هناک مقامان یتحرک فیهما الانسان المؤمن، مقام التزکیة و التطهیر، و مقام التفکیر بالآخرین و الدعاء لهم، أما فی مقام التزکیة و تطهیر الذات فتکون الاولویة لتقدیم الذات و هذا المعنى وردت الاشارة الیه فی القرآن الکریم " یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَکُمْ وَ أَهْلیکُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ..."؛ و ذلک لان تزکیة الذات مقدمة ضروریة فی هدایة الآخرین و فی استجابة الدعاء لهم. و أما فی مقام الدعاء فتکون الاولویة و الاستحباب فی تقدیم الدعاء للغیر على النفس، و هذا ما اکدته الروایات الکثیرة الواردة عن المعصومین (ع) بالاضافة الى سیرتهم العملیة فی هذا الخصوص. و لا یعنی هذا بان الانسان عندما یدعو للغیر ینقص من ثوابه شیء او یحرم استجابة الدعاء لنفسه، بل نجد الملائکة – کما روی عن الامام السجاد (ع)- تخاطبه بالقول: نعم الأَخُ أَنتَ لأَخیکَ تدعو لهُ بالخیر و هو غائبٌ عنکَ و تذکرهُ بخیر قدْ أَعطاکَ اللَّهُ عزَّ و جلَّ مِثْلَیْ ما سَأَلْتَ لهُ و أَثْنَى علیکَ مِثْلَیْ ما أَثْنَیْتَ علیهِ و لکَ الفَضْلُ علیه.
یبدو انه قد وقع خلط بین مقام تزکیة النفس و التحرز من المعاصی و الذنوب و بین مقام الدعاء و الطلب من الله تعالى؛ و ذلک لان المستفاد فی المقام الاول "مقام التزکیة و اصلاح النفس و الابتعاد عن المعاصی" من الآیات و الروایات أن الانسان علیه ان یفکر بنفسه أوّلا فیحاول اصلاحها و من ثم الانتقال لهدایة المجتمع و اصلاح الآخرین، و هذا المعنى وردت الاشارة الیه فی القرآن الکریم " یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَکُمْ وَ أَهْلیکُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ عَلَیْها مَلائِکَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا یَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ یَفْعَلُونَ ما یُؤْمَرُون".[1] و من الواضح أن المقام هنا لیس مقام الدعاء و التضرع، بل هو مقام التزکیة و تطهیر النفس من الرذائل الاخلاقیة و من الموبقات حیث یجب على الانسان أول الامر أن یفکر بنفسه لیصلحها و ینقذها من النار ثم الأهل و الاقارب و الاصدقاء و.. و لا یعنی ذلک بحال من الاحوال التخلی عن الامر بالمعروف و النهی عن المنکر، و لا یعنی أن یعیش الانسان حالة من اللاأبالیة و عدم الاهتمام بشؤون المسلمین، بل القرآن الکریم یحدثنا ان النبی الاکرم (ص) کان یعیش حالة من التحرق و الألم الشدیدین بسبب انحراف الناس و ضلالهم حتى خاطبه الباری تعالى " فَلا تَذْهَبْ نَفْسُکَ عَلَیْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلیمٌ بِما یَصْنَعُون".[2] و ذلک لان هذه القضیة تدخل فی ضمن واجبات الانسان المؤمن و لا شک أن القیام بالواجبات یعد أحدى السبل فی اصلاح النفس و تطهیرها، و لایصح بحال من الاحوال التذرع باصلاح النفس فی التکاسل بعدم القیام بالمسؤولیة.
و أما مقام الدعاء و التضرع و طلب الحوائج من الله تعالى، ففی هذا المقام یستفاد من الروایات کثیرا أن القضیة على العکس من ذلک؛ حیث ترشدنا وصایا المعصومین (ع) الى تقدیم الغیر على النفس فی هذا المقام، کما فی القصة التی رواها الامام الحسن (ع) عن أمّه الزهراء (س) حیث قال: رأیت أمّی فاطمة قائمة فی محرابها لیلة الجمعة فلم تزل راکعة ساجدة حتى إنفلق عمود الصبح و سمعتها تدعو للمؤمنین و المؤمنات و تسمیهم و تکثر الدعاء لهم و لا تدعو لنفسها بشیء، فقلت: یا أمّاه لم تدعی لنفسک کما تدعین لغیرک؟ قالت: یا بنی الجار ثم الدار.[3]
و روی فی مکان آخر عن الامام السجاد (ع) یقول: إِنَّ الملائکةَ إِذا سمعُوا المؤمن یدعو لأَخیهِ المؤْمن بظهر الغیبِ أَو یذکرهُ بخیرٍ، قالوا: نعم الأَخُ أَنتَ لأَخیکَ تدعو لهُ بالخیر و هو غائبٌ عنکَ و تذکرهُ بخیر قدْ أَعطاکَ اللَّهُ عزَّ و جلَّ مِثْلَیْ ما سَأَلْتَ لهُ و أَثْنَى علیکَ مِثْلَیْ ما أَثْنَیْتَ علیهِ و لکَ الفَضْلُ علیه.[4]
و هناک الکثیر من الروایات فی هذا المجال تعرض لذکرها العلماء فی مصادر الحدیث و الدعاء و قد جمع بعضها الشیخ الحر العاملی تحت عنوان " بَابُ اسْتِحْبَابِ اخْتِیَارِ الْإِنْسَانِ الدُّعَاءَ لِلْمُؤْمِنِ عَلَى الدُّعَاءِ لِنَفْسِهِ" حیث ذکر فیه الکثیر من الروایات الدالة على ترجیح الدعاء للغیر على الدعاء للنفس.
لمزید الاطلاع انظر: « الدعاء للزوج المنحرف و الاقارب»، سؤال 14979 (الموقع: 14755)