لقد أکدت الآیات الشریفة و الروایات الورادة عن النبی الاکرم (ص) و اهل بیته (ع) على کرامة الانسان و احترامه و خاصة الانسان المؤمن.
فقد حث القرآن الکریم على الالقاب و الاسماء الحسنة و التخاطب بالالقاب الجمیلة و عد ذلک من الامور المحببة التی تؤدی الى احترام الانسان و اکرامه.
فقد جاء فی سورة الحجرات: "لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإیمان"؛ أضف الى ذلک ان الاسلام یرى ان حق المؤمن اعظم من حق الکعبة. من هنا لاینبغی للمؤمن أن یهین نفسه أو یهین الآخرین. و لایرضى النبی الاکرم (ص) و الائمة (ع) أن یهین الانسان نفسه حتى لو کان الغرض من ذلک إظهار الاحترام و التبجیل لهم (ع).
الاّ ان الجدیر بالالتفات هو أن مصادیق الاحترام و عدم الاحترام تختلف من ثقافة الى أخرى و من مجتمع الى آخر، فقد یمثل اطلاق الاسماء المذکورة لدى بعض المجتمعات إهانة للانسان و للاخرین و لکن نرى مجتمعاً آخر ینظر الى تلک الاسماء نظرة طبیعیة بل یراها محببة و مستحسنة، و من الواضح جداً ان تلک الاسماء لدى هذه المجتمعات تحمل صبغة کنائیة أی انها کنایة عن امور اخرى لا تمثل اهانة للانسان بل تعد تبجیلا و تکریما له، فعلى سبیل قد یطلق على الانسان وصف "فلان کثیر الرماد" و هذا الوصف بالنظرة الاولى یمثل ذما و قدحا بالشخص لان الظاهر منه انه انسان قذر لایعتنی بالنظافة، الا انه فی مجتمع آخر یراها کرامة و احتراما لان العبارة کنایة عن معنى آخر هو أن الرجل کریم، لان کثرة الرماد کنایة عن کثرة الاطعام و الضیافة.
لقد حث الاسلام العزیر على کرامة الانسان و خاصة المؤمنین منهم و جعل لهم منزلة و مقاما کبیرا.
فلقد وصف الله تعالى الانسان بقوله تعالى: "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فی أَحْسَنِ تَقْویم"،[1] و قوله تعالى: "وَ لَقَدْ کَرَّمْنا بَنی آدَمَ".[2]
اذاً الانسان افضل مخلوق خلقه الله تعالى و انه ذو قیمة و منزلة کبیرة عند خالقه تعالى، و خاصة الانسان المؤمن المطیع لله تعالى فان له منزلة کبیرة و مقاما رفیعا حثت الایات و الروایات على حفظه و صیانته کما حثته على صیانة مقام و منزلة الاخرین.[3]
فقد حثت الروایات الکثیرة على: قضاء حاجة الانسان المؤمن،[4] استحباب إکرام المؤمن،[5] حرمة عدم اعانة المؤمنین و مساعدتهم فی الحاجة و عند الضرورة،[6] حرمة ایذاء المؤمن بلا سبب،[7] حتى ان بعض الروایات اعتبرت ان حق المؤمن اعظم من حق الکعبة.[8]
و هناک الکثیرة من الآیات و الروایات التی تحث على تسمیة الابناء باسماء حسنة و مخاطبتهم بالالقاب الجمیلة و المتزنة، قال أمیر المؤمنین (ع) : "حقّ الولد على الوالد أن یحسن اسمه".[9]
و قد أکد القرآن الکریم على أنه ینبغی على المؤمنین التخاطب بالالقاب الحسنة: "یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا لا یَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ یَکُونُوا خَیْراً مِنْهُمْ وَ لا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ یَکُنَّ خَیْراً مِنْهُنَّ وَ لا تَلْمِزُوا أَنْفُسَکُمْ وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإیمانِ وَ مَنْ لَمْ یَتُبْ فَأُولئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ *یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا کَثیراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَ لا تَجَسَّسُوا وَ لا یَغْتَبْ بَعْضُکُمْ بَعْضا".[10] و ذلک لان التنابز بالالقاب السیئة و الاستهزاء بالآخرین و سوء الظن بهم یؤدی الى الانتقاص من عزة الانسان المؤمن و کرامته.
قال العلامة الطباطبائی فی تفسیر الآیات المذکورة: السخریة الاستهزاء و هو ذکر ما یستحقر و یستهان به الإنسان بقول أو إشارة أو فعل تقلیدا بحیث یضحک منه بالطبع، و قوله: «عَسى أَنْ یَکُونُوا خَیْراً مِنْهُمْ» و «عَسى أَنْ یَکُنَّ خَیْراً مِنْهُنَّ» حکمة النهی. و المستفاد من السیاق أن الملاک رجاء کون المسخور منه خیرا عند الله من الساخر سواء کان الساخر رجلا أو امرأة و کذا المسخور منه فتخصیص النهی فی اللفظ بسخریة القوم من القوم و سخریة النساء من النساء لمکان الغلبة عادة.[11]
من هنا نعرف أن الاسلام الذی هو مدرسة لتربة الانسان یمنع من التنابز و السخریة و من أن یضع الانسان لنفسه أسماءً مستقبحة، و هذه القاعدة الکلیة لاتتخلف بل هی عامة فی کل الحالات و الاوضاع بما فیها مراسم إقامة العزاء فان الانسان اذا اراد ان یعبر عن ولائه و حبه لاهل البیت (ع) لا ینبغی له أن یطلق على نفسه ما لایلیق بها من الالقاب و الاوصاف لان ذلک لایسنجم مع روح تعالیم القرآن الکریم و أهل البیت (ع) فانهم (علیهم السلام) کانوا ینهون عن الاعمال التی یقوم بها البعض و التی فیها رائحة الاذلال و إن کان الفاعل یقوم بها من أجل اظهار الاحترام و التقدیس لهم (ع) فقد جاء فی نهج البلاغة أن أمیر المؤمنین (ع) قَدْ لَقِیَهُ عِنْدَ مَسِیرِهِ إِلَى الشَّامِ دَهَاقِینُ الْأَنْبَارِ- فَتَرَجَّلُوا لَهُ وَ اشْتَدُّوا بَیْنَ یَدَیْهِ- فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِی صَنَعْتُمُوهُ؟ فَقَالُوا: خُلُقٌ مِنَّا نُعَظِّمُ بِهِ أُمَرَاءَنَا- فَقَال: وَ اللَّهِ مَا یَنْتَفِعُ بِهَذَا أُمَرَاؤُکُمْ- وَ إِنَّکُمْ لَتَشُقُّونَ عَلَى أَنْفُسِکُمْ فِی دُنْیَاکُمْ- وَ تَشْقَوْنَ بِهِ فِی آخِرَتِکُمْ- وَ مَا أَخْسَرَ الْمَشَقَّةَ وَرَاءَهَا الْعِقَابُ- وَ أَرْبَحَ الدَّعَةَ مَعَهَا الْأَمَانُ مِنَ النَّارِ.[12] فاذا کان النبی الاکرم (ص) و الائمة الاطهار (ع) لایرضون بهذا النوع من العمل فمن باب أولى لایرضون لان یصف الانسان المؤمن نفسه باوصاف مستقبحة و یطلق على نفسه أسماء الکلاب أو ما شابه ذلک من الحیوانات.
ثم انا لو طالعنا تاریخ النبی الاکرم (ص) و عترته الاطهار لم نر هذا النوع من التعامل من قبل خلّص اصحابهم و هکذا لم نر علماءنا العظام کالسید البروجردی و الامام الخمینی (ره) و ... قد قام بهذا العمل. اضف الى ذلک أن هذا العمل یؤدی الى وهن الشیعة و بالنتیجة الى وهن الائمة و قادة الدین، یقول الامام الصادق (ع) : "کُونُوا لَنَا زَیْناً وَ لَا تَکُونُوا عَلَیْنَا شَیْناً حَبِّبُونَا إِلَى النَّاسِ وَ لَا تُبَغِّضُونَا إِلَیْهِمْ فَجُرُّوا إِلَیْنَا کُلَّ مَوَدَّةٍ وَ ادْفَعُوا عَنَّا کُلَّ شَر".[13]
اذاً من الافضل ان یظهر الانسان حبه و یلعن عن ولائه من خلال تعالیم الائمة (ع) من أجل إدخال السرور علیهم و ذلک من خلال استعمال الالفاظ الحسنة و الکلمات الجمیلة و مراعات الادب و الاخلاق الاجتماعیة و اجتناب کل ما من شأنه أن یؤدی الى وهن الدین و المذهب من ممارسات قد یقام بها عند إقامة مجالس العزاء.
و الجدیر بالالتفات هو أن مصادیق الاحترام و عدم الاحترام تختلف من ثقافة الى أخرى و من مجتمع الى آخر، فقد یمثل اطلاق الاسماء المذکورة لدى بعض المجتمعات إهانة للانسان و للآخرین و لکن نرى مجتمعاً آخر ینظر الى تلک الاسماء نظرة طبیعیة بل یراها محببة و مستحسنة، و من الواضح جداً ان تلک الاسماء لدى هذه المجتمعات تحمل صبغة کنائیة،[14] أی انها کنایة عن امور اخرى لا تمثل اهانة للانسان بل تعد تبجیلا و تکریما له، فعلى سبیل قد یطلق على الانسان وصف "فلان کثیر الرماد" و هذا الوصف بالنظرة الاولى یمثل ذما و قدحا بالشخص لان الظاهر منه انه انسان قذر لایعتنی بالنظافة، الا انه فی مجتمع آخر یراها کرامة و احتراما لان العبارة کنایة عن معنى آخر هو أن الرجل کریم، لان کثرة الرماد کنایة عن کثرة الاطعام و الضیافة.
[1] التین، 4.
[2] الاسراء، 70.
[3] النور، 12 و الحجرات، 11و 12؛ وسائل الشیعة، ج 11، ابواب الامر بالمعروف و النهی عن المنکر، روایات اکرام المؤمن.
[4] نفس المصدر، ص 582.
[5] نفس المصدر، ص 590.
[6] نفس المصدر، ص 590..
[7] وسائل الشیعة، ج 11، ص 569.
[8] مستدرکالوسائل، ج 9، ص 343، حدیث 9.
[9] نهج البلاغة، رقم الحکمة 399.
[10]الحجرات، 11-12.
[11]المیزان فی تفسیر القرآن، ج 18، ص 322.
[12]انظر: نهج البلاغة، الکلمات القصار، رقم 37.
[13]الکافی، ج 2، ص 77، ح 9.
[14]مثل ما نقرء فی احوال شیخ الطوسی حیث امر بان تکتب آیة کلب اصحاب الکهف علی قبره. علی ای حال هذه الاستعمالات کنائیة لاینافی مع کرامة الانسانیة.