بحث متقدم
الزيارة
5930
محدثة عن: 2008/08/21
خلاصة السؤال
هل صحیح ما یقال من أن الله طاقة؟
السؤال
هل صحیح ما یقال من أن الله طاقة؟
الجواب الإجمالي

الله تعالی واجب الوجود، عالم، له ارادة و هو منزه عن کل احتیاج و تحدید و نقص، اما الطاقة فهی موجود ملازم للنقص و الحاجة و المحدودیة و هی فاقدة للعلم و الارادة.

و من المقارنة بین خصائص الطاقة و صفات الله تعالی یتضح أنه تعالی لیس بطاقة: ان الطاقة تشخص القابلیة علی القیام بعمل ما (فعل أو انفعال) و یمکن أن یکون لها اشکال متنوعة و یمکنها أن تتحوّل من شکل الی آخر. و من خصائصها ما یلی:

1. الطاقة هی من خصائص المادة و هی مظروف لها.

2. ان للطاقة مصدراً.

3. ان للطاقة کمیة.

4. ان للطاقة حدوداً.

5. الطاقة قابلة للتبدّل.

اما الله سبحانه فلیس له خاصیة المادة و لیس مظروفاً لها و لیس له مصدر و علة و لا کمیة و محدودیة، و لیس متغیراً و قابلا للتبدیل و قد وصفه القرآن الکریم أیضاً بانه الغنی علی‌ الاطلاق و المنزه عن العیب و النقص و المحدودیة.

ان أهل النظر یدرکون بهذه المقارنة و الاستدلال العقلی أن الله لیس طاقة.

الجواب التفصيلي

فی البدء نتعرض لتوضیح المفهوم اللفظی للطاقة ثم نبحث فی خصائص الطاقة، و فی المرحلة الثالثة نتعرض للمقارنة بین خصائص الطاقة و صفات الله سبحانه (بالاستعانة بمصادر علم الفیزیاء و القرآن و الاستدلالات العقلیة المستفادة من المصادر الکلامیة) و فی الختام نقوم بتلخیص الموضوع.

تعریف الطاقة:

الطاقة هی ما یحدد القابلیة علی عمل ما، و یمکن أن یکون لها اشکال متنوعة و تتبدل من شکل الی آخر.[1]

خصائص الطاقة:

بالالتفات الی‌ التعریف العلمی المذکور و الملاحظات المذکورة فی المصادر العلمیة[2] یمکننا ان نحدّد الخصائص البارزة لمفهوم الطاقة بمایلی:

1. الطاقة هی صفة من صفات المادة و هی مظروف لها (و کمثال علی ذلک: نور الشمس – حیث یتصور البعض انه لیس له منشأ مادی -،‌هو فی الحقیقة نتیجة تفاعل کیمیائی بین المواد.).[3]

2. ان للطاقة (SOURCE) أی مصدر للانتائج و هی دائماً ناتجة عن تغییر فیزیاوی أو تفاعل کیمیائی.

3. الطاقة قابلة للقیاس و لها کمیة. ان لکل نوع من الطاقة بالقیاس الی منشئها مقداراً (کبیراً) و لها وحدة قیاس خاصة (دیمانسیون).

4. ان للطلاقة مساحة معینة من القدرة و لها حدود خاصة بها (و کمثال علی ذلک فان النور یمکنه أن یسیر فی خط مستقیم فقط و لا یمکنه النفوذ من حاجب غلیظ و ...).

5. و الأهّم من کل ذلک أن صدور الطاقة یمکنها أن تتحول من صورة الی أخری بحیث یتغیر کیفیتها و جنسها (و کمثال علی ذلک فان طاقة السحب الکامنة فی النابض الحلزونی تبدل حین اطلاق النابض الی طاقة حرکیة، و الطاقة الکامنة فی الماء المتجمع خلف السد تتحول الی طاقة کهربائیة)، بل ان علماء کباراً و علی رأسهم انشتاین أثبتوا فی العقود الأخیرة امکان تبدیل المادة الی طاقة و بالعکس[4].

مقارنة خصائص الطاقة بالصفات الالهیة:

و بعد الالتفات الی هذه الخصائص و مراجعة الصفات الالهیة فی القرآن الکریم و الکتب العقائدیة المعتمدة[5] سوف نری أن هذه الخصائص تتناقض مع صفات الله تعالی، لان الله تعالی واجب الوجود، عالم،مرید، و منزه عن کل احتیاج و تحدید و نقص؛ اما الطاقة فهی موجود ملازم للنقص و الحاجة و المحدودیة و هی فاقدة للعلم و الارادة.

اذن فلیس لله صفة من المادة و لیس مظروفاً لها و لیس له (SOURCE) أی مصدر و علة، و لیس له کمیة و حدود و لا هو متغیّر و قابل للتبدیل.

و قد وصف القرآن الکریم الله تعالی بانه الغنی المطلق و المنزه عن العیب و النقص و المحدودیة حیث وصفه بانه: "الله الصمد"[6] أی المعبود غیر المحتاج، فلا یعقل ان یکون محتاجاً الی شی، و بالنتیجة فان الله لیس واقعاً فی أی ظرف لانه لو وقع فی ظرف لکان محتاجاً الی ذلک الظرف.

و کذلک تقول هذه الآیة الشریفة ان الله لیس معلولاً و لا یحتاج إلی مولّد، بل ان جمیع ما فی الکون محتاج إلیه و هو علة العلل. یقول أمیر المؤمنین علی (ع) فی تفسیر (الصمد): "تأویل الصمد لا اسم و لا جسم و لا مثل و لا شبه و لا صورة و لا تمثال و لا حد و لا حدود و لا موضع و لا مکان... و لا ظلمانی و لا نورانی و لا روحانی و لا نفسانی و لا یخلو منه موضع و لا یسعه موضع"[7].

ان الآیة المتقدمة و الحدیث المذکور فی معناها یوضح جیداً الفرق بین الطاقة و بین الله، و فیه اشارة الی الاستدلال العقلی المذکور.

و قد ورد فی آیة اخری: "و کان الله بکل شیء محیطا"[8] فلا یمکن إذن لأی وسیلة أن تکون مقیاساً له تعالی لانه محیط بکل الوسائل.

و قد ورد أیضاً قوله تعالی: "ان الله علی کل شی قدیر"[9] و یمکن الاستدلال بهذه الآیة علی أنه تعالی لیس له أیة محدودیة.

و یقول فی موضع آخر "و لن تجد لسنة الله تحویلا" فان السنن الثابتة غیر المتحولة تصدر من الوجود الثابت فقط و غیر المبدل.

ملاحظة مهمة:

ذکرنا ان النور نوع (صورة) من الطاقة. و من ناحیة اخری نسب القرآن (النور) الی الله تعالی[10] فلنری ماذا قالت التفاسیر المعتبرة حول هذه الآیة:

جاء فی تفسیر المیزان بان المراد من النور: (المنّور) أی الذی یعطی الوجود (للسماوات و الارض): نوره تعالی من حیث یشرق منه النور العام الذی یستنیر به کل شیء و هو مساو لوجود کل شیء و ظهوره فی نفسه و لغیره و هی الرحمة العامة.[11]

و جاء فی تفسیر النور: ان المراد من النور هو الانکشاف و الهدایة أی ان الله تعالی لکونه نوراً لا نهایة له فهو المرشد و الهادی للعالم حیث قال آخر الآیة "یهدی الله ...."[12] و ورد فی تفسیر آخر أن شعاع وجود الله هو الذی یهب الحیاة و النور للسماوات و الارض، و اذا حجب لطفه تعالی عنها سوف یغرق کل شیء فی العدم و الظلام و الضلال. و حتی لو عرف بالنور بأنه (الشیء الذی یکون ظاهراً بینا فی ذاته و مظهراً لغیره) فان الله أیضاً هو مصداق للنور المطلق.[13]

و النتیجة ان مقارنة الطاقة بصفات الله تکشف عن تناقض عمیق و وسیع و لا یمکن أن تنسب الطاقة مع کل تلک النواقص و المحدودیات و العیوب. الی‌الله،‌ ذلک أن رب العالمین کمال و قدرة و علم مطلق، و أما الطاقة فهی بجمیع أنواعها فیها نواقص و لیس أی نوع منها قابلاً للانطباق علی الله خالق العالم، و اذا اسند إلیه تعالی فی مورد من الموارد نوع من الطاقة فانه یجب توجیه و تأویله بعد الالتفات الی الملاحظات المذکورة.



[1] دائرة المعارف العالمیة (ENCYCLOPEDIA INTERNATIONAL) ج 6، 432.

[2] لاحظ: فیزیک هالیدی، 148 – 163، الشغل و الطاقة.

[3] طاقة الشعاع الشمس ناتجة تفاعل فیسیون (الاندماج) بین ذرات الهیدروجن (H) و جزئیات الهیدروجین (H2).

[4] بالالتفات الی المعاملة: (الکتلة * الطاقة) E=MC*C

[5] و کمثال علی ذلک فقد ورد فی نهج البلاغة للفیض ص 14 و الاسفار 6، 139، فی حدیث عن امیر المؤمنین علی (ع)، "من قرنه فقد ثناه و من ثناه فقد جزأه و من جزأه فقد جهله..." اما الطاقة فهی مرکبة و قابلة للتقارن مع شیء آخر و هذه الخصوصیات تناقض صفات الله. و للمطالعة اکثر راجعوا کتاب (القول السدید فی شرح التجرید ص 274 و ما بعدها.)

[6] التوحید، 2.

[7] بحار الانوار، 3، 230.

[8] الانبیاء، 126.

[9] التحریم، 8.

[10] النور، 35.

[11] المیزان، 15، 122.

[12] تفسیر النور، 8، 185 بتصرف.

[13] منتخب تفسیر الأمثل 3، 297 تفسیر الآیة 35 من سورة النور.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279557 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257588 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128304 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113524 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89094 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    60010 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59683 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56946 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    50006 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47272 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...