Please Wait
5542
اولا: لفظ "ابن الله" لا تنصرف الا الى الابن و الاب الواقعیین، خلافا للالفاظ الاخرى من قبیل: ید اله، و خلیل الله و... و من الثابت استحالة استعمال لفظة الاب و الابن فی الله سبحانه حقیقة، و یعد منافیا لبساطة الذات الالهیة. و ثانیا: على فرض اطلاقه بنحو التشبیه و من باب التکریم و الاحترام لا بمعنى التوالد و التماثل و التناسل، یکون هذا منافیا مع ما ذهبت الیه المسیحیة من الانطلاق من فکرة البنوة لاثبات الاختلاف السنخی بین عیسى و سائر البشر من جهة، و اثبات الالوهیة للمسیح من جهة اخرى؛ و ذلک لانهم قائلون بالاقانیم الثلاثة و من ثم بالتثلیث و یرون ان الاقنوم الثالث هو المسیح (ع) و من هنا عبدوه. و لذلک نجد النبی الاکرم (ص) فی معرض رده على الیهود و النصارى یقول لهم: اذا کان الملاک عندکم أن صرف وجود المعجزات یکون مبررا لتکریم کل من عزیر و عیسى (ع) و بنسبت بنوتهم الى الله تعالى وجعلهم ابناء الله؟! فهذا الملاک موجود و ثابت لکل الانبیاء، فلماذا لا تصفونهم بذلک؟!!
عبرت مصادر الفکر المسیحی عن التثلیث بعبارات مختلفة، و قد بحث فی التعالیم المسیحیة و غیرها عن الاقانیم[1] الثلاثة بنحو مفصل.
و الملاحظ ان کلمات الکنیسة الارثوذکسیة حول الثالثوث الاقدس، فی غایة الابهام و التعقید. فمن جهة ترى اتباع الدین المسیحی (ع) نفسه یصرحون بانهم موحدون و یؤمنون باله واحد، الاب القادر المتعال، الخالق للسماوات و الارض، کذلک تجد المسیحیة تعد نفسها فی زمرة الادیان التوحیدیة و تؤمن بامکانیة معرفة الله تعالى عن طریق العقل. لکن فی الوقت نفسه تراهم یعتقدون ان الاله یتکون من ثلاثة شخصیات متمایزة تماما. و هو مشترکون فی الازلیة و القدرة. و الجلال و کل واحد منهم یتصف بصفات الله. و یرون ان کل واحد من هذه الثلاثة له ما یمیزه عن الآخرین. و محصل ما قالوا به (و إن کان لا یرجع إلى محصل معقول): أن الذات جوهر واحد له أقانیم ثلاث، و المراد بالأقنوم هو الصفة التی هی ظهور الشیء و بروزه و تجلیه لغیره و لیست الصفة غیر الموصوف،: و الأقانیم الثلاث هی: أقنوم الوجود و أقنوم العلم، و هو الکلمة، و أقنوم الحیاة و هو الروح.[2] و بعبارة کلیة: یؤمنون بالتثلیث فی عین الوحدة و هم یرون ان فهم و إدراک هذا المعتقد خارج حدود قدرة الذهن البشری.[3]
القضیة الاخرى التی تدرس فی هذا المجال، ما هی العلاقة بین الاقنوم الثالث – الواجب الوجود و الازلی- مع شخصیة المسیح (ع)؟ و هل تحرکات و نشاطات السید المسیح (ع) تنطلق و تنظم من الارداة الرباینة أم من الارادة الانسانیة؟ و هذا البحث هو الذی یعروف بمبحث التجسد.
و هنا توجد عدة نظریات لایسع المجال للخوض فیها، بل نکتفی بما أشار الیه صاحب کتاب هبة السماء[4] حول هذه المسالة باختصار، حیث قال:
"الحدیث عن ابن الله سیقودنا طبیعیا إلى البحث عن الثالوث الأقدس، ونقف هنا عند سر الأسرار (الثالوث الأقدس) ونبینه من وجهة نظر المسیحیین.
الثالوث الأقدس
أن عقیدة الثالوث الأقدس تعتبر السر الأول فی العقیدة المسیحیة، فهی الأساس الذی بنیت علیه المسیحیة، کما أن التوحید هو الأساس فی الإسلام، فنحن[5] فی کل عمل کنا نقوم به نبدأ (باسم الأب والابن والروح القدس) فعقیدة التثلیث مترسخة فی نفس کل مسیحی ولکن فهمها مشکل جدا، بل مستحیل، فنحن نعتقد أن التثلیث ولأنه یرتبط بحقائق إلهیة فائقة الوصف، فهو بعید عن متناول عقل الإنسان، ولذا فهو یبقى سراً غامضاً لا یفهم. فهو فوق الادراک البشری.
وقبل الدخول فی البحث عن هذه العقیدة، لا یفوتنی أن أذکر من أن المسیحیین لا یعتقدون بثلاثة آلهة کما یتصور البعض، بل هم یؤمنون بإله واحد له ثلاثة أقانیم وهی (الأب والابن والروح القدس).
فی الواقع أن کلمة (التثلیث أو الثالوث) لم ترد فی الکتاب المقدس، ویظن أن أول من صاغها واستعملها (هوترتولیان) فی القرن الثانی للمیلاد، ثم ظهر (سبیلیوس) فی منتصف القرن الثالث وحاول أن یفسر العقیدة بالقول أن التثلیث لیس أمرا حقیقیا فی الله، لکنه مجرد إعلان خارجی، فهو حادث مؤقت ولیس أبدیا ثم ظهر (أریوس) الذی نادى بأن الأب وحده هو الأزلی بینما الابن والروح القدس مخلوقان متمیزان عن سائر الخلیقة، وأخیرا ظهر (أثناسیوس) الذی وضع أساس العقیدة (الثالوث الأقدس)[6] وبعد مناقشات وتشاجرات بین علماء المسیحیة وکبار قادة الکنیسة الذین افترقوا بین مؤید لأریوس، ومؤید لأثناسیوس دفعت بالامبراطور قسطنطین إلى الدعوة لعقد أول مجمع مسکونی فی عام 320 میلادی فی نیقیة - وحضر هذا الاجتماع أکابر العلماء والأساقفة، وبعد شهر أو أکثر من النقاش والجدال، انتصرت عقیدة (أثناسیوس) وکسبت أکثر الآراء، وتم تشکیل عقیدة التثلیث والتی نصت على ما یلی:
نحن نعبد إلها واحدا فی الثالوث، والثالوث فی التوحید لأن هناک شخصا للأب وآخر للابن وأخر لروح القدس، أنهم لیسوا ثلاثة آلهة ولکن إله واحد. فکل الأشخاص الثلاثة هو أزلیون معا و متساوون معا، وهکذا فإن الإنسان الناجی هو ذلک الذی یعتقد بالثالوث.[7]
ولقد تبلور قانون الإیمان الاثناسیوسی على ید أغسطینوس فی القرن الخامس، و صار القانون عقیدة الکنیسة الفعلیة من ذلک التاریخ إلى یومنا هذا. ففی عام (451) المیلادی وفی مجمع خلقیدونیا المسکونی تم إقرار التثلیث على أنه موثوقة رسمیة ولا تقبل المناقشة، والکلام ضد الثالوث یعتبر کفرا ومن یقترفه یستحق الموت أو التشویه.
ولکن استمر الاصلاح فی هذه العقیدة وترمیمها وتطویرها، إذ یعترف المسیحیون أن هذه العقیدة بحاجة إلى تنبیر ولا یستطیع دارس هذه العقیدة أن ینسى المصلح جون کلفن، الذی عاش فی القرن السادس عشر، ونبر على التساوی التام بین الأقانیم الثلاثة فی هذه العقیدة، التی یلزمها مثل هذا التنبیر من وقت إلى آخر على مر الزمن).[8]
والقانون الذی وضعته الکنیسة (قانون الإیمان) یشیر بوضوح إلى هذه العقیدة.ونصه هو:
أؤمن باله واحد، أب ضابط الکل خالق السماء والأرض وکل ما یرى وما لا یرى، وأؤمن برب واحد یسوع المسیح ابن الله الوحید المولود من الأب قبل کل الدهور، إله من إله، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غیر مخلوق، مساو للأب فی الجوهر، الذی به کان کل شیء، الذی من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد بالروح القدس ومن مریم العذراء، وصار انسانا وصلب عنا على عهد بیلاطس البنطی، تألم وقبر، وقام فی الیوم الثالث کما فی الکتب، وصعد إلى السماء وجلس عن یمین الأب، وسیأتی بمجد لیدین الأحیاء والأموات الذی لیس لملکه انقضاء. وأؤمن بالروح القدس الرب المحیی المنبثق من الأب والابن، الذین هو مع الأب والابن، یسجد له ویمجد، الناطق بالأنبیاء، وأؤمن بکنیسة واحدة مقدسة جامعة ورسولیة، واعترف بمعمودیة واحدة لمغفرة الخطایا، وأترجى قیامة الموتى والحیاة فی الدهر الآتی، آمین) [9].
فالمسیحیون یلخصون عقیدة التثلیث فی النقاط الستة التالیة:
1 - الکتاب المقدس یقدم لنا ثلاث شخصیات یعتبرهم شخص الله.
2 - هؤلاء الثلاثة یصفهم الکتاب بطریقة تجعلهم شخصیات متمیزة الواحدة عن الأخرى.
3 - هذا التثلیث فی طبیعة الله لیس مؤقتا أو ظاهرا بل أبدی وحقیقی.
4 - هذا التثلیث لا یعنی ثلاثة آلهة بل أن هذه الشخصیات جوهر واحد.
5 - الشخصیات الثلاث الأب والابن والروح القدس متساوون.
6 - لا یوجد تناقض فی هذه العقیدة.[10]
والمسیحیون یؤکدون على التوحید، وأن خالق هذا العالم والذی یدیر شؤونه هو واحد لا أکثر، ولکن فی تعریفهم لحقیقة هذا الواحد یقولون أنه یتألف من ثلاثة أقانیم أو أشخاص وهم (الأب والابن والروح القدس) وهم متساوون فی القدرة والمجد.
ویؤکدون أن هذه المعرفة کانت تدریجیة، فالله سبحانه لم یکشف عن نفسه مرة واحدة، لشدة نوره الذی یبهر العیون، بل تمت معرفته فی یسوع المسیح (علیه السلام)، فالخالق العظیم کانت حقیقته مجهولة للإنسانیة، ولم یستطع أحد التعرف على کنهه، وبمجئ المسیح (ع) کشف ربنا عن کنهه وحقیقته بتجسده فی عیسى المسیح (ع).[11] , [12]
و لکن مع نرى بعض النصارى یحاول انکار بعض تلک المعتقدات خشیة من الوقوع فی الاشکالات الواردة علیها، و هذا ما نجده فی المناظرة التی رواها الامام الصادق (ع) عن آبائه عن أمیر المؤمنین (ع) أنه اجتمع یوما عند رسول الله (ص) الیهود و النصارى، فقالت الیهود: نحن نقول عزیر ابن الله .
و قالت النصارى: نحن نقول إن المسیح ابن الله اتحد به.
فقال رسول الله (ص) آمنت بالله وحده لا شریک له و کفرت [بالجبت و الطاغوت] بکل معبود سواه ثم قال لهم إن الله تعالى قد بعثنی کافة للناس بشیرا و نذیرا و حجة على العالمین و سیرد کید من یکید دینه فی نحره.
ثم قال للیهود: أ جئتمونی لأقبل قولکم بغیر حجة؟ قالوا: لا. قال: فما الذی دعاکم إلى القول بأن عزیرا ابن الله؟ قالوا: لأنه أحیا لبنی إسرائیل التوراة بعد ما ذهبت و لم یفعل بها هذا إلا لأنه ابنه!
فقال رسول الله (ص): فکیف صار عزیر ابن الله دون موسى و هو الذی جاء لهم بالتوراة و رئی منه من المعجزات ما قد علمتم؟ و لئن کان عزیر ابن الله لما ظهر من إکرامه بإحیاء التوراة فلقد کان موسى بالنبوة أولى و أحق؟ و لئن کان هذا المقدار من إکرامه لعزیر یوجب له أنه ابنه فأضعاف هذه الکرامة لموسى توجب له منزلة أجل من النبوة؟ لأنکم إن کنتم إنما تریدون بالنبوة الدلالة على سبیل ما تشاهدونه فی دنیاکم من ولادة الأمهات الأولاد بوطء آبائهم لهن فقد کفرتم بالله و شبهتموه بخلقه و أوجبتم فیه صفات المحدثین، فوجب عندکم أن یکون محدثا مخلوقا و أن یکون له خالق صنعه و ابتدعه!!
قالوا: لسنا نعنی هذا فإن هذا کفر کما دللت لکنا نعنی أنه ابنه على معنى الکرامة، و إن لم یکن هناک ولادة کما قد یقول بعض علمائنا لمن یرید إکرامه و إبانته بالمنزلة من غیره یا بنی و إنه ابنی لا على إثبات ولادته منه لأنه قد یقول ذلک لمن هو أجنبی لا نسب له بینه و بینه و کذلک لما فعل الله تعالى بعزیر ما فعل کان قد اتخذه ابنا على الکرامة لا على الولادة.
فقال رسول الله (ص): فهذا ما قلته لکم إنه إن وجب على هذا الوجه أن یکون عزیر ابنه فإن هذه المنزلة بموسى أولى و إن الله یفضح کل مبطل بإقراره و یقلب علیه حجته إن ما احتججتم به یؤدیکم إلى ما هو أکثر مما ذکرته لکم لأنکم قلتم إن عظیما من عظمائکم قد یقول لأجنبی لا نسب بینه و بینه: یا بنی و هذا ابنی لا على طریق الولادة فقد تجدون أیضا هذا العظیم یقول لأجنبی: هذا أخی و لآخر هذا شیخی و أبی، و لآخر: هذا أخی، و لآخر: هذا سیدی و یا سیدی على سبیل الإکرام و إن من زاده فی الکرامة زاده مثل هذا القول، فإذا یجوز عندکم أن یکون موسى أخا لله أو شیخا له أو أبا أو سیدا لأنه قد زاده فی الإکرام مما لعزیر کما أن من زاد رجلا فی الإکرام فقال له: یا سیدی و یا شیخی و یا عمی و یا رئیسی على طریق الإکرام و أن من زاده فی الکرامة زاده فی مثل هذا القول. أ فیجوز عندکم أن یکون موسى أخا لله أو شیخا أو عما أو رئیسا أو سیدا أو أمیرا لأنه قد زاده فی الإکرام على من قال له یا شیخی أو یا سیدی أو یا عمی أو یا رئیسی أو یا أمیری.
قال: فبهت القوم و تحیروا و قالوا یا محمد أجلنا نتفکر فیما قد قلته لنا.
ثم أقبل على النصارى فقال لهم: و أنتم قلتم إن القدیم عز و جل اتحد بالمسیح ابنه فما الذی أردتموه بهذا القول؟ أردتم أن القدیم صار محدثا لوجود هذا المحدث الذی هو عیسى أو المحدث الذی هو عیسى صار قدیما کوجود القدیم الذی هو الله؟ أو معنى قولکم: إنه اتحد به، أنه اختصه بکرامة لم یکرم بها أحدا سواه؟ فإن أردتم أن القدیم صار محدثا فقد أبطلتم لأن القدیم محال أن ینقلب فیصیر محدثا، و إن أردتم أن المحدث صار قدیما، فقد أحلتم لأن المحدث أیضا محال أن یصیر قدیما، و إن أردتم أنه اتحد به بأنه اختصه و اصطفاه على سائر عباده، فقد أقررتم بحدوث عیسى و بحدوث المعنى الذی اتحد به من أجله لأنه إذا کان عیسى محدثا و کان الله اتحد به بأن أحدث به معنى صار به أکرم الخلق عنده فقد صار عیسى و ذلک المعنى محدثین، و هذا خلاف ما بدأتم تقولونه.
فقالت النصارى: یا محمد إن الله لما أظهر على ید عیسى من الأشیاء العجیبة ما أظهر فقد اتخذه ولدا على جهة الکرامة! فقال لهم رسول الله (ص): فقد سمعتم ما قلته للیهود فی هذا المعنى الذی ذکرتموه. ثم أعاد (ص) ذلک کله فسکتوا إلا رجلا واحدا منهم فقال له: یا محمد أ و لستم تقولون إن إبراهیم خلیل الله؟ قال: قد قلنا ذلک. قال: فإذا قلتم ذلک فلم منعتمونا من أن نقول: إن عیسى ابن الله؟! قال رسول الله (ص): إنهما لن یشتبها؛ لأن قولنا إبراهیم خلیل الله فإنما هو مشتق من الخلة و الخلة إنما معناها الفقر و الفاقة فقد کان خلیلا إلى ربه فقیرا و إلیه منقطعا و عن غیره متعففا معرضا مستغنیا و ذلک لما أرید قذفه فی النار فرمی به فی المنجنیق فبعث الله جبرئیل فقال له: أدرک عبدی فجاء فلقیه فی الهواء فقال له: کلفنی ما بدا لک فقد بعثنی الله لنصرتک! فقال إبراهیم: حسبی الله و نعم الوکیل إنی لا أسأل غیره و لا حاجة لی إلا إلیه فسماه خلیله أی فقیره و محتاجه و المنقطع إلیه عمن سواه.
و إذا جعل معنى ذلک من الخلة و هو أنه قد تخلل معانیه و وقف على أسرار لم یقف علیها غیره کان الخلیل معناه العالم به و بأموره و لا یوجب ذلک تشبیه الله بخلقه. أ لا ترون أنه إذا لم ینقطع إلیه لم یکن خلیله و إذا لم یعلم بأسراره لم یکن خلیله و إن من یلده الرجل و إن أهانه و أقصاه لم یخرج عن أن یکون ولده لأن معنى الولادة قائم به. ثم إن وجب لأنه قال لإبراهیم خلیلی أن تقیسوا أنتم فتقولوا بأن عیسى ابنه وجب أیضا کذلک أن تقولوا لموسى إنه ابنه، فإن الذی معه من المعجزات لم یکن بدون ما کان مع عیسى، فقولوا: إن موسى أیضا ابنه و أن یجوز أن تقولوا على هذا المعنى أنه شیخه و سیده و عمه و رئیسه و أمیره کما قد ذکرته للیهود فقال بعضهم لبعض: و فی الکتب المنزلة أن عیسى قال: أذهب إلى أبی و أبیکم. فقال رسول الله (ص): فإن کنتم بذلک الکتاب تعلمون فإن فیه أذهب إلى أبی و أبیکم فقولوا إن جمیع الذین خاطبهم عیسى کانوا أبناء الله کما کان عیسى ابنه من الوجه الذی کان عیسى ابنه. ثم إن فی هذا الکتاب مبطل علیکم هذا الذی زعمتم أن عیسى من وجهة الاختصاص کان ابنا له لأنکم قلتم إنما قلنا إنه ابنه لأنه اختصه بما لم یختص به غیره و أنتم تعلمون أن الذی خص به عیسى لم یخص به هؤلاء القوم الذین قال لهم عیسى أذهب إلى أبی و أبیکم، فبطل أن یکون الاختصاص لعیسى لأنه قد ثبت عندکم بقول عیسى لمن لم یکن له مثل اختصاص عیسى و أنتم إنما حکیتم لفظة عیسى و تأولتموها على غیر وجهها لأنه إذا قال: أذهب إلى أبی و أبیکم فقد أراد غیر ما ذهبتم إلیه و نحلتموه و ما یدریکم لعله عنى أذهب إلى آدم أو إلى نوح و أن الله یرفعنی إلیهم و یجمعنی معهم و آدم أبی و أبیکم و کذلک نوح بل ما أراد غیر هذا؟!! قال: فسکت النصارى و قالوا ما رأینا کالیوم مجادلا و لا مخاصما مثلک و سننظر فی أمورنا.[13]
اتضح الى هنا اولا: لفظ "ابن الله" لا تنصرف الا الى الابن و الاب الواقعیین، خلافا للالفاظ الاخرى من قبیل: ید اله، و خلیل الله و... و من الثابت استحالة استعمال لفظة الاب و الابن فی الله سبحانه حقیقة، و یعد منافیا لبساطة الذات الالهیة. و ثانیا: على فرض اطلاقه بنحو التشبیه و من باب التکریم و الاحترام لا بمعنى التوالد و التماثل و التناسل، یکون هذا منافیا مع ما ذهبت الیه المسیحیة من الانطلاق من فکرة البنوة لاثبات الاختلاف السنخی بین عیسى و سائر البشر من جهة، و اثبات الالوهیة للمسیح من جهة اخرى؛ و ذلک لانهم قائلون بالاقانیم الثلاثة و من ثم بالتثلیث و یرون ان الاقنوم الثالث هو المسیح (ع) و من هنا عبدوه. و لذلک نجد النبی الاکرم (ص) فی معرض رده على الیهود و النصارى یقول لهم: اذا کان الملاک عندکم أن صرف وجود المعجزات یکون مبررا لتکریم کل من عزیر و عیسى (ع) و بنسبت بنوتهم الى الله تعالى وجعلهم ابناء الله؟! فهذا الملاک موجود و ثابت لکل الانبیاء، فلماذا لا تصفونهم بذلک؟!!
[1] الاقنوم کلمة سریانیة تعنی الشخصیة او الاصل.
[2] الطباطبائی، سید محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج 3، ص286، دفتر التبلیغ الاسلامی، قم، 1417 ق.
[3] ایضاح التعلیم مسیحی، ص 35،نقلا عن، زیبایی نژاد، محمد رضا، در آمدی بر تاریخ و کلام مسیحیت = جولة فی التاریخ و الفکر المسیحی، ص136، انتشارات اشراق، قم، صیف سنة 1375،
[4] مسیحی عراقی اعتنق الاسلام.
[5] المؤلف یستعمل الضمیر (نحن) للاشارة الى الفترة التی کان فیها على النصرانیة.
[6] قاموس الکتاب المقدس: 232.
[7] نظرة عن قرب فی المسیحیة: 37.
[8] قاموس الکتاب المقدس: 233.
[9] أنظر کتاب تعالیم الکتاب المقدس: ص 60.
[10] قاموس الکتاب المقدس: 232.
[11] المسیح فی الفکر الاسلامی: 258.
[12] علی الشیخ، هبة السماء رحلتی من المسیحیة إلى الإسلام، ص 93-97، سلسلة الکتب المؤلفة فی أهل الکتاب (3)، إعداد مرکز الأبحاث العقائدیة.
[13] الطبرسی، احمد بن علی، الإحتجاج على أهل اللجاج، ج 1، ص 21 - 29، نشر مرتضی، مشهد، 1403 ق.