Please Wait
4848
ان رأی السید الخوئی (قدس) هو القول بنجاسة الخمرة سواء على مستوى الاستدلال النظری او الحکم الفتوائی (العملی)؛ نعم، بالنسبة الى سائر المسکرات انه لم یر من الناحیة النظریة بأسا بالقول بطهارتها، لکن الاجماع التقدیری و الشهرة الفتوائیة حیث ذهب مشهور الفقهاء الى نجاستها، منعاه من الافتاء بالطهارة، من هنا ذهب الى القول بنجاستها على الاحوط لزوما فی مقام العمل.
موقف السید الخوئی(ره) بالنسبة الى نجاسة الخمرة (الشراب) بالشکل التالی:
انه (ره) الله لما استعرض الاخبار المتعرضة لبیان نجاسة الخمرة، و جدها متعارضة تعارضا بدویاً حیث الروایات الدالة على الطهارة تعارض الاخرى الدالة على النجاسة؛ و منها صحیحة علی بن مهزیار التی تکشف عن ذلک التعارض بوضوح تام حیث جاء فیها: " عن علی بن مهزیار قال: «قرأت فی کتاب عبد اللّٰه بن محمد إلى أبی الحسن (ع) جعلت فداک روى زرارة عن أبی جعفر و أبی عبد اللّٰه (علیهما السلام) فی الخمر یصیب ثوب الرجل أنهما قالا: لا بأس بأن تصلِّی فیه إنّما حرم شربها. و روى عن (غیر) زرارة عن أبی عبد اللّٰه (ع) أنه قال: إذا أصاب ثوبک خمر أو نبیذ یعنی المسکر فاغسله إن عرفت موضعه، و إن لم تعرف موضعه فاغسله کلّه، و إن صلیت فیه فأعد صلاتک. فأعلمنی ما آخذ به، فوقّع (ع) بخطّه و قرأته: خذ بقول أبی عبد اللّٰه (ع) ".[1]
و هنا شرع فی معالجة التعارض حیث قال:
و علیه فالمهم هو الأخبار، و لقد ورد نجاسة الخمر فی عدّة کثیرة من الروایات، و فی قبالها روایات کثیرة فیها صحاح و موثقات و قد دلّت على طهارة الخمر بصراحتها و هی من حیث العدد أکثر من الأخبار الواردة فی نجاستها، و دعوى العلم بصدور جملة منها عن الأئمة (ع) أیضاً غیر بعیدة، کما أنها من حیث الدلالة صریحة أو کالصریح.
و هاتان الطائفتان متعارضتان متقابلتان فلا بد من علاجهما بالمرجحات و هی تنحصر فی موافقة الکتاب و مخالفة العامة على ما قدمناه فی محله، و کلا المرجحین مفقود فی المقام، فاذن لا یمکننا علاج المعارضة بشیء من المرجحین.
ثم قال (قدس): فلو کنّا نحن و مقتضى الصناعة العلمیة لحکمنا بطهارة الخمر لا محالة، و ذلک لأنّا إن نفینا المعارضة بین الطائفتین نظراً إلى أن إحداهما صریحة فی مدلولها و الأُخرى ظاهرة، فمقتضى الجمع العرفی بینهما تقدیم روایات الطهارة على أخبار النجاسة لصراحتها فی طهارة الخمر و نفی البأس عن الصلاة فی ثوب أصابته خمر بحمل أخبار النجاسة على الاستحباب لکونها ظاهرة فی نجاستها کما فی أمره (ع) بغسل الثوب الذی أصابته خمر أو إهراق المائع الذی قطرت فیه قطرة منها، فنرفع الید عن ظهورها فی الإرشاد إلى نجاسة الخمر بصراحة أخبار الطهارة فی طهارتها فتحمل على الاستحباب لا محالة فلا مناص من الحکم بطهارة الخمر.
و إن أثبتنا التعارض بینهما و قلنا إن المقام لیس من موارد الجمع العرفی بین المتعارضین، فأیضاً لا بد من الحکم بطهارة الخمر لأن الطائفتین متعارضتان و لا مرجّح لإحداهما على الأُخرى، و مقتضى القاعدة هو التساقط و الرجوع إلى قاعدة الطهارة و هی تقتضی الحکم بطهارة الخمر کما مرّ.
و لکن هذا کلّه بمقتضى الصناعة العلمیة مع قطع النظر عن صحیحة علی بن مهزیار قال: «قرأت فی کتاب عبد اللَّه بن محمد إلى أبی الحسن (ع) جعلت فداک روى زرارة عن أبی جعفر....» و أمّا مع هذه الصحیحة فالأمر بالعکس و لا مناص من الحکم بنجاسة الخمر، و ذلک لأنّ الصحیحة ناظرة إلى الطائفتین و مبینة لما یجب الأخذ به منهما فهی فی الحقیقة من أدلّة الترجیح و راجعة إلى باب التعادل و الترجیح، و غایة الأمر أنها مرجحة فی خصوص هاتین المتعارضتین فلا مناص عن الأخذ بمضمونها و هی دالّة على لزوم الأخذ بقول أبی عبد اللَّه (ع) و هو الروایة الدالة على نجاسة الخمر و عدم جواز الصلاة فیما أصابه دون روایة الطهارة، لأنها قول الباقر و الصادق (علیهما السلام) معاً و غیر متمحضة فی أن تکون قول الصادق (ع) وحده.
هذا على أن الروایة الدالة على طهارة الخمر أیضاً لو کانت مرادة من قول أبی عبد اللَّه (ع) لکان هذا موجباً لتحیر السائل فی الجواب، و لوجب علیه إعادة السؤال ثانیاً لتوضیح مراده و أنّ قول الصادق (ع) أیّة روایة، فإنّ له (ع) حینئذ قولین متعارضین، و حیث إن السائل لم یقع فی الحیرة و لا أنه أعاد سؤاله فیستکشف منه أنه (ع) أراد خصوص الروایة الدالة على نجاسة الخمر لأنها المتمحضة فی أن تکون قوله (ع) کما مرّ.
ثم قال (قدس):
و الذی تحصّل عما ذکرناه فی المقام أنّ الاحتمالات فی المسألة أربعة:
أحدها: تقدیم أخبار النجاسة على أخبار الطهارة من جهة الصحیحة المتقدِّمة. و قد عرفت أن هذا الاحتمال هو المتعین المختار.
و ثانیها: تقدیم أخبار الطهارة على روایات النجاسة من جهة الجمع العرفی المقتضی لحمل الظاهر منهما على النص أو الأظهر، و حمل الأوامر الواردة فی غسل ما یصیبه الخمر على التنزه و الاستحباب.
و ثالثها: تقدیم أخبار الطهارة على أخبار النجاسة بمخالفتها للعامة بعد عدم إمکان الجمع العرفی بینهما.
و رابعها: التوقف لتعارض الطائفتین و تکافئهما فان کل واحدة منهما مخالفة للعامّة من جهة و موافقة لهم من جهة، فأخبار الطهارة موافقة لهم عملًا و مخالفة لهم بحسب الحکم و الفتوى، کما أن روایات النجاسة موافقة معهم بحسب الحکم و مخالفة لهم عملًا فلا ترجیح فی البین فیتساقطان و لا بد من التوقف حینئذ. هذه هی الوجوه المحتملة فی المقام و لکنها غیر الوجه الأول منها تندفع بصحیحة علی بن مهزیار، حیث إن القاعدة و إن اقتضت الأخذ بأحد هذه المحتملات إلّا أن الصحیحة منعتنا عن الجری على طبق القاعدة و دلتنا على وجوب الأخذ بروایات النجاسة و تقدیمها على أخبار الطهارة لما عرفت من حکومتها على کلتا الطائفتین.[2]
فاتضح من خلال ذلک انه فی مقام الفتوى ایضا قائل بنجاسة الخمرة فقد جاء فی الفتاوى الواضحة المحشى للسید الخمینی (ره) بیان رأی السید الخوئی (ره) بانه قائل بنجاسة الخمرة حیث قال: الشراب و النبیذ المسکر المائع بالاصالة نجس، و الاحوط وجوبا القول بنجاسة کل مسکر مائع بالاصالة".[3]
اتضح من ذلک (انه قدس) یحتاط احتیاطا وجوبیا فی سائر المائعات المسکرة غیر الخمرة، ویؤکد ذلک قوله: و على الجملة لا إشکال فی نجاسة کل ما صدق علیه أنه خمر خارجاً و إنما کلامنا فی نجاسة المسکر الذی لا یصدق علیه أنه خمر، و قد عرفت أنه لا دلالة فی شیء من الأخبار المتقدمة على نجاسته.... هذا کلّه على طبق القاعدة إلّا أن الإجماع التقدیری المتقدِّم فی صدر المسألة و انعقاد الشهرة الفتوائیة على نجاسة جمیع المسکرات أوقفنا عن الحکم بطهارة غیر الخمر من المسکرات التی یتعارف شربها و ألزمنا بالاحتیاط اللّازم فی المقام.[4]
فتحصل: ان رأی السید الخوئی (قدس) هو القول بنجاسة الخمرة سواء على مستوى الاستدلال النظری ام الحکم الفتوائی (العملی)؛ نعم، بالنسبة الى سائر المسکرات انه (قدس) لم یر من الناحیة النظریة بأسا بالقول بطهارتها، لکن الاجماع التقدیری و الشهرة الفتوائیة -حیث ذهب مشهور الفقهاء الى نجاستها- منعاه من الافتاء بالطهارة، و من هنا ذهب الى القول بنجاستها على الاحوط لزوما فی مقام العمل.
[1] الحر العاملی، محمد بن حسن، وسائل الشیعة ج3، ص 468، أبواب النجاسات ب 38، ح 2،موسسه آل البیت، قم، 1409هـ.
[2] الخوئی، السید ابوالقاسم، موسوعة الامام الخوئی،ج3، ص 86، (بتصرف یسیر)، موسسه احیاء آثار الامام الخوئی، قم، 1418،
[3] انظر: توضیح المسائل (المحشى للإمام الخمینی)، ج1، ص: 80.
[4] موسوعه الامام الخویی،ج3، ص 93.