Please Wait
6357
1ـ أی المجتمعات تکون ملاکاً لذلک؟ إیران؟ المدینة التی یعیش فیها الإنسان؟ أم الدنیا کلها؟
2ـ تشخیص العُرف بعهدة مَن تکون؟ هل تکون بعهدة الشخص المکلف؟ أم مرجع التقلید؟
3ـ بالنظر الى هذه المسألة هل من الممکن أن یکون القمار و الغناء حراماً على شخص معیّن و حلالاً على آخر؟ فی شروط متساویة و مجتمع واحد؟
4ـ و الأهم من هذا کله ما هو عُرف المجتمع؟ هل المقصود به النظرة العامة للمجتمع؟ و إذا کانت بهذا الشکل، فهل تکون هذه النظرة العامة سبباً لتجویز و تحلیل بعض المسائل و تحریم البعض الآخر منها؟
للعُرف أصلان لغویّان:
أ ـ الأمر المقبول أو المرغرب فیه.
ب ـ المعرفة و التعرف.
و فی إصطلاح الفقهاء یطلق على "العادات و التصرفات و النظرة العامة للناس"، أما تعیین حدوده و سعة و ضیق دائرته منوطة بشکل إستعماله و الموارد التی یستعمل فیها، لأن للعُرف معانی مختلفة حسب موارد الإستعمال و الشکل الذی یستعمل فیها، و سنشیر فیما یلی الى بعض هذه الموارد:
1ـ المقصود من العُرف هو (جمیع الناس) و (العقلاء). و هذا یکون بالنظر الى محتوى و مجال مفهوم و مصداق المصطلح (بغض النظر عن اللغة التی ینتمی إلیها هذا اللفظ)، کمثال عندما نقول (السفر) ما هو معناه عرفاً؟ فی هذه الحالة لا یکون المراد لغة أو منطقة أو قومیة أو عرقا خاصاً و معیناً. و کما هو واضح فإن إفتراض هکذا نوع من العُرف هو عدم التغییر.
لأن العقلاء و على أساس إنهم عقلاء لهم سیرة و مرتکزات ثابتة، سواء کانوا یعیشون فی القرن العشرین أم فی قرون قدیمة و سواء کانوا یقطنون فی الهند أم فی إیران ام ...فانّ الزمان و المکان و الظروف لایکون لها أی تأثیر على هذا المرتکز و سیرتهم. و بذلک لا یکون المقصود مجتمعاً معیناً أو أی نوع من أنواع الأفکار الحاکمة على المجتمع، لکی یقال ان الأفکار الحاکمة على المجتمع تتغیر بتغیّر الظروف المختلفة.
2ـ المقصود من العُرف (مجموعة خاصة من الناس) و هذه أیضاً تختلف بحسب موارد الإستعمال، مثلاً یقصد به فی بعض الأحیان لغة و عِرقٌ خاص و هذا یکون عندما یُنظر الى معنى اللفظ بشکله الخاص مثلاً عندما یریدون أن یعرفوا المعنى لِلَفظة الغناء ماذا تعنی، هنا یتم الرجوع الى اللغة العربیة، و فی بعض الأحیان یکون مذهب و عقیدةٌ خاصة فی نظر الإعتبار. مثلاً عندما یقال ما هو رأی العُرف بخصوص الدم الذی یبقى فی بدن الحیوان بعد ذبحه؟ فمن الواضح هنا ان المقصود من العُرف مجتمع المسلمین، لأن الکفار لا یعتبرون الدم نجساً بأی حال من الأحوال، و هذا النوع من العُرف من الممکن أن یکون متعدداً و مختلفاً بحسب إختلاف المتعلق و المضاف الیه.
و إن طریقة تشخیص العُرف تختلف أیضاً لأن تشخیص عُرف العقلاء هو عبارة عن معرفة "التصرفات المعتادة و النظرة العامة للناس و التی لها کلیه و عمومیة و منشأ عقلائی"، و کذلک فإن تشخیص عُرف المتشرّعة هو عبارة عن معرفة "التصرفات المعتادة و النظرة العامة للناس و التی تنطلق من خلال اعتقادهم الدینی"، و هکذا تکون بقیة الأعراف الخاصة على هذا المنوال.
و الحاصل إنه رغم عدم إختصاص تشخیص العُرف بالمجتهد، و لکن فی مسألة تشخیصه یجب أن تکون هنالک قیود تأخذ بنظر الإعتبار لتحققه، و على هذا الأساس لا یکون بشکل بحیث إن أی شخص یستطیع و بشکل دقیق التعرف على العُرف، بل توجد موارد عدیدة یکون فیها الحاجة الى الدقة و الخبرة لتشخیصه.
العُرف لغة له معنیان:
1ـ المعرفة و التعرف.
2ـ الأمر المرغوب فیه و المستحسن. و على هذا الأساس فإن کلمة المعروف تکون فی بعض الأحیان مقابل المجهول کما فی المعنى الأول، و فی بعض الأحیان الأخرى تکون مقابل کلمة المنکر کما فی المعنى الثانی.[1]
یقول المرحوم الطبرسی فی مجمع البیان: العرف ضد النکر و مثله المعروف و العارفة و هو کل خصلة حمیدة تعرف صوابها العقول و تطمئن إلیها النفوس.[2]
أما فی الإصطلاح فقد وضعوا للعُرف تعاریف عدیدة، منها ما فی إصطلاح الفقهاء الذین قالوا: العُرف هو عبارة عن السلوک المستمر لقوم فی القول أو التصرفات، و الذی یسمى أیضاً العادة و التعامل.[3]
لکی یتضح البحث یجب أن نذکر عدة ملاحظات:
1ـ کان فقهاؤنا یستخدمون کلمة (العُرف) بشکل کثیر فی العهود الأولى، و قد إستخدموها فی معان عدیدة، و هذه المعانی المختلفة تتوقف على المورد الذى تستخدم فیه و کیفیة الإستعمال، حیث إستخدموها فی بعض الأحیان فی مورد العقلاء و قالوا: إن عُرف العقلاًء بهذا الشکل .... و یقصدون من عُرف العقلاء سیرة العقلاء. و فی بعض الأحیان إستخدموا العُرف بمعنى الإرتکاز و... .[4]
2ـ الآن و على أساس الملاحظة الأولى فإن کلمة (العُرف) تستخدم بمعنى السیرة و الإرتکاز العقلائی، و لذلک یجب أن نوضح معنى مفهوم السیرة و مفهوم الإرتکاز اولاً، و ثانیاً: نبیّن أقسام السیرة و الإرتکاز، و ثالثاً: حدودهما و شرائطهما، و رابعاً: نبیّن تغیّرهما أو عدم تغیّرهما، و فی هذه الحالة تتوضح الإجابة عن أسئلتکم.
أ- معنى السیرة و الإرتکاز:
فی جملة مختصرة نعرف السیرة على أنها الطریقة و السلوک العملیة و التصرفات المعتادة، و إن الإرتکاز عبارة عن النظرة الذهنیة و المبانی و الأسس الفکریة.
إن السیرة هی عبارة عن المسائل الواقعیة الخارجیة و التصرفات الجمعیة الظاهرة للعیان التی تصدر من مجموعة من الناس. فإذا رأینا عادات معینة فی تصرفاتهم فی موارد معینة نطلق على هذه التصرفات بالسیرة الخاصة لتلک المجموعة فی تلک الموارد.
إن الإرتکاز هو عبارة عن النظرة الذهنیة و المبانی و الأسس الفکریة لمجموعة من الناس بخصوص مسألة معینة. إن الإرتکاز فی الواقع هو عبارة عن الشئ الکامن فی ذهن هذه المجموعة من الناس بنحو لو أنهم راجعوا أنفسهم بخصوص مسألة معینة فسوف یجدون حکمها فی ذهنهم و سیصدرون حکمهم بخصوص هذه المسألة تلقائیا. إن هذه المرتکزات و الرؤى من الممکن أن تظهر للعیان و من الممکن أن لا یکون هنالک مجال لکی تظهر للعیان. و فی حال ظهورها من الممکن أن تکون الأرضیة لظهورها کبیرة و واسعة و من الممکن أن تکون صغیرة و محدودة. فإذا ظهر الإرتکاز فی مکان معین و کانت الأرضیة لبروزها کبیرة و واسعة فإن السیرة تتجلّى فی هذه الحالة، و فی الواقع إن من العوامل التی تؤدی الى ظهور السیرة هی تلک المرتکزات التی تحققت و کانت فیها إمکانیة الظهور کبیرة.
ب- أقسام السیرة و الإرتکاز:
تنقسم السیرة و الإرتکاز- بشکل عام- الى قسمین:
أ ـ السیرة و الإرتکاز الذی لایکون مختصاً بمجموعة معینة من الناس أو بفترة تاریخیة محددة. و نطلق على هذه المجموعة من السیرة و الإرتکاز بالعقلائیة. و من الواضح ان الإفتراض لهکذا نوع من السیرة و الإرتکاز هو الثبات و عدم التغیّر و التبدل. و على هذا الاساس تکون الإرتکازات العقلائیة هی مجموعة الأحکام التی تکون موجودة و لا تقبل التغییر فی کل زمانٍ و مکان و فی جمیع الظروف، و إن السیرة العقلائیة هی مجموعة من التصرفات الثابتة و التی لا تتغیر و لا تتحول بتغیر و تحول الظروف الثقافیة و السیاسیة و الإقتصادیة و العلمیة.
و بتعبیر آخر، فإن العقلاء بإعتبارهم عقلاء لهم سیرة و مرتکزات ثابتة، سواء کانوا من القرن العشرین أم کانوا من القرون قبل الهجرة، و سواء کانوا من الهند أم کانوا فی إیران، أم کانوا فی .... إن کلا من الزمان و المکان و الظروف لا یکون له تأثیر فی هذا النوع من السیرة و المرتکز.[5] إن ثبات هکذا نوع من السیرة و المرتکز یؤدی الى إعتماده کمبنى کلامی یستخدم فی البحوث الفقهیة و الأصولیة.
ب ـ السیرة و الإرتکاز التی یتعلق بمجموعة خاصة من الناس فی زمان و مکان معینین و فی ظروف معینة، من جملة هذا النوع من السیرة و الإرتکاز هو سیرة و إرتکاز المتشرعة و التی تستخدم فی الفقه. إن سیرة المتشرعة هی الطباع العملیة للمتشرعة، و إرتکاز المتشرعة هو الشیء الکامن فی أذهان المتشرعة. و المقصود بالمتشرعة عند الفقهاء و الأصولیین هم المسلمون. بالإستناد الى ذلک، فإن سیرة و إرتکاز المتشرعة هو عبارة: عن الطباع و النهج العملی و الفکری للمسلمین. و من البدیهی ان المسلمین ممکن أن لا ینتبهوا الى إرتکازهم، و أما إذا إنتبهوا و التفتوا الى إرتکازاتهم و توفرت الأرضیة لذلک، فحینئذ یعلمون إن لدیهم هذه الإرتکازات.
و من الجدیر أن نؤکد على هذه الملاحظة و هی إن المقصود من سیرة و إرتکاز المتشرعة هی السیرة و الإرتکاز الناتج من کونهم مسلمین، لأنه من الممکن أن تکون للمسلمین سیرة و إرتکازات ناشئة من إنتمائهم القومی و لیست ناشئة من إنتمائهم للإسلام. و على هذا الأساس، فإنه إذا کان للمسلمین فی منطقة معینة إرتکاز و سیرة خاصة فلا نستطیع أن نسمی هذا النوع من السیرة و الإرتکاز بالمتشرعة.
من الممکن أن یأخذ سیرة و إرتکاز مذهب معین ـ مثلاً الشیعة ـ بنظر الإعتبار، ففی هذه الحالة رغم إنها لا تمثل سیرة و إرتکاز جمیع المسلمین، و لکن بالمقابل لا تمثل سیرة قوم أو شعب معین و إنها نابعة من تشیع الشیعة، و هذا یعنی إن هذه السیرة و الإرتکاز هی تابعة لأفراد الشیعة بما هم شیعة لا لانهم من الشعب الفلانی او القومیة الفلانیة.[6]
من المؤکد ان هناک سیراً و إرتکازات أخرى لیس لها دور فی البحوث الفقهیة و الأصولیة ـ یعنی انها لا تفید فی کشف و إستنباط الأحکام- مثل سیرة و إرتکازات العرب فی العصر الجاهلی، سیرة و إرتکازات الإیرانیین القدماء، سیرة و إرتکازات الهنود و... .
و بهذا الوصف لذلک التقسیم الکلی للقسمین الآنفین، یعنی سیرة و إرتکاز العقلاء و سیرة و إرتکاز المتشرعة، یطلق علیهما فی بعض الأحیان عبارة عُرف العقلاء و عُرف المتشرعة، و هما موضوع بحثنا هنا.[7]
ج ـ حدود و شروط السیرة و الإرتکاز:
الجدیر بالذکر انه فی حال البحث و المتابعة فی موضوع السیرة و الإرتکاز یجب أن نؤکد على مسألة مهمة و هی:
التأکد من الخصائص و المشخصات فیها. یجب علینا التأکد من ان السیرة و الإرتکاز التی هی مورد إهتمامنا ـ سواءً کانت سیرة أم إرتکازاً عقلائیاً أم متشرعة، أم کانت أی سیرة و إرتکاز خاص آخرـ أن تکون لها مقایس و عوامل و خواص و شواخص خاصة بها. کمثال على ذلک إذا إعتقدنا بسیرة معینة على أساس أنها سیرة عقلائیة، فیجب أولاً: أن نتأکد من إن هذه السیرة هی نهج و سلوک عملی للعقلاء، و ثانیاً: نتوصل الى إنها متعلقة بالعقلاء بما هم عقلاء و لاتکون تابعة لثقافة أو إعتقاد أو قومیة معینة. و بعبارة أخرى، السیرة تکون عقلائیة إذا کانت لدیها مقاییس و مشخصات سیرة العقلاء. فی هذه الحالة نستطیع أن نطبق علیها أحکام السیرة العقلائیة.
فی السیرة العقلائیة لایکون الزمان و المکان و المذهب و... له مدخلیة فیها، و الناس على إختلاف إنتماآتهم الفرقویة، فإنهم یتصرفون بهذه السیرة. أما إذا کانت السیرة سیرة متشرعة، فإنها تکون رائجة فی وسط المسلمین فقط و یکون معیارها و شاخصها ناشئاً من حیث کونهم مسلمین. فإذا لم یکن هنالک إشتراک فی العمل أو إشتراک فی الرأی بین المسلمین، فلا یکون لدینا حینئذ سیرة و إرتکاز متشرعة.[8]
د ـ ثبات السیرة و الإرتکاز العقلائی:
لا یوجد شک فی أن الإختلاف فی السیرة و الإرتکازات ـ السیرة و الإرتکازات الخاصة بقوم أو ثقافة أو شعب ـ هی أمرٌ طبیعی. إن أتباع المعتقد الواحد و الذین لهم ثقافة مشترکة و فی حادثة معینة یبدون نفس التصرف بالنسبة الى هذه الحادثة یختلف عن تصرف الآخرین، و لهم أحکام خاصة تختلف عن أحکام الآخرین، و یتضح لنا أن هذا الإختلاف فی التصرف أو فی الأحکام ناشئ من ثقافتهم الخاصة.
إن سیرة و إرتکاز المتشرعة هو من نوع السیرة الخاصة الذی هو مورد لأحکام الفقهاء و الأصولیین، توجد فی الشریعة الإسلامیة أحکام خاصة بها و قد یکون خلاف هذه الأحکام رائجا فی الأدیان الأخرى، کمثال على ذلک؛ إن ذبح الأنعام فی الثقافة الإسلامیة أمر جائز أو مستحب أو واجب فی بعض الأحیان بینما نجد إن هذا الأمر یکون قبیحاً فی الدیانة الهندوسیة، کما إننا نجیز قتل الحیوانات المؤذیة و لکن القائلین بالتناسخ یعتبرون قتل أی حیوان مهما کان یکون عملاً قبیحاً. إن الإختلاف فی السیرة و الإرتکازات الخاصة ناتج من مجموعة من العوامل و العناصر المختلفة و هی فی الواقع تمثل حضارة و ثقافة ذلک الشعب أو تلک الاقوام. و إن تنوع هذه العوامل و العناصر یؤدی الى ظهور سلوک و تصرفات مختلفة و صدور احکام متفاوتة فی هذا المجال. یتضح من خلال ذلک ان الاختلاف فی السیرة و الارتکازات الخاصة أمر طبیعی و لایوجد نقاش فی ذلک.
إن المسألة الرئیسیة التی هی مورد بحثنا فی السیرة و الإرتکاز العقلائی، هی هل من الممکن ان یقع الاختلاف و التفاوت فی السیرة و الإرتکاز العقلائی أیضاً او لا؟
و هل ان العقلاء من جهة إنهم عقلاء تختلف تصرفاتهم اتجاه حادثة معینة؟ أو لهم أحکام مختلفة بخصوص مسألة معینة؟
فی البدء نستطیع أن نجیب عن السؤال المطروح أعلاه بهذا الشکل: إن السیرة العقلائیة و الارتکاز العقلائی هی من النوع الذی لایختص بقوم أو حضارة معینة، و على هذا الاساس فیجب أن لایصیبها الاختلال و الاختلاف بتغیر الازمنة و الامکنة. لکن هل من الممکن فی مجموعة من العقلاء – لانقصد مجموعة أو ثقافة معینة – أن یحدث نوع من التغیّر و التحّول و بغض النظر عن الخصوصیات الثقافیة و القومیة لهم و بغض النظر عن نقاط الاختلاف فیما بینهم أو أن یحدث نوع من التغیّر و التحول فی الحیثیة المشترکة للعقلاء؟
و هل من الممکن أن سیرة و أرتکاز العقلاء و نتیجة لوقوع مجموعة من الحوادث لهولاء العقلاء أن تتخذ منحى آخر أو تنتقل إلى مرحلة جدیدة و تصدر منهم أحکام جدیدة تختلف عن الاحکام السابقة التی کانت تصدر منهم سابقا، أو تصدر منهم تصرفات تختلف عن تصرفاتهم السابقة؟ هل من الممکن تصور حصول مثل هذا الامر؟
تتضح أهمیة هذه المسألة لاحقاً عند أستخدام السیرة و الارتکاز العقلائی فی إستنباط الأحکام. إذا کنا نقول إنها ثابتة و لاتقبل التغییر بأی حال من الأحوال، فی حال الکشف عن السیرة أو الارتکاز العقلائی فنحصل على نتیجة أنه على الأقل فی عصر الأئمة المعصومین (ع) کان هذا الأرتکاز العقلائی موجوداً بالرغم من أمکان عدم وجود سیرة بسبب عدم توفر الارضیة المناسبة لظهورها أو وجود هذه الارضیة بشکل محدود جداًَ. أما اذا کنا لانعتقد بثبوت الارتکازات العُقلائیة و نحتمل انها تتغیر، ففی هذه الحالة لانستطیع الحصول على النتیجة أعلاه.
بالرغم من أن هذا البحث ینظر إلیه من زاویة خاصة و محدودة و سیرة و أرتکاز العقلاء فیها هی مورد الاهتمام، و لکن لها خلفیة واسعة و إن هذا البحث فی الواقع یعود إلى نظرتنا و تصورنا لطبیعة و حقیقة الانسان و فی هذه الحالة یصطبغ البحث بصبغة فلسفیة محضة إلى درجة انها تکون خارجة من نطاق بحث فلسفة علم الأصول. نحن هنا نتطرق إلى هذا البحث بشکل مجمل و على قدر حاجتنا.
یوجد من الناحیة الفلسفیة اتجاهان لتعریف حقیقة و ماهیة الانسان. الاتجاه الاول؛ هو ما تؤیده الفسلفة الاسلامیة و کثیر من الفلسفات الجدیدة و کذلک تؤیده کل الفلسفات الکلاسیکیة و هذا الاتجاه هو: وحدة ماهیة الانسان على طول التاریخ، و بالاستناد إلى ذلک فان ماهیة و جوهر و حقیقة الانسان لا تتغیر أبداً على طول التاریخ و البشر لایختلفون من ناحیة الکلیة الانسانیة عن بعضهم البعض أبداً.
فی مقابل ذلک، توجد بعض الفلسفات الجدیدة التی تقول بتغیر ماهیة و حقیقة الانسان حیث إن البعض منهم یؤکد على عنصر التاریخ. و الفلسفة ذات المنحى التاریخی (هیستوریکال) و التی وقعت تحت تأثیر فلسفة هیجل و أفکاره، هی من التیارات القویة فی هذا المجال و البعض الآخر مثل (الأکزیستانسیالیست) قد فسروا ماهیة الانسان بشکل آخر.
إن کل الذین یؤمنون بالمنحى التأریخی، یعتقدون ان کلیات البشر قد طرأ علیها نوع من التحول بمرور الزمان، و على اساس هذه النظرة حتى إن بعض الذین یصنفون على أنهم یخالفون هذا المنحى قد تطرقوا إلى بحوث مثل الأنسان الجدید و الانسان التقلیدی و أیدوا مسألة تغیر و تحول الانسان، و یعتقد هولاء ان هنالک کثیراً من الامور کانت فی نظر الانسان التقلیدی ذات قیمة تبدلت الى أمور مخالفة للقیم عند الانسان الحدیث و بالعکس حیث إن الأمور التی کانت تحسب مخالفة للقیم عند الانسان التقلیدی قد تحولت إلى أمور لها قیمة و أعتبار عند الأنسان الحدیث، و کمثال على ذلک؛ فان التواضع کانت من الخصال الحسنة و الممدوحة و کان التکبر من الخصال السیئة و المذمومة عند الانسان التقلیدی، و لکن هذه الأمور انعکست عند الانسان الحدیث حیث یعتبر التکبر و الریاء من الاخلاق الحسنة و القیم الممدوحة و یعتبر التواضع من الاخلاق الذمیمة.
من البدیهی ان الشخص الذی یؤید فکرة الإختلاف بین الإنسان التقلیدی و الإنسان الحدیث، فإنه لامحالة سوف یؤیّد فکرة إختلاف إرتکازات الإنسان التقلیدی مع إرتکازات الإنسان الحدیث، و کأن الماهیة للإنسان الحدیث تختلف عن ماهیة الإنسان التقلیدی أو القدیم!
و لکن کما یطرح هذا الموضوع فی محله، فإن الرأی الأول هو الرأی الصحیح. حیث إن حقیقة الإنسان فیها تکون حقیقة واحدة لکل الأفراد، على رغم إن الإنسان یستطیع أن یطوی مسافات کبیرة من التکامل أو التسافل و السقوط، و لکن فی نفس الوقت فإن جوهر هذا الإنسان لا یختلف عن جوهر بقیة البشر.
من المحتمل أن یقال: إن کلیة الإنسان من الممکن أن تتطور و تتکامل کما یتطور و یتکامل الإنسان کفرد من الأفراد. کما ان الإنسان منذ ولادته الى مماته یطوی مراحل من الناحیة العقلیة و یصل عقله بالتدریج من المرحلة الهیولیة الى مرحلة العقل المستفاد، کذلک فإن کلیة الإنسان کذلک تتطور و تتکامل بشکل تصاعدی من المراحل الإبتدائیة له الى مراحل أکثر تکاملاً. فی مرحلة معینة کان البشر ـ جمیع أفراد البشر ـ فی مرحلة الطفولة و السذاجة و بعد ذلک تحولت البشریة شیئاً فشیئاً الى مرحلة الفتوّة و بعد ذلک وصلت البشریة المراحل الى العقلانیة و البلوغ الفکری، و فی هذه الحالة من الممکن انه لم یکن هنالک إرتکاز فی مرحلة سابقة و قد وجد فی المرحلة اللاحقة أو یکون هنالک إرتکاز فی المراحل المتقدمة و تغیّر هذا الإرتکاز فی المرحلة اللاحقة. و إن الإرتکازات السابقة کانت موجودة بسبب الضعف العقلی للبشر و إن الإرتکازات الحالیة هی ناتجة بسبب التکامل العقلی للبشر.
و لکن فی مقابل هذا الرأی یجب أن نقول: إنه لا یقصد من إرتکاز العقلاء أن یکون الإنسان و فی جمیع مراحل حیاته منتبهاً الى إرتکازاته، حیث إنه من الممکن أن یکون أمرٌ ما إرتکازیا و لکن لایکون الإنسان منتبهاً إلیه، و لذلک فإنه فی بعض الأحیان یتطلب للإنتباه الى الإرتکازات مقدمات لا تکون متوفرة لجمیع الناس و بالخصوص للناس العادیین و حتى لو فرضنا أن ننبههم لهذه الأمور، فلا نسطیع أن ننجز هذا الأمر بسهولة لأنه یحتاج الى صرف وقت کثیر و مرور فترة طویلة من الزمن و کذلک تحتاج الى مقدمات کثیرة، و لذلک لیس من الضروری أن جمیع العقلاء منذ البدء یکونون منتبهین لجمیع الإرتکازات. إن الشئ الذی یحظى بأهمیة فی الإرتکاز العقلائی هو إنه إذا کان للإنسان القدرة على الإستفادة القصوى من قدراته العقلیة من المؤکد أنه سوف یجد هذه الامور الارتکازیة فی قرارة نفسه و سیرضخ لها.
و من هذا الجانب و کما یطرح فی تحدید المناهج و مباحث الأصول، فإننا نستفید فی أکثر الأحیان لکشف الإرتکازات العقلائیة من المنهج التحلیلی أکثر مما نستفید من المنهج الإحصائی و المیدانی، حیث إن الفقیه یشترک فی الحیثیة العقلائیة مع الآخرین فإنه و بتحلیل ذهنیته – و هذه المسألة غیر ممکنة لأغلب الناس ـ یتوصل إلى نتیجة إن الأمر الفلانی هو أمر إرتکازی فی ذهن العقلاء. فی الواقع إن ذهن الفقیه یکون کمنجم یحتوی على جواهر کثیرة حیث إنه یقوم بتحلیل و تشریح ذهنیته و بذلک یتوصل الى معرفة الأحکام و الإرتکازات الموجودة فی قرارة الذهن و یتوصل الى نتیجة هی إنه هذه الأحکام و الإرتکازات لا تتعلق بالعصر الذی یعیش فیه فقط و لا تختص بثقافته و الحدودة الجغرافیة التی فیها بل هی إرتکازات عقلائیة عامة.
بالإستناد الى ذلک فإننا نؤکد مرة أخرى ان للإنسان حقیقة أحدیة ثابتة لا تتغیر من الجانب التاریخی و الفردی و یبقى الجوهر الإنسانی حقیقة ثابتة لایطرأ علیها التبدل و التغیر.
على رغم من ان الإنسان یتحرک بین أمرین لامتناهیین (السعادة أو الشقاوة الدائمة) و هذا یرجع الى إختیار نفس الإنسان، و لکن فی نفس الوقت فإن إنسانیة الإنسان و عقلانیة العقلاء تکون مشترکة مع بعضها و هذا یعنی إن الإنسان و بحفظ إنسانیته یختار طریق سعادته أو شقائه.
و حیث إن الإرتکازات العقلائیة تنشأ من أمر مشترک بین العقلاء و حیث إن الإشتراک و التشابه فی سیرة معینة أو إرتکازاً معیناً بدون وجود أمر مشترک واحد أمرٌ محال على الأقل من الناحیة الریاضیة، إن الإرتکازات العقلائیة لایطرأ علیها التغیّر، حیث إنه من الممکن للعقلاء فی مرحلة معینة أن لاینتبهوا الى إرتکاز معین أو یکون إرتکاز معین غیر واضح و مبهم و تبین لهم لاحقاً هذا الإرتکاز. إما أنه لایوجد هنالک إرتکاز معین و بعد ذلک یحدث و یتواجد هذا الإرتکاز أو إن إرتکازاً جدیداً یحل محل الإرتکاز القبلی فإن حقیقة هذا الأمر منوطة بأن نتصور أن نوعاً من التغیر یطرأ على العقلیة و الجوهر المشترک للإنسان، و هذا غیر قابل للتصور.
بالإستناد الى ما مضى نقول: صحیح أن بعض الأمور فی العهد المتأخر من تاریخ البشر قد أصبحت مورداً للإشتراک و الإتفاق، و لکن عندما نحللها، نرى أن نفس هذه الأمور کانت موجودة فی هویة و تاریخ البشریة، حتى لو کانت فی ذلک الزمان لم تصل الى مرحلة التطبیق. و هذا المقدار من البحث یکفی لنقول: إن هذا الأمر کان موجوداً حتى فی مرحلة عدم خروجها من القوة الى الفعل فی إرتکازات العقلاء و بعد ذلک خرجت الى الفعل.
إن السیرة العقلائیة کذلک لاتتغیر و لاتتحول، و لکن من الممکن فی زمان معین أن لاتکون هنالک سیرة معینة لسبب عدم وجود الأرضیة المناسبة لها و أن تتحقق هذه السیرة فی مرحلة متأخرة. و هذا یعنی إنه من غیر الممکن أن تکون هنالک سیرة متحققة على أرض الواقع و فی مرحلة أخرى تظهر بشکل مختلف و متناقض، و لکن من الممکن أن لا تکون متحققة على أرض الواقع و تتحقق بعد فترة من الزمن، لأن السیرة ترتبط بالتطبیق العملی و تحتاج الى أرضیة مناسبة للتحقق، و متى ما تحققت هذه الأرضیة فإن السیرة سوف تتجلى.
بالنطر الى ما تقدم ذکره، هو إننا نتقبل أصل فکرة ثبوت السیرة و الإرتکازات العقلائیة و نتقبل مسألة إن جمیع السیر و الإرتکازات العقلائیة هی نفسها عند جمیع أفراد البشر. و لایطرأ علیها التغیر على مر العصور و الأزمنة، و لو أنه فی بعض الأحیان لا یُلتفتْ الى الإرتکازات أو لاتکون فیها الإرتکازات واضحة و ظاهرة و کذلک بخصوص السیرة فمن الممکن أن لا تتوفر الأرضیة المناسبة لتحققها.[9]
إذن المقصود من العُرف، لیس هو مجتمع معین أو الفکر الحاکم على مجتمع معین، لکی یقال ان الفکر الحاکم على المجتمع یتغیر بتغیر الظروف، و بذلک تختلف و تتفاوت الطرق المؤدیة الى معرفة و تشخیص العُرف لأن تشخیص عُرف العقلاء هو عبارة عن معرفة "العادات و التقالید و النظرة العامة للناس و التی لها کلیة و عمومیة و منشأ عقلائی". و کذلک فإن تشخیص عُرف المتشرعة هو عبارة عن معرفة "التقالید و العادات و النظرة العامة للناس النابعة من إیمانهم الدینی"، و هذا الشکل یصدق بالنسبة لبقیة الأعراف الخاصة الأخرى.
و النتیجة هی، انه بالرغم من أن تشخیص العُرف لایختص بالمجتهد، و لکن فی تشخیصه یجب أن تأخذ قیود و شروط معینة تکون دخیلة فی تحققه بنظر الإعتبار، و على هذا الأساس فلا یکون متیسراً لکل فرد أن یعرف و یشخص العُرف بشکلٍ دقیق، بل على العکس حیث إن هنالک موارد عدیدة یحتاج تشخیص العُرف فیها الى الإختصاص و الدقة.
و فی الختام من المفید أن نذکر نقاط تساعد فی إکمال البحث:
1ـ للعرف فی الفقه استخدامان:
أـ إکتشاف الحکم الشرعی و إکتشاف القاعدة الأصولیة {إستنباط الأحکام}:
ـ إکتشاف الحکم الشرعی کتصحیح معاملات الصبی (الغیر البالغ) فی المعاملات الجزئیة و الغیر مهمة، أو جواز معاملات البیع عن طریق التمسک بالعُرف على أساس إن العُرف یتقبل هکذا معاملات، إذن فإن معاملة أو معاملات الصبی تکون صحیحة.
فی هذا القسم، فإن معاصرة العُرف للمعصومین (ع) تعد شرطاً من الشروط عند أکثر علماء الاصول، حیث یجب أن نقول مثلاً: إن معاملة الصبی فی زماننا الحاضر هو عُرف، کذلک کان فی زمان المعصوم (ع) عُرف من الأعراف أو یکون قد أقرهُ المعصوم (ع)،[10] و طبعاً من خلال التوضیحات السابقة قد إتضح انه إذا صدر فعل من العقلاء و بإعتبار أنهم عقلاء فإن هذا الفعل أو هذه السیرة سوف تکون موجودة فی زمان المعصوم و لو بصورة إرتکازیة.
ـ إکتشاف القاعدة الأصولیة کإثبات حجیّة خبر الواحد عن طریق سیرة العُرف العام و العقلائی.[11]
ب ـ دور العُرف فی تبیان موضوع الحکم الشرعی:
تنقسم موضوعات الحکم الشرعی الى قسمین، المجموعة الأولى من الموضوعات قد عین الشارع المقدس حدودها و ثغراتها، و المجموعة الأخرى موضوعات القیت على العُرف مسؤولیة تبیانها. فی هذه الحالة یسمی الموضوع عُرفیا، إن أکثر موضوعات الأحکام هی عُرفیة و حتى فی الموضوعات الشرعیة، فإن بعض أجزائها و عناصرها عُرفیة، و من النادر أن نجد موضوعاً شرعیاً یخلو من عناصر عُرفیةٍ.[12]
إن لهذا البحث مصادیق کثیرة فی الفقه، مثلاً إذا کان الشیء المباع معیباً فإن للمشتری الحق فی الفسخ و یستطیع أن یُرجعه الذی إشتراه، و لکن معیار تشخیص العیب فی البیع هو العُرف، أو ان الإستماع الى الموسیقى و الغناء المطرب حرام، و لکن معیار تشخیص الموسیقى التی تطرب و التی تتناسب مع مجالس اللهو هو العُرف.[13]
إن حدود سعة و ضیق دائرة العُرف تکون مرتبطة بمجال إستخدامها حیث إنه فی بعض الأحیان یکون ملاک العُرف هی منطقة معینة. مثلاً إذا کانت المکاییل و المعاییر فی البیع و الشراء تختلف فیقال إن ملاک المعاییر و المکاییل هی تلک المنطقة التی یتم البیع و الشراء فیها. و فی بعض الأحیان یکون ملاک العُرف عاماً و دولیاً، کما فی تحدید الموسیقى اللهویةً المحرمة.
و لکن من الممکن أن یکون هنالک إختلاف بین أفراد المجتمع فی تشخیص العُرف، ففی هذه الحالة إذا لم یصدر المجتهد- بإعتباره متخصصاً أو حاکما ـ حکما معیناً، حینئذ یستطیع الأفراد العمل طبقا لعلمهم، و إذا لم یشخص فرد معین العُرف بسبب الإختلاف فی العُرف و شک فیه فیجب علیه مراجعة القواعد الأصولیة الموجودة بحسب الموارد المختلفة کالإحتیاط و البراءة و المصالحة، فی هذه الحالة رغم إن الحکم الواقعی هو ثابت عند الله سبحانه و لکن من باب التسهیل و الراحة قد خوّل الله سبحانه المکلفین تشخیص موضوع الحکم بأنفسهم، و إن إختلاف الأحکام لا یشکل مشکلة أو معضلة کما بیّن الفقهاء و بشکل مفصّل فی بحث إجزاء الحکم الظاهری عن الحکم الواقعی.
و هنا یجب التوجه الى مسألة أخرى و هی إنه من الممکن إن العُرف فی عصرنا الحاضر یختلف عن العُرف فی زمن المعصوم (ع) مثلاً ان الأشیاء التی کانت تعتبر فی زمان المعصوم آلات قمار و کان بیعها و شراؤها حراما کالشطرنج مثلاً. و لکن فی عُرفنا المعاصر لا یعتبر الشطرنج من آلات القمار. و کذلک من الممکن أن تکون هنالک أعراف مختلفة فی البلدان المختلفة مثلاً قد یحسب الشطرنج فی منطقة معینة على أساس أنه آلة قمار و لکن لا یحسب کذلک فی منطقة أخرى.
و من الطبیعی أنه فی حالة تغیر الموضوع، فإن الحکم سوف یزول و تنتفی الحرمة.
و بعبارة أخرى، إذا لم تکن هذه الآلات تحسب فی زمان المعصوم آلات قمار یحکم بعدم حرمة بیعها و شرائها و لذلک فإن حکم الشرع یکون دائماً ثابتاً و الحرام یکون حراماً ثابتا کما قال الرسول الأکرم (ص) حول دوام الأحکام الإسلامیة: «حلال محمد حلالٌ إلى یوم القیامة و حرام محمد حرامٌ إلى یوم القیامة».[14]
2ـ من البدیهی تشخیص هل أن العُرف قد تغیر أم لا؟ أو ما هو رأی العُرف فی موضوع خاص؟ کمثال هل إن الشطرنج من آلات القمار أم لا؟ فهو فی عهدة المُکَلَف.[15]
3ـ بالنظر الى التعریف (اللغوی والإصطلاحی) للعُرف إن کل قاعدة تکون شائعة بین جمیع الناس أو مجموعة فهی تسمى "عُرفاً" لذلک فإنه یستلزم على الأقل لتکوّن العُرف لمدینة أو منطقة معینة تحقق الکثرة لکی تکون هذه الکثرة سبباً لإطلاق أسم العرف علیها.
لکن یجب الدقة، هل ان الشارع المقدس فی إستدلاله قد إستند الى العُرف الخاص على أساس إنه ملاک أم إستند الى العُرف العام و الدولی.
إذا کان العُرف العام ملاکا فیجب فی هذه الحالة للعُرف الخاص (منطقة، مجموعة، بلد) أن یتبع هذا الملاک.
و النتیجة إذا کان عُرفٌ معین له الدلالة على على أمر معین فیکون هذا العُرف متساویاً عند جمیع الأفراد، نعم من الممکن أن یکون هنالک شخص یعتقد بأن رأی العُرف غیر صحیح فی مسألة معینة و لکن بما انه قد اخذ فی تعریف العُرف الشیوع فی عمل معین فإذا تحقق هذا الشیوع حینئذ من الواجب على هذا الشخص إتباع العُرف.
کمثال على ذلک إذا کانت هنالک موسیقى معینة تعتبر أنها موسیقى تتناسب مع مجالس اللهو و اللعب و لکنها لا تهیّج و لاتطرب شخصاً معیناً،[16] أو یکون رأی الشخص هو إن هذه الموسیقى لا یمکن إعتبارها من الموسیقى اللهویة و لکن العُرف یعتبرها متناسبة مع مجالس اللهو و الطرب، فی هذه الحالة یجب علیه الإجتناب.
[1] مصادر فقه الزمان و المکان، ج 9 ، مجموعة من الکتّاب، ص 32.
[2] مجمع البیان، الطبرسی، ج 4 ، ص 512، طبع المکتبة العلمیة.
[3] ترمینولوجی الحقوق، جعفر لنکرودی، ص 448. یقال فی بعض الأحیان: توجد عدة خصائص دخیلة فی تکوّن العُرف:
أـ الرواج و الشیوع (بالنظر الى المعنى الإصطلاحی).
ب ـ الإستحسان (بالنظر الى المعنى اللغوی).
ج ـ الإلتزام.
إن القید الأخیر هو وجه إختلاف العُرف عن الآداب و التقالید. فی الآداب و التقالید لا یرافقه إحساس بالإجبار، حیث تراعى فیه المسائل الشکلیة و الروتینیة فقط. و الإستحسان أیضاً هو الفرق بین العُرف و العادة، و العادة هی أعم من أن تکون مستحسنة أو قبیحة. لاحظ: مصادر الفقه و الزمان و المکان، ج 9 ، ص 35.
[4] الأستاذ هادوی، تأملات فی علم أصول الفقه، الدفتر السابع، ص 102.
[5] سوف نتطرق الى هذا الموضوع فی البحث الرابع.
[6] المصدر، ص 88 الى 95 ، بشیء من التلخیص.
[7] المصدر، ص 85 و 86.
[8] المصدر، ص 95 و 96.
[9] المصدر، ص 88 ، الى 95 ، بشیء من التلخیص.
[10] فوائد الأصول، النائینی، ج 3 ، ص 193، طبعة جامعة المدرسین.
[11] رسائل الشیخ الأنصاری، بحث حجّیة الخبر الواحد، ج 1 ، ص 200 طبعة إسماعیلیان.
[12] تأملات فی علم أصول الفقه، الدفتر السابع، ص 100.
[13] توضیح المسائل للمراجع، ج 2 ، ص 962 ، المسألة 1127.
[14] سفینة البحار، ج 1، ص 696.
[15] لاحظ: جواهر الکلام، ج 22 ص 427 ، طبعة بیروت؛ الحدائق، ج 18 ، ص 101 المطبعة العلمیة. حضرت آیة الله فاضل لنکرانی فی جواب إستفتاء فی هذا المجال: تشخیص الموضوع (و العُرف) من وظائف المقلد. جامع المسائل، آیة الله فاضل لنکرانی، ج 2 ، ص 68.
[16] توضیح المسائل للمراجع، ج 2 ، ص 967 ، مسألة 1154.