لاریب أن للغذاء السلیم علاقة فی شدة قوة المیل الجنسی و تحرک الشهوة الغریزیة لدى الانسان و لا ینبغی بحال من الاحوال النظر الى هذه القضیة نظرة سلبیة تشاؤمی.، نعم، لو کان الطعام مستحصلاً عن طریق الحرام قد یجر الانسان للانجرار وراء القوة الجنسیة و الوقوع فی الحرام و ارتکاب المعصیة؛ ولا اشکال و لا ضرر فی شدة القوة الجنسیة اذا لم تکن ناتجة عن طریق الحرام. و من الجدیر بالذکر أن النصوص الدینیة حثت الشباب - من ذوی القوة الجنسیة الشدیدة و الذین لم یتمکنوا من التعفف بالزواج- على التقلیل من الطعام و إن کان الطعام حلالاً فی نفسه، و کذلک حثتهم على الاکثار من الصیام مهما أمکن للتقلیل من جماح الغریزة الجنسیة و کبح طغیانها کی لا یقع الشباب فی الانحراف الاخلاقی لا سامح الله.
الاجابة عن التساؤل المطروح تقتضی الاشارة الى بعض المقدمات ثم الخروج بنتیجة البحث:
1. من الواضح جداً أن المیول و الخرائز الجنسیة من الامور الطبیعیة للانسان و قوتها و هیجانها لیست من الامور المذمومة شرعاً، فلا مبرر للقلق من هذه الجهة قطعاً. نعم، الأمر المهم هنا السیطرة علیها و سوقها بالاتجاه الصحیح و اشباعها من الطرق الشرعیة. من هنا نرى الشریعة قد ذمت الرهبنة و عدم الزواج[1]. ومن العجیب هنا أن بعض الروایات حثت المتزوجین على تفعیل الغریزة الجنسیة و الاستفادة منها بالنحو الاکمل " فِی الْخِضَابِ ثَلَاثُ خِصَالٍ مَهِیبَةٌ فِی الْحَرْبِ وَ مَحَبَّةٌ إِلَى النِّسَاءِ و یَزِیدُ فِی الْبَاهِ".[2]
لکن فی الوقت نفسه نرى النصوص الشرعیة تؤکد على التعفف و طهارة الذیل و الحفاظ على الحرمات، کما فی القرآن الکریم " و الذین هم لفروجهم حافظون إلا علی أزواجهم "[3] و کذلک فی الروایات الکثیرة الواردة عن الأئمة المعصومین (ع) الحاثة على التعفف و الاخرى التی اشارت الى العقوبات الشدیدة التی تنتظر المتجاوزین على هذه الحدود و المنتهکین لحرمتها.[4]
2. لاریب أن الشبع و التخمة سواءً حصلا من المال الحلال أو من الحرام، یوجبان قوة الغریزة الجنسیة و هیجانها. من هنا نرى النبی الأکرم (ص) یخاطب الشباب قائلاً: " یَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْکُمُ الْبَاهَ فَلْیَتَزَوَّجْ وَ مَنْ لَمْ یَسْتَطِعْهَا فَلْیُدْمِنِ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ".[5]
إذن هناک علاقة بین الطعام و بین القوة الجنسیة فتناول الطعام ینشطها و یزید منها و قلة الطعام تضعفها و تحد من هیجانها سواء توفر الطعام عن طریق الحلال أو الحرام، و لا فرق فی ذلک من هذه الناحیة.
3. قال النبی الأکرم (ص): " لَوْ أَنَّ مُؤْمِناً دَعَانِی إِلَى طَعَامِ ذِرَاعِ شَاةٍ لَأَجَبْتُهُ وَ کَانَ ذَلِکَ مِنَ الدِّینِ وَ لَوْ أَنَّ مُشْرِکاً أَوْ مُنَافِقاً دَعَانِی إِلَى جَزُورٍ مَا أَجَبْتُهُ وَ کَانَ ذَلِکَ مِنَ الدِّینِ؛ أَبَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِی زَبْدَ الْمُشْرِکِینَ وَ الْمُنَافِقِینَ وَ طَعَامَهُم".[6]
و هذا الکلام یکشف عن الدور الذی یلعبه الطعام الذی یتناوله الانسان فی سلوک الانسان و ان مفعوله یختلف باختلاف اصحاب الطعام. و لاریب أن للقمة الطعام تأثیراً على طبیعة تفکیر الانسان و سلوکیاته، روی عن الامام الصادق (ع) أنه قال: " تَرْکُ لُقْمَةِ حَرَامٍ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ صَلَاةِ أَلْفَیْ رَکْعَةٍ تَطَوُّعاً".[7] و کذلک له الأثر السلبی على الاولاد و الذریة " کَسْبُ الْحَرَامِ یَبِینُ فِی الذُّرِّیَّةِ".[8]
نستخلص مما مر النتیجة التالیة: مع أن للطعام بانواعه –الاعم من الحلال و الحرام- تاثیراً فی تقویة و نشاط الغریزة الجنسیة لکنه فی ذات الوقت لا یعد فی حد نفسه أمراً مذموماً شرعاً؛ نعم، لو کانت لقمة الطعام حاصلة عن طریق الحرام – سواء کان الآکل ارتکب الحرام بنفسه او تناول الحرام من ید غیره- فسیکون لها الانعکاس السلبی و سیؤدی الهجیان الجنسی حینئذ الى الانحراف السلوکی و الاخلاقی و الاعتقادی، على عکس فی ما اذا کانت اللقمة من حلال فلا یترتب علیها هذه المردودات السلبیة، و یؤید ذلک ما روی عن الامام الصادق (ع) أنه قال: "مَنْ رَضِیَ بِالْیَسِیرِ مِنَ الْحَلَالِ خَفَّتْ مَئُونَتُهُ وَ زَکَتْ مَکْسَبَتُهُ وَ خَرَجَ مِنْ حَدِّ الْفُجُورِ".[9]
[1] انظر: الحر العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ج 20، ص 106، الباب 48، مؤسسة آل البیت، قم، 1409 ه ق.
[2] الحر العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ج 2، ص 82، ح 1552؛ ج 25، ص 18، ح 31022 و ص 177، ح 31578 و ...
[3] المؤمنون، 7- 5؛ المعارج 31- 29،
[4] انظر: الحر العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ج 28، الروایات المختلفة و المندرجة تحت ابواب کتاب الحدود.
[5] المجلسی، محمد باقر، بحار الانوار، ج 100، ص 220، ح 20، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 ه ق.
[6] وسائل الشیعة، ج 24، ص 268، ح 30512.
[7] بحار الانوار، ج 90، ص 373.
[8] وسائل الشیعة، ج 17، ص 81، ح 22043.
[9] نفس المصدر، ج 21، ص 531، ح 27777.