Please Wait
6155
وقعت غزوة تبوک فی السنة التاسعة للهجرة حیث کانت الروم الشرقیة تمثل خط المواجهة مع المسلمین من هذه الناحیة فلما واجهت الامبراطور الرومانیة الطوفان الاسلامی الهادر و عرفت بالروح المعنویة العالیة للمقاتلین المسلمین احتملت أن تکون من أوائل ضحایا تقدم الإسلام السریع، لذلک فقد جهزت جیشا قوامه أربعون ألف مقاتل وکان مجهزا بالأسلحة الکافیة التی کانت تمتلکها قوّة عظمى، فوصل الخبر إلى مسامع النّبی (ص) عن طریق المسافرین، فأراد النّبی (ص) أن یلقن الروم و باقی جیرانه درسا یکون لهم عبرة.
فلم یتأخر عن إصدار أمره بالتهیؤ و الاستعداد للجهاد، فلم یمض زمن حتى اجتمع لدیه ثلاثون ألفا لقتال الرومیین.
وحینما وصل إلى تبوک لم یر أثرا لجیوش الروم فاستشار اصحابه فاشاروا علیه بالرجوع فقبل ذلک ورد الجیش الى المدینة المنورة.
وکان لحضور جنود الإسلام إلى ساحة تبوک بهذه السرعة مردودات ایجابیة کثیرة اشرنا الى بعضها فی الجواب التفصلی.
تقع منطقة "تبوک" على الشریط الحدودی بین الحجاز و الشام، و هی اقصى نقطة قصدها الرسول الاکرم (ص) فی غزواته، و هذه التسمیة کانت فی الاصل لقلعة و حصن مرتفع و مستحکم جداً بنی فی تلک المنطقة الحدودیة.
وقعت غزوة تبوک فی السنة التاسعة للهجرة حیث کانت الروم الشرقیة تمثل خط المواجهة مع المسلمین من هذه الناحیة لکون المنطقة المعروفة الیوم بسوریة کانت احدى مستعمرات الامبراطوریة الرومانیة و کان حاکم الشام ینصب من قبل الامبراطور؛ و لما واجهت الامبراطور الرومانیة الطوفان الاسلامی الهادر و عرفت بالروح المعنویة العالیة للمقاتلین المسلمین احتملت أن تکون هی من أوائل ما یجتاحه تقدم الإسلام السریع، لذلک فقد جهزت جیشا قوامه أربعون ألف مقاتل، و کان مجهزا بالأسلحة الکافیة التی کانت تمتلکها قوّة عظمى کإمبراطوریة الروم، و استقر الجیش فی حدود الحجاز، فوصل الخبر إلى مسامع النّبی (ص) عن طریق المسافرین، فأراد (ص) أن یلقن الروم و باقی جیرانه درسا یکون لهم عبرة.
فلم یتأخر عن إصدار أمره بالتهیؤ و الاستعداد للجهاد، و بعث الرسل الى المناطق الأخرى یبلّغون المسلمین بأمر النّبی (ص) فلم یمض زمن حتى اجتمع لدیه ثلاثون ألفا لقتال الرومیین، و کان من بینهم عشرة آلاف راکب و عشرون ألف راجل.
کان الهواء شدید الحّر، و قد فرغت المخازن من المواد الغذائیة، و المحصولات الزراعیة لتلک السنة لم تحصد و تجمع بعد، فکانت الحرکة فی مثل هذه الأوضاع بالنسبة للمسلمین صعبة جدّا، إلّا أنّ أمر اللّه و رسوله یقضی بالمسیر فی ظل أصعب الظروف و طی الصحاری الواسعة و الملیئة بالمخاطر بین المدینة و تبوک.
إنّ هذا الجیش نتیجة للمشاکل الکثیرة التی واجهها من الناحیة الاقتصادیة، و المسیر الطویل، و الریاح السموم المحرقة، و عواصف الرمال الکاسحة، و عدم امتلاک الوسائل الکافیة للنقل، قد عرف بـ (جیش العسرة)، و لکنّه تحمل جمیع هذه المشاکل، و وصل إلى أرض تبوک فی غرّة شعبان من السنة التاسعة للهجرة.
و حینما وصل النّبی (ص) إلى تبوک لم یر أثرا لجیوش الروم، و ربّما کان ذلک لأنّهم سمعوا بخبر توجه هذا الجیش الإسلامی العظیم، و قد سمعوا من قبل بشجاعة و استبسال المسلمین العجیبة، و ما أبدوه من بلاء حسن فی الحروب، فرأوا أنّ الأصلح سحب قواتهم إلى داخل بلادهم، و لیبیّنوا أنّ خبر تجمع جیش الروم على الحدود، و نیّته بالقیام بهجوم على المدینة، شائعة لا أساس لها، لأنّهم خافوا من التورط بمثل هذه الحرب الطاحنة دون مبررات منطقیة، فخافوا من ذلک.
إلّا أنّ حضور جنود الإسلام إلى ساحة تبوک بهذه السرعة قد أعطى لأعدائه عدة دروس:
أولا: إنّ هذا الموضوع أثبت أنّ المعنویات العالیة و الروح الجهادیة لجنود الإسلام، کانت قویة إلى الدرجة التی لا یخافون معها من الاشتباک مع أقوى جیش فی ذلک الزمان.
ثانیا: إنّ الکثیر من القبائل و أمراء أطراف تبوک أتوا إلى النّبی (ص) و أمضوا عهودا بعدم التعرض للنبی (ص) و محاربته، و بذلک فقد اطمأن المسلمون من هذه الناحیة، و أمنوا خطرهم.
ثالثا: إنّ إشعاع الإسلام و أمواجه قد نفذت إلى داخل حدود إمبراطوریة الروم، و دوّى صدى الإسلام فی کل الأرجاء باعتباره أهم حوادث ذلک الیوم، و هذا قد هیأ الأرضیة الجیدة لتوجه الرومیین نحو الإسلام و الإیمان به.
رابعا: إنّ المسلمین بقطعهم هذا الطریق، و تحملهم لهذه الصعاب، قد عبّدوا الطریق لفتح الشام فی المستقبل، و قد اتضح للجمیع بأن هذا الطریق سیقطع فی النهایة.
و هکذا، فإنّ هذه المعطیات الکبیرة تستحق کل هذه المشاق و التعبئة و الزحف.
و على کل حال، فإنّ النّبی على عادته- قد استشار جیشه فی الاستمرار فی التقدم أو الرجوع، و کان رأی الأکثر بأنّ الرجوع هو الأفضل و الأنسب لروح التعلیمات الإسلامیة، خاصّة و أن جیوش المسلمین کانت قد تعبت نتیجة المعاناة الکبیرة فی الطریق، و ضعفت مقاومتهم الجسمیة، فأقر النّبی (ص) هذا الرأی ورد جیوش المسلمین إلى المدینة.
و کان النّبی (ص) قد خلف علیا (ع) مکانه، و هی الغزوة الوحیدة التی لم یشارک فیها أمیر المؤمنین (ع).
إن قیام النّبی (ص) بإقامة علی (ع) مکانه کان عملا ضروریا و فی محله، فإنّه کان من المحتمل جدا أن یستفید المتخلفون من المشرکین أو المنافقین- الذی امتنعوا بحجج مختلفة عن الاشتراک فی الجهاد- من غیبة النّبی (ص) الطویلة، و یجمعوا أفرادهم و یحملوا على المدینة و یقتلوا النساء و الأطفال و یهدموا المدینة، إلّا أنّ وجود علی (ع) کان سدّا منیعا فی وجه مؤامراتهم و خططهم. وفی ذلک الاثناء قال الرسول الاکرم کلمته المعروفة بحدیث المنزلة عندما حاول المنافقون تفسیر عدم اصطحاب النبی (ص) لعلی (ه) أنه استثقالا منه و ان النبی لایرغب بمصاحبته!! لکنه (ص) رد کیدهم الى نحورهم عندما قلده ذلک الوسام العظیم فی قولته المعروفة للفریقین : "َأما تَرْضى أَنْ تَکُونَ مِنّی بِمَنْزِلَةِ هارُونَ مِنْ مُوسى إِلاّ أَنَّهُ لانَبِیَّ بَعْدی".
ومن الحوادث التی وقعت فی اثناء تلک الغزوة و التی اشار الیها القرآن الکریم هی: إنّ ثلاثة من المسلمین و هم: «کعب بن مالک» و «مرارة بن ربیع» و «و هلال بن أمیة»، امتنعوا من المسیر مع النّبی (ص) و الاشتراک فی غزوة تبوک، طلبا للراحة و الاسترخاء. فلما وصل الرسول الی تبوک قال: " ما فعل کعب بن مالک - " فقال رجل من بنی سلمة: یا رسول الله، حبسه برداه والنظر فی عطفیه.
فلمّا رجع النّبی (ص) لم یکلمهم حتى بکلمة واحدة، و أمر المسلمین أیضا أن لا یکلموهم.
لقد عاش هؤلاء محاصرة اجتماعیة عجیبة و شدیدة، حتى أنّ أطفالهم و نساءهم أتوا إلى النّبی (ص)، و طلبوا الإذن منه فی أن یفارقوا هؤلاء إلّا أنّه (ص) لم یأذن لهم بالمفارقة، لکنّه أمرهم أن لا یقتربوا منهم.
إنّ فضاء المدینة بوسعته قد ضاق على هؤلاء النفر، و اضطروا للتخلص من هذا الذل و الفضیحة الکبیرة إلى ترک المدینة و الالتجاء إلى قمم الجبال.
و من المسائل التی أثرت تأثیرا روحیا شدیدا، و أوجدت صدمة نفسیة عنیفة لدى هؤلاء ما رواه کعب بن مالک قال: کنت یوما جالسا فی سوق المدینة و أنا مغموم، فتوجه نحوی رجل مسیحی شامی، فلمّا عرفنی سلمنی رسالة من ملک الغساسنة کتب فیها: إذا کان صاحبک قد طردک و أبعدک فالتحق بنا، فتغیر حالی و قلت: الویل لی، لقد وصل أمری إلى أن یطمع بی العدو!
و مضت مدّة على هذه الحال و هم یتجرعون ألم الانتظار و الترقب فی أن تنزل آیة تبشرهم بقبول توبتهم، لکن دون جدوى فی هذه الأثناء خطرت على ذهن أحدهم فکرة و قال: إذا کان الناس قد قطعوا علاقتهم بنا و اعتزلونا، فلماذا لا یعتزل کل منا صاحبه، صحیح أنّنا مذنبون جمیعا، لکن یجب أن لا یفرح أحدنا لذنب الآخر. و بالفعل اعتزل بعضهم بعضا، و لم یتکلموا بکلمة واحدة، و لم یجتمع اثنان منهم فی مکان. و أخیرا ... و بعد خمسین یوما من التوبة و التضرع إلى اللّه سبحانه و تعالى قبلت توبتهم و نزلت الآیة[1] فی ذلک.[2]
لمزید الاطلاع انظر: الذهبى شمس الدین محمد بن احمد (م 748)، تاریخالإسلام و وفیات المشاهیر و الأعلام ،ج2،ص:627، تحقیق عمر عبد السلام تدمرى، بیروت، دار الکتاب العربى، ط الثانیة، 1413/1993.؛ مکارم شیرازی، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج6، ص: 243- 247، نشر: مدرسة الامام علی بن ابی طالب، قم، الطبعة الاولی، 1421 ق ؛ دکتر محمد ابراهیم، تاریخ پیامبر اسلام ؛ السبحانی جعفر ، فروغ ابدیت.
[1] قوله تعالی: "لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِیِّ وَ الْمُهاجِرِینَ وَ الْأَنْصارِ الَّذِینَ اتَّبَعُوهُ فِی ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما کادَ یَزِیغُ قُلُوبُ فَرِیقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَیْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِیمٌ * وَ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِینَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَیْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَ ضاقَتْ عَلَیْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَ ظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَیْهِ ثُمَّ تابَ عَلَیْهِمْ لِیَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِیمُ" (سورة التوبة: 117-118)
[2]تفسیر الامثل، الجزء السادس، نشر مدرسة الامام علی بن ابی طالب، قم، الطبعة الاولى، 1421ه، نقلا عن : مجمع البیان، و سفینة البحار، و تفسیر أبی الفتوح الرازی.