Please Wait
5571
یمکن إثبات علم الله بطرق عدیدة و مختلفة منها: 1ـ برهان النظم. 2ـ فاقد الشیء لا یعطیه. 3ـ کون الله غیر متناهٍ و أنه محیط بتمام العالم. 4ـ لوازم کونه واجب الوجود. 5 ـ علم العلة بالمعلول. 6ـ تجرد واجب الوجود. و لمعرفة و إیضاح هذه البراهین ننتقل إلى الجواب التفصیلی.
۱ـ علم الله.
مفهوم العلم أکثر المفاهیم بداهة و لکن مصادیقه التی نعرفها لدى المخلوقات مصادیق محدودة و ناقصة، و بهذه الخصوصیات لا یکون قابلاً للإطلاق على الله تعالى، و لکن بإمکان العقل أن یتصور مصداقاً کاملاً لمفهوم العلم و هذا المصداق لا یعتریه أی نوع من أنواع النقص و المحدودیة و أنه عین ذات العالم، و هذا هو العلم الذاتی لله تعالى.
2ـ علم الله حضوری.
لا بد لنا أن نشیر فی البدایة إلى أن العلم ینقسم إلى قسمین حضوری و حصولی، و أن علم الله هو علم حضوری و لیس حصولیاً.
ففی العلم الحصولی یکون إدراک العالم للشیء أو للشخص عن طریق الصورة الذهنیة أو المفهوم الذهنی، و لکن مثل هذه الواسطة لا وجود لها فی العلم الحضوری، و إن علم العالم لا یحتاج إلى واسطة لإدراک المعلوم، کما أن الوجود الواقعی و العینی للمعلوم هو الذی ینکشف للعالم فی هذا النوع من العلم[1].
إن علم الله بجمیع الموجودات من نوع العلم الحضوری، و أن جمیع الموجودات موجودة عند الله من دون واسطة، و لم یکن علم الله بالموجودات من خلال واسطة الصورة أو المفهوم الذهنی.
3ـ طرق إثبات علم الله.
لعلم الله ثلاث مراتب: 1ـ علمه بذاته. 2ـ علمه بالأشیاء الأخرى قبل إیجادها. 3ـ علمه بالأشیاء بعد إیجادها.
و من هنا سوف نبین طرق علم الله و نطبق کل طریق من هذه الطرق على مرتبة من مراتب علمه تعالى.
3ـ 1 برهان النظم. بما أن جمیع الموجودات فی العالم خلقت طبقاً لقوانین منظمة فبإمکاننا أن نستنتج و بسهولة أن عالم الوجود یرجع إلى مبدءٍ عالمٍ. و بعبارة أخرى نقول: إن النظم موجود فی عالم الوجود و هذا دلیل و شاهد على أن خالق هذا العالم عالم و محیط بجمیع الخصوصیات الوجودیة لهذا العالم.
کما أن برهان النظم یثبت علم الله السابق و اللاحق بالموجودات.
3ـ 2 فاقد الشیء لا یعطیه.
من الطرق التی یتم من خلالها إثبات علم الله هو الطریق الذی یستفاد منه لإثبات جمیع الصفات الذاتیة للباری تعالى و ملخصه: بما أن العلم موجود بین المخلوقات، فلا بد أن تکون مرتبته الأکمل لدى خالق الموجودات، لأن کل کمال یوجد فی المخلوق مصدره الله سبحانه، و إن مقبضه لا بد و أن یکون واجداً له حتى یعطیه و یفیضه على الآخرین، و لا یمکن لمعطی العلم و مفیضه على المخلوقات أن یکون غیر واجد له و حاصل علیه أو أنه جاهل لا علم له. إذن فوجود هذه الصفة الکمالیة لدى بعض المخلوقات دلیل على وجودها عند خالقها، دون أن یقارنها نقص أو محدودیة. و بعبارة أخرى فإن علم الله تعالى مطلق و غیر متناهٍ.[2]
و هذا البرهان یثبت علم الواجب بذاته و بمخلوقاته.
3ـ3 إن الله لا متناهٍ و محیط لکل العالم.
الدلیل الثانی على سعة علم الله و إحاطته بجمیع الموجودات و ما یحدث فی العالم هو أن وجوده محیط و لا متناهٍ. لأن الوجود الحاضر فی کل مکان من الطبیعی أن یکون عالماً بجمیع الأشیاء کما أن الوجود المحدود بزمان خاص أو مکان خاص لا یکون له علم بغیر هذا الزمان و المکان.
و لنوضح الفکرة من خلال المثال الآتی:
إذا کنا جالسین فی غرفة صغیرة لا تحتوی إلا على کوة صغیرة تطل على الخارج، فإذا نظرنا إلى الخارج من خلال هذه الکوة الصغیرة إلى قطار یمر أمام الکوة، فإذا کان نظرنا إلى القطار من خلال هذه النقطة الصغیرة لا یمکن أن نشاهد جمیع عرباته و إنما نشاهد عربة واحدة و هی التی تقابل الکوة و هکذا، و لکن الشخص الواقف خارج الغرفة أو الذی یقف على سطحها یرى القطار بتمام عرباته و یشاهد حرکته بکل تفاصیلها.
إن وضع الإنسان بالنسبة للماضی و المستقبل و کثیر من الموجودات أشبه بالشخص الموجود داخل الغرفة و ینظر إلى الخارج من ثقب صغیر، و لکن الأمر مختلف بالنسبة إلى الله الخالق لتمام عالم الوجود و الذی لا یعتری علمه أی محدودیة زمانیة و لإمکانیة فإنه أشبه بالشخص الواقف أعلى الغرفة[3] و ینظر إلى القطار و حرکته بکل تفاصیلها.
و هذا البرهان یثبت علم الله بالموجودات بعد إیجادها.
3ـ 4 لوازم کون الله واجب الوجود.
العلم من کمالات الوجود، و واجب الوجود واجد لکل الکمالات الوجودیة، و علیه فواجب الوجود واجد لکمال العلم. إن کون العلم من الکمالات الوجودیة و إن الجهل أمرٌ عدمی و نقصٌ، أمر لا شک فیه. و إن النسبة بین الجهل و العلم نسبة الملکة و العدم.
و بالنظر إلى أن الجهل فقدان و نقص و یقابله العلم و هو کمال، و بما أن (واجب الوجود واجد لکل الکمالات الوجودیة) فمن الممکن القول: إذا لم یکن الله واجداً لأحد أوصاف الکمال الوجودی فهو ناقص و محدود و محتاج، و لازم هذه الأوصاف کونه ممکن الوجود و أن ذات الحق لها ماهیة، و هذا لا یجتمع مع فرضه واجب الوجود، و علیه فمن المقطوع به أن الله له صفة العلم[4]. و هذا الدلیل لا یثبت العلم بالذات و حسب، و إنما یثبت العلم بالمخلوقات أیضاً، و لا یثبت أصل علم الله و حسب، و إنما یثبت إطلاق علمه و عدم محدودیته أیضاً.
3ـ 5.علم العلة بالمعلول
ألف: الله هو علة العلل، و جمیع مخلوقات الوجود معلولة له.
ب: و کما هو مبین فی مباحث الفلسفة فإن وجود المعلول هو عین الربط و التعلق بالعلة، و لیس للمعلول أی نوع من أنواع الاستقلال الوجودی.
ج: و لا زم ارتباط المعلول و تعلقه الوجودی بالعلة هو أن المعلول حاضر لدى علته، لأن عدم حضور المعلول لدى العلة دلیل على أن للمعلول استقلالاً وجودیاً، و هذا الأمر غیر ممکن طبقاً للمقدمة الثانیة. و بما أن حقیقة العلم لیس لها معنى وراء حضور المعلوم لدى العالم، فإن لکل علة علم بمعلولها. و محصلة المقدمات المذکورة أعلاه هی أن جمیع الموجودات و الظواهر فی الوجود معلومة عند الله[5].
3ـ 6 تجرد واجب الوجود
إن واجب الوجود مجرد، و کل مجرد عالم بذاته، إذن فواجب الوجود عالم بذاته. و المقدمات فی هذا البرهان مثبتتان فی الفلسفة بشکل قطعی، و هنا نشیر بمقدار معین و هو أن تجرد ذات الحق و کونه مبرئاً من الجسمیة و المادیة هی من لوازم کون ذاته واجبة الوجود و غنیة، لأن لازم المادیة الترکیب و الفقر و الحاجة و المحدودیة الزمانیة و المکانیة و الامتداد المقداری، و أما توضیح المقدمة الثانیة (کل مجرد عالم بذاته) فنقول: أینما یطرح العلم یطرح الحضور، و کلما کان الحضور فی البین فإن العلم موجود، و بالتوجه إلى أن الحجب المادیة و الغیبیة لا طریق لها الی المجردات، فمن هنا تکون المجردات حاضرة بذاتها، بل هو عین الحضور[6].
و کل برهان من البراهین المذکورة یدل على قسم من مراتب العلم: فبرهان النظم یثبت علم الله السابق و اللاحق بالموجودات، و برهان إحاطة الله بتمام العالم و کونه غیر متناه یثبت علم الله بالموجودات بعد إیجادها، و برهان فاقد الشیء لا یعطیه یثبت علم الواجب بذاته و بمخلوقاته. و برهان واجب الوجود یثبت علمه بذاته إضافة إلى علمه بالأشیاء الأخرى و لا یثبت أصل علم الله فقط، بل یثبت إطلاق علمه و عدم محدودیته، و برهان علم العلة بمعلولها یثبت علم الله بجمیع موجودات عالم الوجود و هی مخلوقاته و معلولة له. و برهان التجرد یبین و یثبت علم الله بذاته.
[1]مصباح یزدی، محمد تقی، تعلیم الفلسفة، ج1، ص171، الطبعة الخامسة، 1372.
[2]مصباح یزدی، محمد تقی، تعلیم العقائد، ص75 و 76، الطبعة الثالثة، شرکة الطباعة و النشر لمنظمة التبلیغات الإسلامیة العالمیة.
[3]هذا مجرد مثال لتقریب الفکرة لان الله تعالی منزه عن الجسم و الجسمانیات.
[4]نیکزاد، عباس، تحقیق فی باب علم الباری تعالى، مجلة رواق الفکر، العدد 26، ص57، بهمن 1382.
[5]سعیدی مهر، محمد؛ تعلیم الکلام الإسلامی، ج1، ص227، قم، کتاب طه، الطبعة الأولى، تابستان 77.
[6]نیکزاد عباس، تحقیق فی باب علم الباری تعالى ص57.