ینظر الاسلام الى العمل نظرة مقدسة و لا یوجد فی الاعم الاغلب زمان یحرم فیه العمل و التکسب الا فی یوم الجمعة عند النداء الى صلاة الجمعة خاصة، حیث یحرم التعامل فی تلک الفترة فقط، فاذا اقیمت الصلاة و انتهت عادت المعاملة حلالا کما هی علیه سابقاً. و کذلک هناک ارشادات و وصایا لترک العمل و التنزه عن النشاطات التجاریة و الاقتصادیة یوم عاشوراء.
عندما نستعرض التعالیم الدینیة نراها تنظر الى العمل المشروع نظرة مقدسة فلا تحده بزمان دون زمان فهو مباح على مر اللیالی و الایام، بل حتى فی یوم الجمعة لم ترشدنا التعالیم الى ایقاف النشاط التجاری و الاقتصادی و سائر المعاملات و العقود على طول النهار (نهار الجمعة)، یقول النبی الاکرم (ص) : "أَطْرِفُوا أَهَالِیَکُمْ فِی کُلِّ جُمُعَةٍ بِشَیْءٍ مِنَ الْفَاکِهَةِ أَوِ اللَّحْمِ حَتَّى یَفْرَحُوا بِالْجُمُعَةِ".[1] و من الواضح أنه لابد ان یجاز للبائع التعامل یوم الجمعة حتى یتمکن المشتری توفیر تلک المواد لعائلته ذلک الیوم، بل نفس الذهاب الى السوق و شراء تلک المواد و توفیرها للعائلة یعد نوعا من العمل.
و مع هذا لابد من الالتفات الى الأمور الضروریة التالیة:
1. ورد فی القرآن النهی عن البیع و الشراء و سائر النشاطات الاقتصادیة عند الاعلان لصلاة الجمعة کما فی قوله تعالى "یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا إِذا نُودِیَ لِلصَّلاةِ مِنْ یَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِکْرِ اللَّهِ وَ ذَرُوا الْبَیْعَ ذلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُون"[2] و هی واضحة فی حصر المنع عند الاعلان لصلاة الجمعة و جواز جمیع النشاطات الاقتصادیة المشروعة بعد اتمام الصلاة "فَإِذا قُضِیَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِی الْأَرْضِ وَ ابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَ اذْکُرُوا اللَّهَ کَثیراً لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ".[3] و قد ذمت السورة المبارکة تلک الطائفة من الناس التی تترک الرسول (ص) قائما یصلی الجمعة و تهرول لاستقبال القوافل التجاریة و النشاط الاقتصادی "وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَیْها وَ تَرَکُوکَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَیْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَ مِنَ التِّجارَةِ وَ اللَّهُ خَیْرُ الرَّازِقین".[4]
2. یوم عاشوراء
لیوم عاشوراء خصوصیة بارزة فی الفکر الشیعی، و لما حاول الامویون أن یضفوا على هذا الیوم نوعا من السرور و الفرح من أجل أن تنسى قضیة الامام الحسین (ع) و تغیب عن ذاکرة الأمة تلک الجریمة البشعة و الفعلة النکراء التی اقترفها الجیش الاموی بحق أهل بیت الوحی (علیهم السلام)، من هنا تصدى الائمة (ع) لهذا الحرکة الخطرة فمنعوا من کل عوامل التبرک و الفرح فی ذلک الیوم.[5]
3. ینبغی للمؤمنین أن تکون جمیع نشاطاتهم التجاریة و الاقتصادیة و غیرها بنحو لا تتضاد مع البعد المعنوی و الروحی. من هنا لابد أن ینظم الانسان برامجه العبادیة و الاقتصادیة و المعنویة بنحو لا یضر بعضها بالبعض الآخر، و من المناسب هنا ان نشیر الى کلام الامام الصادق (ع) نقلا عن حکمة آل داود، حیث قال (ع): "إِنَّ فِی حِکْمَةِ آلِ دَاوُدَ یَنْبَغِی لِلْمُسْلِمِ الْعَاقِلِ أَنْ لا یُرَى ظَاعِناً إِلَّا فِی ثَلَاثٍ مَرَمَّةٍ لِمَعَاشٍ أَوْ تَزَوُّدٍ لِمَعَادٍ أَوْ لَذَّةٍ فِی غَیْرِ ذَاتِ مُحَرَّمٍ وَ یَنْبَغِی لِلْمُسْلِمِ الْعَاقِلِ أَنْ یَکُونَ لَهُ سَاعَةٌ یُفْضِی بِهَا إِلَى عَمَلِهِ فِیمَا بَیْنَهُ وَ بَیْنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ سَاعَةٌ یُلاقِی إِخْوَانَهُ الَّذِینَ یُفَاوِضُهُمْ وَ یُفَاوِضُونَهُ فِی أَمْرِ آخِرَتِهِ وَ سَاعَةٌ یُخَلِّی بَیْنَ نَفْسِهِ وَ لَذَّاتِهَا فِی غَیْرِ مُحَرَّمٍ فَإِنَّهَا عَوْنٌ عَلَى تِلْکَ السَّاعَتَیْن".[6]
لینک موقع الاستفتاءات (کد 814).