یوجد رأیان عند علماء الإسلام حول موضوع زواج أولاد آدم (ع):
1ـ فی ذلک الزمان و لأن قانون تحریم زواج الأخ من الأخت لم یکن قد شرّع من قبل الشارع المقدس، و لأنه لم یکن هنالک طریق آخر باستثناء طریق زواج الأخ من الأخت للحفاظ على نسل البشر، لذلک فقد تم زواج بعضهم من بعض.
2ـ و الرأی الآخر یذهب الى القول: بما أن زواج المحارم هو عملٌ قبیح و غیر مقبول، فلذلک لم یکن بإمکان أولاد آدم (ع) الزواج من بعضهم البعض. و قد تزوج أبناء آدم من بنات سلالة أخرى من البشر کانت موجودة قبل آدم (ع) على الأرض، و بعد ذلک أصبح أولادهم أبناء و بنات عم و قد تم الزواج بینهم و عن طریق هؤلاء تکاثرت البشریة.
و لقد أید العلامة الطباطبائی (ره) صاحب تفسیر المیزان الرأی الأول من بین هذین الرأیین.
قد طرح هذا السؤال من سالف الزمان و هو: بمن تزوج أبناء آدم (ع)؟ هل أنهم تزوجوا بأخواتهم؟ هل تزوجوا من نساء من الملائکة أو الجن؟ و بالنظر الى حرمة زواج الأخ من الأخت فی جمیع الشرائع و الأدیان؟ فکیف یمکن أن یفسر هذا الزواج؟
یوجد رأیان لعلماء المسلمین بخصوص هذا الموضوع و کل من الفریقین یذکر أدلة من القرآن الکریم و من الروایات، و نحن هنا ننقل آراء کلا الفریقین و بشکل مختصر:
1ـ إنهم تزوجوا من أخواتهم. حیث إنه فی ذلک الزمان (بدء الخلق) لم یکن قد شرّع من قبل الله عز وجل قانون تحریم زواج الأخ من الأخت من جهة، و من جهة أخرى لم یکن هنالک طریق آخر لبقاء و دوام نسل البشر غیر هذا الطریق، و لذا فقد تزوج بعضهم من البعض الآخر، إضافة الى ان حق االتشریع هو مختص بالله سبحانه کما یذکر القرآن الکریم "إن الحکم إلا لله".[1]
یقول العلامة الطباطبائی (ره) فی هذا المجال: إن الزواج فی المرحلة الأولى بعد خلق آدم و حواء (و نقصد أولاد آدم و حواء المباشرین) کان قد حصل بین الإخوة و الأخوات حیث تزوجت بنات آدم من أبنائه، لأنه إنحصر نسل البشریة فی جمیع أنحاء الدنیا فی ذلک الزمان بأولاد آدم (ع)..... و على هذا الأساس لا یوجد أی اشکال (و لو إنه فی عصرنا هذا یکون هذا الموضوع مدعاة للتعجب) حیث إن التشریع مختص بالله عز و جل فقط، لذلک یستطیع سبحانه أن یحلل أمراً فی زمان معین و یحرمه فی وقت آخر.[2]
و لم یر صاحب تفسیر الأمثل ای استغراب او عجب فی تلک النظریة حیث قال: کیف کان زواج أبناء آدم؟:
قال سبحانه: "وَ بَثَّ مِنْهُما رِجالًا کَثِیراً وَ نِساءً"، هذه العبارة یستفاد منها أنّ انتشار نسل آدم، و تکاثره قد تمّ عن طریق آدم و حواء فقط، أی بدون أن یکون لموجود ثالث أی دخالة فی ذلک.
و بعبارة أخرى، أنّ النسل البشری الموجود إنّما ینتهی إلى آدم و زوجته من غیر أن یشارکهما فی ذلک غیرهما من ذکر أو أنثى.
و هذا یستلزم أن یکون أبناء آدم (أخوة و أخوات) قد تزاوجوا فیما بینهم، لأنه إذا تمّ تکثیر النسل البشری عن طریق تزوجهم بغیرهم لم یصدق و لم یصح قوله: «منهما».
و قد ورد هذا الموضوع فی أحادیث متعددة أیضا، و لا داعی للتعجب و الاستغراب إذ طبقا للاستدلال الذی جاء فی طائفة من الأحادیث المنقولة عن أهل البیت (ع) إنّ هذا النوع من الزواج کان مباحا حیث لم یرد بعد حکم بحرمة «تزوج الأخ بأخته».
و من البدیهی أن حرمة شیء تتوقف على تحریم اللّه سبحانه له، فما الذی یمنع من أن توجب الضرورات الملحة و المصالح المعینة أن یبیح شیئا فی زمان، و یحرمه بعد ذلک فی زمن آخر.[3]
یستند أصحاب هذا الرأی الى أدلة فی القرآن الکریم حیث یقول رب العباد: "و بث منهما رجالاً کثیراً و نساءاً".[4]
إضافة الى ذلک قد تم تأیید هذه النظریة فی الروایة التی ینقلها المرحوم الطبرسی فی (الإحتجاج) عن الإمام السجاد (ع).[5]
2ـ الرأی الآخر بخصوص هذا الموضوع یذهب الى انه من غیر الممکن لأولاد آدم الزواج من بعضهم البعض، لان الزواج من المحارم یعتبر عملا ًقبیحا و غیر مقبول و هو حرام من الناحیة الشرعیة.
من هنا فإن أبناء آدم قد تزوجوا من جنس البشر و لکن من سلالة من السلالات الأخرى التی کانت موجودة على وجه الأرض قبل آدم (ع)، و بعد ذلک أصبح أولاد هؤلاء بنات و أبناء عم، بدأ التزاوج بین هؤلاء الأولاد.
توجد بعض الروایات تؤید هذه النظریة، و کذلک تؤید نظریة إن نسل آدم لم یکونوا أول البشر على وجه الأرض بل کان هنالک بشر یعیشون فی الأرض قبل آدم (ع). و لکن هذا الرأی لا یتلائم مع ظاهر الآیات القرآنیة، حیث تؤکد الآیة الشریفة فی القرآن الکریم إن نسل الإنسان هو من آدم و حواء فقط، و ان هکذا نوع من الروایات تتعارض مع ما جاء فی القرآن لذلک لا یمکن أن نقبلها.
من خلال هذه الإستدلالات و بالإستناد الى الآیات القرآنیة نستطیع أن نتوصل الى نتیجة هی: نظریة إن هابیل و قابیل قد تزوجوا من نساء من جنس الملائکة أو الجن هی أیضاً نظریة باطلة. إضافة ًالى ان الآیة القرآنیة الکریمة تشیر الى ان نسل البشر قد نشأ من آدم و حواء فقط،[6] و لو کان هنالک أحد له دخل فی بقاء و تکاثر نسل البشر، لکانت الآیة الکریمة تشیر الى ذلک بالقول، "منهما و من غیرهما".
یقول العلامة الطباطبائی (ره) بخصوص هذا الأمر: و ظاهر الآیة أن النسل الموجود من الإنسان ینتهی إلى آدم و زوجته من غیر أن یشارکهما فیه غیرهما حیث قال: "و بث منهما رجالا کثیرا و نساء"، و لم یقل: منهما و من غیرهما[7] و نحن فی هذه الحالة یجب علینا أن نؤید و نتبع الروایات التی تتوافق مع الآیات القرآنیة و هو ما جاء فی الرأی الأول.