Please Wait
31821
1. بعض المؤرخين قالوا إن طرف الدعوى كان مسيحيا و قال البعض إنه كان يهوديا.
2. لقد ذكرت هذه القصة في الكتب التاريخية و الروائية و كان المشتكي هو أمير المؤمنين (ع)، و كان موقف أمير المؤمنين في حلّ النزاع عن طريق المحكمة احتراما للأقليات الدينية و مراعاة لحقوقهم المدنية، كما أنه تكرر هذا السلوك من أمير المؤمنين في مواقف أخرى، و ليس من العجيب أن يراعي الأمير حقوق الأقليات و يعدل فيهم، و إلا فكان بإمكان الأمير أن يأخذ درعه من هذا الرجل من دون مراجعة المحكمة.
في البداية لابد أن نعلم أن على أساس ما ذكر في المصادر التاريخية بعض المؤرخين قالوا إن طرف الدعوى كان مسيحيا و قال البعض إنه كان يهوديا.[1] و لكن على أي حال سواء كان الرجل مسيحيا أو يهوديا، كان من أهل الذمة.[2]
إن خلاصة القصة على أساس ما نقل في الكتب التاريخية و الروائية ـ بغض النظر عن الاختلاف اليسير الموجود بين النصوص ـ كالتالي:
فُقد درع أمير المؤمنين (ع) في زمن خلافته و حكومته في الكوفة، و بعد فترة وجدها بيد رجل مسيحي أو يهودي. فقال له علي (ع): إن هذا الدرع لي، فأنكر الرجل و قال: إنه بيدي فإذا كنت مدعيا جئني بدليل.
فذهب علي (ع) به إلى القاضي و أقام دعواه عليه و قال أن هذا الدرع لي، لم أبعه و لم أهده و إذا بي الآن أجده عند هذا الرجل. فقال شريح، قاضي المحكمة إلى الرجل: لقد أقام الخليفة دعواه، فما تقول أنت؟ قال: إن هذا الدرع لي و لكن مع هذا لا أكذّب قول صاحب مقام الخلافة، أمير المؤمنين، (قد يكون مشتبها).
ثم التفت القاضي إلى أمير المؤمنين و قال له: إنك مدع و هذا الرجل منكر، فعليك أن تأتي بشهود.
فضحك علي (ع) و قال: صدق القاضي، علي أن آتي بشهود و لكن ليس لي شهود.[3]
فحكم القاضي لصالح الرجل المسيحي أو اليهودي على أساس أن المدّعي ليس له شهود، فأخذ الرجل الدرع و ذهب.
و لكن كان الرجل المسيحي أعلم بصاحب الدرع، فخطا خطوات و رجع و قال: إن هذا النوع من الحكم و السلوك ليس من نمط سلوك بشر عادي، إنه من نوع حكومة الأنبياء، فأسلم و أقرّ بأن صاحب الدرع هو أمير المؤمنين (ع) و سقط من يد علي (ع) أثناء مسيره إلى صفّين. عند ذلك فرح أمير المؤمنين (ع) من إسلامه و وهب له درعه. و بعد أيام قليلة جاهد هذا الرجل بشوقه و إيمانه تحت راية أمير المؤمنين (ع) ضد الخوارج في نهروان.[4]
إذن:
1. لم يكن النزاع بين أمير المؤمنين (ع) و بين الرجل المسيحي أو اليهودي كما يصوّره السؤال المطروح، بل إنما تحاكما إلى القاضي باحترام متقابل و بدون نزاع ظاهري من أجل اتضاح الدعوى و إحقاق الحق؛ إذا لا ينبغي أن نتصور من أجل إحقاق الحق لابد أن نخوض نزاعا و عراكا و أن لا نحترم الآخر و نسحق الأصول الإنسانية أثناء نزاعنا و أن نفضحه و نشوه سمعته في المجتمع، بل يمكن أن نقيم دعوانا على الآخر باحترام و ودّ. في هذا الموقف لم يمارس أمير المؤمنين العنف من أجل استيفاء حقه و لا انفعل و غضب الرجل بعد ما سمع دعواه عليه.
2. في هذه القصة، الشاكي و المدعي هو أمير المؤمنين (ع)، و الرجل المسيحي أو اليهودي منكر، و لا شك في أن بداية الدعوى تبدأ من قبل المدعي.
3. مع أن حكم المحكمة قد صدر على أساس القرائن و الشواهد الظاهرية التي تأخذ بعين الاعتبار في باقي الدعاوي و المحاكم، و في الواقع لم يصل الحق إلى صاحبه في هذا الحكم، و لكن بعد إسلام الطرف الآخر عندما شاهد مدى جمال سلوك الأمير (ع)، أدت المحكمة عمليا إلى نتيجة أفضل من النتيجة المطلوبة.
4. كان موقف أمير المؤمنين هذا يعدّ احتراما للأقليات الدينية و مراعاة لحقوقهم المدنية، كما أنه تكرر هذا السلوك من أمير المؤمنين في مواقف أخرى.[5]
إن مراعاة أمير المؤمنين (ع) لحقوق الأقليات ليس بأمر عجيب و إلا فكان بإمكان الأمير أن يأخذ درعه من هذا الرجل من دون مراجعة المحكمة.
[1] . التستري، القاضي نور الله، إحقاق الحق و إزهاق الباطل، ج 8، ص 534 و 535، مكتبه آية الله المرعشى، قم، الطبعة الأولى، 1409ق.
[2] . إنه عقد يتمّ بين الحكومة الإسلامية و بين الكفار، و على أساسه تتعهد الحكومة على حفظ أعراضهم و أرواحهم و أموالهم في قبال دفع ضرائب مقررة باسم "الجزية" مضافا إلى تعهدهم باحترام قوانين و أحكام البلد الإسلامي وأن لا يرتكبوا الذنوب علنا. مقتبس من السؤال 12511 (الموقع: 12270).
[3]. طبعا جاء في بعض المصادر أن الإمام (ع) قد جاء ببعض الشهود، و لكن لم يرض بهم القاضي لأسباب.
[4] . ابن أثیر، عز الدين أبو الحسن علي بن ابي الكرم، الکامل فی التاریخ، ج 3، ص 401، نشر دار صادر، بیروت، 1385ق؛ ابن کثیر الدمشقي، أبو الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير، البدایة و النهایة، ج 8، ص 4 و 5، دار الفکر، بیروت، 1407ق؛ المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 34، ص 316، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404ق؛ الثقفي، ابراهیم بن محمد، الغارات، ج 1، ص 74 و 75، مؤسسة دار الکتاب، قم، 1410ق.
[5] من قبیل ما روي عنه (ع) أنه َ مَرَّ شَيْخٌ مَكْفُوفٌ كَبِيرٌ يَسْأَلُ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع مَا هَذَا قَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَصْرَانِيٌّ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) اسْتَعْمَلْتُمُوهُ حَتَّى إِذَا كَبِرَ وَ عَجَزَ مَنَعْتُمُوهُ، أَنْفِقُوا عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. راجع: العاملي، الشیخ حر، وسائل الشیعة، ج 15، ص 66، مؤسسة آل البیت، قم، 1409ق.