ان الاسلام دین کامل و جامع، و منا البدیهی انه و مع هذه الخصوصیة فقد أخذ بنطر الاعتبار فیه جمیع اللوازم المختلفة لحیاة الانسان و انه وضع قوانین و مقررات لجمیع القضایا التی تحتاجها الحیاة الفردیة و الاجتماعیة
و من جملة المسائل التی اهتم بها الاسلام و ما یزال، هی کیفیة الحیاة الاجتماعیة و البیئة. و حیث إن «الماء» و «الهواء» من العوامل المهمة جداً و الضروریة للغایة و ان استعمال الماء و الهواء النقی هو أحد الحاجات الضروریة للانسان، فان تلویثهما حرام و من الذنوب الکبیرة طبقاً لتعالیم الاسلام. اضافة إلی اعتبار هذا العمل کفراناً للنعم الالهیة أیضاً و هو ذنب لا یغتفر.
ان ضرورة المحافظة علی سلامة البیئة و القضایا من هذا القبیل هو من المواضیع المهمة جداً و الاساسیة للمجتمعات الإنسانیة و ائمتنا قبل ما یقارب 1400 سنة، الزموا اتباعهم برعایة القوانین و المقررات المتعلقة بذلک و تنفیذ التعلیمات و القوانین الاجتماعیة و الفردیة و وضعوا الحلول من اجل المحافظة علی البیئة و سلامتها و تلک التعلیمات هی من هذا القبیل:
1. کل شی یضر بجسم الانسان تناوله «استنشاقه او شربه» فانه حرام، الا ان تقتضی الضرورة ذلک.
2. لا تبقوا النفایات و الأوساخ فی بیوتکم، بل اخرجوها نهاراً خارج البیوت.
3. احتناب التلویث قرب الماء الجاری و الجداول و تحت الاشجار المثمرة و فی طرق المارة و... .
4. اذا قامت القیامة و فی ید أحدکم غرس فان تمکن فلیزرعه.
و مئات القوانین و التوصیات الاخلاقیة الاخری جعلت المواطن المسلم یعتبر ان المحافظة علی البیئة و سلامتها هی من وظائفه الاصلیة.
التطرق إلی هذه المقدمات قبل التعرض لأصل الموضوع لا یخلو من فائدة:
1. للاسلام قوانین و تعلیمات لجمیع شؤون و نواحی حیاة الانسان، بدءاً من أعقد القضایا السیاسیة و الحکومیة و إلی ابسط القضایا الشخصیة کاحکام التخلی؛ أی اننا نعتبر الاسلام دیناً جامعاً و کاملاً، و علیه فنحن نعتقد ان الحیاة الاجتماعیة و البیئة[1] هی من القضایا التی اهتم بها الاسلام و مازال.
و بالطبع فان جامعیة الاسلام هی بمعنی انه عن طریق استنباط العناصر العالمیة فی الاسلام یمکن التوصل الی الفلسفة و المذهب و النظام الاسلامی و من ثم القیام بوضع الحلول.[2]
2. من وجهة نظر الاسلام ان الانسان لم یخلق عبثاً و بلا هدف[3] و ان الاحکام الاجتماعیة للاسلام موضوعة علی اساس هدف و فلسفة خلقته. و بالطبع فان هذه الاحکام و القوانین وردت أحیاناً فی إطار الترغیب و الحث او الانذار ففیها جنبة اخلاقیة صرفة و قد وضعت لمخالفتها عقوبات اخرویة، و احیاناً وضعت عقوبات دنیویة أیضاً علی عدم رعایتها.
3. توجد فی الاسلام اصول و کلیات یمکن الاستفاده منها فی معرفة وظائف المواطن المسلم؛ مثلاً:
أ. فی الاسلام یعتبر اتلاف ما یتوقف علیه بقاء نسل البشر حراماً من عدة جهات، فهو مثلاً ظلم للنوع البشری او کفران للنعمة[4] و ...
ب. من وجهة نظر الاسلام فان العمل الذی یوجب راحة الناس و یؤدی إلی المحافظة علی سلامتهم هو خدمة فی سبیل رضا الله، و یعتبر عبادة لله و لیس هنالک هدف لخلق الانسان غیر العبادة.[5]
و لان المحافظة علی البیئة و سلامة المحیط و المنع من تلوثه یعتبر سعیاً لانقاذ البشر من الهلاک، او انه خطوة فی طریق تحقیق الراحة لهم فهو عمل راجح «بنحو الوجوب او الاستحباب».
لکن الاسلام لم یکتف بهذا المقدار، فبالاضافة الی ذکر الکلیات ورد التأکید علی موضوعات خاصة و نشیر فیما یلی بنحو الاختصار إلی جانب من الکلیات و التأکیدات الخاصة:
1. تلوث الجو ٌ
قیل: لو أن الهواء لم یکن محیطاً بالکرة الارضیة فبمجرد أن تغیب الشمس عن قسم من سطح الارض فانه ستنخفض مباشرة درجة الحرارة و تصل الی 160 درجة تحت الصفر و تؤدی هذه البرودة الشدیدة الی هلاک الموجودات الحیة. و ان الهواء هو الذی یقوم بمنع فقدان حرارة الارض بسرعة[6].
اضافة إلی ان الانسان یحتاج إلی الاوکسجین لاستمرار حیاته، و هو یحصل علی ذلک عن طریق التنفس للهواء النقی السالم، و علیه فان استنشاق الهواء النقی السالم هو احد الاحتیاجات الضروریة للانسان.
و من جانب آخر فان تقدم التکنولوجیا و صیرورة الحیاة آلیة و کذلک و بسبب ضرورة ایجاد المرافق المدنیة الحدیثة لتوفیر الاحتیاجات المتزایدة لمجتمعات المدن، فان معدل تلوث الجوّ فی تصاعد مستمر و نری التناقص التدریجی فی معدل المساحات الخضراء فی المدن و تلوث البیئة.
و حیث إن بقاء نسل البشر و دوام المجتمعات الانسانیة متوقف علی صحة المجتمع و سلامته، فان الاسلام بتحریمه الخبائث و القذارات و تحلیله الطیبات[7] قد شخص طریق الوصول الی هذا الهدف و المقصد.
سئل الامام الصادق «ع» عن تنفس الهواء الملوث و التوقف فیه و... و فی جوابه عن هذا السؤال طرح «ع» حکماً کلیاً فیه حل لکثیر من المشاکل و المعضلات ، قال الامام «ع»: «کل شی تکون فیه المضرة علی الانسان فی بدنه فحرام اکله الا فی حال الضرورة»[8]
2. التخلص من النفایات
ان مسألة ضرورة الحفاظ علی سلامة البیئة هی من الموضوعات المهمة جداً و الاساسیة للمجتمعات الانسانیة المعاصرة. ان الالزام بالحفاظ علی سلامة البیئة الانسانیة اذا لم یکن شمولیاً و لم یأخذه عموم المواطنین مأخذ الجد و اراد البعض تلویث البیئة او عدم جمع النفایات بطرق صحیحة و صحیة فان هذه النفایات ستکون بؤرة لتلویث البیئة و المخاطرة بسلامة الناس.,
ان هذه النفایات بؤرة لانواع المیکروبات و محل لتکاثر الحشرات و انتشار الامراض و لهذا یقول النبی «ص»: «لا تبیتوا القمامة فی بیوتکم فاخرجوها نهاراً فانها مقعد الشیطان»[9] و یقول «ص» أیضاً: «لا تؤوا التراب خلف الباب فانه مأوی الشیطان»[10]و بدیهی ان المقصود من الشیطان هنا هو محل تجمع الحشرات الضارة و انتقال و انتشار التلوث و مختلف الامراض.
و کثیراً ما یشاهد فی سیرة و سنة النبی «ص» و الائمة المعصومین «ع» تأکیدهم علی الطهارة و النظافة و وصایاهم لاتباعهم بذلک.
قال النبی «ص»: «ان الله طیب یحب الطیب نظیف یحب النظافة»[11]
ان لزوم الاجتناب و الابتعاد عن فضلات الانسان و تسمیتها بالنجس و وجوب تطهیر و تنظیف و غسل الاشیاء الملوثة بها هو من الخدمات العلمیة لدین الاسلام للبشریة و التی تؤدی الی تطهیر البیئة من التلوث و النجاسات.
فالغائط یعتبر الیوم البؤرة الأصلیة لاکثر الامراض المیکروبیة و الجرثومیة کالکولیرا و الامراض المعویة المیکروبیة و الجرثومیة.[12]
و لذا فان امیر المؤمنین علی «ع» یقول فی هذا المجال:
«نهی رسول الله «ص» ان یتغوط علی شفیر بئر ماء یستعذب، منها او نهر یستعذب، او تحت شجرة فیها ثمرتها»13.
و قد جاء فی روایة اخرى:«لقد نهى رسول الله عن التبول تحت الاشجار المثمرة أو فی الطریق أو فی المیاه الراکدة»14
و الیوم و مع التقدم التکنولوجی و تطور,حیاة المدن و ظهور المجتمعات الاستهلاکیة فی المدن و التی تنتج الآف الاطنان من النفایات التی یکون جمعها و التخلص منها بطریقة صحیة هو من اهم المسائل الصحیة التی یجب الالتفات الیها.[13] [14]
ان الاسلام و جمیع الادیان الالهیة تعتبر ان حیاة الانسان عزیزة و یجب المحافظة علیها. و علی هذا الاساس یوصی القرآن المسلمین بأن لا یقوموا بأعمال تؤدی الی هلاکهم «و لا تلقوا بایدیکم الی التهلکة»[15]
یقول مفسر القرآن الکبیر العلامة المرحوم الطباطبائی:« و الکلام مطلق أرید به النهی عن کل ما یوجب الهلاک من افراط و تفریط»[16]
و بناء علی هذا ففی شرع الاسلام المقدس لا یجوز للانسان ان یلوث محیط حیاته و حیاة الآخرین بأعماله و تصرفاته، و یکون لا ابالیاً أمام اکثر المسائل الصحیة ضرورة و یؤدی باهماله إلی حرمان المجتمع من العیش فی بیئة سلیمة.
اضافة الی ذلک فانه طبقاً لقاعدة لا ضرر ـ حیث إن النبی «ص» قال: «لا ضرر و لا ضرار فی الاسلام»[17]- فلیس للانسان ان یتصرف حتی بممتلکاته الشخصیة بشکل یؤدی إلی الاضرار بالآخرین و ایذائهم
3. المساحات الخضراء
ان الاختلال الکبیر الحاصل فی المدن نتیجة الزحام و تمرکز النشاطات و الاعمال المختلفة فیها قد أدى الى اجراء دراسات ومطالعات لهذه المدن مستقلة عن الاقالیم التابعة لها. ان الآثار الناشئة من انحسار المساحات الخضراء فی المدن علی الحیاة فی المدینة و خاصة فی مجال الهواء و التراب و المیاه الجوفیة و ... لها أثر کبیر بحیث إن عناصرها المکونة لها فی محیط المدن تختل بشکل کامل.
و بالرغم من عدم طرح مسألة المساحات الخضراء بشکلها المعاصر فی النصوص و المصادر الدینیة الاولیة بشکل واضح، و لکن ورد هذا الموضوع تحت عناوین عامة مثل غرس الاشجار، و الترغیب فی زرع الاشجار، و النهی عن قطعها و ذلک یشیر الی اهتمام الاسلام و عنایته بهذا الموضوع.
یقول النبی الاکرم «ص» بهذا الصدد: «ان قامت الساعة و فی ید احدکم فسیلة فان استطاع ان لا یقوم حتی یغرسها فلیغرسها»[18]
و یقول «ص» فی نهی و توبیخ من یقومون بقطع الاشجار و اتلاف الموارد الطبیعیة و البیئیة: «قاطع السدر یصوب الله رأسه فی النار»[19]
لذا فانه و بموجب قانون حفظ و حمایة الموارد الطبیعیة و الغابات، لا یحق لای أحد حتی المؤسسات و المنظمات الحکومیة و غیر الحکومیة تخریب الموارد الوطنیة و قد کلف القانون و زارة الجهاد و الزراعة بالمحافظة علی هذه الموارد و الثروات الوطنیة.[20]
و توجد فی الفقه الاسلامی أیضاً قوانین تمنع الناس من التصرف فی الاموال العامة و الحکومیة، و هذه القوانین مستندة الی القانون الالهی «القرآن الکریم»: «یسألونک عن الانفال[21] قل الانفال لله و الرسول فاتقوا الله.»[22]
و بناء علی هذا یمکن القول ان تخریب و اتلاف کل ما یعد من الثروات الوطنیة للبلد لیس مشروعاً.
اضافة الی انه فی الدنیا التی نعیش فیها توجد الآف العوامل الضروریة المترابطة بعضها مع بعض من أجل ان یتمتع الناس بنعم الحیاة، و ان فقدان أی منها یعرض الحیاة الی مشاکل حقیقیة کثیرة. فالله تعالی خلق نعم الدنیا للانسان کالاطعمة و الاشربة و کل ما یوجب الرفاه و الراحة فی الحیاة، و علی اساس تعالیم القرآن الکریم فان الانسان لم یمنع من الاستفادة و الالتذاذ بهذه الحیاة و ما فیها من نعم و لکنه ممنوع من اتلافها و تخریبها: «یا بنی آدم... کلوا و اشربوا و لا تسرفوا انه لا یحب المسرفین».
النتیجة:
لأجل تحقیق سلامة و صحة المجتمع و بیئة الحیاة و بالنظر الی ارتفاع نسبة تلوث الجو و...و تأثیر التلوث على العمل الطبیعی للجسم، یجب علی جمیع اهالی المدن بما فیهم المسؤولون و المدراء و مباشرو الأعمال التنفیذیة و الناس العادیین کافراد و کمجتمع ان یراعوا القوانین و المقررات المتعلقة بذلک. لان الانسان لیس بمعزل عن الناس و المجتمع الذی یعیش فیه و ان رعایة أو عدم رعایة القوانین الصحیة یؤثر علی سلامة باقی الافراد. و لأجل صحة المجتمع یجب علی جمیع الناس مراعاة المقررات و التعلیمات العامة. فمجموع هذه التعلیمات و القوانین هی التی تحقق صحة المجتمع و تحول دون تخریب البیئة.[23]
[1]. المقصود بالبیئة هو المحیط الذی نعیش فیه و خصوصاً الظروف المؤثرة علی حیاة الناس.
[2]. للمطالعة اکثر یراجع: هادوی الطهرانی، مکتب و نظام اقتصادی اسلام (المذهب و النظام الاقتصادی فی الاسلام)، ص 19 – 51 .
.[3] (افحسبتم انما خلقناکم عبثاً و انکم الینا لا ترجعون)، المؤمنون، 115.
.[4] الإستفادة من النعم الالهیة التی خلقها الله لعباده لها دورها الخاص فی سلامة الانسان و رفاهیته و راحته. ان ادنی مسؤولیة للانسان امام ربه بالنسبة لنعمه هو الاستفادة الصحیحة منها لاجل تکامله الجسمی و المعنوی له و للآخرین.
فاذا لوث الانسان الهواء النقی او الماء الطاهر الزلال (و انزلنا من السماء ماءً طهورا) الفرقان، 48 الذی ینزل من السماء و یجری علی الارض و فیه حیاة الانسان فانه یتبدل بفعل التلوث الذی یفعله البشر إلی سائل مضر و خطر، فان هذا العمل هو استعمال خاطئ للنعم الالهیة و هو کفران للنعمة.
.[5] (و ما خلقت الجن و الانس الا لیعبدون)، الذاریات، 56.
.[6] نیازمند، یدالله، اعجاز قرآن از نظر علوم امروزی (اعجاز القرآن من وجهة نظر العلوم الحدیثة) ص: 131.
.[7]( و یحل لهم الطیبات و یحرم علیهم الخبائث) الاعراف، 157.
.[8] تحف العقول، ص 337.
.[9] محمدی ری شهری، محمد، میزان الحکمة، ج 13، ص 6340.
.[10] نفس المصدر.
.[11] نفس المصدر.
.[12] نیلفروشان، محمد علی، ضرابی، جلیل، میر فتاحی، محمد باقر، بهداشت (الصحة)، ص 20.
.[13] المجلسی، محمد باقر، بحار الانوار، ج 77، ص 170.
.[14] الحر العاملی، وسائل الشیعة، ج 1، ص 228؛ المجلسی، محمد باقر، بحار الانوار، ج 77، ص 169.
.[15] البقرة، 195.
.[16] الطباطبائی، محمد حسین، المیزان، ج 2، ص 93 و 180.
.[17] الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج 4، ص 334.
.[18] نهج الفصاحة، ص 113.
.[19] کنز العمال، ج 3، ص 894 و بالطبع فقد ذکر المحققون حول هذه الروایة و مفادها بان شجرة السدر اشارة الی شجرة السدر التی زرعت فی کربلاء کعلامة علی قبر الامام الحسین (ع). و على أی حال یمکن استفاده المنع من قطع الاشجار کلیاً من الروایات الواردة فی النصوص الدینیة.
.[20] منصور، جهانگیر، مجموعة قوانین و مقررات حقوقی (مجموعة القوانین و المقررات الحقوقیة)، ص 921 – 924.
.[21] من وجهه نظر فقه الشیعة فان مصادیق الانفال هی عبارة عن:
1. الفیء.
2. الارض الموات.
3. المنشآت التی لا صاحب لها.
4. قلل الجبال و الودیان و الغابات.
5. الصفایا و القطائع.
6. الغنائم التی یحصل علیها المجاهدون بدون اذن من الامام.
7. ارث من لا وارث له.
8. المعادن
9. البحار و الصحاری الخالیة.
10. الخمس هو من الثروات المتعلقة بالامام و هو من الانفال.
[22]. الانفال، 1.
[23]. الاعراف،1 3.