ورد روایات کثیرة اشارة الى اسرار الوقوف فی عرفات کلها تشیر الى عظمة ذلک الیوم المبارک و فضیلته؛ ذلک الیوم الذی یعرف الانسان فیه نفسه و یقف بنیة خالصة أمام مولاه تعالى حیث یحل ضیفا فی حضرة الباری تعالى لینهل من تلک المائدة العامرة من خلال الدعاء و الابتهال و التوسل.
ففی ذلک الیوم یذل الشیطان و یحقر و یطرد من الساحة لیرى أشد أیامه إیلاما علیه؛ و ذلک لان ثمرة الدعاء و الابتهال الى الله تعالى فی ذلک هی غفران ذنوب العاصین و شمول الرحمة الالهیة لعباد الله ثم الدخول فی عید الاضحى السعید الذی هو هدیة المتقین و التائبین.
یشیر أمیر المؤمنین (ع) الى الوقوف فی عرفات لما سُئِلَ عَنِ الْوُقُوفِ بِالْجَبَلِ لِمَ لَمْ یَکُنْ فِی الْحَرَمِ؟ فَقَالَ: لِأَنَّ الْکَعْبَةَ بَیْتُهُ وَ الْحَرَمَ بَابُهُ فَلَمَّا قَصَدُوهُ وَافِدِینَ وَقَفَهُمْ بِالْبَابِ یَتَضَرَّعُون.[1] من هنا نجد هناک أدعیة خاصة لیلة عرفات و نهارها التی تعد من مؤشرات فضائل ذلک و الوظائف التی تؤدی فیه. من هنا اراد المولى لضیوفه ان یدخلوا البیت الذی قال عنه""وَ عَهِدْنا إِلى إِبْراهیمَ وَ إِسْماعیلَ أَنْ طَهِّرا بَیْتِی "[2] طاهرین منزهین لانه البیت الطاهر لایستقبل الا الضیف الطاهر.
اما بالنسبة الى اسرار عرفات فهی کثیرة اشیر الى بعضها فی حدیث الشبلی[3] و التی هی عبارة عن:
1- ان الوقوف فی عرفات لتحصیل المعارف و العلوم الدینیة و الوقوف على الاسرار الالهیة الکامنة فی نظام الخلق. و لیعلم ان الله تعالى مطلع على کل حاجاته و قادر على رفع نواقصه و یوکل ذلک الى الله تعالى وحده و یطیعه وحده لان " طاعته غنى".[4]
من هنا نرى الامام السجاد (ع) لماَ سَمِعَ یَوْمَ عَرَفَةَ سَائِلا یَسْأَلُ النَّاسَ فَقَالَ لَهُ: وَیْحَکَ أَ غَیْرَ اللَّهِ تَسْأَلُ فِی هَذَا الْیَوْمِ إِنَّهُ لَیُرْجَى لِمَا فِی بُطُونِ الْحَبَالَى فِی هَذَا الْیَوْمِ أَنْ یَکُونَ سَعِیدا.[5] و قد وصف الامام السجاد من یستجدون الناس فی مثل ذلک الیوم بقوله " هؤلاء شرار من خلق الله. الناس مقبلون علی الله و هم مقبلون علیالناس "[6]
2- ان ارض عرفات هی مکان الادراک و الشهود؛ یعنی انه ینبغی للحاج عندما یقف فی تلک البقعة من الارض ان یعرف ان الله تعالى مطلع على علنه و سره بل ما هو اخفى من السر و انه یفعل فی روحه و ضمیره بصورة غیر شعوریة " و إن تجهر بالقول فإنّه یعلم السرّ و أخفی "[7] فالانسان الذی یشعر بان قلبه فی ید الباری تعالى فانه لایحترز عن الذنوب الجوارحیة فحسب بل یحترز حتى من الذنوب الجوانحیة حیث ینزه قلبه من جمیع الافکار السیئة.
3- ینبغی للحاج فی یوم عرفات ان یتأسى بسید الشهداء الحسین بن علی (ع) حینما وقف الى جانب " جبل الرحمة"[8] متجها الی الکعبة و دعا بذلک الدعاء المعروف بدعاء عرفة.
4- إن قسما من ارض عرفات تسمى بـ" نمرة" و التی یوجد فیها مسجد بنفس الاسم، أشار الامام السجاد (ع) الى سر تلک المنطقة حیث قال (علیه السلام) مخاطبا الشبلی: َ فَنَوَیْتَ عِنْدَ نَمِرَةَ أَنَّکَ لَا تَأْمُرُ حَتَّى تَأْتَمِرَ وَ لَا تَزْجُرُ حَتَّى تَنْزَجِر.[9] بمعنى ان هذه الارض و هذه التسمیة تشیر الى ضرورة مطابقة القول للفعل فلا یصاب الحاج بحالة الانفصام بین النظریة و التطبیق.
5- لقد عبر فی حدیث الامام السجاد (ع) مع الشبلی، عن وادی نمرة بالنمرات التی هی منطقة واسعة من ارض عرفات فی الجهة المسامتة لعرفات من جهة الحرم حیث یقول الامام مخاطبا الشبلی: فَعِنْدَ مَا وَقَفْتَ عِنْدَ الْعَلَمِ وَ النَّمِرَاتِ نَوَیْتَ أَنَّهَا شَاهِدَةٌ لَکَ عَلَى الطَّاعَاتِ حَافِظَةٌ لَکَ مَعَ الْحَفَظَةِ بِأَمْرِ رَبِّ السَّمَاوَاتِ؟ قَالَ: لا. قَالَ: فَمَا وَقَفْتَ بِعَرَفَةَ وَ لا طَلَعْتَ جَبَلَ الرَّحْمَةِ وَ لا عَرَفْتَ نَمِرَةَ وَ لا دَعَوْتَ وَ لا وَقَفْتَ عِنْدَ النَّمِرَات.[10]
یوم عرفة:
ان یوم عرفة من الاعیاد الاسلامیة الکبرى و ان لم یسمى عیدا. ان عرفة هو الیوم الذی دعا المولى تعالى عباده الى طاعته و بسط لهم مائدة جوده و احسانه و وعدهم بغفران الذنوب و محو السیئات و ستر العیوب؛ و هناک مجموعة من الاعمال التی تؤدی فی هذا الیوم، منها:
الاول: الغسل
الثانی: زیارة الامام الحسین (ع) .
الثالث: صلاة رکعتین بعد صلاة العصر و قبل الشروع بقراءة دعاء عرفة یصلیها تحت السماء فیعترف بذنوبه أمام الله تعالى فانه یفوز بثواب أهل عرفات و تغفر ذنوبه انشاء الله تعالى. ثم یصلی رکعتین یقرأ فی الاولى الحمد و الاخلاص و فی الثانی الحمد و الجحد ( الکافرون)، ثم یصلی بعد ذلک اربع رکعات یقرأ فی کل رکعة الحمد و خمسین مرة الاخلاص، و هذه الصلاة هی نفس صلاة أمیر المؤمنین(ع) و التی لها ثواب فضیلة کبیرة.
الرابع: الدعاء بالدعاء السابع و الاربعین من ادعیة الصحیفة السجادیة.
الخامس: الدعاء بدعاء سید الشهداء الامام الحسین (ع) المعروف بدعاء عرفة.
السادس: یسبح بالتسبیحات التی رواها الکفعمی و قال عنها: ثم قل هذا التسبیح و ثوابه لا یحصى کثرة ترکناه اختصارا و هو: سبحان الله قبل کل أحد و سبحان الله بعد کل أحد.....[11]
السابع: الدعاء بادعیة عرفات المرویة عن النبی الاکرم (ص) و عن کل من الامام علی بن الحسین و الصادق و الکاظم (علیهم السلام) و التی ذکرها السید ابن طاووس فی الاقبال.
و بالجملة من وفق للوقوف ذلک الیوم فی عرفات فهناک ادعیة کثیرة و افضل الاعمال فی ذلک الدعاء، و ان لهذا الیوم الشریف میزة خاصة بین ایام السنة؛ و لاشک ان هناک الکثیر من الادعیة التی وردت فی ذلک الیوم و قد نقل الکثیر منها العلامة المجلسی فی زاد المعاد. کما انه لابد من الاکثار من الدعاء للاخوة المؤمنین الاحیاء منهم و الاموات. و الروایة مشهورة فی بیان حال عبد الله بن جندب و دعائه لاخوان المؤمنین.[12]
أضف الى ما ذکر یستحسن الاتیان ذلک الیوم باعمال ام داود و سائر الادعیة التی رویت فی مفاتیح الجنان.[13]
[1] الکافی، ج 4، ص 224.
[2]البقرة، 125.
[3]انظر: حدیث الشبلی. مستدرکالوسائل، ج 10، ص 166، رقم الحدیث 11770.
[4]مقطع من دعاء کمیل.
[5] وسائل الشیعه، ج 10، ص 28.
[6] بحار الانوار، ج 96، ص 261.
[7] طه،7.
[8]جبل الرحمة یقع فی ارض عرفات وقف عنده النبی الاکرم (ص) على صخرة هناک و القى خطبته المعروف هناک؛ و کذلک وقف الامام الحسین (ع)علی ساحل الحبل و ردد دعاءه المعروف بدعاء عرفة. تقع على قمة جبل الرحمة قبة باسم أبینا آدم (ع).
[9] مستدرکالوسائل، ج 10، ص 169.
[10]نفس المصدر.
[11] کفعمی، ابراهیم بن علی العاملی، مصباح الکفعمی، ص 662.
[12] الکافی، ج 2، ص 508؛ عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ قَالَ: رَأَیْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُنْدَبٍ فِی الْمَوْقِفِ فَلَمْ أَرَ مَوْقِفاً کَانَ أَحْسَنَ مِنْ مَوْقِفِهِ مَا زَالَ مَادّاً یَدَیْهِ إِلَى السَّمَاءِ وَ دُمُوعُهُ تَسِیلُ عَلَى خَدَّیْهِ حَتَّى تَبْلُغَ الْأَرْضَ. فَلَمَّا صَدَرَ النَّاسُ قُلْتُ لَهُ: یَا أَبَا مُحَمَّدٍ مَا رَأَیْتُ مَوْقِفاً قَطُّ أَحْسَنَ مِنْ مَوْقِفِکَ! قَالَ: وَ اللَّهِ مَا دَعَوْتُ إِلَّا لِإِخْوَانِی وَ ذَلِکَ أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى (ع) أَخْبَرَنِی أَنَّ مَنْ دَعَا لِأَخِیهِ بِظَهْرِ الْغَیْبِ نُودِیَ مِنَ الْعَرْشِ وَ لَکَ مِائَةُ أَلْفِ ضِعْفٍ، فَکَرِهْتُ أَنْ أَدَعَ مِائَةَ أَلْفٍ مَضْمُونَةٍ لِوَاحِدَةٍ لا أَدْرِی تُسْتَجَابُ أَمْ لا.
[13]لمزید الاطلاع انظر: جوادی آملی، صهبای حج، ص415؛ موقع إسراء.