معنى "الظاهر" هو: عندما نقرأ القرآن نفهم من خلال التدبر والتدقیق فی الآیات المطالب التي تتفق مع ظواهر الآيات ويمكن الاحتجاج بها وفق مبادئ الحوار، وأي شخص مطلع على مبادئ الحوار فی اللغة العربية يفهم نفس المعاني والمضامين من كلمات القرآن. لكن "الباطن" ليس كذلك؛ لأن المعنى الباطني ليس مدلولا لالفاظ القرآن، بل يجب فهمه من خلال الرجوع إلى آيات أخرى وبعض الروایات. ومن المعروف أن للقرآن سبعة ابطن أو سبعون بطناً. تم تبیین المعنی لظاهر القرآن وباطنه في الروايات. من أكثر أنواع التفسيرات شيوعًا في الاقوال التفسيرية للنبي الكريم(ص) والأئمة(ع) تبیین باطن آيات القرآن، والتي ترد أمثلة عليها في الإجابة التفصيلية.
قد ورد في عدد من الروايات أنّ للقرآن ظاهرا وباطنا؛ مثل:
قال رسول الله(ص): "لَيْسَ مِنَ الْقُرْآنِ آيَةٌ إِلَّا وَ لَهَا ظَهْرٌ وَ بَطْنٌ وَ مَا مِنْ حَرْفٍ إِلَّا وَ لَهُ تَأْوِيل[1] وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم".[2]، [3]
وقال الإمام باقر(ع): "إِنَّ لِكِتَابِ اللَّهِ ظَاهِراً وَ بَاطِناً وَ مَعَانِيَ وَ نَاسِخاً وَ مَنْسُوخاً وَ مُحْكَماً وَ مُتَشَابِهاً وَ سُنَناً وَ أَمْثَالًا وَ فَصْلًا وَ وَصْلًا وَ أَحْرُفاً وَ تَصْرِيفا فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ كِتَابَ اللَّهِ مُبْهَمٌ فَقَدْ هَلَكَ وَ أَهْلَك".[4]
البحث عن عدد بطون القرآن
وفقا لما جاء في مجموعة من الأحاديث الواردة في بعض كتب الحديث وغير الحديث، إن للقرآن سبعة ابطن. كما قال رسول الله(ص): "إِنَّ لِلْقُرْآنِ ظَهْراً وَ بَطْناً وَ لِبَطْنِهِ بَطْنٌ إِلَى سَبْعَةِ أَبْطُن".[5] لكن قد اشتهر ایضا انّ للقرآن سبعون بطنا. ان مصدر هذه الشهرة وفقا للبحوث والدراسات العلمیة هی مجموعة من الروايات التی وردت في عدد من المصادر غير الحديثية. بما فيها:
- كتاب "ختم الأولياء" للحكيم الترمذي (القرن الثالث). [6]
- تفسير "اعجاز البیان" لصدر الدين القونوي (المتوفی 671 هـ). انه قال في تبیینه وتفسیره لبطون القرآن وأسرار الحروف: لا ینکشف سر بطون القرآن لکل شخص، حيث قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "للقرآن ظهر و بطن إلى سبعة أبطن "وفي رواية "إلى سبعين باطنًا".[7]
- اشار السيد حيدر الآملي، أحد العرفاء الإماميين في القرن الثامن، في کتابه جامع الأسرار إلى أحاديث أخرى تعتبر للقرآن الکریم "سبعمائة بطن" و"سبعون ألف بطن".[8]
ایضا هناک مجموعة اخری من الکتب غير الحدیثیة قد تكرر فيها هذا المضمون.[9]
ومن الممكن أيضًا أن تكون كلمة "سبعة" قد تعرضت للتصحيف عندما نُسخت من مصادر الحديث فتبدلت الی"سبعین".
معنى ظاهر القرآن وباطنه
معنى الظاهر: عندما نقرأ القرآن ومن خلال التدبر والتدقیيق فی الآیات نفهم المضامین التی تتفق مع ظواهر الآيات ويمكن الاحتجاج بها وفق مبادئ الحوار، وأي شخص مطلع على مبادئ الحوار فی اللغة العربية يفهم نفس المعاني والمضامين من كلمات القرآن. بعبارات أخرى؛ انّ لظواهر الفاظ القرآن معانى بسيطة يمكن فهمها لکل من يعرف اللغة العربية. لكن "الباطن" لیس کذلک، ای لیس لکل مطلع على اللغة العربية استطاعة فهم باطن القرآن. لأن المعنى الباطني ليس مدلولا لالفاظ القرآن، بل يجب فهمه بالرجوع إلى آيات وروايات أخرى.[10]
ان العلامة الطباطبائي بعد ذكره للروايات التي تدل على اشتمال القرآن علی المعنی الظاهری والباطنی یقول في باب آخر عن تعريفهما: أن ظاهر الآیة هو المعنى الواضح الظاهر من الآية، وباطن الآیة هو المعنی المستتر تحت الظاهر سواء كان واحدا أو كثيرا، قريبا من الظاهر بحیث لا یفتقر للربط بینهما الی واسطة أو بعيدا عن الظاهر یحتاج الی واسطة. [11]
معنى ظاهر القرآن وباطنه من وجهة نظر الأحاديث
تم تبیین المقصود من ظاهر القرآن وباطنه في عدد من الروايات الاراء نشیر الی بعض منها فی ما یلی:
- قال رسول الله(ص): "علیکم بالقرآن.... لَهُ ظَهْرٌ وَ بَطْنٌ فَظَاهِرُهُ حُكْمٌ وَ بَاطِنُهُ عِلْمٌ ظَاهِرُهُ أَنِيقٌ وَ بَاطِنُهُ عَمِيقٌ لَهُ نُجُومٌ وَ عَلَى نُجُومِهِ نُجُومٌ ...".[12]
- قال الإمام علي(ع): "ما من آية إلّا و لها أربعة معان ظاهر و باطن و حدّ و مطلع فالظاهر التلاوة و الباطن الفهم و الحدّ هو أحكام الحلال و الحرام و المطلع هو مراد اللَّه من العبد بها".[13]
یقول العلامة الطباطبایی فی ذیل هذا الحدیث: ان المراد من التلاوة ظاهر مدلول اللفظ بدليل أنه(ع) عده من المعاني، والمراد من الفهم (في تفسيره للباطن) ما هو في باطن الظاهر من المعنى، والمراد بقوله: هو أحكام الحلال والحرام ظاهر المعارف المتلقاة من القرآن في أوائل المراتب أو أواسطها في مقابل المطلع الذي هو المرتبة العليا، والحد والمطلع نسبيان كما أن الظاهر والباطن نسبيان كما عرفت فيما تقدم، فكل مرتبة عليا هي مطلع بالنسبة إلى السفلى.[14]
- قال الإمام عليّ(ع): "ظَاهِرُهُ عَمَلٌ مَوْجُوبٌ وَ بَاطِنُهُ عِلْمٌ مَكْنُونٌ مَحْجُوبٌ وَ هُوَ عِنْدَنَا مَعْلُومٌ مَكْتُوبٌ".[15]
نماذج من التفسير الباطني في الاحاديث
انّ من أكثر أنواع التفسير شيوعًا في الروایات التفسيرية للنبي الكريم(ص) والأئمة(ع) هو تبیین المعنی الباطنی لآيات القرآن. کان هذا الامر لدرجة أنه يمكن مشاهدة نماذج عدیدة من التفسير الباطني في مصادر الحديث. فيما يلي نشیر الی بعض منها:
- قال عبد الله بن عمر انّ النبي(ص) تلا قوله تعالى «تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ»، إلى قوله «أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا»،[16] ثم قال أيكم أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله».[17]
- وعن المفضل انه قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ قَوْلِهِ «فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى»،[18] قَالَ: الْحَبُّ الْمُؤْمِنُ، وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ «وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي»، وَ النَّوَى هُوَ الْكَافِرُ الَّذِي نَأَى عَنِ الْحَقِّ فَلَمْ يَقْبَلْه.[19]
- وروى عبد اللّه بن سنان عن ذريح المحاربى قال قلت لابى عبد اللّه(ع) ان اللّه أمرنى فى كتابه بأمر فأحب أن أعلمه قال: وما ذاك؟ قلت: قول اللّه عز و جل: «ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ».[20] قال «لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ» لقاء الامام «وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ» تلك المناسك، قال عبد اللّه بن سنان فأتيت أبا عبد اللّه(ع) فقلت جعلت فداك قول اللّه عز و جل «ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ». قال أخذ الشارب وقص الاظفار وما أشبه ذلك، قال: قلت جعلت فداك فان ذريح المحاربى حدثنى عنك بأنك قلت له: «لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ لقاء الامام وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ» تلك المناسك. فقال صدق ذريح وصدقت، انّ للقرآن ظاهرا وباطنا ومن يحتمل ما يحتمل ذريح؟![21]
سبب اشتمال القرآن علی الظاهر والباطن
والذی ینبغي ان یقال فی سبب اشتمال القرآن علی الظاهر والباطن هو:
أولاً: بما ان للانسان جسد مادي، فانه ينغمس في الأشياء المادية، ویکون معظم اهتمامه الأمور المادية، لذلك فهو غير مستعد لفهم الروحانيات في جميع الأحوال، خاصة إذا كانت عمیقة المضامین.
ثانيًا: بالإضافة إلى اختلاف احوال الإنسان، فان مستوى تفكير الناس والتفاتهم الی الامور قد یختلف، ولم یکونوا علی مستوی واحد من الفهم والادراک. لذلك، كان من الضروري أن يكون للقرآن معاني ظاهرة وفقًا لفهم عامة الناس، ويجب أن تكون هناك ایضا معانی دقیقة تلبي الاحتياجات الروحية لبعض الاشخاص على مستويات مختلفة، حتی یهتیا لأولئك الذين لديهم ارواح لطیفة ویمکنهم الوصول إلى مرتفعات العالم الروحي والسیر في العوالم السماوية، الاستفاده من المعاني والمفاهيم الدقيقة كغذاء روحي.[22]
[1]. الحرف، هنا بمعنى «الوجه» والمقصود منه، وجه من الكلام حیث تتشتمل علیه آیایة او آیات من القرآن، کالامر، والنهى، والموعظه، والترغیب، والتهدید و امثال ذلک. لذلک، لایوجد وجه فی القرآن الّا وله تأویل.
[2]. آل عمران، 7.
[3]. المجلسی، محمد باقر، بحار الانوار، ج 33، ص 155، بیروت، دار إحیاء التراث العربی،الطبعة الثانیة، 1403ق.
[4]. نفس المصدر، ج 89، ص 90.
[5]. ابن ابی جمهور الاحسایی، محمد بن علی، عوالی اللئالی العزیزیة، ج 4، ص 107، قم، دار سید الشهداء للنشر، الطبعة الاولی، 1405ق؛ عين القضات الهمدانى، التمهيدات، النص، ص 3، جامعة طهران، الطبعة الاولی، 1341ش.
[6]. الحكیم الترمذى، ختم الاولیاء، ص 493، بیروت، مهد الآداب الشرقیة، الطبعة الثانیة، 1422ق.
[7]. القونوی، صدرالدین محمد، اعجاز البیان فی تفسیر ام القرآن، ص 128، قم، مرکز النشر لمکتب الاعلام الاسلامی، الطبعة الاولی، 1381ش.
[8]. الآملى، سید حیدر، جامع الأسرار و منبع الأنوار، ص 530، طهران، مركز النشر العلمى و الثقافي، الطبعة الاولی، 1368ش.
[9]. راجع: الفیض الکاشانی، ملامحسن، تفسیر الصافی، ج 1، ص 60 – 61، طهران، منشورات الصدر، الطبعة الثانیة، 1415ق؛ النجفی، محمد حسن، جواهر الکلام فی شرح شرائع الإسلام، ج 9، ص 295، بیروت، دار إحیاء التراث العربی، الطبعة السابعة، 1404ق؛ الحائرى الاصفهانى، محمدحسین بن عبدالرحیم، الفصول الغرویة فی الأصول الفقهیة، ص 58، قم، دار احیاء العلوم الاسلامیه، الطبعة الاولی، 1404ق.
[10]. الطاهرى، حبیب الله، درسهایى از علوم قرآنى، ج 2، ص 195، قم، اسوه، الطبعة الاولی، 1377ش؛ ابو عاصى، محمد سالم، علوم القرآن عند الشاطبی، ص 74، قاهره، دارالبصائر، الطبعة الاولی، 1426ق.
[11]. الطباطبایی، سید محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج 3، ص 74، قم، مکتب النشر الاسلامی، الطبعة الخامسة، 1417ق.
[12]. الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 2، ص 599، طهران، دار الکتب الإسلامیة، الطبعة الرابعة، 1407ق.
[13]. تفسیر الصافی، ج 1، ص 31.
[14]. المیزان فى تفسیر القرآن، ج 3، ص 73 – 74.
[15]. ابن حیون المغربی، النعمان بن محمد، دعائم الإسلام، ج 1، ص 53، قم، مؤسسة آل البیت(ع)، الطبعة الثانیة، 1385ق.
[16]. الملک، 1 – 2.
[17]. الطبرسی، فضل بن حسن، مجمع البیان فی تفسیر القرآن، ج 10، ص 484، طهران، ناصر خسرو، الطبعة الثالثة، 1372ش؛ السیوطی، جلال الدین، الدر المنثور فی تفسیر المأثور، ج 4، ص 211، قم، مکتبة آیة الله المرعشی النجفی، 1404ق.
[18]. الانعام، 95.
[19]. العیاشی، محمد بن مسعود، کتاب التفسیر، ج 1، ص 370، طهران، المطبعة العلمیة، الطبعة الاولی، 1380ق.
[20]. الحج، 29.
[21]. الكافی، ج 4، ص 549.
[22]. راجع: الطباطبائى، سید محمد حسین، قرآن در اسلام، ص 36 – 42، طهران، دار الكتب الاسلامیه، الطبعة الثانیة، 1353ش؛ درسهایى از علوم قرآنى، ج 2، ص 199 – 200.