Please Wait
5917
1. کیف نرد على هؤلاء ردا متکاملا استنادا الى ادلة من خارج الدین و الادلة الدینیة؟
2. ماذا تعرفون عن هذه الفرقة؟
لم تکن هذه الشبهة من الشبهات المستحدثة بل لها جذور تاریخیة ترجع الى الایام الاخیرة من حیاة النبی الاکرم (ص) حینما أثارها البعض فی تلک الایام. فان فکرة حسبنا کتاب الله و الاکتفاء به ترجع الى الوقت الذی طلب فیه الرسول الاکرم (ص) الدواة و الکتف لیکتب لهم کتابا لن یضلوا بعده، لکن المؤسف ان تصدى بعضهم (و حسب بعض روایات البخاری انه الخلیفة عمر بن الخطاب) للمنع من تدوین ذلک الکتاب و قال کلمته المعروفة "حسبنا کتاب الله".
ثم انه لایوجد من المسلمین من یتوهم عدم الحاجة الى السنة، فهل جمیع جزئیات الاحکام مستلة من القرآن الکریم؟ و هل جمیع جزئیات العبادات کالصلاة و الصوم و الحج و الزکاة و ...موجودة فی القرآن الکریم؟!
و لو رجعنا الى القرآن الکریم نراه یصرح بما لاریب فیه بالقول: "ما آتاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدیدُ الْعِقابِ". و من الواضح جداً أن أمر النبی و نهیه (ص) هو عین السنة التی أمرنا الباری تعالى بالتمسک بها و وجوب الأخذ بها.
روى الامام احمد بن حنبل – أحد ائمة المذاهب الاربعة- فی مسنده: عن أبی سعید قال: قال رسول الله (ص): "إنی تارک فیکم الثقلین أحدهما أکبر من الآخر کتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض و عترتی أهل بیتی و إنهما لن یفترقا حتى یردا علی الحوض".
و الملاحظ ان النبی الاکرم (ص) جعل أهل بیته فی الحدیث المذکور عدل القرآن الکریم، و هذا یعنی ان المسلمین کما انهم مکلفون بالأخذ بالقرآن الکریم کذلک هم مکلفون باتباع أهل البیت و الاخذ بما یصدر عنهم، و ان الاخذ باحد العدلین دون الآخر لا یجدی نفعاً.
و على هذا الاساس لایمکن الجمع بین کون الانسان ملتزما بالاسلام و بین اقصاء السنة و عدم الاخذ بها. و على فرض امکان ذلک فهذا لا یعنی ان هذا الطریق یصون الأمة من التشتت و الاختلاف؛ بل سیؤدی ذلک الى شدة الاختلاف و التفرق.
علما ان قضیة الدعوة الى رفض السنة ظهرت من قبل بعض الفرق التی اتخذت لنفسها عنوان "أهل القرآن" اسمًا لها، و حلّت نفسها بحلیته و هی عاطلة منه، و کان نشوؤها فی الربع الأول من القرن الرابع عشر الهجری فی شبه القارة الهندیة.
لم تکن هذه الشبهة من الشبهات المستحدثة بل لها جذور تاریخیة ترجع الى الایام الاخیرة من حیاة النبی الاکرم (ص) حینما أثارها البعض فی تلک الایام. فإن فکرة حسبنا کتاب الله و الاکتفاء به ترجع الى الوقت الذی طلب فیه الرسول الاکرم (ص) الدواة و الکتف لیکتب لهم کتابا لن یضلوا بعده، لکن المؤسف ان تصدى بعضهم (الخلیفة عمر بن الخطاب کما روى ذلک البخاری فی صحیحه) للمنع من تدوین ذلک الکتاب و قال کلمته المعروفة: "حسبنا کتاب الله".
و لقد اشارت المصادر الاساسیة فی المدرسة السنیّة الى هذه الحقیقة کصحیحی البخاری و مسلم، و مسند احمد و ....
1. حدثنا علىُّ بن عبد اللَّه حدَثنا عبدُ الرَّزَّاقِ، أَخبرنا معمرٌ عن الزُّهْرىِّ عن عبید اللَّه بن عبد اللَّه بن عتْبة عنِ ابن عباسٍ - رضى الله عنهما – قَال: لمَّا حضر رسول اللَّه - ص – و فى البیت رجال، فقال: النَّبِىُّ - ص - « هَلُمُّوا أَکْتُبْ لَکُمْ کِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ». فقال بعضهم: إِنَّ رسول اللَّه - ص- قد غلبهُ الوجَعُ و عندکمُ القرآنُ، حسبنا کتَابُ اللَّهِ . فاختلَفَ أَهْلُ الْبَیْتِ و اخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ یَقُولُ قَرِّبُوا یَکْتُبُ لَکُمْ کِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بعدهُ. و منهُمْ من یقُولُ غَیْرَ ذَلِک، فَلَمَّا أَکْثَرُوا اللَّغْوَ و الاِخْتِلاَفَ قَال رسُولُ اللَّهِ - ص -: «قُومُوا».
قَال عبیدُ اللَّهِ: فکان یقول ابنُ عبَّاس: إِنَّ الرَّزِیَّةَ کُلَّ الرَّزِیَّةِ ما حالَ بینَ رَسُولِ اللَّهِ - ص- و بینَ أَنْ یَکْتُبَ لهُمْ ذَلِکَ الْکِتَابَ لاِخْتِلاَفِهِمْ و لغطهم".[1]
و هنا تلاحظ ان القائل بان "النبی غلبه الوجع" غیر معروف لان العبارة تذکر القائل مضمراً، و لکن فی البخاری نفسه یرویها فی مکان آخر من صحیحه مصرحا بان القائل الخلیفة عمر بن الخطاب.
2. قال عمرُ: إِنَّ النَّبیّ- ص - غَلَبَهُ الْوَجَعُ و عِنْدَنَا کِتَابُ اللَّهِ حَسْبُنَا.[2]
و انت تجد فی الحدیثین تخفیفا للعبارة التی وجهت للنبی الاکرم (ص) حیث قالوا: بانه غلبه الوجع!!!
و لکن تجد البخاری نفسه أیضا یروی عبارة قاسیة فی هذا المجال و هذا ما تجده فی الحدیث الثالث الذی رواه و هو:
3. عن ابن عبَّاس - رض - أَنَّهُ قال: یوم الخمیس، و ما یومُ الخمیس، ثمَّ بکى حتَّى خضب دمعُهُ الحصباءَ! فقال: اشتدَّ برسول اللَّهِ - ص - وجعهُ یوم الخمیس فقال: «ائْتُونِى بِکِتَابٍ أَکْتُبْ لَکُمْ کِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا». فتنازعوا و لا ینبغى عند نبىٍّ تنازُعٌ، فقالوا: هَجَرَ رسُولُ اللَّهِ - ص -!!. قال (ص): «دَعُونی فالَّذی أَنا فیه خیرٌ ممَّا تدعونی إِلیه».[3]
و المتأمل فی الاحادیث الثلاثة یرى ان القائل لتلک العبارة شخص واحد لکن البخاری تارة خفف من شدة العبارة و ذکر اسم قائلها، و لکنه فی باب آخر ذکر العبارة القاسیة "جر رسول الله!!!" و لکنه لم یذکر القائل و انما اکتفى بعبارة "قالوا....".
و سیأتی الرد على هذه الادعاء من خلال الرد على اصل فکرة الاکتفاء بالسنة التی جاءت فی متن السؤال.
و هنا یمکن الرد على الشبهة من خلال طریقین، الاول من خارج النص الدینی و الثانی استنادا الى النصوص الدینیة تلبیة لطلب السائل الکریم.
اولا: الدلیل العقلی
لو سلمنا بصحة هذا الادعاء و قلنا بان المسلمین متفقون على هذه الفکرة. فهل القرآن یکفی حقیقة و لا نحتاج الى السنة المطهرة فی حیاتنا؟!
و هل ستکون الاستنباطات و الاستناجات المستلهمة من القرآن الکریم واحدة و ان الجمیع یتفقون على فهم واحد للکتاب الکریم؟!
و مع کون الاجابة عن هذا السؤال واضحة للعیان و تعد من اوضح الواضحات التی لا تحتاج الى بیان و شرح و لکن مع ذلک سوف نقوم بالاجابة عنها بنحو اجمالی:
إن افضل دلیل على الامکان الوقوع و کما تقول القاعدة: "أدل دلیل على امکان الشیء وقوعه"، و من هنا نقول:
1. نحن نرى بالوجدان اختلاف المسلمین سنة و شیعة فی فهم آیات الذکر الحکیم، و لم یقتصر الاختلاف فی الفهم على المذاهب و الفرق بل نرى علماء المذهب الواحد مختلفین فی فهم بعض آیاته؛ بل قلما تجد مسألة سواء کانت من الفروع او الاصول لم یقع الاختلاف فیها.[4]
2. هل هناک من یتوهم عدم الحاجة الى السنة؟! و هل جمیع جزئیات الاحکام مستلة من القرآن الکریم؟ فهل جمیع فروع الصلاة و الصوم و الحج و الزکاة و ...موجودة فی القرآن الکریم؟!!
3. لو سلمنا بهذا الکلام فما هو الموقف من جمیع تلک المصنفات و الموسوعات الحدیثیة کالصحاح و السنن الستة (صحیح البخاری، صحیح مسلم، سنن ابی داود، سنن الترمذی، سنن النسائی، و سنن ابن ماجة) و مئات بل آلاف الکتب التی دونت حول الحدیث هذا بالاضافة الى الکم الهائل من المصادر الحدیثیة لمدرسة أهل البیت (ع)؟!
الثانی: الاجماع
من الواضح جداً أن کافة الفرق و المذاهب الاسلامیة مجمعة على عدم الاستغناء عن السنة النبویة المطهرة بحیث لاتجد فقیها او متکلما او باحثا یعتقد بالاستغناء عن السنة على المستوى الفقهی و العقائدی.[5]
الثالث: القرآن الکریم
لقد أکد الله تعالى فی کتابه الکریم على مکانة السنة النبویة و الاحادیث الصادرة عن الرسول الاکرم (ص) فی عدد من آیات الذکر الحکیم کقوله تعالى: "ما آتاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدیدُ الْعِقابِ".[6]
و الآیة و ان کانت نازلة فی غنائم بنی النضیر الا ان خصوص المورد و سبب النزول لا یخصص الوارد کما یقول العلماء و المفسرون، فتبقى الآیة دلیلا واضحا على الحاجة الى السنة فی جمیع مناحی الحیاة، و لقد اشار المفسرون الى هذه الحقیقة بالقول: و الأجود أن تکون هذه الآیة عامة فی کل ما آتى رسول اللَّه و نهى عنه و أمر الفیء داخل فی عمومه"[7]
و طبقا لهذا الأصل فإنّ جمیع المسلمین ملزمون باتّباع التعالیم المحمّدیة، و إطاعة أوامر رسول اللّه (ص)، و اجتناب ما نهى عنه، سواء فی مجال المسائل المرتبطة بالحکومة الإسلامیة أو الاقتصادیة أو العبادیة و غیرها، خصوصا أنّ اللّه سبحانه هدّد فی نهایة الآیة جمیع المخالفین لتعالیمه بعذاب شدید.[8]
و بعبارة أخرى، إن من الواضح جداً أن أمر النبی و نهیه (ص) هو عین السنة التی أمرنا الباری تعالى بالتمسک بها و وجوب الاخذ بها.
و لکن یمکن أن یطرح السؤال التالی: کیف ألزم اللّه سبحانه جمیع الناس- بدون استثناء- بقبول التعالیم الصادرة من قبل الرّسول (ص) بدون قید و شرط؟
و یتّضح الجواب عن هذا السؤال بملاحظة انّنا نعتبر الرّسول (ص) معصوما، لذا کان هذا الحقّ له و لخلفائه المعصومین من بعده ضمن هذا الفهم أیضا.
و الملفت للنظر أنّ الروایات[9] العدیدة قد أشارت لهذه المسألة أیضا، و هی أنّ اللّه سبحانه منح کلّ تلک الامتیازات للرسول (ص) لأنّ اللّه عزّ و جلّ اختبره و امتحنه بشکل کامل و لما له من خلق عظیم و سجایا حمیدة، لذا فوّض له مثل هذا الحقّ.[10]
الرابع: الحدیث
الاحادیث الدالة على حجیة السنة فی مصادر الفریقین الشیعة و السنة کثیرة و تأمرنا بالأخذ بالسنة و الحث علیها، کحدیث الثقلین المتواتر فی کتب الفریقین.
روى الامام احمد بن حنبل – أحد ائمة المذاهب الاربعة- فی مسنده: حدثنا أسود بن عامر أخبرنا أبو إسرائیل یعنی إسماعیل بن أبی إسحاق الملائی عن عطیة عن أبی سعید قال: قال رسول الله (ص): "إنی تارک فیکم الثقلین أحدهما أکبر من الآخر کتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض و عترتی أهل بیتی و إنهما لن یفترقا حتى یردا علی الحوض".[11]
و الملاحظ أن النبی الاکرم (ص) جعل أهل بیته فی الحدیث المذکور عدل القرآن الکریم، و هذا یعنی ان المسلمین کما انهم مکلفون بالأخذ بالقرآن الکریم کذلک هم مکلفون باتباع أهل البیت و الاخذ بما یصدر عنهم، و أن الأخذ باحد العدلین دون الآخر لا یجدی نفعاً.
و على هذا الاساس لا یمکن الجمع بین کون الانسان ملتزما بالاسلام و بین اقصاء السنة و عدم الاخذ بها. و على فرض امکان ذلک فهذا لا یعنی ان هذا الطریق یصون الأمة من التشتت و الاختلاف؛ بل سیؤدی ذلک الى شدة الاختلاف و التفرق.
علما ان قضیة الدعوة الى رفض السنة ظهرت من قبل بعض الفرق التی اتخذت عنوان "أهل القرآن" اسمًا لها، و حلّت نفسها بحلیته و هی عاطلة منه. و کان نشوؤها فی الربع الأول من القرن الرابع عشر الهجری فی شبه القارة الهندیة على ید زمرة من أبناء تلک البقعة. و کان هؤلاء المؤسسون ممن تأثروا بالفکر الغربی و رأوا فی التمسک بالسنة عائقًا عن التقدم و مضعفًا للجامعة الإسلامیة منهم جماعة غلام احمد پرویز المعروفة بالپرویزیة.[12]
[1] صحیح البخاری، ج 17، ص 417، باب مرض النبی و وفاته، حدیث 5237؛ صحیح مسلم، ج 8، ص 414؛ مسند احمد، 6، ص 368 و 478، مصدر الکتاب : موقع الإسلام http://www.al-islam.com.
[2] صحیح البخاری، باب کتابة العلم و فی باب کراهیة الخلاف.
[3] صحیح البخاری، باب هَلْ یُسْتَشْفَعُ إِلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ و مُعَامَلَتِهِمْ.
[4] للتأکد من صحة هذا الادعاء انظر التفاسیر التی دونت من قبل کبار علماء العامة.
[5] لیس المراد من الاجماع هنا الاجماع المصطلح الفقهی بل المراد منه الاتفاق و عدم الخلاف.
[6] الحشر، 7.
[7] فخر الدین الرازی، ابوعبدالله محمد بن عمر، مفاتیح الغیب،ج 29، ص 507، نشر: دار احیاء التراث العربی، بیروت، الطبعة الثالثة، 1420 ق. الطباطبائی، سید محمد حسین، المیزان فی تفسیر القران، ج 19، ص 200-204، مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة بقم، 1417 هـ، الطبعة الخامسة، قم المقدسة.
[8] مکارم الشیرازی، ناصر، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج18، ص: 181، نشر:مدرسة الإمام علی بن أبی طالب (ع)، 1421 هـ، الطبعة الأولى، قم المقدسة.
[9] الروایات التی تناولت هذا البحث عدیدة یمکن مراجعتها فی ج 5، ص 279- 283 من تفسیر نور الثقلین.
[10] الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج18، ص: 183.
[11] مسند احمد، ج 22، ص 226 ، 252 و 324؛ ج 39 ص 308.
[12] انظر: عثمان بن معلم محمود بن شیخ علی، شبهات القرآنیین، مقدمة الکتاب.