قال ارباب اللغة في بيان معنى الدين: دان الرجل يدين دينا من المداينة. و دان الرجل إذا استقرض. و ورد هذا المصطلح في القرآن الكريم أربع مرات كلها بمعنى القرض. من هنا يكون المراد من الحديث المذكور في متن السؤال هو المعنى الظاهري أي القرض.
و الروايات الدينية تنقسم الى طائفتين طائفة منها لا تحبذ القرض (الدين) و تكره الاستدانة، و طائفة أخرى تشير الى ان المعصومين (ع) أنفسهم كانوا قد استدانوا و اقترضوا من غيرهم، و كذلك سائر الاصحاب! كما فعل ذلك النبي الاكرم (ص) و الإمام علي و الحسن و الحسين (ع) و الكثير من الصحابة. و الجمع بين الطائفتين من الروايات و رفع التعارض الظاهري بينهما، يتم من خلال حمل الروايات الذامة للاقتراض على الحالات التي يقترض فيها الانسان من دون حاجة و لا اضطرار للاقتراض، و اما الحالات التي يقترض فيها الانسان ليسد من خلال القرض حاجته فليست مذمومة فحسب، بل قد شجعت الروايات اصحاب الاموال على اقراض المحتاجين و جعلت القرض افضل من الصدقة.
ذكر ارباب اللغة في بيان معنى الدين: دان الرجل يدين دينا من المداينة. و دان الرجل إذا استقرض.[1] و ورد هذا المصطلح في القرآن الكريم أربع مرات كلها بمعنى القرض.[2] من هنا يكون المراد من الحديث المذكور في متن السؤال هو المعنى الظاهري أي الاقتراض.
و هنا يثار السؤال التالي: هل يتنافى هذا المعنى مع نهي المعصومين (ع) عن الاقتراض في روايات اخرى أو لا؟ و هذا ما نحاول تسليط الضوء عليه هنا. و لكي يتضح الامر جليا لابد من الاشارة الى بعض الامور:
1. ورد في بعض الروايات – كما في متن السؤال- النهي عن الاقتراض، و ان النبي الاكرم (ص) لم يصل على جنازة رجل مقترض.
و عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: أعوذ بالله من الكفر و الدين! قيل: يا رسول الله أ تعدل الدين بالكفر؟ قال: نعم.[3]
و روي عن معاوية بن وهب قال: قلت لأَبي عبد اللَّه (ع): إِنَّهُ ذكر لنا أَنَّ رجلا من الأَنصار مات و عليه دينَاران ديناً فلمْ يُصلِّ عليه النَّبِيُّ (ص) و قال: صَلُّوا على أَخيكم حتَّى ضمنهما عنهُ بعضُ قراباته؟ فقال أَبو عبد اللَّه (ع): ذاك الحق.[4]
2. عندما نرجع الى تاريخ النبي الاكرم (ص) و الائمة الاطهار (ع) -علي و الحسن و الحسين- و الكثير من المسلمين، نراهم قد فارقوا الدنيا و هم مدينين!!
فقد روي في زهد النبي الاكرم (ص) أنه: ملك من أقصى اليمن إلى شجر عمان إلى أقصى الحجاز إلى نواحي العراق ثم توفي و عليه دين و درعه مرهونة بطعام أهله ما ترك درهما و لا دينارا و لا شيد قصرا و لا غرس نخلا لنفسه و لا شق نهراً.[5] كذلك رويت الصورة نفسها لبعض الائمة الاطهار و كثير من صحابة النبي الاكرم (ص).[6]
إذن الروايات الدينية تنقسم الى طائفتين طائفة منها لا تحبذ القرض (الدين) و تكره الاستدانة، و طائفة أخرى تشير الى ان المعصومين (ع) أنفسهم كانوا قد استدانوا و اقترضوا من غيرهم، و كذلك سائر الاصحاب! و من هنا لابد من الجمع بين الطائفتين و رفع التعارض الظاهري بينهما، ولنرى متى يكره الاقتراض:
الف: هناك من يقترض لحاجة و ضرورة تقتضي ذلك، و ليس أمامه طريق في معالجة المشكلة التي تواجهه الا الاقتراض؛ فهؤلاء لا تشملهم الاحاديث الناهية عن الاقتراض جزما، بل قد يجب عليهم الاقتراض أحيانا.
ب: هناك طائفة من الناس تقترض لا لسد الحاجة و معالجة المشكلة بل لتوفير المزيد من الرفاهية و الحياة المجللة و مزيد من البهرجة في الحياة، فهذا النوع من الاقتراض مذموم، بل قد يحرم اذا أدى الى هتك حرمة المؤمن (المقترض).
و هنا نحاول الاشارة الى بعض الحكم الكامنة في عدم تحبيذ الاقتراض، منها:
الف: القرض يؤدي الى المزيد من الهموم، قال رسول الله (ص): إياكم و الدين فإنه هم بالليل و ذل بالنهار. و عن أمير المؤمنين (ع): " إياكم و الدين فإنه مذلة بالنهار و مهمة بالليل".[7]
ب: الدين لا يسقط حتى لو استشهد الرجل في سبيل الله تعالى، فعن الامام الباقر (ع) أنه قال: كل ذنب يكفره القتل في سبيل الله إلا الدين لا كفارة له إلا أداؤه أو يقضى عن صاحبه أو يعفو الذي له الحق.[8]
ج: استخفاف الناس بالدين: فقد روي عن الامام الصادق (ع) في بيان العلة التي من أجلها امتنع الرسول الاكرم (ص) من الصلاة على المدين، أنه (ع) قال: "َ إِنَّ رسول اللَّه (ص) إِنَّما فعل ذلك ليتَّعظُوا و لئلا يستخفُّوا بِالدَّيْن".[9] لا لكون الاقتراض في نفسه حراما، كيف؟! و قد مر أن النبي الاكرم (ص) و بعض الائمة (ع) و الصالحين من المسلمين قد اقترضوا في حياتهم بل ماتوا مدينين لغيرهم.[10]
و من الضروري هنا ايضا الالتفات الى الروايات الاخرى التي حثت على الاقراض و جعلت الثواب الكبير على هذا العمل.[11]
و الجدير بالذكر أن العلامة المجلسي حاول الجمع بين الرواية القائلة بامتناع النبي (ع) عن الصلاة على المقترض و بين قوله (ص) : "َ مَنْ تَرَكَ دَيْناً أَوْ ضَيَاعاً فَعَلَيَّ وَ إِلَيَّ وَ مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ" قائلا (ره): ربما يتوهم التنافي بين أمثال هذا الخبر و بين ما ورد من الأخبار من طرق الخاصة و العامة من أن النبي ص ترك الصلاة على من توفي و عليه دين و قال صلوا على صاحبكم. و في طريقنا حتى ضمنه بعض أصحابه و قد يجاب بأن هذا كان قبل ذلك عند التضيق و عدم حصول الغنائم و ذلك كان بعد التوسع في بيت المال و تيسر الفتوحات و الغنائم.[12]
و يؤيده ما روي من طريق المخالفين أنه كان يؤتى بالمتوفى و عليه دين فيقول (ص): هل ترك لدينه قضاء؟ فإن قيل: ترك. صلى. فلما فتح الله تعالى الفتوح قال (ص): أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم من توفي و ترك دينا فعلي و من ترك مالا فلورثته.[13]
[1] المصطفوي، حسن، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج 3، ص 287، بنگاه ترجمه و نشر كتاب، طهران، 1360 ش.
[2] انظر: النساء، 11و 12.
[3] الشیخ الصدوق، علل الشرائع، ج 2، ص 527 – 529، مکتبة الداوري، الطبعة الاولی، قم.
[4] الشیخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، منلايحضرهالفقيه ج : 3 ص : 182، نشر جماعة المدرسين، قم، 1413هـ.
[5] القطب الراوندي، الخرائج و الجرائح، ج 2، ص 885، مدرسه الامام المهدي، الطبعة الاولی، قم، 1409 ق.
[6] لمزيد الاطلاع انظر: علل الشرائع، ج 2، ص 527 – 529.
[7] علل الشرائع، ج 2، ص 527 – 529.
[8] نفس المصدر.
[9] منلايحضرهالفقيه ج : 3 ص : 182.
[10] انظر: علل الشرائع، ج 2، ص 527 – 529.
[11] لمعرفة اهمية القرض و مكانته في الفكر الاسلامي انظر: القرض و افضليته على الصدقة، السؤال رقم 13033 (الموقع: 12763)
[12] العلامة المجلسي، بحارالأنوار ج : 27 ص : 242 ، موسسة الوفاء بيروت، 1404هـ.
[13] نفس المصدر.