عالم المثال هو الحد الفاصل بین الدنیا و الآخرة، و فی واقع الأمر فإن هذا العالم یعد مرتبة من مراتب عوالم الممکنات، و مرتبته بعد الدنیا و قبل الآخرة و القیامة. و هذا العالم لیس بعالم مادی، و لکنه یشتمل على بعض خصوصیات المادة، من جملتها الشکل و الوضع و البعد و..
و الواقع أن هذا العالم و عالم البرزخ شیء واحد، و لکن الفلاسفة أطلقوا علیه اسم (عالم المثال)، لأنه یمثل الحد الفاصل بین عالم المادة و عالم المجرّدات.
و أما فیما یخص إرجاع القضاء و القدر إلى هذا العالم فذلک بلحاظ کون مرتبة عالم المثال أعلى من مرتبة عالم الطبیعة و الحس، و نحن نعلم أن قوس النزول ینحدر من العالم الأعلى إلى الأدنى.
بحسب نظر الحکماء و بلحاظ معین، فإن سلسلة الوجود تعتبر مفهوماً مشککاً، و معنى ذلک أن جمیع أفراد الوجود واحدة نسبة إلى الوجود، و لکن شدتها و ضعفها بلحاظ الاستفادة الوجودیة هی العلة فی اختلاف أفراد الوجود من حیث المرتبة، و کلما کان الوجود أقوى و أوسع کانت رتبة الموجود متقدمة فی سلسلة الوجود.
إن عوالم الممکنات (أی ما سوى الله) أو بعبارة أخرى العوالم الکلیة لها ثلاث مراتب من الوجود:
1ـ عالم العقل. 2ـ عالم المثال. 3ـ عالم المادة و الطبیعة
و هذا الترتب الوجودی ترتب فی العلیة أی أن عالم العقل علة لوجود عالم المثال، و عالم المثال علة لوجود عالم المادة، و على هذا الأساس فإن کل مرتبة من مراتب الوجود تکون علة لمرتبة أخرى، فإنها تشتمل على جمیع کمالات المعلول. و على هذا الأساس فإن عالم المثال الذی طرح على أنه علة لعالم المادة هو نظام مثالی یشتمل على جمیع آثار النظام المادی و لکنه مع ذلک أشرف و أعلى من نظام المادة و لس له محدودیات هذا العالم[1].
و على کل حال فإن موقع عالم المثال بنظر الفلاسفة بین عالم الطبیعة و عالم العقل.
إن معرفتنا بعالم المثال فی الأبحاث الروائیة و الکلامیة عن طریق اصطلاح (البرزخ) و عالم ما بعد الموت تکون أسهل لأن البرزخ هو عالم المثال.
إن اصطلاح البرزخ فی القرآن الکریم هو اصطلاح لعالم ما بعد الموت الذی یمر به الناس للوصول إلى القیامة، هذا و قد ورد هذا المعنى فی سیاق الآیة 100 فی سورة المؤمنون المبارکة فی قوله تعالى: (و من ورائهم برزخ یوم یبعثون). إضافة إلى وجود الکثیر من الآیات و الروایات التی جاءت عن رسول الله (ص) و أئمة أهل البیت (ع) عن طرق الشیعة و السنة[2].
و کذلک أطلق على عالم المثال أو البرزخ اسم (عالم الخیال المنفصل)[3] الخیال یعنی أنه عالم الصورة المحضة و لیس للمادیة فیه أی مکان. و حیث أن الصوریة موجودة هنا فإن الموجودات فی هذا العالم تکون أقوى بمراتب من الموجودات فی عالم المادة و کذلک أعظم و أسرع حرکةً، کما أن الحزن و الفرح و اللذة تکون أکثر، لأن المادة تشکل مانعاً بین الزیادة فی هذه الخصوصیات، و بما أن عالم البرزخ منفصل عن المادة لذا فإن هذه المعانی تکون فیه أکثر من وجودها فی عالم المادة.
و وجه تسمیة هذا العالم بعالم الخیال المنفصل هو: أنه عالم خیال لأنه ذو صلة بمخیلة الإنسان، و حیث أنه مجاور للبدن المادی الترابی سمی خیالاً متصلاً. فالخیال المنفصل هو القوى المتخیلة و لکنها فارقت البدن و اتصلت بعالم الصورة المحض، و علیه فجمیع الموجودات فی عالم البرزخ تسمى (خیال منفصل).
و لا بد لنا أن نعرف أن عالم الخیال عالم واسع جداً، و لیس معنى الخیال ما هو معروف لدینا فی المصطلح الفارسی، أننا نعتبره أمراً وهمیاً، لأن هذا من الخطأ و الاشتباه الوارد فی لغتنا. و لذلک فإن بعض أهل الظاهر عندما وجدوا مثل هذه الجمل و العبارات التی تحتوی على اصطلاح عالم الخیال فی کلام الحکماء الأعلام تصوروا أنهم ینکرون عالم البرزخ و هو عالم المثال، و أنهم یذهبون إلى وجود عالم تصوری و توهمی، و أنه عالم لا واقعیة له و لا حقیقة فی حین أن نسبة مثل هذا الکلام للحکماء غیر صحیح[4].
و فی بعض الأحیان یطلق على عالم المثال اسم (المثال الأعظم) و یطلق على الصور الجزئیة فی النفس اسم (المثال الأصغر)[5] و فیما یخص حقیقة عالم المثال لا بد من القول: طبقاً لرأی الحکماء إن هذا العالم لا هو مجرد محض و لا هو مادی صرف، و إنما حالة وسطیة بین الأمرین، بمعنى أنه منزه عن المادة و التغیر و الحرکة (الحرکة بمعنى السیر من القوة إلى الفعل التی طرحت فی فلسفة ملا صدرا و لیس الحرکة بمعناها العرفی) و لکنه مقارب لبعض آثار المادة کالوضع و البعد و نظائرها[6].
و هناک أدلة عقلیة و نقلیة مختلفة تثبت وجود هکذا عالم حیث یعبر عنه أحیاناً بـ (عالم القبر) أو (عالم الأرواح). و کما قدمنا هناک آیات کثیرة فی القرآن الکریم تتضمن هذا المعنى إما بشکل صریح أو عن طریق دلالة الظهور. منها قوله تعالى: (و من ورائهم برزخ إلى یوم یبعثون) فإنها ظاهرة فی وجود هکذا عالم أی أنه عندما تنقطع علاقة الروح بالبدن و قبل أن تذهب الروح إلى عالم القیامة فإنها تبقى فی مکان بین الدنیا و الآخرة یطلق علیه إسم البرزخ.
أما بحسب الروایات فهناک عدد کبیر منها مروی عن طریق الشیعة و السنة یتحدث عن عالم البرزخ و عالم القبر و الأراواح بتعابیر مختلفة و أن هناک عالما بین هذا العالم و عالم الآخرة[7].
و على هذا الأساس: لا یوجد کلام فیما یخص أصل وجود عالم البرزخ أو عالم المثال کما یسمونه، و لکن المهم أن نعلم الجواب عن السؤال القائل: کیف تکون الحیاة فی عالم البرزخ؟ و قد ذکرت تصورات مختلفة فی هذا المجال أکثر وضوحاً و أقربها إلى الصحة القول أن روح الإنسان تستقر فی أجساد لطیفة بعد نهایة الحیاة فی هذا العالم مبتعدةً عن الکثیر من أعراض هذه المادة و کدوراتها و حیث أنها و بکل نظر تشبه هذا الجسم اللطیف لذلک أطلق علیها اسم (القالب المثالی) فلا هو مجرد بشکلٍ کلی و لا هو مادی محض، و أنا لها نوع (تجرد برزخی).
و أحیاناً یرجعون مباحث القضاء و القدر إلى حقائق عالم المثال و ذلک بلحاظ کون عالم المثال أعلى مرتبة من عالم الحس و الطبیعة و نحن نعلم أن قوس جریان الأمر الإلهی من العالم الأعلى إلى العالم الأدنى، و بالاصطلاح الفلسفی من عالم العقل إلى عالم المثال.
و المسألة الجدیرة بالذکر أن عالم المثال أو الخیال المنفصل له ارتباط و اتصال بعالم الدنیا عن طریق أعمال و أفکار و نوایا الإنسان. من الممکن أن یکون هذا العالم منطبقاً على لوح المحو و الإثبات فی نظام القضاء و القدر الذی یشمل کل مراتب العالم، خیث تتوقف التقدیرات فیه على شروط معینة تؤثر فیها التوبة و الدعاء و.. و کذلک فإن عالم الرؤیا له ارتباط وثیق مع عالم المثال، فهو مرتبط بأعمال الإنسان من خیر و شر بینما یکون الأمر القطعی و القضاء المحتوم مرتبطاً بالعوالم المجردة المحضة، و کما یصطلح علیه عالم الأمر الإلهی.
للاطلاع أکثر تراجع المواضیع التالیة:
الاطلاع على أحوال الأموات فی عالم البرزخ 1150 (الموقع: 1172).
الحیاة البرزخیة لرسول الإسلام 9204 (الموقع: 9196).
الثواب و العقاب فی البرزخ 9457 (الموقع: 9447).
التکامل البرزخی 10808 (الموقع: 10625).
المراد من التوقف فی عالم البرزخ یوماً واحداً أو عشرة أیام 14496 (الموقع: 14307).
[1] العلامة الطباطبائی، بدایة الحکمة، المرحلة الثانیة عشرة، الفصل التاسع، ص214، مؤسسة النشر الإسلامی، قم 1428 ق.
[2] الموسوی الهمدانی، سید محمد باقر، ترجمة تفسیر المیزان، ج15، ص 98، مکتب منشورات جماعة المدرسین فی قم، قم، 1374.
[3] ربانی گلپایگانی، علی، إیضاح الحکمة فی شرح بدایة الحکمة، ص 580، (الفصل الثالث فی المثال)، منشورات المرکز العالمی للعلوم الإسلامیة، قم زمستان 1386، نقلاً عن الأسفار، ج1، ص302.
[4] العلامة الطهرانی، معاد شناسی، ج2، ص162 و 163 (المجلس الحادی عشر، اختلافات عالم البرزخ عن القیامة، خصوصیات عالم البرزخ) المکتبة الرقمیة نو noorlib.ir.
[5] المصدر نفسه 299.
[6] ربانی گلپایگانی، علی، إیضاح الحکمة فی شرح بدایة الحکمة، ص 581 (الفصل الثالث فی المثال) منشورات المرکز العالمی للعلوم الإسلامیة، قم، زمستان 1386.
[7] النجفی الخمینی، محمد جواد، تفسیر آسان، ج13، ص383، المنشورات الإسلامیة، طهران، 1398 ق.