1. تجب الجنة لکل من یزوه "عارفا بحقه" و إن کان طیلة حیاته مرتکبا للذنوب و لم یتب عنها.
2. الحدیث لا یشمل کل من زاره عارفا بحقه و انما یختص بمن یکون أهلا للشفاعة. و بعبارة أخرى: الحدیث المذکور مخصص بالاحادیث التی تشیر الى موانع الشفاعة کتارک الصلاة مثلا.
3. من یزوره "عارفا بحقه" لابد أن ینال صلاحیة نیل شفاعة الائمة علیهم السلام. بمعنى أن الله تعالى سوف یوفقهم للتوبة من الذنوب المانعة من الشفاعة، فتارک الصلاة – التی تعد من موانع نیل الشفاعة- یوفق للتوبة من هذه المعصیة و یعود الى رشده فی أداء الصلاة فیکون حینئذ أهلا لنیل الشفاعة و ینطبق علیه الحدیث المذکور.
أی الاحتمالات الثلاثة هو الصحیح؟
لیس المراد من الحدیث انه یکفی الانسان لیطمئن الى مستقبلة ان یزور الامام الرضا (ع) زیارة واحدة عارفا بحق الامام مهما اقترف من الذنوب و المعاصی!! بل المراد ان مثل هکذا انسان لو جاء یوم القیامة و عنده ذنوب کبیرة لم یتمکن من التوبة منها أو اقترفها قبل الزیارة فحینئذ تنفعه الزیارة (مع توفر جمیع الشروط) لینال الشفاعة و یدخل الجنة انشاء الله.
فی البدء لابد من توسیع السؤال ثم الاجابة عنه بصورة مفصلة فان عندنا روایات کثیرة تدور على هذا المحور، من قبیل:
ما جاء فی فضائل السور القرآنیة من الثواب الکبیر، فقد روی عن الامام الصادق (ع) أنه قال: "مَنْ قَرَأَ سُورَةَ بَنِی إِسْرَائِیلَ فِی کُلِّ لَیْلَةِ الْجُمُعَةِ لَمْ یَمُتْ حَتَّى یُدْرِکَ الْقَائِمَ (ع) فَیَکُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ"[1] فهل صحیح أن مجرد قراءة سورة بنی اسرائیل فی کل لیلة جمعة تجعل الانسان من انصار الامام (عج) حتى لو کان مقترفا للمعاصی؟
کذلک ورد فی باب فضیلة البکاء على الامام الحسین (ع) روایات کثیرة منها ما روی عن الامام الرضا (ع): "مَنْ ذَرَفَتْ عَیْنَاهُ عَلَى مُصَابِنَا وَ بَکَى لِمَا أَصَابَنَا مِنْ أَعْدَائِنَا حَشَرَهُ اللَّهُ مَعَنَا فِی زُمْرَتِنَا. یا دِعْبِلُ مَنْ بَکَى عَلَى مُصَابِ جَدِّیَ الْحُسَیْنِ (ع) غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ الْبَتَّة"[2]. فهل مجرد الاشتراک فی مجالس العزاء و البکاء على الامام الحسین (ع) حبا له توجب لصاحبها الجنة و تجعله من المحشورین مع أهل البیت (ع) و ان کان متهاونا فی الواجبات و متساهلا فی ارتکاب المعاصی؟
لاریب فی عدم صحة هذا الادعاء.
فمن البیّن إذن أنّ المقصود فی هذه الروایة و أمثالها لیس هو القراءة المجردة، بل تلک القراءة التی تکون مقدمة للفهم و الإدراک الذی هو بدوره مقدمة لتطبیق تعالیم هذه السّورة فی الحیاة الفردیة و الاجتماعیة.
و من المسلم أن المسلمین لو استلهموا من مفاهیم هذه السورة فی حیاتهم لنالوا کل هذا الأجر مضافا إلى النتائج الدنیویة[3].
قال آیة الله مکارم الشیرازی فی ذیل فضیلة سورة الانعام: و لکن العجیب أن نرى بعضهم یکتفی من هذه السورة بقراءة ألفاظها فقط، و یعقد الجلسات لتلاوة آیاتها من أجل حل المشاکل الشخصیة، فلو اهتمت هذه الجلسات بمحتوى السورة، فلا تنحل المشاکل الخاصّة وحدها، بل تنحل جمیع مشاکل المسلمین العامّة أیضا، و من المؤسف جدا أنّ جمعا من الناس یعتبرون القرآن مجموعة من (الأوراد) التی لها خواص غامضة و مجهولة فیقرءونها بغیر تمعن فی مضامینها، مع أن القرآن کلّه مدرسة و دروس و منهج و یقظة، و رسالة و وعی.[4]
و مما لاشک ان هذه القضیة تصدق فی الزیارة ایضا؛ بمعنى أن الروایات التی جعلت لزیارة الائمة الاطهار ثوابا کبیرا لا تمنح الزائر الشفاعة القطعیة و ان مات على المعاصی و الکبائر، و من اللائق هنا مراجعة المعنى اللغوی للزیارة.
الزیارة فی لغة العرب بمعنی القصد و المیل.[5]
و فی الإصطلاح هی بمعنی قصد المزور اکراماً له و تعظیماً له و استیناساً به.[6] و لها ثلاثة أرکان:
1. الزائر: و هو عبارة عن الشخص الذی له قصد و میل نحو شخص أو شیء ما.
2. المزور: و هو الشخص الذی یکون قصد الزائر و میله نحوه.
3. الصفة الباطنیة و هی المیل و القصد المقارن للتکریم و التعظیم من قبل الزائر.
فإذا اختلّ أحد هذه الأرکان الثلاثة أو لم یتحقق بمعناه الواقعی و الحقیقی فلا تقع الزیارة صحیحة، و کلّما ازدادت و تعمّقت معرفة الزائر بالمزور و کان المزور أیضاً متمتّعاً بکمالات أکثر یزداد تأثیر الزیارة و فضلها.[7].
یتضح من خلال ذلک ان لفظ الزائر ینطوی على میل و علاقة و هذه الخاصیة تعد من اساسیات الزیارة و اصولها فلا تتحقق الزیارة من دونها.
الأمر الآخر الجدیر بالذکر هو: ان جمیع اعمال الخیر بما فیها (الزیارة) لا تکون نافعة الا اذا بقیت مصاحبة للانسان فی آخرته؛ بمعنى ان الاعمال اذا فقدت فاعلیتها و احبطت فی هذه الدنیا بسبب الذنوب التی یقترفها صاحبها، فحینئذ من المقطوع به انها لا تکون نافعة فی تحصل الشفاعة و ذلک لان العمل النافع هو الذی یبقى ثابتا الى یوم القیامة لینتفع به الانسان و الا فمجرد تحققه لا یجدی نفعا [8].
و فی النتیجة یمکن القول: ان الزائر بامکانه ان یوصل ثواب زیارته الى المقصد النهائی لیکون جدیرا بان تناله شفاعة الائمة، اما لو قام بما ینافی ثبات ثواب الزیارة و اثرها من خلال اقترافه للمعاصی و الذنوب فمما لاریب فیه حینئذ انه لا یکون جدیرا بنیل الشفاعة.
و ما ورد فی الحدیث عن الامام: "و أَدخلته الجنَّةَ و إِنْ کان منْ أَهل الکبائر" لیس المراد منه انه یکفی الانسان لیطمئن الى مستقبلة ان یزور زیارة واحدة عارفا بحق الامام مهما اقترف من الذنوب و المعاصی!! بل المراد ان مثل هکذا انسان لو جاء یوم القیامة و عنده ذنوب کبیرة لم یتمکن من التوبة منها او اقترفها قبل الزیارة فحینئذ تنفعه الزیارة (مع جمیع الشروط) لینال الشفاعة و یدخل الجنة انشاء الله.
و اما المراد من عبارة "عارفا بحقه" التی جاءت فی متن الحدیث فقد اشارت الى هذه النکتة التی ذکرناها و من هنا نرى من المناسب أن ناتی بمتن الحدیث کاملا هنا: " عنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ قَال: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع): یُقْتَلُ حَفَدَتِی بِأَرْضِ خُرَاسَانَ فِی مَدِینَةٍ یُقَالُ لَهَا طُوسُ مَنْ زَارَهُ إِلَیْهَا عَارِفاً بِحَقِّهِ أَخَذْتُهُ بِیَدِی یَوْمَ الْقِیَامَةِ وَ أَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ وَ إِنْ کَانَ مِنْ أَهْلِ الْکَبَائِر.ِ قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاکَ وَ مَا عِرْفَانُ حَقِّهِ؟ قَالَ: یَعْلَمُ أَنَّهُ مُفْتَرَضُ الطَّاعَةِ غَرِیبٌ شَهِیدٌ مَنْ زَارَهُ عَارِفاً بِحَقِّهِ أَعْطَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَجْرَ سَبْعِینَ شَهِیداً مِمَّنِ اسْتُشْهِدَ بَیْنَ یَدَیْ رَسُولِ اللَّهِ (ص) عَلَى حَقِیقَةٍ"[9].
یتضح من خلال هذه الروایة ان الامام الصادق (ع) فی مقام بیان معنى "عارفا بحق" قال: " یَعْلَمُ أَنَّهُ مُفْتَرَضُ الطَّاعَةِ غَرِیبٌ شَهِیدٌ" و هنا یطرح السؤال التالی: هل مجرد المعرفة و الاعتقاد تکفی او ان القضیة لابد ان تقرن بالعمل الصالح لتتجلى طاعته لامامه فی عمله؟ لاریب ان الفرض الثانی هو الصحیح. فالروایة اذن لاتشمل الانسان المصر على الذنوب الکبیرة.
تحصل من خلال کل ذلک ان من یزور الامام الرضا (ع) عارفا بحقه یحظى بصلاحیة نیل الشفاعة و ان کان مقترفا للمعاصی سابقا، لکن ذلک لا یعنی ان کل من حظی بصلاحیة نیل الشفاعة شملته الشفاعة فعلا؛ و ذلک لان الکثیر من الذنوب تکون مانعة عن نیل الخیرات بما فیها الشفاعة.
نعم، یمکن ان تکون الزیارة عنصرا مهما فی جعل الانسان یغیر سلوکه و ذلک لان الاعمال الصالحة توفر للانسان الارضیة لینال التوفیق الالهی فی عمل الصالحات فی مستقبل الایام و تجنب السیئات.
[1] المجلسی ،محمدباقر ، بحار الانوار، ج 86، ص 310 ، موسسه الوفاء بیروت ،1404 ق ،لبنان.
[2] المحدث النوری ،مستدرکالوسائل ،ج 10 ،ص 386 ،الطبعة الاولی ، مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث، قم ،1408 هجرى.
مکارم الشیرازی، ناصر، الامثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج 3، ص77، نشر مدرسة الامام علی بن ابی طالب (ع)، الطبعة الاول. [3]
الامثل فی کتاب الله المنزل، ج 4، ص202.[4]
[5] الاصفهانی، الراغب، مفردات ألفاظ القرآن، تحقیق الداوودی، صفوان عدنان، ص 387، الطبعة الاولی، الدار الشامیة، بیروت 1416 ق.
[6] الطریحی، فخر الدین، مجمع البحرین، ج 3، ص 320، الطبعة الثانیة المکتبة المرتضویة 1365.
[7] مستل من السؤال 5362 (الرقم فی الموقع: 5694).
[8] المیزان فی تفسیر القرآن، ج2، ص: 17، یتضح ذلک مما اورده العلامة الطباطبائی فی المیزان حول حبط الاعمال حیث قال: أن الإنسان یلحقه الثواب و العقاب من حیث الاستحقاق بمجرد صدور الفعل الموجب له لکنه قابل للتحول و التغیر بعد، و إنما یثبت من غیر زوال بالموت کما ذکرناه
بحار الانوار، ج99، ص 35.[9]