بحث متقدم
الزيارة
53773
محدثة عن: 2012/09/06
خلاصة السؤال
ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
السؤال
ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
الجواب الإجمالي

عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال هذه الفترة الطويلة، فلما تعب من دعوتهم و اصابه اليأس من الايمان و اشتد غضبه عليهم و ظن أنّه قد أدّى كلّ رسالته بين قومه العاصين، و لم يترك حتّى «الأولى» في هذا الشأن -حسب اعتقاده- فلو تركهم و شأنهم فلا شي‏ء عليه، مع أنّ الأولى عند الله تعالى هو بقاؤه بينهم و الصبر و التحمّل و التجلّد، فلعلّهم ينتبهون من غفلتهم و يتّجهون إلى اللّه سبحانه.

و أخيرا، و نتيجة تركه الأولى هذا، ضيّق الله عليه فابتلعه الحوت فَنادى‏ فِي الظُّلُماتِ "أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ" فقد ظلمت نفسي، و ظلمت قومي، فقد كان ينبغي أن أتقبّل و أتحمّل أكثر من هذه الشدائد و المصائب، و أواجه جميع أنواع التعذيب و الآلام منهم فلعلّهم يهتدون.

الجواب التفصيلي

عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة[1] في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال هذه الفترة؛ الاول من العباد و اسمه مليخا و الثاني من العلماء و اسمه روبيل[2]؛ و لما كان قد تصور أنه لا محذور من الخروج عن المنطقة التي بعث فيها بعد كل هذه الجهود و هذا الاعراض الذي لاقاه، يكون خروجه من قبيل ترك الاولى شأنه شأن غيره من الانبياء ممن صدر منهم ما يصطلح عليه بترك الاولى.[3]

و على هذا الاساس لما كان يونس (ع) قد دعا على قومه المتمردين و لم ينتظر الاذن الالهي بالخروج من بين ظهرانيهم و الاعراض عنهم و تركهم عند نزول البلاء بهم، عد ذلك من قبل الباري تعالى من قبيل ترك الاولى الذي لا ينبغي للانبياء الوقوع فيه و قد أحس يونس بذلك فأناب الى الله تعالى مع أن الانبياء مصونون من الخطأ و الزلل.[4]

و الجدير بالذكر أن كلمة "لن نقدر عليه" الواردة في قوله تعالى: " اذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه" تعني التعسير و التضييق، فقد روي عن الامام الرضا (ع) أنه قال في بيان معنى الآية: "ذاك يونس بن متَّى (ع) ذهب مُغاضباً لقومه فظَنَّ بمعْنى استيقنَ (أَن لنْ نقدر عليه) أَن لنْ نضيّقَ عليه رزقهُ و منهُ قولُ اللَّه عزَّ و جلَّ (و أَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) أَي ضيَّقَ و قتر".[5]

و من هنا حمل بعض المفسرين القضية على التمثيل قائلا: و يمكن أن يكون قوله: «إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ» واردا مورد التمثيل أي كان ذهابه هذا و مفارقة قومه ذهاب من كان مغاضبا لمولاه و هو يظن أن مولاه لن يقدر عليه و هو يفوته بالابتعاد منه فلا يقوى على سياسته و أما كونه ع مغاضبا لربه حقيقة و ظنه أن الله لا يقدر عليه جدا فمما يجل ساحة الأنبياء الكرام عن ذلك قطعا و هم معصومون بعصمة الله.[6]

و على حال فان يونس لما تعب من دعوتهم و اصابه اليأس من الايمان و اشتد غضبه عليهم و ظن أنّه قد أدّى كلّ رسالته بين قومه العاصين، و لم يترك حتّى «الأولى» في هذا الشأن حسب اعتقاده، فلو تركهم و شأنهم فلا شي‏ء عليه، مع أنّ الأولى هو بقاؤه بينهم و الصبر و التحمّل و التجلّد، فلعلّهم ينتبهون من غفلتهم و يتّجهون إلى اللّه سبحانه.

و أخيرا، و نتيجة تركه الأولى هذا، ضيّق الله عليه فابتلعه الحوت فَنادى‏ فِي الظُّلُماتِ "أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ" فقد ظلمت نفسي، و ظلمت قومي، فقد كان ينبغي أن أتقبّل و أتحمّل أكثر من هذه الشدائد و المصائب، و أواجه جميع أنواع التعذيب و الآلام منهم فلعلّهم يهتدون.[7]

 


[1] روى الميبدي عن عبد الله بن مسعود أن يونس (ع) بعث بالنبوة و هو في الثالثة و الثلاثين من عمره و لبث في قومه داعيا لهم ثلاث وثلاثين سنة و لم يؤمن له خلال هذه الفترة الطويلة الا رجلان. (انظر: الميبدي، رشيدالدين احمد بن ابي سعد، كشف الأسرار و عدة الأبرار، ج ‏6، ص 299، أمیر کبیر، طهران، الطبعة الخامسة، 1371ش)

[2] طيب، سيد عبد الحسين، اطيب البيان في تفسير القرآن، ج ‏9، ص 232، انتشارات اسلام، طهران، الطبعة الثانية، 1378ش.

[3] ثقفي طهراني، محمد، تفسير روان جاويد، ج‏3، ص 572- 573، برهان، طهران، 1398 ق.

[4] حسينى همداني، سيد محمد حسين، انوار درخشان، ج‏11، ص 93- 94  مكتبة لطفي، طهران، 1404ق.

[5] تفسير نور الثقلين، ج‏3، ص: 449

[6] الطباطبائي، سيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج ‏14، ص 314، مكتب الاعلام الاسلامي، قم، الطبعة الخامسة، 1417ق

[7] مكارم الشيرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج‏10، ص: 230- 231، نشر مدرسة الامام علي بن أبي طالب (ع)، قم، الطبعة الاول، 1421هـ.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

  • ما السر فی وجوب إرتداء لباس الاحرام؟
    6963 الفلسفة الاحکام والحقوق 2012/02/14
    ینطوی الحج على الکثیر من الاسرار و الآیات التی تدعو الانسان الى التفکر و التأمل فی ملکوت السماوات و الارض، و ترشده الى فطرته. و الجدیر بالحاج أن یلتفت فی کل خطوة یخطوها الى اسرار تلک الشعیرة الظاهریة منها و الباطنیة؛ و ذلک لان للظاهر احکاما یجب مراعاتها و الالتزام ...
  • ما هو رأی فقهاء العامة فی قضیة الاستمناء؟
    5539 الحقوق والاحکام 2010/10/18
    طبقا لما ورد فی کتبهم و مشهور فتاوى علمائهم القدامى و المعاصرین فان الاستمناء حرام شرعاً.[1] نعم نسبت بعض کتبهم الى بعض الصحابة و الفقهاء القول بالکراهة و الاباحة.[2]
  • ما حکم النیة فی العبادات و الطهارات؟
    5962 الحقوق والاحکام 2009/10/20
    المراد بالنیة هو العزم الراسخ و الإرادة القویة للقیام بعمل، بغضّ النظر عن کون الدافع لذلک إلهیاً أو مادیاً. أمّا فی العبادات و الطهارات فالنیة عبارة عن: قصد الفعل و یعتبر فیها القربة الی الله تعالی و امتثال امره.[1]
  • من هو صاح بالمقولة المعروفة الموت أحلى من العسل؟
    6063 تاريخ بزرگان 2011/10/06
    المشهور أن هذه الکلمة الرائعة و التی تکشف عن روح ایمانیة عالیة جداً، هی من کلام القاسم بن الحسن المجتبى (ع)، ففی لیلة عاشوراء سأل القاسم عمّه الحسین (ع): و هل أننی سأقتل أیضاً؟ فسأله الحسین: کیف تجد الموت؟ قال: "أحلى من العسل" و قد ...
  • ما فلسفة الإنفاق للفقراء؟
    6539 التفسیر 2012/11/17
    قد يقال بأن سبب كون فلان فقيراً هو أنه عمل عملاً معيناً فاختار الله له الفقر بسبب ذلك، و إذا كنّا أغنياء فلا بد أننا عملنا عملا نستحق به لطف الله سبحانه، إذن، فلا فقرهم و لا غنانا يخلو من حكمة معينة!! مع إن أمر ...
  • هل یجب علی المرأة الحج اذا استطاعت عن طریق الارث و لم یکن لها زوج أو معیل؟
    6560 الحقوق والاحکام 2008/12/01
    الحج هو أحد أرکان الدین و من ضروریاته، و ترک الحج مع الاقرار بوجوبه هو من الذنوب الکبیرة، و ترکه مع انکاره یوجب الکفر.روی الشیخ الکلینی (ره) بطریق معتبر عن الامام الصادق (ع) قوله: "من مات و لم یحج حجة الاسلام لم یمنعه من ذلک حاجة تجحف به أو ...
  • هل يمكن الإتيان بالتيمم بدلاً عن غسل الجنابة بسبب الخجل؟
    9386 الحقوق والاحکام 2012/09/10
    فتوى مراجع الدين العظام عن هذا السؤال كالآتي: لا يمكن للشخص أن يتيمّم بدلاً عن الغسل بحجة أنه يستحي من أقربائه أو أقرباء زوجته، لكن إذا أخّر الغسل إلى آخر الوقت و تيمّم فأعماله صحيحة و ليس عليه قضاء،[1] و إن كان عاصياً بعمله هذا.
  • لماذا ورد فی زیارة علی الأکبر (ع) : السلام علیک یابن الحسن و الحسین؟
    6676 تاريخ بزرگان 2010/12/04
    یوجد فی المقطع الوارد فی الزیارة " السلام علیک یابن الحسن و الحسین" أحد إحتمالین:1. یعنی التبعیة الکاملة، و هذا ما یمکن معرفته من خلال المعاجم اللغویة و من خلال التعبیر بـ" قفو و اقتفاء" بمعنى التابع.
  • هل یمکن ترک الحجاب لکی لا نتهم بالارهاب؟
    6730 الحقوق والاحکام 2008/12/01
    للاجابة عن السؤال نرسل لکم الاجوبة التی وصلتنا من مکاتب مراجع التقلید العظام  و بالنحو التالی:مکتب حضرة آیة الله العظمی الخامنئی (مد ظله العالی):فی فرض السؤال لا یجوز.مکتب حضرة آیة الله العظمی مکارم الشیرازی (مد ظله العالی):هذا الامر لیس مبرراً لترک الحجاب.جواب مکتب حضرة آیة ...
  • هل یری الاسلام امتیازا خاصا و حقوقا متفاوتة للرواد والمضحین؟
    6303 العملیة 2009/02/12
    یمکن تفاوت الافراد فی درجة القرب المعنوی من الله و علی درجات مختلفة. لکنهم متساوون فی الحقوق التی بعهدة بیت المال الا اذا کان البعض منهم یشغل موقعا او و وظیفة أو منصبا فعلی بیت المال هنا ان یدفع لهم ما یقابل جهودهم و یؤمن حیاتهم بالحد المتعارف و ...

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    281644 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    262350 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    130616 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    119521 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    90510 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    62250 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    62071 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    58044 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    53771 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    50199 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...