Please Wait
6226
الوجود الذهنی عبارة عن: الماهیة و الصورة الحقیقیة للأشیاء فی قیاسها بالوجود الذی هو خارج الذهن.
مسألة الوجود الذهنی تعتبر من المباحث المطروحة فی الفلسفة الإسلامیة. و توجد فی هذا الباب نظریتان. یعتقد البعض إن الوجود الذهنی هو لإثبات مطابقة الذهن مع العین و هذه هی النظریة الرائجة المشهورة فی باب الوجود الذهنی. و یعتقد البعض الآخر فی المقابل إن طرح الوجود الذهنی لإثبات الوجود الذهنی فی جانب الوجود الخارجی و فی الحقیقة هو بحث فی معرفة الوجود.
یقول الحکماء أصحاب النظریة الأولی إن الماهیة لها وجود آخر غیر الوجود الخارجی و العینی، بإسم الوجود الذهنی الذی لا تترتّب علیه آثار الوجود الخارجی و یقیمون الکثیر من الأدلة لإثبات الوجود الذهنی. [1] أما بعض المتکلّمین کالسید میر شریف الجرجانی فی شرح المواقف فقد تبنی النظریة القائلة بانه لا شیء یأتی إلی الذهن أساسا. و ذهب جماعة من الحکماء المتأخّرین الی القول بأن ما یأتی إلی الذهن، هو شبح الوجود الخارجی لا ماهیة الأشیاء الخارجیة.
لکن هناک عدة إشکالات توجة للنظریة القائلة بأن نفس ماهیة الأشیاء تأتی إلی الذهن. منها هذا الإشکال المعروف و هو: إذا کان من المفروض إن ماهیة الأشیاء الخارجیة هی التی تأتی إلی الذهن، تحصل مشکلة لزوم اندراج ماهیة واحدة تحت مقولتین. فمثلاً لو تصوّرنا ماهیة الإنسان، یلزم من ذلک اندراج الماهیة الذهنیة للإنسان تحت مقولة الجوهر، لأنه حسب الفرض نفس ماهیة هو هو جاءت إلی الذهن و الإنسان فی الخارج جوهر، و من جهة أخری یلزم اندراج الماهیة الذهنیة تحت مقولة الکیف، لأنها عندما جاءت إلی الذهن ستصبح نوعاً من العلم، و العلم من مقولة الکیف النفسانی، لأن تعریف الکیف الذی هو «عرض لا یقبل القسمة و لا النسبة» یصدق علیه، إذن یتحتّم کونها تحت مقولة الجوهر و تحت مقولة العرض کذلک. [2]
و من جهة أخری إن المقولات العشرة متباینة بتمام ذواتها، لأنها لو لم تکن کذلک یلزم من ذلک اشتراکها مع الذات بجزء منها و نقطة الإشتراک هی جنسهما، و المفروض أن المقولات العشرة هی جنس الأجناس و لا جنس فوقها.
مع هذا الکلام لا یمکن للماهیة أن تندرج تحت مقولتین، فإما أن نقول لا شیء یأتی إلی الذهن أساسا، کما ذهب الی ذلک بع الباحثین، أو إذا قلنا بمجیئها إلی الذهن، فنفس الماهیة الخارجیة مع عدم حفظ هویتها و ذاتیاتها، أو إذا قلنا بأنها نفس الماهیة الخارجیة، یجب أن نرفع الید عن کون الوجود الذهنی من مقولة الکیف، و الخلاصة یجب رفع الید عن إحدی هذه المقدمات، و إلّا - بحفظ جمیع المقدمات- یبقی اشکال اندراج ماهیة واحدة تحت مقولتین.
من هنا و ضع الحکماء عدة معالجات للفرار من هذا الإشکال و أمثاله: فالبعض کالمتکلّمین أنکروا الوجود الذهنی من الأساس و قالوا بعدم مجیء شیء إلی الذهن، و بعض کالفخر الرازی اعتبر العلم نوع إضافة بین الذهن و المعلوم الخارجی، و البعض الآخر قال بأن ما یأتی إلی الذهن هو شبح الشیء الخارجی لا نفس الماهیة الخارجیة. و بعض آخر کالفاضل القوشجی التمس طریق الفرار من الإشکال بالتفکیک بین العلم و المعلوم، أما صدر المتألهین فتوسل بمفتاح الحمل الأولی و الحمل الشائع الصناعی لحل الإشکال. [3]
یعتقد بعض أساتیذ الفلسفة إن الصحیح فی مسألة الوجود الذهنی هو، إن ما نسمّیه بالوجود الذهنی، سواء أکان فی الأمور الماهویة أم فی الوجود و صفاته أم فی الأمور العدمیة، هو مفهوم هذه الأشیاء الذی یأتی إلی الذهن لا شیء آخر و لا یمکن نقل الواقع الخارجی إلی الذهن أبداً. فلا تتوجه إشکالات الوجود الذهنی. [4]
و ذهب العلامة الشیخ حسن زادة الآملی الی القول بإن مرجع العلم هو الوجود و العلم یرجع فی الواقع إلی الوجود، و بواسطة الوجود تنکشف الأشیاء، لکن حیث إن العلم حالة نفسانیة و صفة من صفات النفس، و هو مثل القدرة و الإرادة لم یکن موجوداً ثم کان و وجد و لیس له قابلیة القسمة و لا النسبة فهو من هذا الحیث کیف نفسانی. [5]
و فی الواقع إن الوجود الذهنی عبارة عن الماهیة و الصورة الذهنیة للأشیاء فی قیاسها بالوجود الخارجی، لکن إذا لاحظنا الصورة الذهنیة بدون قیاسها بالخارج، بل تلحظ من جهة ثبوتها فی النفس فهی وجود خارجی لأنها ستتّحد مع النفس وجوداً و لا تحسب عندئذٍ وجوداً خارجیاً و من هذه الجهة یکون مرجع العلم إلی الوجود و خارج عن دائرة المقولات. [6]
لذلک فما ننسبه للصور الذهنیة مختلف من حیث الاعتبارات، فهو علم بأحد الاعتبارات و وجود ذهنی باعتبار آخر، و کیف بالعرض باعتبار ثالث، و کیف بالذات باعتبار رابع، و خارج عن کل المقولات فلا یدخل تحت أی منها باعتبار خامس. [7]
و هناک شرطان یلزم توفّرهما لاندراج مفهوم تحت مقولة ما: 1- صدق المقولة 2- ترتّب الآثار، لذلک فبأی اعتبار یتحقق هذان الشرطان یمکن لهذا الشیء أن یندرج تحت هذه المقولة بنفس هذا الاعتبار، لکن إذا لم یتحقق أحدهما أو کلاهما فلا یوجد أی مببرر للإندراج.
لذا فباعتبار إن الصورة نحو من الوجود یحصل للنفس، فهو صورة علمیة و کیف نفسانی بالذّات، و باعتبار إن الصورة الذهنیة حاکیة عن الخارج، فهی وجود ذهنی و من مقولة المعلوم بالحمل الأولی و باعتبار الحمل الشائع الصناعی، فهی صورة ذهنیة و کیف بالعرض الذی ینتهی إلی الکیف بالذات و باعتبار إن نرجع الصور العلمیة إلی الوجود، فهی خارجة عن المقولات و لا تدخل تحت أیّ منها لأن الوجود فوق المقولات.
أما ما قیل من أن الصور العلمیة تقع تحت مقولة الکیف حقیقةً، فلا یخلو من المسامحة، لأن وجود الصورة العلمیة فی نفسه و وجودها للنفس واحد، [8] فلیس هو وجودین أحدهما عارض و الآخر معروض علیه، بل إن الصورة العلمیة و نفس کل منهما موجودان بوجود واحد فلا تعدّد فی الوجود حتی یکون لأحدهما طابع جوهری و للآخر عرضی، لذا فالصور العلمیة کیف مسامحة لا حقیقة، فعندما تحصل الصورة العلمیة للنفس تتّحد وجوداً بوجود النفس و هذا الاتحاد نُسمّیه اتحاد العاقل بالمعقول أو اتحاد العالم بالمعلوم، و یتحتّم علینا الآن أن ندرس هذا الاتحاد لنری ما یقصده الحکماء منه؟ و أیّ شیء یتحد بأی شیء؟
فی بدایة الأمر یمکن تصوّر ست صور لهذا الاتحاد:
1- اتحاد ماهیتنا مع الماهیة الخارجیة المعلومة.
2- اتحاد وجودنا مع الماهیة الخارجیة المعلومة.
3- اتحاد ماهیتنا مع الوجود الخارجی المعلوم.
4- اتحاد ماهیتنا مع الماهیة الذهنیة المعلومة.
5- اتحاد ماهیتنا مع الوجود الذهنی المعلوم.
6- اتحاد وجودنا مع الوجود الذهنی المعلوم.
الفرض الأخیر من الفروض الستة المتقدمة هو مراد الحکماء أی اتحاد وجودنا مع الوجود الذهنی المعلوم، و القصد مما یقال بأن هذین الوجودین یتحدان معاً، هو إن علم النفس بالشیء یصیرها نفس ذلک الشیء، أی عندما تصبح النفس عالمة تحصل لها حالة الصیرورة. فکون النفس عالمة لا یعنی أن النفس ثابتة و ساکنة فی مقامها، و تأتی الرسوم من الخارج لتنطبع فیها. بل إن النفس بکل علم تکون شیئاً، أی تکون نفس وجود هذا الشیء، لذلک فنسبة هذا الوجود العلمی للنفس، نسبة الصورة للمادة، لا نسبة العرض للموضوع.
[1] السبزواری، الحاج ملا هادی، شرح المنظومة، المجلد الثانی، ص 124، الطبعة الأولی نشر ناب (الخالص)، طهران، 1413 ق.
[2] نفس المصدر، ص 126 و 127.
[3] الملا صدرا، الحکمة المتعالیة، ج 1، ص 292، الطبعة الرابعة، دار إحیاء التراث العربی، بیروت، 1410 هـ.ق.
[4] الفیاضی، غلام رضا، الوجود الذهنی فی الفلسفة الإسلامیة، المجلة الفصلیة التخصّصیة لمرکز تحقیق دائرة المعارف للعلوم العقلیة الإسلامیة، الرقم 6، تموز 1386.
[5] العلامة حسن زادة الآملی، حسن، النور المتجلی فی الظهور الظلی، ص 150، الطبعة الثالثة، مؤسسة بوستان کتاب (بستان الکتاب)، قم، 1387 ش.
[6] نفس المصدر، ص 150.
[7] نفس المصدر، ص 64.
[8] نفس المصدر، ص 156.