ان الاسلام یرى ان الدور الاساسی یقع على عاتق العقل فی موارد التصمیم و اتخاذ القرار و ینبغی اعتماد القدرات الفکریة لدى الانسان لحل ما یواجهه من المشاکل، و فی القضایا التی یعجز الانسان فیها من الحل و تخونه قواه العقلیة و الفکریة فی وضع الحلول المناسبة، ینبغی علیه ان یعتمد اسلوب الاستشارة، فان الاستشارة ترشد العقل الى معرفة الحقیقة و الفکر الشفاف لان الاستشارة تعنی الاستعانة بعقول الآخرین و تجاربهم و علومهم.
ان الانسان اذا ما استفاد من قواه و ادراکاته العقلیة او اعتمد الاسلوب الثانی و هو الاستشارة و الاستعانة بعقول الاخرین و مع هذا بقی فی نفسه نوع من التردد و الحیرة ففی مثل هذه الحالة یرشده کل من العقل و الشرع للقیام بمشورة اخرى و هی استشارة الله العلیم و الرؤوف الذی یرید صلاح الانسان و خیره. هذه الاستشارة یعبر عنها فی الثقافة الاسلامیة بـ"الاستخارة" فان الاستخارة تعنی طلب الخیر و الاحسن.
لکی تتضح الاجابة بصورة افضل ینبغی الاشارة الى بعض النقاط حول الاستخارة و مکانتها فی الفکر الاسلامی:
ان التصمیم و اتخاذ القرار فی حیاة الانسان یقع على عاتق العقل الذی یمثل الحجة الباطنیة على الانسان، ان الاسلام ینظر الى العقل باعتباره نعمة کبیرة منحها الله بسخاء تام للانسان، و ان الانسان باستهدائه بنور العقل یمکنه ان یبدد ظلمة الطریق و ان یطوی المسیر بیسر و امان متجاوزا المشاکل و المخاطر التی تعترض طریقه.
و لقد اولى القرآن الکریم العقل اهمیة کبیرة و اوصى باعتماده فی موارد کثیرة معتبراً ان اخس الناس من لایستفید من نعمة العقل:" إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُکْمُ الَّذینَ لا یَعْقِلُونَ".[1]
کما اعتبر الامام علی (ع) ان المهمة الکبرى و الاساسیة و العلة الرئیسیة لبعثة الانبیاء تتمثل فی استثارة دفائن العقول حیث قال (ع): "وَ وَاتَرَ إِلَیْهِمْ أَنْبِیَاءَهُ لِیَسْتَأْدُوهُمْ مِیثَاقَ فِطْرَتِهِ وَ یُذَکِّرُوهُمْ مَنْسِیَّ نِعْمَتِهِ وَ یَحْتَجُّوا عَلَیْهِمْ بِالتَّبْلِیغِ وَ یُثِیرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُول".[2] و لقد کانت الاستفادة من شعاع العقل الساطع بدرجة من الاهمیة فی الشرع الاسلامی بحیث عد العقل احد مصادر التشریع و استنباط الاحکام الشرعیة.
کما تمت الاشارة و التأکید فی الفکر الاسلامی على المصادر الاخرى التی تکون عونا للعقل فی اکتشاف الحقیقة و فی حصول الشفافیة و نجاح عملیة التفکیر، و من اهم تلک الاسالیب التی تم التاکید علیها هی قضیة" الاستشارة" فان الاستشارة هی فی الحقیقة بمثابة التفکیر الجماعی التی یمکن من خلالها حل الکثیر من العقد و فک الطلاسم التی یعجز عنها العقل الفردی و من هنا تاتی الاستشارة لتجبر- و بمقدار ما – النقص الموجود فی العقل الفردی لیحصل من خلالها المستشیر على الکثیر من المعلومات و التجارب التی حصل علیها اصحابها من خلال فترة طویلة من العمر و یمنحونها للمستشیر للاستفادة منها و الاستنارة بها.
و لکن یحصل - کثیراً- ان الانسان بالرغم من اعتماده العقل من جهة و الاستشارة من جهة ثانیة الا انه یبقى فی نفسه نوع من الشک و التردد، و هنا یشیر علیه کل من العقل و الشرع الى اعتماد وسیلة اخرى و اسلوب آخر و هو الاستشارة من نوع ثان المتمثلة باستشارة العقل الکلی اللامتناهی المطلع على خفایا الامور و دقائقها و الذی یعرف خیر الانسان و صلاحه، هذا النوع من الاستشارة اطلق علیه فی الثقافة الاسلامیة بـ" الاستخارة"، ان الاستخارة تعنی طلب الخیر و طلب افضل الخیارین[3] من هنا تکون العلاقة طردیة بین صفاء النفس و طهارة الباطن و بین اصابة الخیر و تکون مخالفة الاستشارة حینئذ ذات عواقب مشکلة بل قد تکون غیر ممکنة.
و الجدیر بالذکر انه قد ذکر للاستخارة معنیان، احدهما المعنى الحقیقی للاستشارة و الذی ذکر فی الاحادیث و الروایات بان الاستخارة بمعنى طلب الخیر من الله، و هذا النوع من الاستخارة یکون فی الحقیقة احد مصادیق الدعاء و فروعه و لایختص بمورد الشک و التردد، بل هی فی الواقع طلب المدد من الله تعالى فی جمیع الافعال و الحرکات و تفویض الامر الیه سبحانه، من هنا ورد عن الامام الصادق (ع): "من شقاء عبدی ان یعمل الاعمال و لا یستخیرنی"[4]، اذا طبقا لهذه الروایات الکثیرة لایختص هذا النوع من الاستخارة برفع التحیر و التردد، بل هی اسلوب یعتمده الانسان فی جمیع مراحل العمل و هو اسلوب امثل و طریق اکمل.
المعنى الثانی للاستخارة هو طلب الخیر من الله لحل و رفع التحیر و التردد فی بعض الامور التی یواجهها الانسان، فهی خاصة بموارد الشک و التردد.
ویمکن القول فی مجال بیان مکانة هذا النوع من الاستخارة فی الفکر الاسلامی، انه یمکن الاشارة الى ثلاث نظریات:
الرؤیة الاولى: اعتماد الاستخارة من اوّل الامر و من دون ای اعمال للعقل و التامل و مشورة الآخرین. و بعبارة اخرى اعتماد الاستخارة کاسلوب وحید و منحصر فی حل المشاکل بلا ضم ای اسلوب آخر.
الرؤیة الثانیة: تتمثل فی انکار الاستخارة اساسا و بصورة مطلقة و اعتماد العقل کاسلوب منحصر و فرید فی حل المشاکل.
الرؤیة الثالثة: هی الرؤیة التی فی الوقت الذی تعترف فیه بمنزلة العقل و دور الاستشارة و مشارکة الناس عقولهم، فی نفس الوقت تعتمد الاستخارة و طلب الخیر من الله تعالى، و لا یوجد محذور شرعی فی هذا النوع من الاستخارة لان الاستخارة انما هی تعین فی اختیار الطریق المراد من بین الطرق المترددة، فهی لاتحلل حراما و لاتحرم حلالا و لا تغیر حکما من احکام الله تعالى، و ان اقصى ما تقوم به هی اخراج العبد من حالة الشک و التردد التی یصاب بها، ثم ان الاستخارة لا تشیر الى ما یصیب العبد و ما یترتب على ترکه للعمل بالاستخارة.
و لقد ورد فی الروایات الکثیرة اسلوب الاستخارة و طریقتها.[5]
على هذا الاساس ان الانسان اذا اعمل عقله و استشار الآخرین من المختصین و العارفین لکنه مع ذلک لم یخرج من حالة الشک و التردد یمکنه حینئذ استشارة الله تعالى و اتخاذ القرار النهائی و الخروج من حالة الشک و الریبة.
اما بالنسبة الى "سر فتح الکتاب" فان کان المراد منه الاستخارة فقد اتضح حکمه و ان کان المراد شیء آخر فلا دلیل علیه.