Please Wait
9842
طرح العلماء و الباحثون اربعة اجابات او نظريات لبيان العلاقة بين الروح و البدن: النظرية الاولى تذهب الى القول بمادية النفس و اتحادها مع البدن بنحو اتحاد الكلي و الجوهري، و الثانية، تقول بثنوية الوجود الانساني؛ بمعنى ان وجوده يتركب من عنصري النفس المجردة و البدن المادي. إلا ان العلاقة بين النفس و البدن علاقة عرضية لا ذاتية، و الثالث، ترى " أن الروح جسمانية الحدوث و روحانية البقاء"، و اما النظرية الرابعة فترى، أن الانسان مركب من ثلاثة ابعاد: 1- الجسم، 2- النفس، 3- الروح.
اذا ذهبنا في بحث العلاقة بين الروح و البدن الى القول بان العلاقة من قبيل النظرية الاولى او الثالثة، فحينئذ لا يمكن عد تلك العلاقة من مؤيدات التعددية؛ و ذلك لان محصلة النظريتين اتحاد البدن و الروح، و كذلك اذا قلنا بالنظريتن الثانية و الرابعة تكون النتيجة بالنفي أيضا؛ و ذلك لانه صحيح ان النظريتين تقولان بوجود بعدين او ثلاثة ابعاد للانسان، الا انه لا علاقة مباشرة و منطقية بين القول بثنوية او ثلاثية التركيب الانساني و بين التعددية و البلوراليسم؛ و ذلك لان البلوراليسم لا تدعي الكثرة الوجودية للانسان، و انما يصنف البلوراليسم في خانة الابحاث المعرفية لا الوجودية.
و الذي يظهر من السؤال المطروح أن السائل أعتبر النظرية الثانية من النظريات الاربعة في علاقة الروح و البدن من المسلمات التي لا نقاش فيها، و الحال ان النظرية الثالثة (القائمة على قانون الحركة) هي الاقرب الى المباني التوحيدية و الحكمة الاسلامية و الشيعية منها خاص؛ لان المادة لديها الاستعداد الكامل بان تولّد من داخلها موجودا ينسجم مع ما وراء الطبيعة، فلا حاجز بين عالم الطبيعة و عالم ما وراء الطبيعة، فلا مانع ان يتحول موجود مادي في مرحلة من مراحله التكاملية الى موجود غير مادي
يمكن توزيع السؤال المطروح على محورين:
الف: علاقة النفس بالبدن، تلك المسألة التي شغلت بال الباحثين منذ قرون طويلة فاختلفت فيها كلمتهم سواء على مستوى علماء الطبيعيات أم علماء النفس و كذلك الفلاسفة.
ب: مسألة علاقة بحث النفس مع مسألة التعددية الدينية.
و لتحليل هذه المسألة و دراستها نشرع في البحث عن المحور الاول و بيان العلاقة بين الروح و البدن ليكون مقدمة للبحث عن المحور الثاني.
و قد طرح العلماء و الباحثون اربعة اجابات او نظريات لبيان العلاقة بين الروح و البدن[1]:
1. يذهب اصحاب النظرية الاولى الى القول بمادية النفس و اتحادها مع البدن بنحو اتحاد الكلي و الجوهري، و ان العلاقة بين الروح و البدن علاقة وثيقة و متبادلة تنشأ عن طريق الاعصاب و الهرمونات و ترشحات الغدد، و يتبنى هذه النظرية السلوكيون و الماديون (ما ترياليسم).
2. هناك اتجاه آخر يقول بثنوية الوجود الانساني؛ بمعنى ان وجوده يتركب من عنصري النفس المجردة و البدن المادي. إلا ان العلاقة بين النفس و البدن علاقة عرضية لا ذاتية، و من هنا يكون البدن المادي سجنا للنفس المجردة و ان بينهما تنافرا ذاتياً. و قد تبنى هذه النظرية أفلاطون من قدماء الفلاسفة الغربيين و من المحدثين الفيلسوف ديكارت، كما ذهب الى هذه النظرية الكثير من الفلاسفة المسلمين و علماء الاخلاق.
3. النظرية الثالثة المعروفة بنظرية " أن الروح جسمانية الحدوث و روحانية البقاء"، و انطلاقا من هذه النظرية يكون الانسان موجودا مركبا من المجرد و المادي من الروح و البدن، و أن العلاقة بينهما بدرجة من الرسوخ و القوة، أن الروح المجردة هي وليدة المادة لا انها هبطت الى البدن من مكان آخر و من عالم أرفع فاصبحت سجينة المادة كما ذهب الى ذلك اصحاب الاتجاه الثاني. من هنا تكون العلاقة بين الروح و البدن علاقة رصينة و من نمط خاص، و قد تبنى هذه النظرية الملاصدرا مستدلا عليها بآيات الذكر الحكيم من قبيل قوله تعالى: "خلقناه من نطفة"[2] و "ثم خلقنا النطفة علقة... ثم أنشأناه خلقا آخر".[3]
و الترتيب و التدرج في الخلقة يكشف عن كون الروح وليدة البدن و لم يكن وجودها سابقا عليه، بل هي مرتبة وجودية ارفع من مرتبة البدن، و حسب تعبير الشهيد المطهري: العلاقة بين الروح و البدن من قبيل علاقة البعد الواحد مع سائر الابعاد.[4]
4. النظرية الرابعة، يذهب اصحاب هذه النظرية – للجمع بين النظريات المطروحة- الى القول بثلاثية التركيب البشري، حيث يرون ان الانسان مركب من ثلاثة ابعاد: 1- الجسم، 2- النفس، 3- الروح.
و الجدير بالبيان هنا، أن القرآن الكريم لم يستعمل مفردة " الروح" على نحو الجمع " الارواح". و قد تكون الغاية من وراء ذلك التعبير هي الكشف عن كون الروح الانسانية حقيقة واحدة لا تكثر فيها. و انه لا تفاوت بين جميع ارواح البشر قاطبة، بل الجميع تمثل حقيقة واحدة، و ان الماهية التي تميز افراد الانسان بعضهم عن البعض الآخر هي "النفس" تلك الماهية القابلة للتغير و التكامل. و النفس هي التي تقف أمام حكومة العدل الالهي يوم الحساب فتكون مسؤولة عن جميع السلوكيات، لا الروح الانسانية؛ و ذلك لان الروح منزهة عن الخطأ[5]. فالنفس الانسانية مجموعة الاحاسيس و العواطف و الميول و الانفعالات و الآمال و الشهوات و الرغبات و جميع تجارب الحياة، و بنحو عام ما يؤلف شخصية الانسان. و تلك الماهية التي تميز بين "الانا" و " الآخر" هي النفس لا الروح. و وفقا لهذه النظرية تكون النفس حداً واسطا بين الروح و الجسم و يكون وجودها ضرورياً لحياة البعدين الآخرين المختلفين تماما (البعد العالي و البعد الداني). ثم إن للنفس مراتب و درجات فاذا وصلت الى مرتبة النفس المرضية حينئذ تكتسب صفات الروح.[6] و مراتب النفس من الدانية الى العالية عبارة عن[7]: 1. النفس الامّارة 2. النفس المزینة 3. النفس المسوّلة 4. النفس اللوّامة 5. النفس العاقلة 6. النفس الملهمة 7. النفس المطمئنة 8. النفس الراضیة 9. النفس مرضیة.
و بعد ان اتضح لنا و بنحو مختصر المحور الاول من البحث، نحاول الآن تسليط الاضواء على المحور الثاني المتمثل بالسؤال عن علاقة النفس بالدين و مبحث التعددية (البلوراليسم)؟
اذا ذهبنا في بحث العلاقة بين الروح و البدن الى القول بان العلاقة من قبيل النظرية الاولى او الثالثة، فحينئذ لا يمكن عد تلك العلاقة من مؤيدات التعددية؛ و ذلك لان محصلة النظريتين اتحاد البدن و الروح، و كذلك اذا قلنا بالنظريتن الثانية و الرابعة تكون النتيجة بالنفي أيضا؛ و ذلك لانه صحيح ان النظريتين تقولان بوجود بعدين او ثلاثة ابعاد للانسان، الا انه لا علاقة مباشرة و منطقية بين القول بثنوية او ثلاثية التركيب الانساني و بين التعددية و البلوراليسم؛ و ذلك لان البلوراليسم لا تدعي الكثرة الوجودية للانسان، و انما يصنف البلوراليسم في خانة الابحاث المعرفية لا الوجودية.
و الذي يظهر من السؤال المطروح أن السائل أعتبر النظرية الثانية من النظريات الاربعة في علاقة الروح و البدن من المسلمات التي لا نقاش فيها، و الحال ان النظرية الثالثة هي الاقرب الى المباني التوحيدية و الحكمة الاسلامية و الشيعية منها خاص. يقول الشهيد المطهري في معرض رفض النظرية الثانية (الثنوية) و تأييد النظرية الثالثة: إن ظهور و تكون الانواع الجسمانية يقوم على اساس قانون الحركة لا على اساس الكون و الفساد؛ و النفس و الروح هي الاخرى حصيلة قانون الحركة. فمبدأ تكوّن النفس المادة الجسمانية. و المادة لديها الاستعداد الكامل بان تولّد من داخلها موجودا ينسجم مع ما وراء الطبيعة. فلا حاجز بين عالم الطبيعة و عالم ما وراء الطبيعة، فلا مانع ان يتحول موجود مادي في مرحلة من مراحله التكاملية الى موجود غير مادي.[8]
و في الحقيقة ان الفيلسوف الاوحد الذي استطاع ردم الهوة بين النفس و البدن و تمكن من حل مشكلة التعارض بين الثنوية و الوحدة، فاثبت الثنوية و في الوقت نفسه اثبت الوحد، هو الفيلسوف الاسلامي صدر المتألهين الشيرازي، حيث يرى ان حقيقة الانسان واحدة من مقام الهيولا الى مقام التجرد، فالمسافر واحد لكن المنازل متعددة فيرتدي في كل منزل ثوبا خاصاً بذلك المنزل و ليكون مصدقا لقوله تعالى: "بَلْ هُمْ في لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَديدٍ"،[9] ،.[10]
[1] القبانّچي، احمد، النفس في دايرة الفكر الاسلامي، ص87-88، قم، دار الكتب الاسلامي، 1421ق.
[2] يس، 77.
[3] المؤمنون، 14.
[4] انظر: المطهري، مرتضی، مجموعه الآثار، ج 13، ص 35، طهران، صدرا، الطبعة السادسة، 1380ش.
[5] انظر: كاغذيان، هومن؛ فريد حسيني، فرهاد، مباني ايمني شناسي معنوي، ص 77، مشهد، به نشر، 1381ش.
[6] نفس المصدر، ص78.
[7] نفس المصدر، 79.
[8] مجموعه الآثار، للمطهري، ج13، ص 34.
[9] ق، 15.
[10] اكبريان، رضا؛ محمدپور دهكردی، سيما، تجرد نفس سفري از جسمانيت الحدوث تا رو حانيت البقاء"، دراسات فلسفية- كلامة: فصلية "علمي- پژوهشی" جامعة قم، ص 74، السنة التاسعة، العدد الثاني، الرقم 34، شتاء 1386ش.