کد سایت
ar22003
کد بایگانی
32277
گروه
درایة الحدیث
خلاصة السؤال
هل أن بعض الأشهر و الأیام نحسة و مشؤومة کشهر صفر و یوم الأربعاء؟
السؤال
ثمة نقولات یتداولها الناس یرون أنها قد وردت عن أهل البیت (ع) و حاصل هذه النقولات هی أن شهر صفر شهرٌ منحوس مشئوم تتنزّل فیه البلایا و المحن علی الناس، و إن اندفاع هذه البلایا لا یکون إلا بالتصدّق علی الفقراء عن کل فرد بسبع قطع من النقود، و یتناقلون فیما بینهم صلواتٌ مخصوصة بآخر أربعاء من شهر صفر و یرون أن الالتزام بها یدفع البلاء إلی شهر صفرٍ من السّنة القادمة؟
الجواب الإجمالي
نحوسة الیوم أو أی مقدار من الزمان تعنی أن لا یعقب الحوادث الواقعة فیه إلا الشر و لا تکون الأعمال أو نوع خاص من الأعمال فیه مبارکة لعاملها، و سعادته خلافه.
فمن الناحیة العقلیة لا سبیل إلی إقامة البرهان علی سعادة یوم من الأیام أو زمان من الأزمنة و لا نحوسته، و طبیعة الزمان المقداریة متشابهة الأجزاء و الأبعاض، فمن حیث الزمان لا فرق بین هذا الیوم و ذاک، لکی نعتبر أحدهما سعداً و الآخر نحساً.
أما بحسب النظر الشرعی؛ ففی الکتاب ذکر من النحوسة و ما یقابلها من کون لیلة القدر لیلة سعد و برکة. و هناک روایات کثیرة جداً تدل علی سعد و نحس بعض الأیام. و روایات تدل علی أن سعد الأسام و نحسها لیست من ذاتها و طبیعتها، و لیس لهذا الیوم أو هذا الزمان دور مستقل فیها، بل بسبب وقوع حوادث مُرّة غیر مطلوبة فی هذا الیوم؛ کقتل هابیل من قِبل قابیل أو نزول العذاب علی الأمة الفلانیة. أو لسبب أعمال الناس غیر الصالحة و ذنوبهم.
کما إن الاهتمام بسعد الأیام و نحسها بشکل عامل مساعد علی تقویة حالة التوسل و التوجه لله سبحانه، و الاستمداد و الطلب من ذاته المقدّسة. لذلک، ذکرت الروایات هذه الحقائق و وجّهت الناس نحوها و دعتهم إلی بعض الأعمال لإزالة نحوسة بعض هذه الأیام؛ کالإستعاذة و الأعتصام بالله عزّ و جلّ و الصیام و التصدّق و الدعاء و قراءة القرآن إلی غیر ذلک من الأعمال.
إضافة إلی ذلک؛لم نعثر علی روایة تعتبر کل شهر صفر نحساً، کما أن نحوسة یوم الأربعاء لا علاقة له بشهر صفر، بل یعمه إلی کل الشهور.
فمن الناحیة العقلیة لا سبیل إلی إقامة البرهان علی سعادة یوم من الأیام أو زمان من الأزمنة و لا نحوسته، و طبیعة الزمان المقداریة متشابهة الأجزاء و الأبعاض، فمن حیث الزمان لا فرق بین هذا الیوم و ذاک، لکی نعتبر أحدهما سعداً و الآخر نحساً.
أما بحسب النظر الشرعی؛ ففی الکتاب ذکر من النحوسة و ما یقابلها من کون لیلة القدر لیلة سعد و برکة. و هناک روایات کثیرة جداً تدل علی سعد و نحس بعض الأیام. و روایات تدل علی أن سعد الأسام و نحسها لیست من ذاتها و طبیعتها، و لیس لهذا الیوم أو هذا الزمان دور مستقل فیها، بل بسبب وقوع حوادث مُرّة غیر مطلوبة فی هذا الیوم؛ کقتل هابیل من قِبل قابیل أو نزول العذاب علی الأمة الفلانیة. أو لسبب أعمال الناس غیر الصالحة و ذنوبهم.
کما إن الاهتمام بسعد الأیام و نحسها بشکل عامل مساعد علی تقویة حالة التوسل و التوجه لله سبحانه، و الاستمداد و الطلب من ذاته المقدّسة. لذلک، ذکرت الروایات هذه الحقائق و وجّهت الناس نحوها و دعتهم إلی بعض الأعمال لإزالة نحوسة بعض هذه الأیام؛ کالإستعاذة و الأعتصام بالله عزّ و جلّ و الصیام و التصدّق و الدعاء و قراءة القرآن إلی غیر ذلک من الأعمال.
إضافة إلی ذلک؛لم نعثر علی روایة تعتبر کل شهر صفر نحساً، کما أن نحوسة یوم الأربعاء لا علاقة له بشهر صفر، بل یعمه إلی کل الشهور.
الجواب التفصيلي
لقد شاع بین الناس أن بعض الأیام، أیام سعد و مبارکة، و البعض الآخر –کشهر صفر و یوم الأربعاء- أیام نحس و شؤم، و الکلام هو ما معنی «نحوسة الأیام»؟ و هل هذه العقیدة العامة عند الناس جاءت من الإسلام أم لا؟ أو هل هی مقبولة فی الإسلام؟ و غیرها من التساؤلات. لا مناص لأجل الوصول إلی أجوبة هذه الأسئلة من طرح هذه البحوث التالیة:
معنی سعادة الأیام و نحوستها:
[1]فی مصطلح الآیات و الروایات، نحوسة الیوم أو أی مقدار من الزمان أن لا یعقب الحوادث الواقعة فیه إلا الشر و لا تکون الأعمال أو نوع خاص من الأعمال فیه مبارکة لعاملها، و سعادته خلافه. [2]
سعادة و نحوسة الأیام من الناحیة العقلیة و الشرعیة
فمن الناحیة العقلیة؛ لا سبیل لنا إلی إقامة البرهان علی سعادة یوم من الأیام أو زمان من الأزمنة و لا نحوسته، لأن طبیعة الزمان المقداریة متشابهة الأجزاء و الأبعاض، إذن فمن الناحیة الزمانیة لا فرق بین هذا الیوم أو ذاک، [3] لکی نعدّ أحدهما سعیداً و الآخر نحساً.
و من الجهة الأخری؛ لا إحاطة لنا بالعلل و الأسباب الفاعلة المؤثّرة فی حدوث الحوادث و کینونة الأعمال حتی یظهر لنا أن الیوم أو القطعة من الزمان من علل و أسباب تقتضی سعادته أو نحوسته، و لذلک کانت التجربة الکافیة غیر متآتیة؛ لتوقفها علی تجرّد الموضوع لأثره (أی توقفها علی زمان منفصل عن عوامله و علله)، حتی یعلم أن الأثر أثره و هو غیر معلوم فی المقام (فلیس لنا زمان منفصل عن علته، و لیست العلل معلومة بالنسبة لنا).
و لما مرّ بعینه لم یکن لنا سبیل إلی إقامة البرهان العقلی علی نفی السعادة و النحوسة، کما لم یکن سبیل إلی الإثبات و إن کان الثبوت بعیداً لکن البعد غیر الاستحالة.[4]
و أما بحسب النظر الشرعی و الفقهی؛ ففی الکتاب ذکر من نحوسة الأیام، قال تعالی: " إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَیهْمْ رِیحًا صَرْصَرًا فىِ یَوْمِ نحَسٍ مُّسْتَمِر" [5] " فَأَرْسَلْنَا عَلَیهْمْ رِیحًا صَرْصَرًا فىِ أَیَّامٍ نحَّسَاتٍ" [6]
لا یظهر من سیاق قصة قوم عاد –التی تتعلّق بها هاتان الآیتان – أزید من کون النحوسة و الشؤم خاصة بنفس الزمان التی کانت تهب علیهم فیه الریح عذاباً و هو سبع لیال و ثمانیة أیام متوالیة یستمر علیهم فیها العذاب من غیر أن تدور بدوران الأسابیع و هو ظاهر و إلا کان جمیع الزمان نحساً، و لا بدوران الشهور و السنین. [7]
فی مقابل الزمان النحس، یشیر القرآن فی بعض آیاته إلی الزمان السعید " إِنَّا أَنزَلْنَهُ فىِ لَیْلَةٍ مُّبَرَکَة" [8] و المراد بها لیلة القدر التی یصفها الله تعالی بقوله :" لَیْلَةُ الْقَدْرِ خَیرْ مِّنْ أَلْفِ شهَر" [9] و الظاهر أن مبارکة هذه اللیلة و سعادتها إنما هی بمقارنتها نوعاً من المقارنة لأمور عظام من الإفاضات الباطنیة الإلهیة و أفاعیل معنویة کإبرام القضاء و نزول الملائکة و الروح و کونها سلاماً، فیؤول معنی مبارکتها و سعادتها إلی فضل العبادة و النُسک فیها و غزارة ثوابها و قرب العنایة الإلهیة فیها من المتوجّهین إلی ساحة العزّة و الکبریاء. [10]
أما السنة فهناک روایات کثیرة جداً فی السعد و النحس من أیام الأسبوع و من أیام الشهور العربیة و من أیام شهور الفرس و من أیام الشهور الرومیة، و هی روایات بالغة فی الکثرة مودعة فی جوامع الحدیث، [11]
بید أن أکثرها ضعاف و مراسیل (أی بدون سند) و مرفوعات (أی مقطوع فیها قسم من السند) و إن کان فیها ما لا یخلو من اعتبار من حیث أسنادها. [12]
الأیام النحسة فی الروایات
أما الروایات التی تذکر بعض الأیام و تصفها بالنحس، فبعضها هی:
1- روی عن الإمام الحسن العسکری (ع): "إن فی کل شهر من الشهور العربیة لا یصح ارتکاب شیء من الأعمال فیه سوی الخلوة و العبادة و الصوم و هو الثانی و العشرون من المحرم و العاشر من الصفر و الرابع من الربیع الأول و الثامن و العشرون من الربیع الثانی و الثامن و العشرون من جمادی الأولی و الثانی عشر من جمادی الثانی و الثانی عشر من رجب و السادس و العشرون من شعبان و الرابع و العشرون من شهر رمضان و الثانی من شوال و الثامن و العشرون من ذی القعدة و الثامن من ذی الحجة". [13]
وهذه الروایة و إن کانت مرسلة و لیس لها سند، وعلی رغم أن التحقیق و الدراسة، یثبتان أنها الروایة الوحیدة التی تنص علی نحوسة الیوم العاشر من شهر صفر هی هذه الروایة المرسلة؛ لکن یمکن الاعتناء بمتن هذه الروایة، بناءً علی التوضیحات الآتیة وتفسرها تفسیرا صحیحا.
2- ورد فی الروایات کاحتمال وبدون سند فی ذیل الآیة " إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَیهْمْ رِیحًا صَرْصَرًا فىِ یَوْمِ نحَسٍ مُّسْتَمِر" نص علی أن هذا الیوم النحس المستمر، هو آخر أربعاء من شهر صفر. [14] علی رغم أن الرویات الواردة فی ذیل هذه الآیة المرویة عن طریق الشیعة و السنة تعتبر مطلق یوم الأربعاء، أو أن کل أربعاء من کل الشهور هو یوم نحس مستمر؛ لا أنه آخر أربعاء من شهر صفر.[15]
عن الإمام علی (ع): "آخر أربعاء فی الشهر یوم نحس مستمر".[16]
و عن الصادق (ع): " الأربعاء یوم نحس مستمر لأنه أول یوم و آخر یوم من الأیام التی قال الله تعالى " سَخَّرَهَا عَلَیهْمْ سَبْعَ لَیَالٍ وَ ثَمَانِیَةَ أَیَّامٍ حُسُومًا"[17] [18]
روی ان أبی حاتم عن زر بن جیش أن المراد من "فىِ یَوْمِ نحَسٍ مُّسْتَمِر" هو یوم الأربعاء. [19]
کما یُروی عن ابن عباس أن آخر أربعاء من کل شهر نحس. [20]
أما العلامة المجلسی فینقل أن آخر أربعاء من شهر صفر المشهور بین العوام بالنحوسة؛ لم نعثر علی روایة تدل علی ذلک، إلا روایة تدل بصورة عامة علی نحوسة آخر أربعاء من کل شهر فتشمل شهر صفر من هذه الناحیة.[21]
و أما الروایات الدالة علی سعادة الأیام السعیدة من الأسبوع و غیرها فالوجه فیها نظیر ما تقدّمت إلیه الإشارة فی الأخبار الدالة علی نحوستها من الوجه الأول فإن فی هذه الأخبار تعلیل برکة ما عد من الأیام السعیدة بوقوع حوادث متبرکة عظیمة فی نظر الدین کولادة النبی (ص) و بعثته و کما ورد أنه (ص) دعا فقال: "اللهم بارک لأمتی فی بکورها یوم سبتها و خمیسها". [22] و ما نقل عن الإمام الصادق (ع) من "أن الله ألان الحدید لداوود (ع) یوم الثلاثاء". [23]
توضیح الروایات المتعلقة بسعادة الأیام و نحسها
تجدر بنا الإشارة إلی بعض الملاحظات فیما یخص هذه المجموعة من الآیات و الروایات لنحصل علی فهم صحیح لها:
أولاً: لقد ورد فی هذه الآیات و الروایات علة نحوسة و سعادة الأیام؛ أی قیل أنه قد تکرّر فی مثل هذه الأیام النحسة وقوع حوادث مؤلمة مُرّة، غیر مطلوبة بحسب المذاق الدینی، کقتل هابیل من قبل أخیه قابیل [24] أو نزول العذاب علی الأمة الفلانیة أو خلق جهنم أو .... أو أنه قد وقع فی الأیام السعیدة المیمونة حوادث مبارکة.
ثانیاً: إن الأخبار الواردة فی سعادة الأیام و نحوستها لا تدل علی أزید من ابتنائهما علی حوادث مرتبطة بالدین توجب حُسناً و قبحاً بحسب الذوق الدینی أو بحسب تأثر النفوس، و أما اتصاف الیوم أو أی قطعة من الزمان بصفة المیمنة أو المشأمة و اختصاصه بخواص تکوینیة عن علل و أسباب طبیعیة تکوینیة فلا، و ما کان من الأخبار ظاهراً فی خلاف ذلک فإما محمول علی التقیة أو لا اعتماد علیه.[25]
و قد اُشیر فی روایات أخری إلی هذه الحقیقة و هی إن ذات الأیام لا تتصف بالنحس و الشؤم، و قد نهی الإنسان عن هذا الاعتقاد، بل إن بعض المشاکل التی تصیب الإنسان فی هذا الیوم أو فی هذا الزمن، نتیجة ذنوبه و أعماله السیئة. کما روی عن الإمام الهادی (ع) إذ قال لبعض أصحابه: "یا حسن ما ذنب الأیام حتی صرتم تتشاءمون بها إذا جوزیتم بأعمالکم فیها؟ قال الحسن: أنا أستغفر إلی الله أبداً، و هی توبتی یا بن رسول الله.
قال: " ما ینفعکم و لکن الله یعاقبکم بذمها علی ما لا ذم علیه فیه. أما علمت یا حسن أن الله هو المثیب و المعاقب و المجازی بالأعمال عاجلاً و آجلاً؟ قلت: بلی یا مولای. قال: لا تعد و لا تجعل للأیام صنعاً فی حکم الله. قال الحسن: بلی یا مولای".[26]
إن هذا الحدیث إلهام یُشیر إلی أن التأثیر الممکن حصوله فی الأیام مردّه إلی أمر الله، و لیس للأیام تأثیر مستقبل علی حیاة الإنسان، و لابد من استشعار لطف الله دائماً، الذی لا غنی لنا عنه أبداً، و بذلک لا ینبغی أن نتصوّر الحوادث التی هی بمثابة کفّارة لأعمالنا و سیئاتنا غالباً علی أنها مرتبطة بتأثیر الأیام، و نبرء أنفسنا منها و لعل هذا البیان أفضل طریق للجمع بین الأخبار المختلفة فی هذا الباب. [27]
ثالثاً: و یوجد احتمال آخر و هو أن کل ما قیل آنفا، یصدق علی بعض هذه الروایات و لا یصدق علی القسم الآخر منها؛ لأن المستفاد من البعض منها أن هنالک تأثیراً ملموساً فی بعض الأیام (إیجابیاً و سلباً) و لیس لنا تفسیر أو علم بهذا التأثیر. [28]
رابعاً: نجد البعض قد سلک طریق الإفراط فی مسألة سعد الأیام و نحسها بحیث إنهم یمتنعون من الشروع بأی عمل إلا بالإعتماد علی هذه الخلفیة، و بذلک یفوّتون علیهم فرصاً کثیرة یمکن الاستفادة منها.
و بدلاً من التعمّق فی البحث الموضوعی الذی تحسب فیه حسابات الربح و الخسارة و بدلاً من الاستفادة من الفرص و التجارب الثریة .... فإنهم یُرجعون کسب الأرباح إلی سعد الأیام و الإنتکاسات و الخسارة إلی شؤم الأیام ... و هذا المنهج یعبّر عن الانهزام من الواقع و الهروب من الحقیقة و الإفراط فی التعلیل الخرافی لحوادث الحیاة الذی یجب أن نحذره و نتجنّبه بشدة.
و الجدیر بنا فی هذه المسائل أن لا نعطی آذانا صاغیة لأقوال المنجّمین و الإشاعات المنتشرة فی الأجواء الإجتماعیة المختلفة، و لا لحدیث أولئک الذین یدعون المعرفة المستقبلیة لفأل الأشخاص، و نستمر فی حیاتنا العملیة بجهد حثیث و خطی ثابتة و بالتوکل علی الله و بروح موضوعیة بعیدة عن التأثّر بهذه الحکایات و الأقاویل، و نستمد من الله وحده العون و الرعایة. [29]
خامساً: و معلوم إن عدّ هذه الأیام نحسة مشؤومة و تجنب اقتراب الأمور المطلوبة و طلب الحوائج التی یلتذ الإنسان بالحصول علیها فیها تحکیماً للتقوی و تقویة الروح الدینیة و فی عدم الاعتناء و الاهتمام بها و الاسترسال فی الاشتغال بالسعی فی کل ما تهواه النفس فی أی وقت کان، إضراباً عن الحق و هتکاً لحرمة الدین و إزراء لأولیائه، فتؤول نحوسة هذه الأیام إلی جهات من الشقاء المعنوی منبعثة عن علل و أسباب اعتباریة مرتبطة نوعاً من الارتباط بهذه الأیام تفید نوعاً من الشقاء الدینی علی من لا یعتنی بأمرها.[30]
و علیه إن مسألة الاهتمام بموضوع (سعد الأیام و نحسها) بالإضافة إلی أنها ترشدنا للکثیر من الحوادث التأریخیة ذات العظمة و العبرة، فإنها أیضاً عامل للتوسل بالله و التوجه إلی رحاب عظمته السامقة، و استمداد العون من ذاته القدسیة، و هذا ما نلاحظه فی روایات عدیدة، حیث وجّهت الناس إلی هذه الحقائق و أعطت بعض الحلول العملیة للتخلّص من نحوسة هذه الأیام، مثل اللجوء إلی الله و طلب العون منه، أو الصوم و الدعاء و قراءة القرآن و التصدّق علی الفقراء و ما إلی ذلک. نکتفی هنا بذکر هذه الروایة:
عن سهل بن یعقوب (أبی نواس) قال سألت الإمام الحسن العسکری (ع) یوماً قائلاً: یا سیدی، فی أکثر هذه الأیام قواطع عن المقاصد لما ذکر فیها من النحس و المخاوف، فتدلنی علی الاحتراز من المخاوف فیها، فإنما تدعونی الضرورة إلی التوجه فی الحوائج فیها. فقال لی: یَا سَهْلُ إِنَّ لِشِیعَتِنَا بِوَلَایَتِنَا لَعِصْمَةً لَوْ سَلَکُوا بِهَا فِی لُجَّةِ الْبِحَارِ الْغَامِرَةِ وَ سَبَاسِبِ الْبَیْدَاءِ الْغَابِرَةِ بَیْنَ سِبَاعٍ وَ ذِئَابٍ وَ أَعَادِی الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ لَأَمِنُوا مِنْ مَخَاوِفِهِمْ بِوَلَایَتِهِمْ لَنَا فَثِقْ بِاللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَخْلِصْ فِی الْوَلَاءِ لِأَئِمَّتِکَ الطَّاهِرِینَ ع وَ تَوَجَّهْ حَیْثُ شِئْتَ وَ اقْصِدْ مَا شِئْتَ یَا سَهْلُ إِذَا أَصْبَحْتَ وَ قُلْتَ ثَلَاثاً أَصْبَحْتُ اللَّهُمَّ مُعْتَصِماً بِذِمَامِکَ الْمَنِیعِ الَّذِی لَا یُطَاوَلُ وَ لَا یُحَاوَلُ مِنْ کُلِّ طَارِقٍ وَ غَاشِمٍ مِنْ سَائِرِ مَا خَلَقْتَ وَ مَنْ خَلَقْتَ مِنْ خَلْقِکَ الصَّامِتِ وَ النَّاطِقِ فِی جُنَّةٍ مِنْ کُلِّ مَخُوفٍ بِلِبَاسٍ سَابِغَةٍ وَلَاءِ أَهْلِ بَیْتِ نَبِیِّکَ ص مُحْتَجِباً مِنْ کُلِّ قَاصِدٍ لِی إِلَى أَذِیَّةٍ بِجِدَارٍ حَصِینٍ الْإِخْلَاصِ فِی الِاعْتِرَافِ بِحَقِّهِمْ وَ التَّمَسُّکِ بِحَبْلِهِمْ جَمِیعاً مُوْقِناً أَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ وَ مَعَهُمْ وَ فِیهِمْ وَ بِهِمْ أُوَالِی مَنْ وَالَوا وَ أُجَانِبُ مَنْ جَانَبُوا فَأَعِذْنِی اللَّهُمَّ بِهِمْ مِنْ شَرِّ کُلِّ مَا أَتَّقِیهِ یَا عَظِیمُ حَجَزْتُ الْأَعَادِیَ عَنِّی بِبَدِیعِ السَّمَوَاتِ وَ الْأَرْضِ إِنَّا جَعَلْنَا مِنْ بَیْنِ أَیْدِیهِمْ سَدّاً وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَیْنَاهُمْ فَهُمْ لَا یُبْصِرُونَ وَ قُلْتَهَا عَشِیّاً ثَلَاثاً حَصَلْتَ فِی حِصْنٍ مِنْ مَخَاوِفِکَ وَ أَمْنٍ مِنْ مَحْذُورِکَ فَإِذَا أَرَدْتَ التَّوَجُّهَ فِی یَوْمٍ قَدْ حَذَرْتَ فِیهِ فَقَدِّمْ أَمَامَ تَوَجُّهِکَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ وَ الْمُعَوِّذَتَیْنِ وَ آیَةَ الْکُرْسِیِّ وَ سُورَةَ الْقَدْرِ وَ آخِرَ آیَةٍ فِی سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَ قُلْ اللَّهُمَّ بِکَ یَصُولُ الصَّائِلُ... إِلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ فِی بَابِ الِاسْتَعَاذَةِ وَ الِاحْتِجَابِ.[31]
و النتیجة هی؛ أولاً: لم نعثر علی روایة تعتبر کل شهر صفر نحساً. ثانیاً: لم تختص نحوسة یوم الأربعاء بشهر صفر، بل تعمه إلی کل الشهور. ثالثاً: و کما بیّنا سابقاً، لا یمکن إنکار نحوسة بعض الأیام بشکل عام، و یوجد علی کل حال؛ طرق للتحرّز من نحوستها کالدعاء و الصدقة و ما إلی ذلک.
معنی سعادة الأیام و نحوستها:
[1]فی مصطلح الآیات و الروایات، نحوسة الیوم أو أی مقدار من الزمان أن لا یعقب الحوادث الواقعة فیه إلا الشر و لا تکون الأعمال أو نوع خاص من الأعمال فیه مبارکة لعاملها، و سعادته خلافه. [2]
سعادة و نحوسة الأیام من الناحیة العقلیة و الشرعیة
فمن الناحیة العقلیة؛ لا سبیل لنا إلی إقامة البرهان علی سعادة یوم من الأیام أو زمان من الأزمنة و لا نحوسته، لأن طبیعة الزمان المقداریة متشابهة الأجزاء و الأبعاض، إذن فمن الناحیة الزمانیة لا فرق بین هذا الیوم أو ذاک، [3] لکی نعدّ أحدهما سعیداً و الآخر نحساً.
و من الجهة الأخری؛ لا إحاطة لنا بالعلل و الأسباب الفاعلة المؤثّرة فی حدوث الحوادث و کینونة الأعمال حتی یظهر لنا أن الیوم أو القطعة من الزمان من علل و أسباب تقتضی سعادته أو نحوسته، و لذلک کانت التجربة الکافیة غیر متآتیة؛ لتوقفها علی تجرّد الموضوع لأثره (أی توقفها علی زمان منفصل عن عوامله و علله)، حتی یعلم أن الأثر أثره و هو غیر معلوم فی المقام (فلیس لنا زمان منفصل عن علته، و لیست العلل معلومة بالنسبة لنا).
و لما مرّ بعینه لم یکن لنا سبیل إلی إقامة البرهان العقلی علی نفی السعادة و النحوسة، کما لم یکن سبیل إلی الإثبات و إن کان الثبوت بعیداً لکن البعد غیر الاستحالة.[4]
و أما بحسب النظر الشرعی و الفقهی؛ ففی الکتاب ذکر من نحوسة الأیام، قال تعالی: " إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَیهْمْ رِیحًا صَرْصَرًا فىِ یَوْمِ نحَسٍ مُّسْتَمِر" [5] " فَأَرْسَلْنَا عَلَیهْمْ رِیحًا صَرْصَرًا فىِ أَیَّامٍ نحَّسَاتٍ" [6]
لا یظهر من سیاق قصة قوم عاد –التی تتعلّق بها هاتان الآیتان – أزید من کون النحوسة و الشؤم خاصة بنفس الزمان التی کانت تهب علیهم فیه الریح عذاباً و هو سبع لیال و ثمانیة أیام متوالیة یستمر علیهم فیها العذاب من غیر أن تدور بدوران الأسابیع و هو ظاهر و إلا کان جمیع الزمان نحساً، و لا بدوران الشهور و السنین. [7]
فی مقابل الزمان النحس، یشیر القرآن فی بعض آیاته إلی الزمان السعید " إِنَّا أَنزَلْنَهُ فىِ لَیْلَةٍ مُّبَرَکَة" [8] و المراد بها لیلة القدر التی یصفها الله تعالی بقوله :" لَیْلَةُ الْقَدْرِ خَیرْ مِّنْ أَلْفِ شهَر" [9] و الظاهر أن مبارکة هذه اللیلة و سعادتها إنما هی بمقارنتها نوعاً من المقارنة لأمور عظام من الإفاضات الباطنیة الإلهیة و أفاعیل معنویة کإبرام القضاء و نزول الملائکة و الروح و کونها سلاماً، فیؤول معنی مبارکتها و سعادتها إلی فضل العبادة و النُسک فیها و غزارة ثوابها و قرب العنایة الإلهیة فیها من المتوجّهین إلی ساحة العزّة و الکبریاء. [10]
أما السنة فهناک روایات کثیرة جداً فی السعد و النحس من أیام الأسبوع و من أیام الشهور العربیة و من أیام شهور الفرس و من أیام الشهور الرومیة، و هی روایات بالغة فی الکثرة مودعة فی جوامع الحدیث، [11]
بید أن أکثرها ضعاف و مراسیل (أی بدون سند) و مرفوعات (أی مقطوع فیها قسم من السند) و إن کان فیها ما لا یخلو من اعتبار من حیث أسنادها. [12]
الأیام النحسة فی الروایات
أما الروایات التی تذکر بعض الأیام و تصفها بالنحس، فبعضها هی:
1- روی عن الإمام الحسن العسکری (ع): "إن فی کل شهر من الشهور العربیة لا یصح ارتکاب شیء من الأعمال فیه سوی الخلوة و العبادة و الصوم و هو الثانی و العشرون من المحرم و العاشر من الصفر و الرابع من الربیع الأول و الثامن و العشرون من الربیع الثانی و الثامن و العشرون من جمادی الأولی و الثانی عشر من جمادی الثانی و الثانی عشر من رجب و السادس و العشرون من شعبان و الرابع و العشرون من شهر رمضان و الثانی من شوال و الثامن و العشرون من ذی القعدة و الثامن من ذی الحجة". [13]
وهذه الروایة و إن کانت مرسلة و لیس لها سند، وعلی رغم أن التحقیق و الدراسة، یثبتان أنها الروایة الوحیدة التی تنص علی نحوسة الیوم العاشر من شهر صفر هی هذه الروایة المرسلة؛ لکن یمکن الاعتناء بمتن هذه الروایة، بناءً علی التوضیحات الآتیة وتفسرها تفسیرا صحیحا.
2- ورد فی الروایات کاحتمال وبدون سند فی ذیل الآیة " إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَیهْمْ رِیحًا صَرْصَرًا فىِ یَوْمِ نحَسٍ مُّسْتَمِر" نص علی أن هذا الیوم النحس المستمر، هو آخر أربعاء من شهر صفر. [14] علی رغم أن الرویات الواردة فی ذیل هذه الآیة المرویة عن طریق الشیعة و السنة تعتبر مطلق یوم الأربعاء، أو أن کل أربعاء من کل الشهور هو یوم نحس مستمر؛ لا أنه آخر أربعاء من شهر صفر.[15]
عن الإمام علی (ع): "آخر أربعاء فی الشهر یوم نحس مستمر".[16]
و عن الصادق (ع): " الأربعاء یوم نحس مستمر لأنه أول یوم و آخر یوم من الأیام التی قال الله تعالى " سَخَّرَهَا عَلَیهْمْ سَبْعَ لَیَالٍ وَ ثَمَانِیَةَ أَیَّامٍ حُسُومًا"[17] [18]
روی ان أبی حاتم عن زر بن جیش أن المراد من "فىِ یَوْمِ نحَسٍ مُّسْتَمِر" هو یوم الأربعاء. [19]
کما یُروی عن ابن عباس أن آخر أربعاء من کل شهر نحس. [20]
أما العلامة المجلسی فینقل أن آخر أربعاء من شهر صفر المشهور بین العوام بالنحوسة؛ لم نعثر علی روایة تدل علی ذلک، إلا روایة تدل بصورة عامة علی نحوسة آخر أربعاء من کل شهر فتشمل شهر صفر من هذه الناحیة.[21]
و أما الروایات الدالة علی سعادة الأیام السعیدة من الأسبوع و غیرها فالوجه فیها نظیر ما تقدّمت إلیه الإشارة فی الأخبار الدالة علی نحوستها من الوجه الأول فإن فی هذه الأخبار تعلیل برکة ما عد من الأیام السعیدة بوقوع حوادث متبرکة عظیمة فی نظر الدین کولادة النبی (ص) و بعثته و کما ورد أنه (ص) دعا فقال: "اللهم بارک لأمتی فی بکورها یوم سبتها و خمیسها". [22] و ما نقل عن الإمام الصادق (ع) من "أن الله ألان الحدید لداوود (ع) یوم الثلاثاء". [23]
توضیح الروایات المتعلقة بسعادة الأیام و نحسها
تجدر بنا الإشارة إلی بعض الملاحظات فیما یخص هذه المجموعة من الآیات و الروایات لنحصل علی فهم صحیح لها:
أولاً: لقد ورد فی هذه الآیات و الروایات علة نحوسة و سعادة الأیام؛ أی قیل أنه قد تکرّر فی مثل هذه الأیام النحسة وقوع حوادث مؤلمة مُرّة، غیر مطلوبة بحسب المذاق الدینی، کقتل هابیل من قبل أخیه قابیل [24] أو نزول العذاب علی الأمة الفلانیة أو خلق جهنم أو .... أو أنه قد وقع فی الأیام السعیدة المیمونة حوادث مبارکة.
ثانیاً: إن الأخبار الواردة فی سعادة الأیام و نحوستها لا تدل علی أزید من ابتنائهما علی حوادث مرتبطة بالدین توجب حُسناً و قبحاً بحسب الذوق الدینی أو بحسب تأثر النفوس، و أما اتصاف الیوم أو أی قطعة من الزمان بصفة المیمنة أو المشأمة و اختصاصه بخواص تکوینیة عن علل و أسباب طبیعیة تکوینیة فلا، و ما کان من الأخبار ظاهراً فی خلاف ذلک فإما محمول علی التقیة أو لا اعتماد علیه.[25]
و قد اُشیر فی روایات أخری إلی هذه الحقیقة و هی إن ذات الأیام لا تتصف بالنحس و الشؤم، و قد نهی الإنسان عن هذا الاعتقاد، بل إن بعض المشاکل التی تصیب الإنسان فی هذا الیوم أو فی هذا الزمن، نتیجة ذنوبه و أعماله السیئة. کما روی عن الإمام الهادی (ع) إذ قال لبعض أصحابه: "یا حسن ما ذنب الأیام حتی صرتم تتشاءمون بها إذا جوزیتم بأعمالکم فیها؟ قال الحسن: أنا أستغفر إلی الله أبداً، و هی توبتی یا بن رسول الله.
قال: " ما ینفعکم و لکن الله یعاقبکم بذمها علی ما لا ذم علیه فیه. أما علمت یا حسن أن الله هو المثیب و المعاقب و المجازی بالأعمال عاجلاً و آجلاً؟ قلت: بلی یا مولای. قال: لا تعد و لا تجعل للأیام صنعاً فی حکم الله. قال الحسن: بلی یا مولای".[26]
إن هذا الحدیث إلهام یُشیر إلی أن التأثیر الممکن حصوله فی الأیام مردّه إلی أمر الله، و لیس للأیام تأثیر مستقبل علی حیاة الإنسان، و لابد من استشعار لطف الله دائماً، الذی لا غنی لنا عنه أبداً، و بذلک لا ینبغی أن نتصوّر الحوادث التی هی بمثابة کفّارة لأعمالنا و سیئاتنا غالباً علی أنها مرتبطة بتأثیر الأیام، و نبرء أنفسنا منها و لعل هذا البیان أفضل طریق للجمع بین الأخبار المختلفة فی هذا الباب. [27]
ثالثاً: و یوجد احتمال آخر و هو أن کل ما قیل آنفا، یصدق علی بعض هذه الروایات و لا یصدق علی القسم الآخر منها؛ لأن المستفاد من البعض منها أن هنالک تأثیراً ملموساً فی بعض الأیام (إیجابیاً و سلباً) و لیس لنا تفسیر أو علم بهذا التأثیر. [28]
رابعاً: نجد البعض قد سلک طریق الإفراط فی مسألة سعد الأیام و نحسها بحیث إنهم یمتنعون من الشروع بأی عمل إلا بالإعتماد علی هذه الخلفیة، و بذلک یفوّتون علیهم فرصاً کثیرة یمکن الاستفادة منها.
و بدلاً من التعمّق فی البحث الموضوعی الذی تحسب فیه حسابات الربح و الخسارة و بدلاً من الاستفادة من الفرص و التجارب الثریة .... فإنهم یُرجعون کسب الأرباح إلی سعد الأیام و الإنتکاسات و الخسارة إلی شؤم الأیام ... و هذا المنهج یعبّر عن الانهزام من الواقع و الهروب من الحقیقة و الإفراط فی التعلیل الخرافی لحوادث الحیاة الذی یجب أن نحذره و نتجنّبه بشدة.
و الجدیر بنا فی هذه المسائل أن لا نعطی آذانا صاغیة لأقوال المنجّمین و الإشاعات المنتشرة فی الأجواء الإجتماعیة المختلفة، و لا لحدیث أولئک الذین یدعون المعرفة المستقبلیة لفأل الأشخاص، و نستمر فی حیاتنا العملیة بجهد حثیث و خطی ثابتة و بالتوکل علی الله و بروح موضوعیة بعیدة عن التأثّر بهذه الحکایات و الأقاویل، و نستمد من الله وحده العون و الرعایة. [29]
خامساً: و معلوم إن عدّ هذه الأیام نحسة مشؤومة و تجنب اقتراب الأمور المطلوبة و طلب الحوائج التی یلتذ الإنسان بالحصول علیها فیها تحکیماً للتقوی و تقویة الروح الدینیة و فی عدم الاعتناء و الاهتمام بها و الاسترسال فی الاشتغال بالسعی فی کل ما تهواه النفس فی أی وقت کان، إضراباً عن الحق و هتکاً لحرمة الدین و إزراء لأولیائه، فتؤول نحوسة هذه الأیام إلی جهات من الشقاء المعنوی منبعثة عن علل و أسباب اعتباریة مرتبطة نوعاً من الارتباط بهذه الأیام تفید نوعاً من الشقاء الدینی علی من لا یعتنی بأمرها.[30]
و علیه إن مسألة الاهتمام بموضوع (سعد الأیام و نحسها) بالإضافة إلی أنها ترشدنا للکثیر من الحوادث التأریخیة ذات العظمة و العبرة، فإنها أیضاً عامل للتوسل بالله و التوجه إلی رحاب عظمته السامقة، و استمداد العون من ذاته القدسیة، و هذا ما نلاحظه فی روایات عدیدة، حیث وجّهت الناس إلی هذه الحقائق و أعطت بعض الحلول العملیة للتخلّص من نحوسة هذه الأیام، مثل اللجوء إلی الله و طلب العون منه، أو الصوم و الدعاء و قراءة القرآن و التصدّق علی الفقراء و ما إلی ذلک. نکتفی هنا بذکر هذه الروایة:
عن سهل بن یعقوب (أبی نواس) قال سألت الإمام الحسن العسکری (ع) یوماً قائلاً: یا سیدی، فی أکثر هذه الأیام قواطع عن المقاصد لما ذکر فیها من النحس و المخاوف، فتدلنی علی الاحتراز من المخاوف فیها، فإنما تدعونی الضرورة إلی التوجه فی الحوائج فیها. فقال لی: یَا سَهْلُ إِنَّ لِشِیعَتِنَا بِوَلَایَتِنَا لَعِصْمَةً لَوْ سَلَکُوا بِهَا فِی لُجَّةِ الْبِحَارِ الْغَامِرَةِ وَ سَبَاسِبِ الْبَیْدَاءِ الْغَابِرَةِ بَیْنَ سِبَاعٍ وَ ذِئَابٍ وَ أَعَادِی الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ لَأَمِنُوا مِنْ مَخَاوِفِهِمْ بِوَلَایَتِهِمْ لَنَا فَثِقْ بِاللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَخْلِصْ فِی الْوَلَاءِ لِأَئِمَّتِکَ الطَّاهِرِینَ ع وَ تَوَجَّهْ حَیْثُ شِئْتَ وَ اقْصِدْ مَا شِئْتَ یَا سَهْلُ إِذَا أَصْبَحْتَ وَ قُلْتَ ثَلَاثاً أَصْبَحْتُ اللَّهُمَّ مُعْتَصِماً بِذِمَامِکَ الْمَنِیعِ الَّذِی لَا یُطَاوَلُ وَ لَا یُحَاوَلُ مِنْ کُلِّ طَارِقٍ وَ غَاشِمٍ مِنْ سَائِرِ مَا خَلَقْتَ وَ مَنْ خَلَقْتَ مِنْ خَلْقِکَ الصَّامِتِ وَ النَّاطِقِ فِی جُنَّةٍ مِنْ کُلِّ مَخُوفٍ بِلِبَاسٍ سَابِغَةٍ وَلَاءِ أَهْلِ بَیْتِ نَبِیِّکَ ص مُحْتَجِباً مِنْ کُلِّ قَاصِدٍ لِی إِلَى أَذِیَّةٍ بِجِدَارٍ حَصِینٍ الْإِخْلَاصِ فِی الِاعْتِرَافِ بِحَقِّهِمْ وَ التَّمَسُّکِ بِحَبْلِهِمْ جَمِیعاً مُوْقِناً أَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ وَ مَعَهُمْ وَ فِیهِمْ وَ بِهِمْ أُوَالِی مَنْ وَالَوا وَ أُجَانِبُ مَنْ جَانَبُوا فَأَعِذْنِی اللَّهُمَّ بِهِمْ مِنْ شَرِّ کُلِّ مَا أَتَّقِیهِ یَا عَظِیمُ حَجَزْتُ الْأَعَادِیَ عَنِّی بِبَدِیعِ السَّمَوَاتِ وَ الْأَرْضِ إِنَّا جَعَلْنَا مِنْ بَیْنِ أَیْدِیهِمْ سَدّاً وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَیْنَاهُمْ فَهُمْ لَا یُبْصِرُونَ وَ قُلْتَهَا عَشِیّاً ثَلَاثاً حَصَلْتَ فِی حِصْنٍ مِنْ مَخَاوِفِکَ وَ أَمْنٍ مِنْ مَحْذُورِکَ فَإِذَا أَرَدْتَ التَّوَجُّهَ فِی یَوْمٍ قَدْ حَذَرْتَ فِیهِ فَقَدِّمْ أَمَامَ تَوَجُّهِکَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ وَ الْمُعَوِّذَتَیْنِ وَ آیَةَ الْکُرْسِیِّ وَ سُورَةَ الْقَدْرِ وَ آخِرَ آیَةٍ فِی سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَ قُلْ اللَّهُمَّ بِکَ یَصُولُ الصَّائِلُ... إِلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ فِی بَابِ الِاسْتَعَاذَةِ وَ الِاحْتِجَابِ.[31]
و النتیجة هی؛ أولاً: لم نعثر علی روایة تعتبر کل شهر صفر نحساً. ثانیاً: لم تختص نحوسة یوم الأربعاء بشهر صفر، بل تعمه إلی کل الشهور. ثالثاً: و کما بیّنا سابقاً، لا یمکن إنکار نحوسة بعض الأیام بشکل عام، و یوجد علی کل حال؛ طرق للتحرّز من نحوستها کالدعاء و الصدقة و ما إلی ذلک.
[1] الراغب الأصفهانی، حسین بن محمد، المفردات فی غریب القرآن، تحقیق: الداودی، صفوان عدنان، ص 794، دار القلم، الدار الشامیة، دمشق، بیروت، الطبعة الأولی، 1412 ق؛ مکارم الشیرازی، ناصر، تفسیر الأمثل، ج 17، ص 318، مدرسة الإمام علی بن أبی طالب (ع)، قم، 1421 ق.
[2] الطباطبائی، سید محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج 19، ص 71، مکتب النشر الإسلامی، قم، الطبعة الخامسة، 1417 ق.
[3] نفس المصدر.
[4] نفس المصدر؛ راجعوا: تفسیر الأمثل، ج 17، ص 317.
[5] القمر، 19.
[6] فصلت، 16.
[7] المیزان فی تفسیر القرآن، ج 19، ص 71.
[8] الدخان، 3.
[9] القدر، 3.
[10] المیزان فی تفسیر القرآن، ج 19، ص 71-72.
[11] راجعوا: المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 56،«باب 15 ما روی فی سعادة أیام الأسبوع و نحوستها»، ص 18-112، دار احیاء التراث العربی، بیروت، الطبعة الثانیة، 1403 ق.
[12] المیزان فی تفسیر القرآن، ج 19، ص 72؛ تفسیر الأمثل، ج 17، ص 318.
[13] بحار الأنوار، ج 56، ص 54؛ المحدث النوری، حسین، مستدرک الوسائل و مستنبط المسائل، ج 8، ص 205، مؤسسة آل البیت (ع)، قم، الطبعة الأولی، 1408 ق.
[14] الکاشفی السبزواری، حسین بن علی، مواهب علیه، تحقیق: الجلالی النائینی، سید محمد رضا، ص 1194، مؤسسة اقبال للطبعاة و النشر، طهران، 1369 ش؛ الکاشانی، ملا فتح الله، تفسیر منهج الصادقین فی إلزام المخالفین، ج 9، ص 100، مکتبة محمد حسن العلمی، طهران، 1336 ش؛ ملا حویش آل غازی، عبد القادر،بیان المعانی، ج 1، ص 286، مطبعة الترقی، دمشق، الطبعة الأولی، 1382 ق.
[15] راجعوا: السیوطی، جلال الدین، الدر المنثور فی تفسیر المأثور، ج 6، ص 135، مکتبة آیة الله المرعشی النجفی، قم، 1404 ق.
[16] الشیخ الصدوق، الخصال، المحقق المصحح: الغفاری، علی أکبر، ج 2، ص 387-388، مکتب النشر الإسلامی، قم، الطبعة الأولی، 1362 ش.
[17] الحاقة، 7.
[18] الشیخ الصدوق، علل الشرائع، مکتبة داوری، قم، الطبعة الأولی، 1385 ش.
[19] الدر المنثور فی تفسیر المأثور، ج 6، ص 135.
[20] بیان المعانی، ج 1، ص 286.
[21] المجلسی، محمد باقر، زاد المعاد، المحقق و المصحح: الأعلمی، علاء الدین، ص 250، مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، بیروت، الطبعة الأولی، 1423 ق.
[22] الشیخ الصدوق، من لا یحضره الفقیه، المحقق و المصحح: الغفاری، علی أکبر، ج 1، ص 425، مکتب النشر الإسلامی، قم، الطبعة الثانیة، 1413 ق.
[23] الخصال، ج 2، ص 386.
[24] نفس المصدر، ص 388.
[25] المیزان فی تفسیر القرآن، ج 19، ص 74 – 75.
[26] إبن شعبة الحرانی، حسن بن علی، تحف العقول عن آل الرسول (ص)، المحقق و المصحح: الغفاری، علی أکبر، ص 482 -483، مکتب النشر الإسلامی، قم، الطبعة الثانیة، 1404 ق.
[27] تفسیر الأمثل، ج 17، ص 322.
[28] نفس المصدر، ج 17، 320.
[29] نفس المصدر، ج 17، ص 320-321.
[30] المیزان فی تفسیر القرآن، ج 19، ص 72.
[31] الشیخ الصدوق، الأمالی، ص 277، دار الثقافة، قم، الطبعة الأولی، 1414 ق.