Please Wait
7556
تبحث مسالة المبانی الفلسفیة للمهدویة من جهتین: من جهة العلة الغائیة ومن جهة العلة الفاعلیة، یعنی ان مقتضى الهدفیة فی الخلق، و استحالة نقض الغرض، وجود الإنسان الکامل، و إن الإنسان الکامل ینتظم فی سلسلة العلل الغائیة لعالم الخلق، إضافة إلى ذلک إذا ما نظرنا من زاویة العلة الفاعلیة فلابد من القول: إن تسانخ العلة و المعلول یقتضی الوحدة من جهة بین علة العالم الأولى و هی واحدة من جمیع الجهات، و لا تقبل أی نوع من أنواع الکثرة و بین المعلولات فی العالم المتصفة بالکثرة، و هذا یعنی وجود ارتباط بالوحدة الکلیة من جهة و من جهة أخرى تتناسب مع عالم الکثرة، و لا یتحقق هذا إلاّ فی عالم النفس، نفس الإنسان الکامل التی تبسط نفوذها على المتکثرات و ما هذه النفس إلاّ نفس الرسول الأکرم (ص) و أهل بیته (ع).
تبحث مسالة المبانی الفلسفیة للمهدویة من جهتین: من جهة العلة الغائیة ومن جهة العلة الفاعلیة.
1- موقع الانسان الکامل فی سلسلة العلل الغائیة
إن الحکمة الإلهیة و الغرض الإلهی فی خلق العالم تتلخص فی الإنسان الکامل الذی یتجسد و یتمثل بالمعصومین الأربعة عشر. و قد توجه فلاسفة الإسلام إلى مسألة الولی الکامل و حضور خلیفة الله فی الارض، و قد برهنوا هذه القضیة وفقاً لمتبنیاتهم و أسس الاستدلال عندهم. و من هنا یکون هو الحاکم و خلیفة الله فی الارض
من هذا المنطلق تطرق شیخ الفلاسفة أبو علی ابن سینا إلى هذه المسألة فی کتابه (الشفاء) فی الفصل الخاص بالإمام و الخلیفة و مراتبه الباطنیة و الأخلاقیة و العملیة کإنسان کامل حیث یقول: "من فاز مع ذلک بالخواص النبویة کاد أن یصیر رباً إنسانیاً و کاد أن تحل عبادته بعد الله تعالى و هو سلطان العالم الأرضی و خلیفة الله فیه".[1]- [2]
کما بحثت مسألة الإمام و القائد فی المجتمع فی فلسفة الإشراق و أشیر فیها إلى موضوع الغیبة.
و قد طرح شیخ الإشراق شهاب الدین السهروردی فی کتابه (حکمة الإشراق) بحث الإمام و القائد و أقسامها و رئاسة المجتمع، و قد حدد صفات و خصائص الفرد الذی یمکنه أن یکون قائداً و رئیساً و مربیاً للمجتمع، و ذلک على مبانی حکمته الإشراقیة، یقول السهروردی فی هذه القضیة: لا یخلو العالم فی أی وقت من الأوقات من الحکمة (العلم الکامل) و من وجود شخص یتمتع بالحکمة و لدیه الحجج و البینات، و مثل هذا الشخص هو خلیفة الله فی الأرض و سیبقى کذلک مادامت السماوات و الأرض. إذن یوجد فی کل زمان هکذا شخص إلهی و نموذج کامل للعلم و العمل، توکل إلیه قیادة المجتمع و هو خلیفة الله فی الأرض و لا یمکن أن تخلو الأرض من مثل هذا الإنسان. و ما نقوله من أن قیادة المجتمع موکولة إلیه، فلا یراد بذلک الحکومة الظاهریة، بل قد یقوم (الإمام الإلهی) فی بعض الأوقات بتشکیل حکومة فی الواقع الخارجی و یکون مبسوط الید، و فی بعض الأحیان یلجأ إلى الاختفاء (الغیبة) و هذا الإمام هو الذی یسمیه الناس (قطب الزمان) و (ولی العصر عج)، و إن قیادة المجتمع بیده و أمره إلیه، و إن لم یکن له أثر ظاهر، و إذا ما ظهر هذا القائد و أمسک بزمام الأمور فی المجتمع و شکل حکومة لإدارة شؤونه فسیکون ذلک العصر عصر النور و النورانیة.[3]
کتب العلامة الطباطبائی فی رسالة الولایة قائلا: الولایة هی الکمال الأخیر الحقیقی لللإنسان و إنها الغرض الأخیر من تشریع الشریعة الحقة الإلهیة،[4] و یقول فی تفسیر المیزان: "و الولایة و إن ذکروا لها معانی کثیرة و لکن الأصل فی معناها ارتفاع الواسطة الحائلة بین الشیئین بحیث لایکون بینهما ما لیس منهما".[5]
کما أن الفلاسفة المسمّون بإخوان الصفا اهتموا فی فلسفتهم بمسألة المهدی و أمر (المهدویة) و أشاروا إلى القضیة ببیان جامع و واضح. و شرحوها شرحاً جیداً: و هم یعتقدون بالإمام المهدی کما یعتقدون بعودته و ظهوره، و أنه یملأ الأرض قسطاً و عدلاً بعد ما ملئت ظلماً و جوراً، و إنه یحرر الناس من العبودیة لغیر الله... .
و للأئمة دوران اثنان: دور الکشف و دور الستر، فالأئمة یظهرون بین أفراد المجتمع، و لا یظهرون فی دور الستر و عدم الظهور، و لا یرجع هذا الأمر إلى الخوف، و أما أصحاب الإمام فإنهم یعلمون مکان الإمام الغائب و یتصلون به فی أی وقت یشاءون، و إذا لم یکن الأمر کذلک فإن الزمان یخلو من حجة الله. و لا یترک الله الخلق بلا حجة فی أی حال من الأحوال، و لا یمکن أن یقطع الله الحبل الممتد بینه و بین الناس. فالأئمة اوتاد الارض، سواء کانوا فی دور الانکشاف أو دور الاختفاء و الستر، و هم خلفاء الله الحقیقیون فی کلا الدورین على حد سواء، و من مات و لم یعرف إمام زمانه مات میتةً جاهلیة.[6]
یقول بعض العلماء الاجلة:
إن الهدف من خلق الإنسان هو التکامل، و التکامل مرتبط بالوجود الأکمل، و إن الوجود الأکمل هو وجود الله سبحانه. و هذا الهدف لابد و أن یتحقق بالنسبة لبعض الناس و إلاّ فیلزم من ذلک نقض الغرض و إن نقض الغرض فی أفعال الخالق تعالى یستلزم العجز و الجهل و هو محال علیه سبحانه و تعالى، و هؤلاء الصفوة الأکمل هم المعصومون الأربعة عشر.[7] و هذا یعنی أن الهدف من خلق العالم هو الإنسان الکامل.
2- موقع الانسان الکامل فی سلسلة العلل الفاعلیة
اما من زاویة العلة الفاعلة لابد من القول: إن التسانخ بین العلة و المعلول تقتضی تحقق وحدة من جهة بین العلة الأولى للعالم و هی واحدة من جمیع الجهات، و لا تقبل أی لون ألوان الکثرة و بین معلولات العالم المتکثرة، و العلاقة فیهما ارتباط بالوحدة الکلیة من جهة و تناسب مع عالم الکثرة من جهة أخرى، و هذا ما لا یتحقق إلا فی عالم النفس، فنفس الموجود لها شقّان، فهی بالذات فی عالم المادة و نتاج هذا العالم، و أما فی مرحلة الفعلیة و الکمال، فهی من عالم التجرد. و لا یتم ذلک لکل نفس و إنما نفس الإنسان الکامل التی تبسط نفوذها على المتکثرات و تسیطر علیها و ما هذه النفس إلاّ نفس الرسول الأکرم (ص) و أهل بیته (ع).[8]
إذن لو لم توجد نفس النبی (ص) فلا تتحقق وحدة العالم و علیه لا تتحقق الکثرات أیضاً.
یقول المرحوم السید حیدر الآملی فی کتابه جامع الأسرار:
عین الله هو الانسان الکامل ینظر الله تعالی بنظره إلی العالم کما قال لولاک...،[9] أی أن الإنسان الکامل عندما یبلغ مقام الکمال یصل إلى مقام الوصل، و إن الله الذی یدیر العالم عن طریق الأسباب، فإنه یدیر العالم عن طریق الإنسان الکامل.[10]
و یقول فی مکان آخر: هناک قاعدة فلسفیة تقول: "إن الواحد لا یصدر منه إلاّ واحد او الاّ من الواحد"،[11] و هی قاعدة فلسفیة بدیهیة، و هی من قواعد سنخیة العلة و المعلول، و على أساس هذه القاعدة نفهم الآتی:
لابد من وجود وسائط بیننا و بین الله بلحاظ الخلق و الفیض و الکمال و قضاء الحاجات و ... و یعبر الفلاسفة عن هذه الوسائط بـ (العقول المقدسة) و قد اعتبر المشائیون أن عدد هذه العقول هو عشرة، فی حین یرى الإشراقیون أن العقول کثیرة جداً و یحتمل أن تکون لا متناهیة.[12]
و من هنا تبدو بعض الجمل واضحة فیما نقرأ فی الزیارة الجامعة الکبیرة: "بِکُمْ فَتَحَ اللَّهُ وَ بِکُمْ یَخْتِمُ [اللَّهُ] وَ بِکُمْ یُنَزِّلُ الْغَیْثَ وَ بِکُمْ یُمْسِکُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ وَ بِکُمْ یُنَفِّسُ الْهَمَّ وَ یَکْشِفُ الضُّرَّ وَ عِنْدَکُمْ مَا نَزَلَتْ بِهِ رُسُلُهُ وَ هَبَطَتْ بِهِ مَلائِکَتُه".[13]
و فی نهایة البحث نختم الکلام ببیان رفیع و مسألة عمیقة مما قاله الإمام الراحل: إن الغایة فی خلق الإنسان هو عالم الغیب المطلق، کما ورد فی القدسیات: «یا ابن آدم خلقت الأشیاء لأجلک، و خلقتک لأجلی».
و یقول تعالى فی القرآن الکریم مخاطباً موسى علیه و على نبینا أفضل الصلاة و السلام: «وَ أَنَا اخْتَرْتُکَ» فالإنسان مخلوق (لأجل الله) إذن و إنه صنع لأجل الذات المقدسة، و إنه مختار و مصطفى من بین مخلوقات الله. و غایة سیره الوصول إلى باب الله و الفناء فی ذات الله و العکوف بفناء الله، و معاده إلى الله و من الله و فی الله و بالله، کما جاء فی القرآن الکریم: «إِنَّ إِلَیْنَا إِیَابَهُمْ» و إن سائر الموجودات ترجع إلى الله بواسطة الإنسان، بل إن مرجعها و معادها إلى الإنسان الکامل کما ورد فی الزیارة الجامعة التی تظهر جزءاً من مراتب الولایة، إذ یقول: "و إیاب الخلق إلیکم، و حسابهم علیکم"، و یقول: "بکم فتح الله، و بکم یختم".
و یقول الحق تعالى فی الآیة الشریفة: "إِنَّ إِلَیْنَا إِیَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَیْنَا حِسَابَهُمْ".[14]
و جاء فی الزیارة الجامعة: "و إیاب الخلق إلیکم و حسابهم علیکم".
و إنه لسر من أسرار التوحید و الإشارة إلیه و هو أن الرجوع إلى الإنسان الکامل رجوع إلى الله، و ذلک لأن الإنسان الکامل فانٍ مطلق، و باقٍ ببقاء الله، و لیس له من ذاته تعیّن و إنیّة و أنانیة، بل إنه اسم من أسماء الله الحسنى و الاسم الأعظم. و قد جاءت الإشارات الکثیرة المتعددة إلى هذه المسألة فی الآیات القرآنیة و الأحادیث الشریفة.[15]
المصادر للمطالعة:
1- إلهیات الشفاء، المقالة العاشرة (الخلیفة و الإمام).
2- القبسات، الطبعة الجدیدة، ص 397.
3- حکمة الإشراق، ج 2، ص 11- 12.
4- شرح حکمة الإشراق، ص 23- 24.
5- تاریخ الفلسفة فی العالم الإسلامیة، ص 207- 208.
الحکیمی، محمد رضا، خورشید مغرب "شمس المغرب"، ص 152- 158.
[1] الشفاء، ص 455، الفصل الخامس.
[2] و قد جاء فی عبارة ابن سینا فی شرح المنظومة: (و رؤوس هذه الفضائل عفّة و حکمة و شجاعة و مجموعها العدالة و هی خارجة عن الفضیلة النظریة. و من اجتمعت له معها الحکمة النظریة فقد سعد و من فاز مع ذلک بالخواص النبویة کاد أن یصیر ربّا إنسانیّا و کاد أن تحلّ عبادته بعد اللّه تعالى و أن تفوّض إلیه أمور عباد اللّه و هو سلطان العالم الأرضی و خلیفة اللّه فیه")، شرح المنظومة، ج 4، ص 313.
[3] حکمة الإشراق، من مجموعة مصنفات شیخ الإشراق، ج 2، ص 11- 12، شرح حکمة الإشراق، ص 23- 24.
[4] کتاب الشیعة، مجموعة حوارات مع هانری کرین، ص 185- 186.
[5] المیزان، ج10، ص89.
[6] حنا الفاخوری، خلیل الجر، ترجمه، آیتی، عبد المحمد،تاریخ فلسفه در جهان اسلامی" تاریخ الفلسفة فی العالم الإسلامی"، ص 207- 208.
[7] گرامی، محمد علی، در باره حدیث لولا فاطمه" فی حدیث لولا فاطمة"، ص 17.
[8] نفس المصدر، ص 22.
[9] جامع الإسرار، ص 381.
[10] گرامی، محمد علی، در باره حدیث لولا فاطمه "حدیث لولا فاطمة" ص 23.
[11] الواحد لا یصدر منه إلا الواحد.
[12] گرامی، محمد علی، در باره ی حدیث لولا فاطمه "حدیث لولا فاطمة"، ص 66- 70.
[13] مفاتیح الجنان، ص 549.
[14] الغاشیة، 25- 26.
[15] آداب الصلاة، الإمام الخمینی، ص 263.