Please Wait
7342
عندما نخضع هذا النص لمعالجة الدلالة و السند لا بد من القول:
1ـ ان هذا النص لم یرد إلا فی کتاب الفتوح لابن أعثم الکوفی المتوفى 314 هـ . ق. ومع أن ابن أعثم ینسب إلى التشیع فی نظر الکثیرین إلا أن ذلک لا یعنی أن کل ما ورد فی کتابه صحیح و معتبر.
2ـ لا یمکن لأحد أن ینکر أن التغییرات التی طرأت على سنة رسول الله فی زمن عثمان بن عفان أکثر بکثیر مما حدث فی زمن أبی بکر و عمر، فکلام مالک الأشتر یمکن أن یحمل على قیاس التغییر فی عهد عثمان إلى ما وقع فی زمن الشیخین، و علیه فلا یعد کلامه قبول لکل ما کان یعمله الشیخان.
3ـ أن بعض المسائل التی وردت فی خطاب مالک لیست مورد قبول السنة و الشیعة، کما فی العبارة التی یقول فیها «ثم استخلف على الناس أبا بکر» فهل یمکن أن یکون مالک غیر مطلع على حقیقة الأمر؟!.
4ـ کیف یمکن أن یکون مالک غیر مطلع على التفاوت بین سنة رسول الله و سنة الشیخین، و أنه یعتقد بخلافتهما، و قد رفض علی(ع) قبل عدة سنوات عرض عبد الرحمن بن عوف الذی اشترط علیه العمل بسیرة الشیخین حتى یبایعه فی الشورى، و لکن الإمام رفض ذلک قائلاً: «إنما أعمل بسنة رسول الله».
5ـ ما تقدم یمکن أن یعد قرینة لعدم صدور مثل هذا الکلام عن مالک الأشتر، و مع ذلک لا بد من التوجه إلى أن کلام المعصومین وحده معتبر لدى الشیعة و یمثل الحجة، و علیه فحتى لو فرضنا جدلا بأن هذا الکلام صادر من مالک فإنه لیس بحجة على الآخرین.
ینفرد کتاب ابن أعثم الکوفی من بین الکتب التاریخیة المعتبرة ینقل هذا النص: «قال: ثم نادى الأشتر فی أصحابه بالرحیل، فرحلوا حتى وافوا الکوفة لاثنتی عشرة لیلة من مسیرهم قبل الظهر و ذلک فی یوم الاثنین، فدخل الأشتر الکوفة و جاء حتى دخل المسجد الأعظم فصعد المنبر و قد اجتمع إلیه الناس، فحمد الله و أثنى علیه ثم قال: أیها الناس! إن الله تبارک و تعالى بعث فیکم رسوله محمداً صلى الله علیه و سلم بشیراً و نذیراً، و أنزل علیه کتاباً بیّن فیه الحلال و الحرام و الفرائض و السنن، ثم قبضه إلیه و قد أدى ما کان علیه، ثم استخلف على الناس أبا بکر فسار بسیرته و استسن بسنته، و استخلف أبو بکر عمر فاستسن بمثل تلک السنة. و هذا عثمان بن عفان قد علمتم ما کان منه من الأحداث المکروهة و الأفعال القبیحة بأصحاب النبی صلى الله علیه و سلم، و الآن حین قرأنا کتاب الله عز وجل و تفقهنا فی دین الله یرید أن نبدل دین الله أو نغیر سنة نبینا محمد صلى الله علیه و سلم، کلا و الله لا نفعل ذلک أبداً! ألا! و لا یصبح أحد منکم إلا بالجرعة، فإنی معسکر هنالک إن شاء الله و لا قوة إلا بالله»[1].
«قال: فلما قضى الأشتر کلامه وثب إلیه قبیصة بن جابر الأسدی وقال: یا أشتر ! دام شترک و عفى أثرک، شتر الله دینک کما شتر عینک، فلقد أطلت الغیبة و جئت بالخیبة ، أتأمر بالفتنة و نکث البیعة و خلع الخلیفة! و الله! لئن أطعناک لتفترقن کلمتنا و لتسبکن دماؤنا . قال: ثم أخذ کفا من حصباء المسجد فحصبه ، فضرب الناس یده فقصرت الحصباء و لم تبلغ الأشتر، قال: فصاح به الأشتر و قال: و ما أنت أیها العسیر الخضوف و الکلام فی أمر العامة، و الله ! ما أسلم قومک إلا کرهاً و لا هاجروا إلا فقراً. قال : ثم وثب الناس على قبیصة فضربوه و طردوه و أخرجوه ، و قام رجل من أهل المسجد فناشدهم الله حتى کفوا عنه . قال : و احتمل قبیصة إلى منزله ، ونزل الأشتر عن المنبر و نادى فی الناس ، فاجتمعوا إلیه ، و استقبل فصلى بالناس ، فلما انفتل عن صلاته أمر بإخراج خلیفة سعید بن العاص من القصر، فأخرجوه و هو ثابت بن قیس بن الخطیم الأنصاری . قال : ثم خرج الأشتر فعسکر بالجرعة بین الکوفة و الحیرة ، و بعث بعائذ بن حملة الظهری فعسکر فی طریق البصرة فی خمسمائة فارس ، و بعث حمزة بن سنان الأسدی إلى عین التمر فعسکر هنالک لیکون مصلحة فیما بینه و بین أهل الشام فی خمسمائة فارس ، و بعث بعمرو بن أبی حنة الوداعی إلى حلوان و ما والاها فی ألف فارس ، و بعث یزید بن حجیة التیمی إلى المدائن و کوخى و ما والاها فی سبعمائة فارس .
کما أرسل کعب بن مالک الأرحبی إلى مکان یدعى العذیب مع خمسمائة فارس و أمره قائلاً ، إن جاء سعید بن العاص من المدینة أمیراً على الکوفة فأعده و لا تسمح له بدخول الکوفة و خذ کل ما معه من مال و متاع و ضعه أمانة فی منزل الولید بن عقبة فی الکوفة ، فتقدم الأشتر (عند ما سمع الخبر) و معه ثلاثمائة فارس و جاء إلى باب المنزل و أمرهم بأن ینهبوا ما فی البیت . فدخل الناس و أخذوا کل ما وجدوه و أخرجوها ثم قلعوا الأبواب و أحرقوها حتى احترق کل ما بقی فی البیت .
و حین علم عثمان بذلک (و قد بلغه ما صنعه الأشتر) ضاق صدره بذلک و اعتبر أن هذا العمل کان بتحریض أو تأیید من علی رضی الله عنه و قال : لا أعلم ماذا أفعل مع علی الذی یظهر محاسنی للناس على شکل نقائص و یحرض الناس علی و على أعمالی . ثم استدعى سعید بن العاص و أعاده إلى الکوفة وقال له : إذا وصلت إلیها ، تقرب من الناس و عدهم مواعید حسنة و قل للأشتر بأن یتخلى عن تلک الأعمال و لا یثیرن الفتنة و غالب ظنی أن الناس حین یرونک سیتخلون عن الأشتر ویأتون إلیک فذهب سعید کما أمره عثمان إلى الکوفة و حین اقترب من (العذیب) تصدى له عبد الله بن کنانة بن الخطاب و معه ثلاثمائة فارس و قالوا له : یا عدو الله ، أین تذهب ، عد من حیث أتیت ، فو الله لن ندعک تشرب من ماء الفرات قطرة واحدة ، فکیف تطمع بغیر ذلک [ثم حمل کل منهما على الآخر] فأیقن سعید أنه لا قبل له بهم فعاد».[2]
و إذا أردنا أن نحلل هذا النص من جهة المحتوى و الإسناد یمکن أن نشیر إلى النقاط التالیة:
1ـ مع أن الکثیر یعتقد أن ابن أعثم شیعی المذهب و أن هذا الکتاب من أهم المصادر فی تاریخ الإسلام، و لکن هذا لا یعنی أن کل ما جاء فی هذا الکتاب صحیح و معتبر[3].
2ـ لم یرد هذا النص فی ترجمة کتاب الفتوح الفارسیة لحمد الله مستوفی فی عام 596 فی خراسان.
3ـ کل ما جاء فی خطاب مالک کان مقایسة بین الحوادث التی وقعت فی زمان عثمان و زمان الشیخین، و لیس هو تأییدا لهما فی جمیع أعمالهما. فمن الطبیعی أنه لا ینکر أنه حدث تغییر فی السنة فی زمان عثمان یفوق بمراتب ما حصل فی زمان الشیخین، و لو أن هذا الکلام کان تأییداً للشیخین فلماذا لم یکن له ذکر فی کتب أهل السنة.
4ـ لا یمکن قبول و تأیید العدید من العبارات الواردة فی هذا النص منها:
أـ وردت عبارة «أن النبی استخلف أبا بکر من بعده» فی حین لم یقل أحد بذلک، فالشیعة یقولون أن النبی (ص) نصب الإمام علیا(ع) و السنة یقولون رحل النبی و لم ینصب أحداً، فکیف یمکن لشخصٍ مثل مالک أن ینشر مثل هذا الکلام الذی لا حقیقة له.[4]
ب ـ أن الإغارة على أموال سعید بن العاص المأمنة عند الولید لا یتناسب مع شخصیة مالک الأشتر.
5ـ لو کان الشیخان قد عملا بسنة رسول الله کما هی، فلماذا یرفض الإمام علی(ع) أن یبایع عبد الرحمن بن عوف على أن یعمل بسنة أبی بکر و عمر فی مسألة الشورى المعروفة، حیث رفض الإمام الخلافة إلا أن یعمل بسنة رسول الله(ص)[5]، فإذا کانت سیرة و سنة الشیخین مطابقة لسیرة النبی(ص) فلماذا یضع عبد الرحمن بن عوف مثل هذا الشرط الإضافی، و هل أن مالکا الأشتر غیر مطلع على ذلک، و أن عبد الرحمن وحده یعرف حقیقة الأمر؟
6ـ إن الشیعة یعتقدون أن کلام المعصومین وحده الملزم و فیه الحجة على الآخرین، و علیه حتى لو صح ما نقل عن مالک الأشتر فإنه لا یکون حجة على الآخرین، و نحن نعلم من القرائن الکثیرة و الشواهد المتعددة فی کلام المعصومین ما لا یؤید ما نسب الى مالک فی النص المتقدم. کما أن الشیعة لا ینفون عن عظمائهم احتمال الخطأ و الاشتباه، و لم یروا فیهم العصمة.
[1] هناک عدة ملاحظات فی هذه الروایة لابد من الإشارة إلیها:
أ – وقعت عدة أحداث فی الکوفة فی عام 33 هـ مما أوقع الوالی (سعید بن العاص) فی الکثیر من المشاکل و الأزمات، مما أدى إلى وجود الاختلافات بینه و بین کبار أهل الکوفة. و قد بعث کل من الوالی و خصومه برسالة إلى الخلیفة عثمان بن عفان، و لکن الخلیفة أمر بإبقاء الوالی و نفی مخالفیه إلى بلاد الشام، و لکنهم عادوا بعد ذلک إلى الکوفة ثم تم إبعادهم إلى حمص و ذلک الإجراء جعل الکوفة خالیة من المعارضة.
ب ـ و بعد أن ازدادت تلک الشکاوى، حتى أن بعض الفئات ذهبت إلى لقاء عثمان فی موسم الحج لتقدم له الشکاوى، و قد جمع عثمان ولاته و أتباعه فی عام 34 هـ حیث اشترکوا فی مراسم الحج... و بعد أن تشاور معهم الولاة و أعوانهم بخصوص المناطق التی یحکمونها. و عندما اطلع على آرائهم و ما یحملون من أفکار، أمرهم بالعودة إلى ولایاتهم و تنفیذ المقررات التی اتخذت فی هذا الاجتماع.
جـ ـ و یفهم من رسالة أهل الکوفة إلى مالک الأشتر أن سعید بن العاص ذهب مرتین إلى لقاء عثمان و ذلک فی عام (33 ، 34) و لکن الذی یفهم من روایة الطبری و ابن الأثیر و مروج الذهب أنه لم یکن بین عثمان و ولاته أی لقاء و اجتماع فی العام 33 هـ و إذ کان فلم تناقش فیه أمور غیر شؤون الحکم العادیة، و خصوصاً ما طرح شأن الکوفة فإنه لم یکن أمراً ذا أهمیة.
و کذلک لم تشر الروایات إلى أی اجتماع خاص بین عثمان و والیه (سعید بن العاص) و کل ما وصل بین أیدینا أن عثمان اجتمع بعماله قبل یوم (الجرعة).
د ـ أما فیما یخص مالکا الأشتر، فهناک عدة أقوال:
1 ـ یقول الطبری و ابن الأثر بعد إبعاده الأول إلى الشام عاد إلى الکوفة ثم تم إبعاده إلى الکوفة.
2 ـ و أما المسعودی فقد أشار إلى أن مالکاً و سبعین فارساً قد انطلقوا متوجهین إلى الخلیفة عثمان و قد طلبوا منه عزل الوالی سعید بن العاص.
و بعد اللقاء المعروف بین عثمان و ولاته و منهم سعید بن العاص حیث أمرهم بالعودة إلى ولایتهم. کان مالک الأشتر فی المدینة قد أبلغه طلحة و الزبیر ما دار فی هذا الاجتماع. و قبل أن یصل سعید بن العاص إلى الکوفة کان مالک قد وصلها على وجه السرعة ثم ارتقى المنبر و قال: إن والیکم الذی أظهرتم الامتعاض منه قد عاد إلیکم و لدیه أمر بإخراجکم للقتال فی بلدان أخرى (و هذا أحد مقررات الاجتماع.. بایعونی حتى أمنعه من دخول الکوفة. فبایعه عشرة آلاف شخص. (الطبری حوادث سنة 33 و 34؛ ابن کثیر البدایة و النهایة، طبقات ابن سعد 5/ 30 ـ 31؛ مروج الذهب 2/372 ـ 373).
[2] الفتوح، ج2، ص: 397 و 398، القرن الرابع، أبو محمد أحمد بن أعثم الکوفی (م 314)، تحقیق علی شیری، بیروت، دار الأضواء، ط الأولى، 1411/1991.
[3] لم یکن الجزء المطبوع من هذا الکتاب یشتمل على تمام النص الأصلی، لأن المورد الذی ینقله ابن طاووس غیر موجود فی المتن الأصلی. کما أنه لا یشیر إلى المصادر التی یأخذ عنها. و لکن أخباره یمکن العثور علیها فی سائر المراجع و المصادر، و کذلک یمکن العثور علیها عن طریق الشعبی، نصر بن مزاحم، الواقدی و الزهری و هشام الکلبی، و بعد أن یذکر المؤلف هذه الأسناد و فیها بعض التصحیف یقول: جمعت هذه الروایات مع ما فیها من الاختلاف ثم رتبت من مجموعها روایة واحدة فی مضمون واحد. و علیه فإن المؤلف نقل الحوادث بطریقة منسجمة. و مما لا شک فیه أن أحد مصادره ما رواه أبو مخنف، و من الجدیر بالذکر أنه ینقل عنه تارةً بواسطة الکلبی و تارة بشکل مستقل، کما نجد بعض الأسناد تتضمن اسم جعفر بن محمد الصادق (ع) عن أبیه عن آبائه (ع) ، و لا شک أن الفتوح من مصادر الدرجة الأولى و یحتوی على مطالب لا توجد فی غیره، فقد نقل الکثیر من أخبار الخلفاء الأوائل، و قد نقل الکثیر من الوقائع التی تنسجم مع أقوال الشیعة و ذلک یرجع إلى تشیعه العراقی. کما نقل وقائع ولادة الإمام الحسین بالاستفادة من مصادر الشیعة.
و قد نقل صاحب الفتوح مطالب هامة فیما یخص إطلاع الحسین (ع) على شهادته فی کربلاء و کذلک فیما یخص حروب الردة بشکل منحصر یوحی بأن بعض المرتدین کانوا یدافعون عن الإمام علی (ع) و أهل البیت (ع) حیث امتنعوا عن إعطاء الزکاة لحکومة الخلیفة الأول أبی بکر و ما جاء فی الفتوح بخصوص الحوادث التی وقعت فی العراق یفوق ما ورد فیه من أخبار المدن الأخرى. و قد اختص مجلد کامل من الفتوح بأحداث کربلاء، فهو من المصادر الأساسیة لملحمة کربلاء، و قد جاء نصه مختلفاً بشیء یسیر عما فی مقتل الحسین للخوارزمی. انظر: الکتب الموجودة فی برنامج نور السیرة 2.
[4] أحد الرکائز التی یعتمد علیها أهل السنة أن الخلافة تکون بانتخاب أهل الحل و العقد، و لکن عندما یقولون أن أبا بکر نصب من قبل رسول الله، و أن عمر نصب من قبل أبی بکر، فإن هذا الأساس ینهار تماماً.
[5] و خلا (عبد الرحمن بن عوف) بعلی بن أبی طالب، فقال: لنا الله علیک، إن ولیت هذا الأمر، أن تسیر فینا بکتاب الله و سنة نبیه و سیرة أبی بکر و عمر. فقال: أسیر فیکم بکتاب الله و سنة نبیه ما استطعت. تاریخ الیعقوبی، ج2، ص162، باب أیام عثمان بن عفان. للاطلاع الأکثر حول هذا الموضوع یراجع: یراجع تاریخ الطبری، ج3، ص297.