قام وحشي الذي كان عبداً مملوكاً لهند زوج أبي سفيان، بابشع جناية في تاريخ المسلمين في تلك الفترة، حيث مثل بحمزة بعد قتله و شق بطنه و اخرج كبده، في الوقت الذي كان بإمكانه أن يكتفي بالقتل و يلتزم بآداب الحرب، خاصة و أنه كان على مرأى و مسمع من المسلمين، الا انه ذهب في طاعته لهند أم معاوية الى أبعد الحدود فقام بفعلته المشهورة و مثل بذلك البدن الطاهر، الامر الذي آلم قلب النبي الاكرم (ص). و من الطبيعي عندما ينظر النبي (ص) الى عمه و أحد قادة جيشه و قد مثل به بهذه الصورة البشعة يتألم لذلك و يزداد حزنه و انزعاجه من هذا المنظر المزعج.
و لتحليل موقف النبي الاكرم (ص) من وحشي يمكن قراءة الموقف من أكثر من زاوية:
فهناك من يذهب الى القول بان الرجل لم يعلن اسلامة عن قناعة و ايمان راسخين و إنما تظاهر بالاسلام حقنا لدمه و تخلصاً من الحكم الذي اصدره النبي (ص)، و من هنا طلب منه أن يغيب وجهه عنه. و ذهب البعض الآخر الى توجيه القضية من خلال النظر الى طبيعة الانسان فان لكل انسان مهما سمت مرتبته الكمالية و المعنوية، مجموعة من العواطف و الاحاسيس الانسانية، و ليس النبي الاكرم (ص) مستنثى عن هذه القاعدة، و من هنا طلب منه أن يغيب وجهه عنه، لان في رؤيته تذكير بذلك المنظر المفجع الذي شاهده في معركة أحد فتعود له (ص) أحزانه و آلامه التي سببها مقتل عمه و المثلة به. بل هناك من يذهب الى تفسير أعمق تتجلى فيه الرحمة الرسولية بتحليل عميق لكلام الرسول و هو انه إنما طلب منه ذلك لكي لا يحس وحشي بالاحراج و الخجل كلما التقى به (ص). فيكون معنى كلام الرسول (ص) اذهب و مارس حياتك كاحد المسلمين و حاول تعويض ما فاتك و صحح الاخطاء التي اقترفتها يداك.
يتضح من خلال ذلك أننا اذا نظرنا الى موقف النبي الاكرم (ص) هذا من أي زاوية نراه موقفاً رحمانياً و أنه ينسجم تمام الانسجام مع اخلاقيات الرسول (ص) و أدبه الكريم.
الاجابة عن السؤال المطروح و توضيح ابعاد القضية يقتضي تحليل شخصية وحشي و عظم الجريمة التي اقترفها في لحظة حرجة للغاية كادت أن تقضي على تلك الثلة المؤمنة التي اعدها الرسول الاكرم (ص)، و بعد ذلك تحليل موقف النبي الاكرم (ص) من الرجل.
قام وحشي الذي كان عبداً مملوكاً لهند زوج أبي سفيان، بابشع جناية في تاريخ المسلمين في تلك الفترة، حيث مثل بحمزة بعد قتله و شق بطنه و اخرج كبده[1]، في الوقت الذي كان بإمكانه أن يكتفي بالقتل و يلتزم بآداب الحرب، خاصة و انه كان على مرأى و مسمع من المسلمين، الا انه ذهب في طاعته لهند أم معاوية الى أبعد الحدود فقام بفعلته المشهورة و مثل بذلك البدن الطاهر، الامر الذي آلم قلب النبي الاكرم (ص) لا لانه عمه و تربطه به رابطة النسب فقط، بل للمواقف الجليلة التي وقفها حمزة في دعم جبهة المسلمين و تقوية مركزهم فكان يمثل محورا أساسياً من محاور القوة في جبهة المسلمين. و من الطبيعي عندما ينظر النبي (ص) الى عمه و أحد قادة جيشه و قد مثل به بهذه الصورة البشعة يتألم لذلك و يزداد حزنه و انزعاجه من هذا المنظر المزعج.
نعم، الكل يعلم ان العفو و الصفح من أولويات الفكر الاسلامي و من السلوكيات الثابتة للنبي (ص) و لتلك الثلة التي ربّاها (ص)، حيث كان الرسول (ص) يؤكد على هذا المبدأ و القيمة الاخلاقية دائماً. و لكن هذا المبدأ يستحن العمل به مع عامة الناس، أما المجرمون و من تلطخت ايديهم بالجريمة فقد يؤدي التعامل معهم بهذا المبدأ الاخلاقي الا الى التمادي و الغي و استغلال العفو و الرحمة بطريقة سلبية. من هنا أهدر النبي (ص) دم وحشي الذي فرّ الى الطائف خشية ملاحقة المسلمين له، و لكنه استغل فرصة قدوم وفد من الطائف على النبي الاكرم (ص) فقدم في وفدها فدخل على رسول الله (ص) و هو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله. فقال النبي (ص):أ وحشي؟ قال: نعم. قال: أخبرني كيف قتلت حمزة؟ فأخبره. فقال: غيّب عني وجهك. قال وحشي: فكنت إذا رأيته تواريت.[2]
و لتحليل موقف النبي الاكرم (ص) من وحشي يمكن قراءة الموقف من أكثر من زاوية:
1. يذهب البعض الى القول بان الرجل لم يعلن اسلامة عن قناعة و ايمان راسخين و إنما تظاهر بالاسلام حقنا لدمه و تخلصاً من الحكم الذي اصدره النبي (ص)، و من هنا طلب منه أن يغيب وجهه عنه[3]. و لا يمكن الذهاب الى هذا الرأي لما ورد في ذيل الآية 106 من سورة التوبة حول المراد من قوله تعالى: «مرجون لامر الله».[4]
2. يمكن توجيه القضية من خلال النظر الى طبيعة الانسان فان لكل انسان مهما سمت مرتبته الكمالية و المعنوية، مجموعة من العواطف و الاحاسيس الانسانية، و ليس النبي الاكرم (ص) مستنثى عن هذه القاعدة؛ من هنا لم يتخذ من وحشي موقفا صارما و لم يمنعه من التفاعل الاجتماعي و التواجد في الاوساط الاجتماعية و انما غاية ما طلبه منه أن يغيب وجهه عنه، لان في رؤيته تذكير بذلك المنظر المؤلم و المفجع الذي شاهده في معركة أحد فتعود له (ص) أحزانه و آلامه التي سببها مقتل عمه و المثلة به. و يمثل هذا في الواقع اسمى معاني الصفح و الاعراض عن جريمة كبرى اقترفتها يد وحشي.
3. بل هناك من يذهب الى تفسير أعمق تتجلى فيه الرحمة الرسولية بتحليل عميق لكلام الرسول و هو انه إنما طلب منه ذلك لكي لا يحس وحشي بالاحراج و الخجل كلما التقى به (ص)؛ و ذلك لانه كلما وقع نظره على وجه النبي (ص) فانه لا محالة يتذكر تلك الجريمة التي اقترفها بحق عمه و التمثيل بجسده فيشعر بالخجل و الحياء و الانكسار أمامه (ص)، فيكون معنى كلام الرسول (ص) اذهب و مارس حياتك كاحد المسلمين و حاول تعويض ما فاتك و صحح الاخطاء التي اقترفتها يداك.
و الجدير بالذكر أن هذا التحليل له نظائر في التأريخ الاسلامي:
عن اليسَعِ بن حمزةَ قال: كنت في مجلس أَبي الحسن الرِّضا (ع) أُحدِّثُهُ و قد اجتمع إِليه خلق كثير يسأَلونهُ عن الحلالِ و الحرام، إِذ دخل عليه رجلٌ طوالٌ آدمُ، فقال: السلامُ عليك يا ابن رسول اللَّه رجلٌ من مُحبِّيكَ و مُحِبِّي آبائك و أَجدادك (ع) مصدري من الحجِّ و قد افتقدتُ نفقتي و ما معي ما أَبْلُغُ مرحلةً فإِن رأَيت أَن تنهضني إِلى بلدي و للَّهِ علَيَّ نعمةٌ، فإِذَا بلغتُ بلدي تصدَّقْتُ بالّذي تولِّيني عنك فلست موضعَ صدقَةٍ. فقال لهُ: اجلس رحمكَ اللَّهُ و أَقبل علَى الناس يحدِّثُهُمْ حتَّى تفرَّقُوا و بقي هو و سليمانُ الجعفَريُّ و خَيْثَمَةُ و أَنَا فقال: أَ تأْذنونَ لي في الدُّخُولِ؟ فقال لهُ سليمان: قَدَّمَ اللَّهُ أَمْرَكَ. فقام فدخل الحجرةَ و بقي ساعةً ثمَّ خرج و ردَّ الْبَابَ و أَخرج يدهُ من أَعلى الباب و قال: أَين الخراسانيُّ؟ فقال: ها أَنا ذا. فقال: خذ هذه المائَتَي دينار و استعنْ بها في مئُونَتِكَ وَ نفَقَتِكَ و تَبَرَّكْ بها و لا تصَدَّقْ بها عَنِّي، و اخرج فلا أَراكَ و لا تراني ثُمَّ خَرَجَ. فقال له سليمان: جعلتُ فداك لقدْ أَجزلت و رحمتَ فلما ذا سترت وجهك عنه؟ فقال: مخافَةَ أَن أَرى ذُلَّ السُّؤال في وجهه لقضائي حاجتهُ، أَ ما سمعت حديث رسول اللَّه (ص): الْمُسْتَتِرُ بِالْحَسَنَةِ يعدلُ سَبْعِينَ حَجَّةً وَ الْمُذِيعُ بِالسَّيِّئَةِ مَخْذُولٌ وَ الْمُسْتَتِرُ بِهَا مَغْفُورٌ لَهُ.[5]
اتضح من خلال ذلك أننا اذا نظرنا الى موقف النبي الاكرم (ص) من وحشي من أي زاوية نراه موقفاً رحمانياً و أنه ينسجم تمام الانسجام مع اخلاقيات الرسول (ص) وأدبه الكريم.
[1] الشیخ المفید، الارشاد في معرفة حجج الله علی العباد، ج 1، ص 83، مؤتمر الشیخ المفید، قم، الطبعة الاولی، 1413ق؛ الطبرسي، اعلام الوری باعلام الهدی، ج 1، ص 180، اسلامیة، طهران، الطبعة الثالثة، 1390ق؛ البلاذري، انساب الاشراف، ج 1، ص 322، دار الفکر، بیروت، الطبعة الاولی، 1417ق؛ الاستر آبادي، احمد بن یحیی، آثار احمدي (تاریخ زندگانی پیامبر اسلام و ائمه اطهار)، ص 172، 173، میراث مکتوب، طهران، الطبعة الاولی، 1374ش؛ المجلسي، محمد باقر، بحار الانوار، ج ، 20، ص 55، نشر اسلامیة، طهران.
[2] ابن اثیر، أسد الغابة، ج 4، ص 663، دار الفكر، بیروت، 1409ق؛ الواقدي، محمد بن عمر، المغازي، ترجمة، مهدوي دامغاني، محمود، ص661،
[3] انظر: القمي، علي بن ابراهیم، تفسير القمي، ج1، ص: 30، دار الکتاب، قم، 1367ش.
[4] للاطلاع علی المراد من المرجون، انظر: موضوع «تفسیر المرجون لامر الله في الآیة 106 من سورة التوبة»، 23472.
[5] الكليني، الكافي، ج 4، ص 23-24، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1365 ش؛ المجلسي، محمد باقر، بحار الانوار، ج 49، ص101، مؤسسة الوفاء بيروت، الطبعة الاولى، 1404هـ.