2ـ هل أن أفعال المعصومین حجة؟ فإن کان الجواب نعم، أیهما أولى؛ حجیة الفعل أم حجیة القول؟
3ـ ما هی سعة حدود اقتدائنا بالأئمة المعصومین؟ فلو افترضنا أن أمیر المؤمنین کان یمر یوم الاثنین من طریق و فی یوم الثلاثاء کان یمر من طریق آخر، هل لنا تکلیف تجاه عمل الإمام هذا؟ ثم هل هناک نفع یعود إلینا فی الاقتداء بهکذا أعمال؟
4ـ بما أننا لا نعلم بتکالیف الأئمة المعصومین (ع)، هل یمکن أن تصدر منهم أعمال من قبیل ترک الصلاة أو ترک واجب مثل الصلاة؟
واحدة من الأدلة المعتبرة فی الإسلام، السنة النبویة (ص) و سنة باقی المعصومین (ع). فهی کآیات القرآن حجة على المسلمین و هی فی متناول أیدینا بأشکالها الثلاثة؛ أی قول المعصوم و فعله و تقریره. تسمى کلمات المعصومین و أحادیثهم المذکورة فی الأحادیث و الروایات "قول المعصوم" و تسمى أعمالهم و أفعالهم التی کانوا یمارسونها "فعل المعصوم" و تأییدهم لکلام الآخرین أو فعلهم یسمى "تقریر المعصوم".
فإذا قام المعصوم بفعل، دل ذلک على کون الفعل مباحاً. و إن ترک فعلا دل على أن الفعل لیس بواجب. و لا ینکشف بهذا المقدار استحباب العمل أو حرمته أو کراهیته، إلا أن نستدل على ذلک بقرائن و شواهد أخرى.
فإذا عرفنا فی مورد أن ما قام به المعصوم، یعتبر من الأفعال الخاصة بمقام النبوة و الإمامة، فعند ذلک لسنا مکلفین بالإطاعة و الإقتداء.
أما إذا شککنا فی أن هذا الفعل الخاص الذی أتى به المعصوم هل من الأفعال المختصة به أم غیر مختص به، هنا یأتی أصل الاشتراک فی التکلیف و یحکم بأن المعصومین مکلفون بتکالیفنا کلها إلا ما قام الدلیل على خلافه و ثبت بالادلة أنهم مکلفون بتکلیف آخر فحینئذ لا مجال لاصل الاشتراک فلا یجب الاقتداء.
ثم إن دلالة کلام الأئمة أوضح و أکثر من دلالة عملهم، إذ أن الکلام یحتوی على الألفاظ و الکلمات والصیغ الخاصة التی تعبر عن مقصود المتکلم بشکل کامل و تکشف عن الحکم بکل وضوح.
أما بالنسبة إلى إمکان ترکهم لواجب کالصلاة، فبالرغم من أنهم کانوا یعملون بالتقیة فی بعض الحالات التی تقتضیها الظروف و کانوا یأمرون أصحابهم بالتقیة إلا أنه لم ینقل عنهم أنهم ترکوا واجبا مثل الصلاة.
واحدة من الأدلة المعتبرة فی الإسلام، من أجل معرفة الوظائف والتکالیف والحقوق و استنباط الاحکام الشرعیة و... هی السنة المطهرة. فأهل السنة قد خصّصوا "السنة" فی قول النبی (ص) و فعله و تقریره، و أما نحن معاشر الشیعة فنعتبر قول جمیع المعصومین (ع) و فعلهم و تقریرهم من السنة. إذ أن الأئمة (ع) قد نصّبوا من قبل الله و على ید الرسول (ص) لمنصب الإمامة فإنهم عارفون بأحکام الله، فما یقولونه أو یفعلونه هو حکم الله المحفوظ عندهم و قد وصل إلیهم عن النبی أو مباشرة من عند الله عن طریق الالهام لا الوحی لان الوحی الرسالی ختم بوفاة النبی الاکرم (ص). فقد قال أمیر المؤمنین (ع): "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَلَّمَنِی أَلْفَ بَابٍ مِنَ الْعِلْمِ یَفْتَحُ کُلُّ بَابٍ أَلْفَ بَاب"[1] إذن أئمة أهل البیت (ع) أحد مصادر تشریع أحکام الله و إن کلامهم و عملهم و تقریرهم حجة علینا فلابد لنا من اتباعه. لقد رفع الله شأنهم و مقامهم بحیث وجب علینا أن نستلم وظائفنا و تکالیفنا منهم. و قد قال القرآن الکریم: "یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا أَطیعُوا اللَّهَ وَ أَطیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فی شَیْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُول..."[2] و لقد قال رسول الله (ص): " إنِّی تَارِکٌ فِیکُمُ الثَّقَلَیْنِ مَا إِنْ تَمَسَّکْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا کِتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِی أَهْلَ بَیْتِی وَ إِنَّهُمَا لَنْ یَفْتَرِقَا حَتَّى یَرِدَا عَلَیَّ الْحَوْضَ"[3]
إذن بما أن المعصومین (ع) قد نصّبوا لهذا الأمر من قبل الله، فسنّتهم، أی قولهم و فعلهم و تقریرهم حجة و تجب إطاعتهم على الجمیع.
1ـ قول المعصوم
تسمى کلمات المعصومین و أحادیثهم المذکورة فی الأحادیث و الروایات "قول المعصوم". فإن کان کلام المعصوم ینطوی على ذکر بعض الأحکام الإلهیة، یستطیع الفقیه أن یستند إلى کلامهم حسب مقتضى القرائن و الشروط. ثم إن دلالة کلام الأئمة أوضح و أکثر من دلالة عملهم، إذ أن الکلام یحتوی على الألفاظ و الکلمات و الصیغ الخاصة التی تعبر عن مقصود المتکلم بشکل کامل و تکشف الحکم بکل وضوح.
2ـ فعل المعصوم
تسمى أعمال المعصومین و أفعالهم التی کانوا یمارسونها "فعل المعصوم".
إن مدى دلالة فعل المعصوم (ع) بمقدار أنه إذا قام بفعل، یدل على أن الفعل مباح، لکن لا یدل على کون الفعل واجبا أو مستحبا. و إذا ترک فعلا، یدل على أن الفعل لیس بواجب على الأقل، لکن لا یدل هذا على حرمة الفعل أو کراهیته، إلا أن نفهم من شواهد أو قرائن أخرى أن العمل واجب أو مستحب أو حرام أو مکروه.
طبعا کل هذا فی ما لو لم یکن العمل من مختصات منصب النبوة أو الإمامة، أما إذا علمنا فی مورد أن ما قام به المعصوم، من أعماله الاختصاصیة، عند ذلک لسنا مکلفین بالإطاعة و الإقتداء، من قبیل وجوب صلاة اللیل أو الحکم الخاص بالنبی فی جواز الزواج الدائم من أکثر من أربعة.
کذلک إن شککنا فی أن هذا الفعل الخاص الذی أتى به المعصوم هل من الأفعال المختصة به أم غیر مختص به، هنا یجب أن نفترض أنه لیس من وظائفه الخاصة، لأن النبی (ص) و الأئمة (ع) فی الدرجة الأولى بشر مثلنا، و أصل الاشتراک فی التکلیف یحکم أن المعصومین مکلفون بتکالیفنا کلها إلا ما قام الدلیل على خلافه و ثبت فی بعض الموارد أنهم مکلفون بتکلیف آخر.
إذن کلما تجلت أحکام الله و أوامره فی عمل المعصوم و فعله، یستطیع الفقهاء و المجتهدون وجمیع المسلمین أن یستندوا إلى فعلهم حسب القرائن و الشروط الموجودة و أن یفتوا أو یعملوا على أساسه.
إذن فعل المعصوم و عمله یحکی عن الحکم الشرعی لکن لا تبلغ دلالته درجة القول و الکلام.
3ـ تقریر المعصوم
یسمى تأییدهم و إمضاؤهم لکلام أو فعل الآخرین "تقریر المعصوم".
أسلوب تقریر المعصوم هو أنه إذا تکلم أحد أو قام بفعل أمام المعصوم و کان یحظى بتأییدهم و رضاهم، کانوا یعبرون عن تأییدهم بطریقة ما. مثلا عندما یأتی أحد و یتوضأ أمامهم أو یصلی عندهم أو یتکلم بکلام أو یدعی أمراً ما و یسکت الإمام، یکون هذا علامة على تأیید المعصوم ورضاه عن ذلک العمل أو الفعل و یسمى هذا "تقریرا". إذ لو کان ذلک القول أو العمل غیر صحیح شرعا، لوجب على الإمام أن یمنعه باعتبار وجوب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر. طبعا حجیة التقریر تحتاج إلى مجموعة من الشروط نذکرها فی ما یلی:
1ـ أن یتم العمل أو القول أثناء حضور المعصوم، و إن لم یصدر أمامه فیجب أن یصل إلیه الخبر و یمضیه.
2ـ أن یکون المعصوم عالما و ملتفتا بالقول أو الفعل.
3ـ أن یکون المعصوم قادرا على إشعار الفاعل بخطئه أو منعه عن فعله. مثلا یجب أن لا یکون المعصوم فی حال تقیة.
إذن تقریر المعصوم عبارة عن تأییده لعمل الغیر. و هذا التقریر حجة على المجتهد و یمکنه أن یستند إلیه حسب القرائن و الشروط.
فاتضح من خلال ما ذکر أن دلالة الکلام أکثر و أوضح، لأن الکلام یحتوی على الألفاظ و الکلمات و الصیغ الخاصة التی تعبر عن مقصود المتکلم بشکل کامل و تکشف الحکم بکل وضوح. فی حین أن دائرة دلالة العمل ضیقة جدا، و فی بعض الحالات لا تدل إلا على جواز العمل أو عدم وجوبه.
و أما ما یتعلق بسؤالکم الأخیر، فبالرغم من أنهم کانوا یعملون بالتقیة کثیرا و کذلک کانوا یأمرون أصحابهم بالتقیة إلا أنه لم ینقل عنهم أنهم ترکوا واجبا مثل الصلاة.
للحصول على المزید من المعلومات راجع: 1ـ الموضوع: مدى اعتبار السنة وحجیتها، خلاصة السؤال: إن حجیة السنة أهی فی الأمور الدنیویة أم الأخرویة؟ سؤال 9787 (الموقع: 9814).
2ـ الموضوع: أحادیث الرسول (ص) و الوحی، خلاصة السؤال: هل أن جمیع کلمات الرسول الأعظم (ص) وأحادیثه کانت وحیا أم لا؟ سؤال 1203 (الموقع: 1960).