ان العلاقة فی حقیتها طرفینیة، فقد تضعف علاقتنا بالله تعالى من جهتنا و قد تنقطع الا ان علاقته تعالى معنا دائمة فهو معنا اینما کنا قال تعالى:" وَ هُوَ مَعَکُمْ أَیْنَ ما کُنْتُم"[1]
فاذا ما ضعفت علاقتنا بالله تعالى فلابد من البحث عن الخلل و النقص فینا لمعالجته.
و قد قیل ان طریق الانس بالشیء هو التواصل و الارتباط الکثیر به و هذا ما أکدته مباحث علم النفس الحدیثة و اعتبرته من المسلمات التی لایمکن انکارها.
و على هذا الاساس لابد من البحث عن الامور التی تبعدنا عن الله تعالى کالغرور و الحسد و الشعور بالاستغناء و سائر الذنوب التی محلها فکر و ذهن الانسان؛ یعنی انها تؤدی الى اختلال الروح، کذلک هناک ذنوب جوارحیة تصدر عن اعضاء و جوارح الانسان فتسدل حجابا بیننا و بین الله تعالى.
و لیس من المستبعد صحة ما ذکرتموه فی متن السؤال من کون هذه الافکار هی السبب لضعف العلاقة مع الله تعالى.
وذلک لان وراء کل عمل یصدر من الانسان هناک فکر کامن. و بعبارة اخرى: ان الفکر مقدمة للعمل؛ فلا بد من تحصین الذهن و القلب من کل الافکار الفاسدة و ان کان ذلک صعب جدا الا ان نتائجه جمیلة و لذیذة جدا.
ثم ان الافکار التی تخطر فی الذهن هی من القاءات الشیطان فلابد من التخلص منها سریعا قبل ان توصل الانسان الى مقام العمل وفقا لها، قال الله تعالى " َ إِنَّ الشَّیاطینَ لَیُوحُونَ إِلى أَوْلِیائِهِم"[2] فلابد من التصدی لتلک الافکار الشیطانیة.
ان احدى العوامل التی تبعد الانسان عن الله تعالى و التی تؤدی به الى الغفلة هی الخواطر والافکار السیئة.[3]
و تارة تتسلط تلک الخواطر الشیطانیة على الانسان بنحو حتى تصرفه عن افضل حالات العبادة کالصلاة مثلا فترى قلبه و فکره شاردا عن الصلاة و هو ما یعبر عنه بعدم حضور القلب.
فلابد اولا من التصدی لتلک الافکار و الخواطر و عدم السماح لها بالنمو و الرسوخ " ان الخواطر تبدا بخطوات متسلسلة الکلام و السماع و الحضور فی المجالس و مطالعة بعض الصحف و.... و هکذا و بالتدریج ترتسم فی الذهن و عندما تتراکم و تکثر تتوفر ارضیة الشوق وبالنتیجة هذه الافکار و الخواطر تتحول عندنا الى "ملکة نفسانیة" و بعد ذلک یسهل دخولها الى الذهن و تستقر فیه فتؤدی بالانسان الى الغفلة عن ذکر الله. من هنا نرى اصحاب الفکر المادی یعیشون دائما حالة التفکیر فی اللذائذ المادیة".[4]
الى هنا کان تحلیل القضیة لکن لابد من البحث عن القسم الثانی و هو بیان السبیل للخلاص منها:
کما قلنا لابد من التصدی للافکار السئیة و عدم السماح لها فی الدخول الى عالم الذهن و القلب کما ینبغی السعی لطرد الافکارالاخرى، وقد اشار القرآن الکریم الى السبیل لمعالجة هذه القضیة الذی تمثل بالخطوات التالیة: مراقبة النفس و ذکر الله دائما؛ الحذر من المجالس و المقروءات و المسموعات و الملبوسات و المأکولات. فعندما یعیش الانسان حالة الالتفات دائما و الحذر من هذه الاشیاء یرتسم ذکر الله تعالى فی قلبه بصورة تدریجیة فتحل فی الخواطر الحسنة و الافکار الصحیحة مکان السیئة، من هنا یرى القرآن الکریم ان ذکر الله تعالى هو العنصر الفاعل فی القضاء على حالة الغفلة عند الانسان و التقرب من الله تعالى.[5]
قال تعالى " یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا اذْکُرُوا اللَّهَ ذِکْراً کَثیرا"[6] فعندما یزداد ذکر شیء فی القلب تزداد العلاقة به بحیث تتحول تلک العلاقة الى ملکة للانسان؛ الى حد یرى الانسان نفسه فی ذکر و صلاة دائمین.
اذن ذکر الله تعالى و السیطرة على مجاری نفوذ الافکار و الخواطر السیئة تطهر القلب منها و توفر الارضیة لصفحة القلب لترتسم فیها الخواطر و الافکار الالهیة و الرحمانیة.
و لابد من الاشارة الى قضیة مهمة ان مجرد وجود الخواطر او مرورها فی الذهن هو بلاء و عقاب الهی و ان نسیان لله تعالى بل قد تکون مقدمa مهمة للمعرفة و الارتباط، و لقد اشارت الایة المبارکة الى ذلک حیث قال تعالى " إِنَّ الَّذینَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّیْطانِ تَذَکَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُون"[7]
و قد ورد فی الروایة عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِیِّ (ص) فَقَالَ: یَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَکْتُ! فَقَالَ لَهُ: أَتَاکَ الْخَبِیثُ فَقَالَ لَکَ مَنْ خَلَقَکَ؟ فَقُلْتَ: اللَّهُ. فَقَالَ لَکَ: اللَّهُ مَنْ خَلَقَهُ؟ فَقَالَ: إِی وَ الَّذِی بَعَثَکَ بِالْحَقِّ لَکَانَ کَذَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): ذَاکَ وَ اللَّهِ مَحْضُ الْإِیمَانِ.[8]