العلم لیس تعریفا حقیقیاً، بل هو تعریف تنبیهی و معناه ان مطلباً ما موجود فی ذهن المخاطب لکنه لیس منتبهاً إلیه، فتذکر له الفاظ مشابهة و کلمات مرادفة من أجل ابراز و تظهیر ذلک المعنى المرتکز فی صقع ذهنه. و من جملة ما یذکر من التعاریف للمعرفة هو ان المعرفة عبارة عن: الاطلاع على الحقیقة او تحصیل الطریق إلیها.[1]
و حیث ان معرفة الحقائق و الوصول الى الواقع یحصل بوسائل متعددة من جملتها العقل، فلهذا سنشیر باختصار الى الوسائل و طریق الوصول الى الواقع و الى ادراک العقل ایضاً.
طرق المعرفة: توجد اربعة طرق لتحصیل المعرفة:
الف- طریق الحس، و هو مفتوح للجمیع.
ب- طریق العقل و هو الطریق الذی یمکن للخواص سلوکه.
ج- طریق القلب (طریق التهذیب و التزکیة) و هذا طریق مفتوح للعرفاء.
د- طریق الکتاب المنیر و هو طریق الوحی، و هذا طریق مختص بالانبیاء الالهیین.[2]
وبحسب علم المعرفة، فان درجة (المعرفة الحسیة) اضعف درجة فی مراحل المعرفة و طبعاً فان بعض افراد او أصناف المعرفة الحسیة راجح على بعضها الآخر و من هنا قیل: "لیس السماع کالعیان"[3]. و (المعرفة العقلیة) افضل من (المعرفة الحسّیة) و هی التی تستخدم فی الحکمة و الکلام و سائر العلوم الاستدلالیة. و ان المرحلة الفضلى للمعرفة هی (المعرفة القلبیة) و هی المستعملة فی العرفان. و ان قمة هرم المعرفة هی (المعرفة الوحیانیة) التی هی من سنخ العلم الشهودی و المعرفة الحضوریة[4].
المعرفة العقلیة: و هی المعرفة المفاهیمیة حول الحقائق الثابتة والتی تتضمن ایضاً الامور المتغیرة و المتحرکة لعالم الطبیعة.
و هذا العلم الذی هو اوسع وأشمل من العلوم الحسیة یتصف – کما هو حال معلومه – بالثبات و الاحکام. و یمکن عن طریق العلوم العقلیة سلوک طرق متعددة و استکشاف حقائق کثیرة حول المسائل الکلیة المرتبطة بالعلوم الحصولیة. لکن هذه العلوم عاجزة عن ادراک الامور الثابتة و المجردة التی هی عین الوجود الخارجی والتشخص العینی، و یمکننا القول: انه کما ان الادراک الحسی عاجز عن فهم الحقائق العقلیة، کذلک المعرفة العقلیة عاجزة و کلیلة عن شهود المخازن الالهیة شهوداً ربانیاً.[5]
و کما تقدمت الاشارة فانه یمکن عن طریق العلوم العقلیة، التوصل الى حلول لمسائل کلیة فی دائرة العلوم الحصولیة، فانه بفضل وجود المفاهیم الکلیة و التفکر العقلی سوف یتعرف الانسان على باطن ذاته بشکل افضل و مغایر للخارج، حیث سوف یری ان المفاهیم الکلیة لها خواص غیر مادیة، و انها لیست حقائق مکانیة و لا اموراً زمانیة. و هذا هو الدلیل على ان الکلیات لیس لها محل بتاتاً فی خلایا الدماغ و ما یشابهها.
ان المعرفة الفضلی التی یحظی بها الانسان عن طریق المفاهیم الکلیة الحاصلة فی طول معرفة الاشیاء تجعله – اضافة الى معرفته الکلیة بالحقائق الطبیعیة- قادراً على التعرف على تجرد النفس و على الحقائق العالیة التی تمثل مبدأ و معاد الامور الطبیعیة و النفسانیة. و لقد قام ابن سینا فی النمط الثامن من الإشارات باثبات اللذات العقلیة عن طریق التدقیق فی المشاهدات الیومیة و ذلک لأجل اثبات المعاد المعنوی، فاستنبط عن هذا الطریق السعادة الابدیة للانسان و أثبتها.[6]
اذن فالمفکر المعتقد بالمعرفة العقلیة یکون عالم الطبیعة عنده آیة و علامة تجعله لیس فقط قادراً على استنباط القواعد الثابتة و الابدیة الحاکمة على هذا العالم، بل تعرفه ایضاً على تجرد الانسان و على مبدأ و معاد العالم ایضاً.
و فی المعرفة القلبیة – التی هی معرفة شهودیة – یرى الانسان حقائق بعینة، و یسمع باذنه کلمات یکون الآخرون قد حرموا من رؤیتها و سماعها، و انه من خلال نظره فی الاشیاء المختلفة و مواجهته للامور المتفاوتة یسمع او یری مناظر و اصوات مختلفة لیس له فیها ای شک و تردید.[7]
متعلق المعرفة:
ینقسم متعلق المعرفة بتقسیم کلی الى ثلاثة أقسام:
الف – عالم الطبیعة: و هو العالم الذی ندرکه بالحس.
ب- عالم المثال: و هو ما یرى من وراء نشاة الطبیعة، و موجودات هذا العالم حقائق لها مقدار و حجم لکنها لیست مادیة، و تعتبر الرؤی الصادقة و المشاهدات التی تحصل للانسان فی الحالة المنامیة امثلة و نماذج من هذا العالم، على الرغم من ان هذا العالم عالم حقیقی منفصل عن ذهن الافراد و خیالهم فلیس هو فی الواقع خیالاً او رؤى منامیة.
ج- عالم العقل: و موجودات عالم العقل و المعقولات هی حقائق کلیة تشمل جمیع الافراد الطبیعیة و المثالیة وتحمل على جمیعها دون ان تکون مقدرة بمقدار خاص او متشخصة بمادة مخصوصة، و بالطبع فان طریق اثبات عالم المثال و العقل انما یمکن بعد اثبات مرحلة التخیل و التعقل فی الانسان، و یتطلب التفصیل فی هذا البحث مجالاً آخر.
مقدار اعتبار العقل فی معرفة الحقائق من وجهة نظر القرآن و الروایات:
یعتبر العقل من وجهة نظر القرآن الکریم و روایات المعصومین (علیهم السلام) عاجزاً عن معرفة قسم من المعارف و الحقائق العالیة. فلیس هو فقط لا یکفی لسعادة البشر، بل انه یفتقر حتی الى فهم و ادراک العلوم التی یحتاجها الانسان لتدبیر حیاته الدنیویة.[8] و لهذا فان الوحی فی بعض تعالیمه یقوم بدور تأیید و ارشاد العقل البشری، و فی بعضها الآخر یقوم بتبیین الحقائق التی لا سبیل لفهم و عقل البشر العادی الیها الا عن طریق اتباع الوحی، و ذلک مثل ظهور آثار الاحکام الشرعیة، الاقتصادیة، السیاسیة او العبادیة فی البرزخ و القیامة، او مثل ما سیقع من مشاهد و مواقف فی ساحة الحشر و القیامة، و هو ما تحدثت عنه الآیات و الاخبار الواردة.
و مما تقدم تتضح هذه الحقیقة و هی: ان الوحی والدین بما له من اشراف على المدرکات العقلیة و الحسیة للبشر لم ینکر تلک المدرکات او یخطئها، بل حتی انه فی حدیثه عن الاخبار الغیبیة عن الوقائع التی ستقع عند الحشر و النشر، اخبر ایضاً عن الضوابط و الحدود و القواعد التی یسیر العقل البشری فی إطارها. و من خلال سعیه لتنمیة المعارف العقلیة بالحدیث عن المکاشفات و الالطاف الالهیة، یکون قد وفّر مواداً جدیدة للأحکام العقلانیة.
ان الاعتبار الدینی للعقل، اوجب ان یکون له مکانة مهمة و محترمة بحیث یکون حجة الهیة فی دائرة الادراک و المعرفة الدینیة.
و الحاصل: ان الاحکام و القضایا العقلیة تعد ایضاً من الاحکام الدینیة و أن لها اعتبارها، و علیه فان البیانات الدینیة حتی حینما تحدث عن الحقائق الغیبیة – و مع انها تشتمل على حقائق فوق مستوی العقل – لکنها لیست مخالفة او متضادة ابداً مع الادراکات العقلیة.[9]
یعتبر أغلب علماء المسلمین الشیعة ان العقل (معیار) فی معرفة بعض المعارف و (مصباح) فی معرفة بعض الحقائق، و (مفتاح) فی بعض الموارد.
و المقصود من کون العقل مفتاحاً: انه بعد أن یؤدی العقل وظیفته و قیامه بدور- (المصباح) فی معرفة القوانین و المقررات، و قیامه باظهار احکام الشریعة فی افق وجوده بصورة مفاهیم کلیة مجردة و ثابتة، فانه بعد هذه المرحلة لا یحق له الدخول و التدخل فی دائرة الشرع. فمثلاً بعد کشفه و معرفته للاحکام الالهیة، لا یکون العقل قادراً على البحث و التحقیق حول اسرار تلک الاحکام، لان اسرار تلک الاحکام مرتبطة بعالم الغیب، و خارجة عن دائرة استنباط العقل الذی لا یعرف سوی بعض الامور الکلیة عن عالم الغیب.[10]
معیار معرفة الغیب و الشهادة:
ان موجودات عالم الوجود على قسمین: محسوسة و غیر محسوسة، و معیار معرفة الموجود المحسوس هو الاحساس و التجربة، و بالرغم من ان التجربة لها اعتبارها و قیمتها فی دائرتها الخاصة بها، الا ان اعتبارها انما یکون فی طول اعتبار العقل لا فی عرضه، لان المراد من التجربة لیس هو الاستقراء و الحس المکرر، بل التجربة حس مکرر یفید الیقین على اساس قیاس خفی، و یوجب فی کل قیاس دوماً کبری کلیة لا یمکن ادراکها بالحس (العادی او المسلح) و لا یمکن فهمها الا بالتفکیر العقلانی.
و العالم غیر المحسوس (الغیب) قسمان: مطلق و نسبی، و الغیب المطلق هو ما یکون مخفیاً و مستوراً عن الجمیع و فی کل مقاطع الوجود. و الغیب النسبی: هو ما یکون غیباً فی بعض المقاطع الوجودیة او عند بعض الافراد. و الغیب المطلق مثل کنه ذات ا...سبحانه الذی هو حقیقة لا متناهیة، فلا یمکن معرفته و التعرف على کنهه لا عن طریق العلم الحصولی و المفهومی، و لا بالعلم الحضوری و الشهود القلبی أیضاً. بل المقدور علیه فقط هو العلم الاجمالی به و الایمان به کذلک فی الجملة لا بالجملة.
اما الغیب النسبی کأخبار الماضین، او القیامة و الملائکة و.... فان معیار معرفة ذلک هو البراهین العقلیة و کذلک المشاهدات القلبیة، و ان تأکید القرآن على التفکر و التعقل انما هو بسبب اعتبار العقل اول معیار للمعرفة، لانه حین یصیر العقل حاکماً فانه سوف یتقبل المعیار الافضل؛ یعنی الوحی، و أیضاً فانه سیؤید الشهود القلبی، و سیقوم بتوجیه الادراک الحسی.[11]
معنی البرزخ لغة و اصطلاحاً:
البرزخ هو الحد الفاصل و الحائل و الواسطة بین شیئین (المادة و الروح) و یطلق (البرزخ) على عالم المثال لانه یمثل الحد الفاصل بین الأجسام الکثیفة و عالم الارواح المجردة، و هو حد فاصل بین الدنیا و الآخرة، و یمکن استعمال کلمة البرزخ فی موردین: الاول: عالم البرزخ الذی هو محل انتقال الارواح بعد مفارقة البدن، و الآخر: الحد الفاصل بین الارواح المجردة و الأجسام.[12]
هل للانسان قدرة على التعرف على عالم الغیب؟
یمکن القول فی الجواب: انه اذا کان المقصود من المعرفة و الادراک هو الادراک العقلی من المفاهیم و التصورات و المسائل النظریة، فان مثل هذا امر ممکن بناءً على بعض الاصول التی تم اثباتها فی مباحث علم المعرفة و لا یمکن التعرض لها فی هذا المقال.
و ان کان المقصود من الادراک: الادراک الشهودی و القلبی، فهذا أمر مقدور أیضاٌ، فیمکن للانسان التعرف على عالم آخر مع مراعاة الاصول و القیام بآداب سلوک العمل، حیث یستطیع الانسان ان یصل الى مرحلة ینال فیها قابلیة الادراک الشهودی للعالم الآخر.
فان لنظام الوجود عوالم مختلفة و لکل منها احکامه، و تختلف هذه الاحکام باختلاف العوالم، فمثلاً: عالم الطبیعة او الناسوت، له احکامه الخاصة به، و لعالم البرزخ احکامه الخاصة به، و لعالم القیامة آثاره المتعلقة به. فلکی یدخل الانسان الى تلک العوالم و یدرکها ادراکاً شهودیاً، یجب أن یتحول الى صورة اخری بحیث تمکنه من الحصول على تلک القابلیة. و على هذا الاساس، فان الموت یؤهل الانسان و یحوله الى حالة تمکنه من دخول عالم البرزخ، و تشیر بعض الآیات القرآنیة ایضاً الى وجوب حصول تحول اساسی فی مجموع العالم لکی یتأهل لادراک و قبول احکام و آثار عالم القیامة. و على اساس هذا یمکن القول بان للانسان القابلیة و الاستعداد لتقبل ادراک العالم غیر المادی و لکن بشرط ان ینال تلک القابلیة على اثر تحولات و تبدلات عدیدة، ذلک هو ما حصل لبعض الناس عن طریق قیامهم بسلسلة من الاعمال و الآداب و المسیر فی وادی السیر و السلوک، حیث نالوا قابلیة فهم و ادراک العوالم العلیا فی هذا الدنیا نفسها و قبل الموت و قیام القیامة، و انکشفت لهم الکثیر من الحقائق. فان من مشی فی طریق تزکیة النفس و تطهیر القلب فانه یکون قد طوی منازل و مراتب و حصل على بعض المقامات، فهو فی المرتبة الاولی یصبح قادراً على معرفة اسرار عالم الملک، و فی مرتبة اعلى یطلع على اسرار عالم الملکوت، و المرتبة التی هی اعلى من هذه هی رتبة الاستعداد للنظر الى الجبروت حیث یصبح الانسان مستحقاً للنظر الى عرش ا... سبحانه، و هذا هو ما وصل الیه بعض الناس من قبیل حارثة بن مالک الذی قال فی جوابه للنبی صلی الله علیه و آله حین سأله کیف اصبحت؟: فقال: (کأنی انظر الى عرش الرحمن بارزاً).[13]
هل ان لعقل الانسان قدرة على درک عالم البرزخ و القیامة و نعمها و عذابها؟
نقول فی الجواب: ان کثیراً من حقائق الوجود و خصوصاً حقائق عالم ماوراء الطبیعة مجهولة لنا، و بالطبع فان هذا الجهل انما هو فی کم و کیف و تفاصیل تلک الحقائق اما اصل تلک الحقائق فقد اثبته العقل و الوحی فی محله فنحن على اطلاع بها، و طبعاً فان العلم بکنه و ماهیة تلک الحقائق محدود جداً الا للقلیل ممن نال طریقاً الى ذلک العالم و هو فی هذه الدنیا، و ذلک عن طریق السلوک العملی حیث تحول علمه الاجمالی الى علم تفصیلی، و على هذا فان سنخیة و کیفیة الابدان البرزخیة و.... و تنعمها و تألمها لیس متضحاً بالنسبة لنا بشکل کامل و دقیق. و فی الوقت نفسه یمکننا تکوین صورة اجمالیة عن تفاصیل البدن البرزخی و تصویر نعم و عذاب البرزخ و القیامة و ذلک عن طریق بعض الآیات و الروایات و التحلیلات العقلیة.[14]
فاذا اردنا تقدیم صورة عن عالم البرزخ و عذاباته و نعمه یمکننا تشبیه ذلک بنعم ولذائذ. عالم الرؤیا فان الانسان فی عالم الرؤیا یقوم حقاً باعمال کالمشی و التکلم و التفکیر و.... و حین نقیس هذه الاعمال على الحیاة العنصریة و المادیة نجدها فاقدة للحقیقة و لکن اذا غضضنا النظر عن المقایسة و النسبة، فانه یجب القول بان هذه الاعمال لها حقیقتها فی وعاء الرؤیا، لان اللذائذ و المسرات و الآلام و العذابات المنامیة لیست خالیة من نوع من الواقعیة، فکم قد ترکت حالات الانسان فی الرؤیا آثاراً على البدن العنصری أیضاً، فاذا کانت لهذا الحیاة المنامیة واقعیة أعلى و حقیقة أوضح فیجب أن تسمی حینئذ بالحیاة البرزخیة و المثالیة، حیث لاوجود هنالک للمادة و العنصر او الجزئی و الذرة، و لکن توجد صور جمیع موجودات العالم دون ان یکون لها مادة و وزن فمثلا فی عالم التصور یمکننا ان نتصور العالم و جمیع الاشیاء فتکون حاضرة لدینا و نشاهد واقعاً صورة للسماء و للارض و لرفیقنا و صدیقنا. فاذا تجلی مانراه فی عالم الرؤیا و ما نتصوره فی عالم التصور بصورة اکثر واقعیة و أوضح حقیقة فیجب ان یسمی ذلک بالحیاة البرزخیة. و من هنا یقول العلماء بان آثار المادة کالحرارة و البرودة و الحلاوة و المرارة و السرور و الکآبة موجودة فی عالم البرزخ بالرغم من ان المادة نفسها لیس لها وجود. فهناک یوجد اکل و شرب و سماع و استماع و رؤیة و نظر، مع انه لا أثر للمادة التی تتوقف علیها هذه الامور فی حیاتنا.[15]
و کما اشرنا سابقاً فانه یظهر من القرآن الکریم و بعض الروایات ان الانسان بعد انتقاله الى عالم الآخرة سیواجه بالنعم (او الآلام) التی هی فوق مستوی التصور و بدرجات متفاوتة تتناسب مع درجات الایمان او الکفر و النفاق و الفجور، فنذکر هنا بعض النماذج لذلک:
(فلا تعلم نفس ما اخفی لهم من قرة اعین)[16]... و عن النبی صلی الله علیة و آله ایضاً انه قال فی حدیث طویل: "و من صام من رجب اربعة عشر یوماً اعطاه الله من الثواب ما لا عین رأت و لا اذن سمعت و لا خطر على قلب بشر".[17]
و کذلک ورد قسم من هذا المضمون فی کلام للامام الصادق (علیة السلام) حیث یقول:
"و من تصدق بصدقة فی رجب ابتغاء وجه الله اکرمه الله یوم القیامة فی الجنة من الثواب بما لا عین رآت و لا اذن سمعت و لا خطر على قلب بشر".[18]
و من هنا فان الله تعالى سیعطی للمؤمنین تفضلاً و کرماً منه من النعم مالم تره عین و لم تسمع به اذن و لم یخطر على قلب أحد.
یقول الامام الخمینی (رحمه الله) فی مقام وصف نعم الجنة: (سمعت من بعض اعاظم أهل المعرفة (رض) یقول: ان جرعة من ماء الجنة تحتوی على کل لذائذ السماع بانواعها المختلفة (کل انواع الموسیقی و الحانها المختلفة) و کل لذائذ البصر (الصور الجمیلة و الالوان) و هکذا بقیة الحواس.... بحیث ان کلّا من هذه الملذات یدرک بشکل مستقل).[19]
مصادر للمطالعة:
1- الامام الخمینی (رحمه الله)، تفسیر دعاء السحر.
2- الجوادی الآملی، عبدالله، التفسیر الموضوعی للقرآن الکریم، ج 13.
3- الجوادی الآملی، عبدالله، الشریعة فی مرآة المعرفة.
4- الجوادی الآملی، عبدالله، علم المعرفة فی القرآن.
5- الجوادی الآملی، عبدالله، العقل و الایمان و معرفة الانسان.
6- الحرا لعاملی (رحمه الله)، وسائل الشیعة، ج 7.
7- السبحانی، جعفر، معاد الانسان و العالم.
8- السجادی، السید جعفر، ثقافة العلوم الفلسفیة و الکلامیة.
9- الشعرانی، المیرزا ابوالحسن، نثر طوبی او دائرة معارف مفردات القرآن.
10- الکاشفی، محمد رضا، معرفة الله و معرفة المصیر.
11- مکارم الشیرازی، ناصر، تفسیر الامثل، ج 14.
[1] جوادی آملی، عبدالله، تفسیر موضوعی قرآن کریم" التفسیر الموضوعی للقرآن الکریم"، ج 13، ص 88 – 78.
[2] نفس المصدر، ص 216.
[3]" لیس الخبر کالمعاینة" الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج 4، ص 378، حدیث 5788.
[4] جوادی آملی، عبدالله، حیات عارفانه امام علی( علیه السلام)" حیاة الامام علی( علیه السلام) العرفانیة"، ص 21.
[5] شریعت در آیینه ی معرفت" الشریعة فی مرآة المعرفة"، ص 179 – 178.
[6] انظر: تفسیر موضوعی" التفسیر الموضوعی للقرآن الکریم"، ج 13، ص 332 – 331.
[7] جوادی آملی، عبدالله، شناخت شناسی در قرآن" علم المعرفة فی القرآن"، ص 407.
[8] عقل و ایمان و انسان شناسی "العقل و الایمان و معرفة الانسان، ص 16.
[9] شریعت در آیینه ی معرفت" الشریعة فی مرآة المعرفة"، ص 368
[10] شریعت در آیینه ی معرفت، طبق نقل، عقل و ایمان و انسان شناسی، ص 18.
[11] انظر: تسنیم" تفسیر التسنیم"، ج 2، ص 173 -171.
[12] انظر: سید جعفر سجادی، فرهنگ علوم فلسفی و کلامی" ثقافة العلوم الفلسفیة و الکلامیة"، طبع 1357؛ نثر طوبی یا دائرة المعارف لغات القرآن.
[13] جوادی آملی، عبدالله، شناخت شناسی" علم المعرفة"، ص 410 – 409.
[14] محمد رضا کاشفی، خداشناسی و فرجام شناسی"معرفة الله و معرفة المصیر"، ص 410 – 409.
[15] سبحانی، جعفر، معاد انسان و جهان "معاد الانسان و العالم " ؛ تفسیر نمونه" الامثل"، ج 14، ص 321؛ کاشفی، محمد رضا، خداشناسی و فرجام شناسی"معرفة الله و معرفة المصیر"، ص 94.
[16] سجده،17.
[17] الحر العاملی، وسائل الشیعة، ج 7، کتاب الصوم، ص 353.
[18] المصدر، ص 354، حدیث 10.
[19] الامام الخمینی (رحمه الله)، تفسیر دعای سحر "تفسیر دعاء السحر"، ص 44.