إن الإمام الخمینی (ره) هذا الإنسان العارف و العالم بالإسلام، کان یرى أساس جمیع مصادیق السعادة الفردیة و الاجتماعیة فی التوجه إلى الله و السعی لتطبیق أوامره، و فی المقابل کان یعتقد أن بدء الشقاء و التعاسة فی عزوف الناس عن عبادة الله إلى عبادة النفس و أن یجعلوا الدنیا غایة هدفهم بدلا عن الآخرة. ثم لم یغفل الإمام عن الدور المصیری للحکومات و أنظمة التربیة و التعلیم فی نشر المفاهیم الدینیة و ترسیخها فی المجتمع و قد أکد علیها مراراً، و کان یرى لهم تأثیراً کبیراً فی سوق الشعوب إلى السعادة أو الشقاء.
فی بدایة الجواب، نود أن نلفت نظرکم إلى مسألة مهمة و هی أن فی الحیاة المادیة، لا یمکن أن نفترض عاملا و مبدأ معینا لمواضیع و مفاهیم عامة کالسعادة و الشقاء و السرور و الحزن و غیرها. فمثلا إذا قلت: "بدأت أیام سعادتی کلها من زمن قبولی فی الجامعة أو إن مشاکلی کلها بسبب أنی لم أملک بیتا" لا شک فی أنک لم تشر إلى الواقع کله، بل قد أشرت إلى عامل واحد من عوامل سعادتک أو مشاکلک فی هذه الدنیا. لکن فی رؤیة الإنسان العارف بالله، المعیار الوحید فی سعادة حیاته المعنویة هو کسب رضا الرب، و فی المقابل، کل ما یبعد الإنسان عن ربه فهو سبب الشقاء، حتى و إن عدّ فی المحاسبات المادیة عاملا للسعادة.
بعد هذه المقدمة نرجع إلى سؤالکم:
کان الإمام الخمینی (ره) هو القائد الذی هدف إلى ارتقاء المستوى المعنوی فی مجتمعه أکثر من أن یلتفت إلى زخارف مظاهر العالم المادی، و لهذا نجد فی أکثر خطاباته أن ما یذکره سببا للسعادة أو الشقاء، هو ما یقرب الإنسان إلى الله أو یبعده عنه.
فقد قال فی السعادة فی أحد بیاناته: ما أسعد أولئک الذین أعرضوا عن هذه الدنیا و زخارفها و أفنوا عمرهم بالزهد و التقوى…"[1] و لذلک یرى الاقتداء بأولی الشهامة من الرجال الذین یهدون الإنسان إلى الله عاملا للسعادة، إذ: "أن الإنسان و لأنه مجموعة بحاجة إلى کل شیء، جاء الأنبیاء لیخبروه عن احتیاجاته، عن کل ما یحتاجه الإنسان. فإذا عمل بها الإنسان یصل إلى السعادة التامة".[2] و فی عداد کلماته هذه، یعتبر العمل بتعالیم القرآن أساس سعادة الناس: "إذا کان القرآن کتاب شعب، سعد ذاک الشعب. ولو طبقنا بعض آیات القرآن ننال السعادة".[3]
و فی المقابل یرى الإمام أن الابتعاد عن تعالیم الثقلین (القرآن و العترة) هو العامل الرئیس فی شقاء الناس: "إن شقاء شعبنا هو فیما إذا کان شعبنا منفصلا عن القرآن، منفصلا عن أحکام الله و منفصلا عن إمام العصر و الزمان".[4]
نحن نعلم أن إحدى التعالیم الرئیسة فی الإسلام هی عدم التعلق بالعالم المادی و سحق هوى النفس. و قد قال الله سبحانه فی القرآن: "إِنَّ الَّذینَ لا یَرْجُونَ لِقاءَنا وَ رَضُوا بِالْحَیاةِ الدُّنْیا وَ اطْمَأَنُّوا بِها وَ الَّذینَ هُمْ عَنْ آیاتِنا غافِلُونَ. أُولئِکَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما کانُوا یَکْسِبُون".[5] و قال فی آیة أخرى موجها خطابه للنبی (ص): "وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِکْرِنا وَ اتَّبَعَ هَواهُ وَ کانَ أَمْرُهُ فُرُطا".[6]
إن الإمام الخمینی (ره) الذی کان یسعى لإحیاء أصول الإسلام، کان یبث نفس هذه العبر المستلهمة من الآیات و الروایات فی المجتمع. و فی رسالة له حذر فیها ابنه من الأنانیة وحب الدنیا حیث قال: "أی بنی! الأمر المذموم الذی هو رأس مال جمیع أنواع الشقاء و الهلاک و أساسها و رأس جمیع الخطایا هو حب الدنیا الذی ینشأ من حب النفس."[7] و قال فی کلام آخر: "إن شقاء کل إنسان هو التعلق بالمادیات و التفات النفس و تعلقها بالمادیات، و هذا ما یصد الإنسان عن مواکبة رکب الناس [الحقیقیین]"[8]
من الطبیعی أنه لا یمکن بثّ هذه التعالیم الإلهیة فی المجتمع و تثقیف المجتمع علیها إلا عن طریق معلمین و أساتذة أکفاء و منزهین. و لهذا أشار الإمام کرارا إلى دور الثقافة و التربیة و التعلیم فی سعادة المجتمع و شقائه، حیث قال: "إن دوافع السعادة برمتها و الشقاء بأجمعه فی المدارس، و مفتاحها بید المعلمین."[9] و قال: "إن الثقافة منطلق سعادة الشعوب و شقائها، إن أصبحت الثقافة غیر صالحة فإن هؤلاء الشباب الذین یتربون على هذه الثقافة غیر الصالحة، سیشیعون الفساد فی المستقبل."[10]
لا یخفى أن الحرکة التثقیفیة من أجل ترسیخ الأحکام الدینیة فی المجتمع، لا تتیسر إلا إذا کان قادة الشعوب ومدراؤهم و من هم فی رأس المجتمع الدولی ذوی صلاحیة کافیة، و لو لا ذلک فمع عدم انسداد طریق التزکیة و التطور فی الحیاة الفردیة، لکن سوف تتعرقل حرکة إجراء أحکام الإسلام فی الحیاة الاجتماعیة و تواجه مشاکل.
فکان الإمام الخمینی (ره) یشیر فی کلماته أحیانا إلى دور الحکومات فی سعادة الشعوب و شقائها:
1ـ "إن شقاء و سعادة الشعوب متعلقة بأمور من أهمها صلاحیة الفئة الحاکمة."[11]
2ـ "کل مصائبنا من أمریکا و الاتحاد السوفیتی و بریطانیا.[12]
3ـ "کل مصائبنا من الشاه (الملک) و النظام الملکی."[13] و…
إذن على هذا الأساس یمکن أن نخرج بهذه النتیجة و هی أن فی رؤیة الإمام الخمینی (ره) إن أساس جمیع مصادیق السعادة الفردیة و الاجتماعیة هو الحرکة فی سبیل الله و بدء المصائب و الشقاء هو عندما یرغب الناس عن عبادة الله إلى عبادة النفس و یجعلوا الدنیا غایة هدفهم بدلا عن الآخرة. ثم إن الحکومات و ما تنطوی على أنظمة التربیة و التعلیم لها دور کبیر فی تثقیف المجتمعات و لهم تأثیر کبیر فی سوقهم إلى السعادة أو الشقاء.
[1] صحیفه امام، ج 17، ص 49.
[2] المصدر نفسه، ج 4، ص 190.
[3] المصدر نفسه ، ج 10، ص 533.
[4] المصدر نفسه ، ج 7، ص 460.
[5] یونس، 8-7.
[6] کهف، 28.
[7] صحیفه امام ، ج 16، ص 213.
[8] المصدر نفسه ، ج 8، ص 267.
[9] المصدر نفسه ، ج 7، ص 429.
[10] المصدر نفسه ، ج 3، ص 306.
[11] المصدر نفسه ، ج 5، ص 314.
[12] المصدر نفسه ، ج 6، ص 28.
[13] المصدر نفسه ، ج 5، ص 310.