الأدب نوع من السلوک الخاص الموزون مع الافراد المحیطین بالانسان (صغاراً او کباراً و معارف و غرباء) و الذي ینشأ من التربیة الصحیحة.
ان السلوک العقلاني و الوقار و حسن الکلام هي من علامات الأدب، و ان السفه و سوء المنطق و الخرق و السب و الشتم و اللجاجة و العناد و...هي من نماذج سوء الأدب، و الأدب فن اکتسابي ، و علیه فینبغي التعرف علی النکات التربویة الدقیقة و العمل علی تطبیقها.
ان التعرف علی تعالیم الاسلام و علی حیاة نبي الاسلام الاکرم (ٌص) و الائمة المعصومین (ع) و اتخاذهم اسوة هو افضل الطرق و اقربها للوصول الی الاخلاق و الآداب الحسنة. و کذلک فان السلوک الحسن للآخرین یؤثر ایجابیاً علی سلوک الفرد، کما ان المساوئ الاخلاقیة للناس لها تأثیرها السیئ ایضاً. و العقلاء هم الذین یتعلمون الدروس و یأخذون العبر من اخطاء الآخرین. ان افضل طریق لعلاج سوء الأدب یکمن بالالتفات الی تفاهة قلیلي الأدب، و الی کرامة المؤدبین و منزلتهم في الاوساط الاجتماعية. و هناک کتب و مصادر کثیرة في مجال الاخلاق و الآداب الاسلامیة نشیر الی بعضها في الجواب التفصیلي.
یعد الأدب من المثل الاخلاقیة و الاجتماعیة. فبه یکرم الابناء و أولیاؤهم و مربوهم. و الأدب یضفي علی کل من تحلی به هالة من المحبة و الجذابیة، و یجعل کل من اتصف به عزیزاً و محترماً. ان لکل شيئ زینة، و أن زینة الشرف الاسري تکمن ف مقدار تحلي افرادها بالأدب و الاخلاق الحسنة، یقول أمیر المؤمنین علي (ع): " لا شرف مع سوء أدب"[1]. و "حسن الأدب يستر قبح النسب"[2].
و حین یکون الحدیث عن الأدب یتبادر الی الذهن نوع من السلوک الخاص المتزن مع الافراد المحیطین بالانسان (صغاراً و کباراً و معارف و غرباء). و هذا السلوک الذي ینشأ من التربیة اللائقة، یرتبط بطریقة التکلم و المشي و المخالطة و النظر و الطلب و السؤال و الجواب. ان من یعرف حده و لا یتجاوزه یندرج فی زمرة المؤدبین.
و سوء الأدب هو نوع من الدخول في الدائرة المحظورة و تجاوز الحدود في التعامل مع الآخرین، و قد اشار أمیر المؤمنین علي (ع) الی مؤشر بارز في هذا المجال: "أفضل الأدب أن يقف الإنسان عند [على] حده و لا يتعدى قدره"[3].
و الأدب فن اکتسابي، بل یمکن القول بان الأدب هو التربیة اللائقة سواء کان المربي هو الاب أو الام او الاستاذ بل حتی الانسان نفسه. و المهم هو ان یتعرف الانسان علی النکات التربویة الدقیقة و یعمل علی تطبیقها. ان اولئک الذین ارتقوا القمم الشاهقة في الأدب قد سلکوا هذا الطریق. یقول الامام الصادق(ع): " أَدَّبَنِي أَبِي (ع) بِثَلَاثٍ وَ نَهَانِي عَنْ ثَلَاثٍ، فَأَمَّا اللَّوَاتِي أَدَّبَنِي بِهِنَّ فَإِنَّهُ قَالَ لِي: يَا بُنَيَّ مَنْ يَصْحَبْ صَاحِبَ السَّوْءِ لا يَسْلَمْ، وَ مَنْ لا يُقَيِّدْ أَلْفَاظَهُ يَنْدَمْ، و مَنْ يَدْخُلْ مَدَاخِلَ السَّوْءِ يُتَّهَمْ"[4].
و قد ورد التأکید في کلام المعصومین في بعض الموارد علی ( تأدیب الانسان لنفسه و کونه مربیاً لها)، فمن یحصل علی هذه الموهبة هو صاحب الفطنة و النباهة و البصیرة النافذة، و کما یقول أمیر المؤمنین علي (ع): "كَفَاكَ أَدَباً لِنَفْسِكَ اجْتِنَابُ مَا تَكْرَهُهُ مِنْ غَيْرِكَ"[5]، و هذه اشارة واضحة الى أصل من الاصول العامة في أدب المعاشرة. و في الواقع فان مراد الامام هو ان ما لا ترضاه لنفسک فلا ترضه لغیرک و ان ما تحبه لنفسک فاطلبه لغیرک ایضاً، و ان ما تعده عیباً لدی الآخرین، اعتبره عیباً ایضاً علیک. و اذا کنت تنتقد الاعمال السیئة للآخرین، فلا ینبغي ان تکون فیک تلک الاعمال و الصفات. ان من طرق الوصول الی الأدب و الابتعاد عن سوء الأدب هو التعرف علی موارد و مصادیق الأدب و سوء الأدب. و مع أن لکل من الأدب و سوء الأدب علامات، و لکن المعرفة الدقیقة و الکاملة بالأدب لا تتیسر الا بالالتفات الی معالم سوء الأدب، وهي التي تتجلی في منطق الانسان و کلامه کما تتجلی في سلوکه و فعله ایضاً. ان ذي المنطق السیئ لا ادب له کما یقول أمیر المؤمنین علي (ع): " لا ادب لسیئ النطق"[6]. کما ان السلوک العقلاني و المتانة في الحدیث و الوقار في السلوک هي من معالم الأدب. و في قبال ذلک فان السفه و سوء الکلام، و الحدة و الفحش في الکلام و السباب و الاهانة و اللجاجة و العناد و....من مؤشرات سوء الأدب. فاذا کانت السیطرة علی الصداقات و المعاشرة من الأدب، فان سوء الأدب یعني معاشرة الاشرار و عدم التدقیق في اختیار الاصدقاء و عدم الانضباط في المجالسة و المعاشرة. فمن لا یکون مستعداً في علاقته مع الآخرین لاحترامهم و تکریمهم، و یکون منشغلاً دوماً بالاستهزاء بالآخرین و غیبتهم، و من یقابل سخافة الآخرین بسخافة، و سبابهم بسباب اشد، و من لا یحترم حق الآخرین في المجالس و التجمعات، و لا یراعي النظام و التعلیمات، و لا یراعي السکوت و الانتظام في الدور، و من لا یکون مستعداً لسماع رأي الآخرین، و من یلجأ في حواره مع الآخرین الی رفع الصوت و الصراخ و لا یراعي جانب الانصاف و الحق، و... ان کل ذلک من علامات فقدان الأدب. و من الجانب الآخر فان مراعاة الاداب في الاکل و الشرب و لبس الثیاب و تخلیل الاسنان و حین التثاؤب و السعال و العطاس و.. هي من علامات التأدب.
ان اساءة الأدب تنبع من عدم الاهتمام بحقوق الآخرین و شخصیتهم و عدم رعایة حرمتهم. ان من ینثر الرذاذ في عطاسه علی المائدة او علی وجوه الآخرین او یتناول الطعام بشکل منفر او من یقوم برمي الاشیاء او المتاع نحو الآخرین بدلاً من تقدیمهما لهم بکلتا یدیه مراعیاً حرمتهم، او یخلق حالة من الضجیج اثناء انشغال الآخرین بالمطالعة، او یدخل علی الآخرین في غرفهم من دون استئذان، کل ذلک یؤشر الی عدم مراعاة الأدب الاجتماعي. و الملفت للنظر ان الاسلام قد أکد علی جمیع هذه الاخلاقیات الحسنة و حذر من القبیحة منها. ان کل ما ورد في التربیة الاسلامیة و الاخلاق الایمانیة من التعالیم و الاوامر و النواهي هي دروس في کسب الأدب. و من لا یلتزم بتعالیم الدین فهو خارج من دائرة الأدب و داخل في دائرة سوء الأدب.
ان من طرق التعرف علی الاداب الاسلامیة و التخلق بها هو التعرف علی سیرة النبي الاکرم (ص) و الائمة (ع) و الاهتمام بالامور التي کانوا یحافظون علیها.
ان الرسول الاکرم (ص) الذي هو القدوة في الایمان و الاسوة في الاخلاق و الأدب و حسن السلوک، کان یؤکد بان المؤدب له هو الله سبحانه: "أدبني ربي فأحسن تأدیبی"[7]. ان (سیرة النبي) هي کتاب لتعلیم الأدب، و سلوک النبي هو النموذج الاخلاقي الاعلی. و فیما یلي نشیرالی عدة نماذج من أدب النبي و تعامله مع الآخرین: "کان رسول الله (ص) یسلم علی کل من یلقاه"[8].." ما صافح رسول الله (ص) أحدا قط فنزع يده من يده حتى يكون هو الذي ينزع يده، وما فاوضه أحد قط في حاجة أو حديث فانصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف، و ما نازعه أحد الحديث فيسكت حتى يكون هو الذي يسكت، وما رئي مقدما رجله بين يدي جليس له قط، و لا خير بين أمرين إلا أخذ بأشدهما. وما انتصر لنفسه من مظلمة حتى ينتهك محارم الله فيكون حينئذ غضبه لله تبارك وتعالى، و ما أكل متكئا قط حتى فارق الدنيا، و ما سئل شيئا قط فقال: لا"[9]..و " كان رسول الله (ص) يقسم لحظاته بين أصحابه فينظر إلى ذا، و ينظر إلى ذا بالسوية. و لم يبسط رسول الله رجليه بين أصحابه قط"[10]..و "كان رسول الله (ص) أكثر ما يجلس تجاه القبلة )[11]..و " وما رئي مقدما رجله بين يدي جليس له قط"[12] و "كان (ص) لا يدعوه أحد من أصحابه و غيرهم إلا قال: لبيك"[13]..و " إن رسول الله (ص) كان لا يسأله أحد من الدنيا شيئا إلا، أعطاه"[14]...و " كان رسول الله (ص) يأكل الهدية و لا يأكل الصدقة"[15].. و ما رد سائل حاجة قط إلا أتى بها أو بميسور من القول[16].
وبالاضافة الی المعصومین (ع) الذین هم افضل النماذج في الأدب و الاخلاق، فان السلوک الحسن للآخرین یترک اثره الایجابي علی سلوک الانسان. و ان المجالسة و المعاشرة مع الناس المؤدبین تزین اخلاقنا و سلوکنا بزینة الأدب. و کذلک فان المساوئ الاخلاقیة للآخرین تترک اثرها السیئ ایضاً. و لکن عبقریة الناس الاذکیاء و الحکماء تتمثل في الاستفادة من سوء سلوک الآخرین ایضاً و أخذ الدروس و العبر منها. و تلک هي الحکمة اللقمانیة حیث سئل لقمان : ممن تعلمت الأدب؟ فقال: من عدیمي الأدب، فاني کلما رأیت منهم ما أکرهه، کنت اجتنبه[17]. و کان السید المسیح (ع) یعتمد نفس هذا الاسلوب ایضاً حیث سئل: من علمک الأدب؟ فقال: ما أدبنی أحد. رأیت قبح الجهالة فجانبته.[18].و کان أمیر المؤمنین علي (ع) یؤکد أیضاً علی هذا الاسلوب في مواعظه، کقوله: "اذا رأیت في غیرک خلقاً ذمیماً فتجنب من نفسک أمثاله"[19].
فکما انه ینبغي تعلم سوء الکلام من أهل الثرثرة، کذلک ینبغي تعلم العزة و کرامة النفس من التأمل في سلوک أهل الضعة و اللؤم. فاذا تعلمنا مکارم الاخلاق من مساوئ الآخرین فان استاذ اخلاقنا سیکون موجودا في باطننا و ملازما لنا دائماً.
و للاطلاع اکثر علی الاخلاق و الاداب الاسلامیة راجعوا الکتب التالیة:
1- معراج السعادة، المولی أحمد النراقي.
2- القلب السلیم، الشهید السید عبد الحسین دستغیب.
3- الذنوب الکبیرة، الشهید السید عبد الحسین دستغیب.
4- الاخلاق الالهیة، مجتبی الطهراني.
5- مراحل الاخلاق في القرآن، عبد الله جوادي الآملي.
6- البدایات في الاخلاق العملیة، محمد رضا مهدوي کني.
7- نحو بناء الذات، محمد تقي مصباح الیزدي.
8- الاخلاق و طریق السعادة، السیدة مجتهدة أمین.
9- معرفة الذنب، محسن قراءتي، منشورات رسالة الحریة، طهران.
10- موقع: حوزة نت، مجلة الاخلاق.
و من الکتب الاخلاقیة المؤلفة باللغة العربیة، یمکن الاشارة الی الکتب التالیة:
- الاخلاق، للسید عبد الله شبر.
- المحجة البیضاء في تهذیب الاحیاء، المولی محسن الفیض الکاشاني.
[1] الامدي، عبد الواحد، عرر الحکم، ص248.
[2] غرر الحکم،
[3] غرر الحکم، ص247.
[4] العلامة المجلسي، بحار الانوار، ج75، ص261،
[5] المحمدي الریشهري، محمد، میزان الحکمة، ج1، ص78.
[6] غرر الحکم،
[7] میزان الحکمة، ج1، ص78،
[8] العلامة الطباطبائي، سنن النبي، ص41،43و 75.
[9] سنن النبي، ص45،46، 47، 73و61.
[10] سنن النبي، ص41،47.
[11]سنن النبي ، ص75و 76.
[12] بحار الانوار، ج16، ص237.
[13] بحار الانوار، ج16،ص227و 240.
[14] مکارم الاخلاق، ص17، 15،13.
[15] سنن النبي، ص75.
[16] اقتباس من موقع : حوزة نت.
[17] کلستان سعدي، باب 3، الحکایة 20.
[18] بحار الانوار، ج14، ص326.
[19] میزان الحکمة، ج1، ص 70، ح374.