ان الآثام التي یرتکبها الإنسان منها ما یتحقق في الخارج؛ مثل الكذب والاغتیاب وغير ذلك، ومنها ما یکون فی الذهن والقلب؛ مثل کتمان الشهادة والشرك ونحو ذلك. على الرغم من أن للخطايا الداخلية آثارا فی الخارج، إلا أن هذه الآثار غیر الخطيئة نفسها.
الشتائم والألفاظ النابية هو اظهار الأمور القبيحة والمذمومة بكلمات وعبارات صريحة. والشتم من الذنوب التي لها وجه خارجي؛ على الرغم من أنه یتحقق أيضًا في الذهن كمقدمة؛ مثل الحسد، فإذا تم اظهاره وتم القيام بأعمال محرمة ضد الآخر بسببه، فهو إثم، ولكن مادام انه في شكل خواطر ذهنیة ونفسية في الداخل، وينزعج الإنسان نفسه منه ولا یتحقق عمليا فی الخارج، فإن معظم علماء الأخلاق والفقهاء - مستشهدين بروايات مثل حديث الرفع - لا يعتبرونه إثمًا.
يبدو من الضروري معرفة النقاط التالية قبل ذکر الجواب:
- ان الآثام التي یرتکبها الإنسان علی قسمین، منها تتحقق في الخارج؛ مثل الكذب والاغتیاب وما إلى ذلك، ومنها لها جانب داخلي وقلبی؛ مثل کتمان الشهادة والشرك ونحو ذلك.[1] على الرغم من أن للخطايا الداخلية آثارا خارجية، إلا أن هذه الآثار غیر الخطيئة نفسها.
- حقيقة الفحش هو التعبير عن الأمور المستقبحة بالفاظ وکلمات صريحة.[2]
- الشتائم والالفاظ النابیة ذنوب لها وجه خارجي. على الرغم من أنها تتحقق فی الذهن والنفس كمقدمة؛ مثل الحسد حیث اذا ظهر وتجلی وتم القيام بأعمال ممنوعة ضد الآخرین بسببه، یعتبر إثما، ولكن مادام انه في شكل خواطر ذهنیة ونفسیة، بحیث ينزعج الإنسان نفسه منها ولم تتحقق عمليا فی الخارج، فإن معظم علماء الأخلاق والفقهاء - مستشهدين بروايات مثل حديث الرفع[3] - لا يعتبرونه إثمًا.[4]
وعلى ضوء ما تقدم ذکره نقول:
- علی الرغم من أن الشتائم والألفاظ النابية اذا لم تتحقق عملیا ولفظیا وتکون فقط في الذهن، لا تعتبر خطيئة؛ مع ذلک ان تنمية مثل هذا العمل الذهنی والنفسی وعدم تجنبه أمر غير مرغوب فيه ويمكن أن يتجلى كخطيئة بل ويؤدي إلى خطايا أخرى، وبالتأكيد مثل هذا الشخص سیختلف في التقوی والرتبة والدرجة المعنویة مع الشخص المنزه عنها. حسب الآية:
«يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ».[5]
فطالما لم یتجلی الشک والظن ولم یترتب علیه اثر لم یعتبر اثما، لان الظن من الخواطر النفسیة وامر قسری ویحدث للانسان لاسباب مختلفة، ولكن لا ينبغي أن ننمي هذه الخواطر ونصر عليها. لذلك، من المناسب للشخص أن يتجنب هذه الخواطر القلبیة والنفسیة بالممارسة.
- يحتمل أن السب فی النفس یقلل من قبح السب وخطورته، فیصبح سب الانسان امرا اعتیادیا، وبعد فترة يرتكب الإنسان السب والالفاظ البذيئة جهارا، لذلک يبدو أن تركه کمقدمة لاجتناب الخطيئة أمر ضروري.
- الآية الشریفة: «إِنْ تُبْدُوا ما فی أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّه»،[6] لا تتعارض مع القول بأن الشتائم مالم تتحقق عمليا، فهی ليست معصیة. لان أولاً: ان الله تعالی لایعاقب علی المعصیة التي تخطر فی القلب والذهن. نعم، إذا نوی في قلبه وفکره بشأن الخطيئة وقرر ان یفعلها وأصر على فعلها، فلأن هذا القرار في حد ذاته یعتبر من اعمال القلب، سيعاقبه الله تعالی على هذ العمل القلبی ویجازیه بما یناسبه.[7] ثانياً: تدل الآية الشریفة على أن الله لا يؤاخذ فقط علی الذنوب الظاهرة والخارجية التي ترتكب بأعضاء الانسان وجوارحه، بل انه يحاسب ویؤاخذ علی المعاصی القلبیة والباطنة (مثل الشرك). لأنه يحكم العالم ويعلم كل الأحداث الظاهرة والباطنة وکذلک الأفعال الداخلیة والخارجیة وكل الأفكار والنوايا ولا يخفى علیه شيء.[8]
- أخيراً، لتوضيح أهمية التوقف عن السب والألفاظ النابية، نشیر هنا الی بعض احادیث المعصومين(ع):
4-1. قال النبي الاکرم(ص): «الْجَنَّةُ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ فَاحِشٍ أَنْ يَدْخُلَهَا».[9] وطبعًا إن لم يتب حقًا، وإلا إذا تاب واعتذر لمن سبه وأرضاه، وعوض عن هذه الذنب بالحسنات، فسوف یغفر له.
[10] قال الإمام علي(ع): «ما أفحَشَ كريمٌ قَطُّ»." .4-2
- قال الإمام الباقر(ع): «سِلاحُ اللِّئامِ قَبيحُ الكلام».[11]و «قُولُوا لِلنَّاسِ أَحْسَنَ مَا تُحِبُّونَ أَنْ يُقَالَ لَكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ اللَّعَّانَ السَّبَّابَ الطَّعَّانَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الْفَاحِشَ الْمُتَفَحِّشَ السَّائِلَ الْمُلْحِفَ وَ يُحِبُّ الْحَلِيمَ الْعَفِيفَ الْمُتَعَفِّفَ».[12]
[1]. مكارم الشيرازى، ناصر، تفسير نمونه، ج 2، ص 396، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الاولی، 1374ش.
[2]. النراقى، ملا محمد مهدى، جامع السعادات، ج 1، ص 351، بیروت، نشر الاعلمى، الطبعة الرابعة، بدون تاریخ.
[3]. راجع: السؤال 10471 (الموقع: 10359).
[4]. راجع: مصادر الاخلاق مثل: جامع السعادات، ج 1، ص 178 – 199؛ شبّر، سید عبدالله، الاخلاق، بحث المهلکات، الباب الثالث، بحث الشتم والسب والباب السادس، بحث الحسد؛ المصادر الفقهیه مثل: الفیض الكاشانى، محمد محسن، مفاتيح الشرائع، ج 2، ص 24 – 28، قم، مکتبة آية الله المرعشى النجفى(ره)، الطبعة الاولی، بدون تاریخ؛ النجفى(صاحب الجواهر)، محمد حسن، جواهر الكلام فی شرح شرائع الإسلام، المحقق و المصحح: القوچانى، عباس، الآخوندى، على، ج 41، ص 52 و 53، بیروت، دار إحياء التراث العربی، الطبعة السابعة، بدون تاریخ.
[5]. الحجرات، 12.
[6]. البقره، 284.
[7]. الطبرسى، الفضل بن الحسن، مجمع البيان فى تفسير القرآن، ج 2، ص 687 و 688، طهران، نشر ناصر خسرو، الطبعة الثالثة، 1372ش.
[8]. راجع: تفسیر نمونه، ج 2، ص 396؛ الطيب، سيد عبد الحسين، اطيب البيان فی تفسير القرآن، ج 3، ص 88 و 89، طهران، نشر الاسلام، الطبعة الثانیة، 1378ش.
[9]. ورام بن أبی فراس، مسعود بن عيسى، تنبيه الخواطر و نزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام، ج 1، ص 110، قم، مكتبه فقيه، الطبعة الاولی، 1410ق؛ باينده، ابو القاسم، نهج الفصاحة، ص 434، طهران، دنياى دانش، الطبعة الرابعة، 1382ش.
[10]. التميمى الآمدى، عبد الواحد بن محمد، تصنيف غرر الحكم و درر الكلم، ص 223، ح 4496، قم، مکتب الاعلام الاسلامی، الطبعة الاولی، 1366ش.
[11]. العلامه المجلسى، بحار الأنوار، ج 75، ص 185، بیروت، دار إحياء التراث العربی، الطبعة الثانیة، 1403ق.
[12]. بحارالانوار، ج 65، ص 152.