Please Wait
12835
اشار بعض المفسرين الى المراد من الآية المباركة بان القرآن الكريم أراد أن يوازن بين الإيجابيات و السلبيات، فيحضرهما في وعي الناس في البداية، ثم يرشدهم إلى الحقيقة الموضوعية، و هي زيادة نسبة الجوانب السلبية في ممارستهما على الجوانب الإيجابية، و يترك للعقل الواعي عملية استخلاص النتيجة التي ستكون إلى جهة التحريم، لأن العقل لا يقبل للإنسان أن يرتكب الفعل الذي يضره بنسبة كبيرة، لتحصيل منفعة ليست بذاك المستوى من الأهمية. أما كيف ذلك؟ فإننا قد نجد إلى جانب منفعة الخمر و القمار مفاسد لا تمثل المنفعة القليلة- معها- شيئا، فهناك المشاكل الصحية و المشاكل الاجتماعية التي قد تحدث كنتيجة طبيعية لغياب العقل في بعض الحالات مع بقاء الإنسان جزءا من الحياة الاجتماعية في تصرفاته و حركاته، مما يسبّب كثيرا من الجرائم و الانحرافات العامة و الخاصة.
و أمّا القمار، فقد نجد فيه انحرافا اجتماعيا خطيرا، عند ما يتحول الإنسان إلى كسب قوته من طريق القمار تاركا العمل وراء ظهره، مما يفقد المجتمع معه طاقة كبيرة أو صغيرة نافعة، و يؤدي- بالتالي- إلى تدمير حياة المقامر و حياة أسرته، لأنها لا ترتكز على أساس متين لاعتمادها على «الشطارة الذهنية» للمقامر أو على غباء ملاعبه.
و هكذا تنتهي عملية التوازن بين الربح و الخسارة إلى انخفاض نسبة الربح بشكل كبير جدا، بإزاء ارتفاع نسبة الخسارة بشكل مماثل أو أكبر، ليضع القرآن الناس أمام الحقيقة الكبيرة التي غفلوا عنها. ثم يوحي- من خلال ذلك- إليهم، بأن التشريع، في ما يخطط من تحريم و تحليل، لا ينطلق من نقطة العبث و الالتذاذ بتقييد حرية الآخرين، بل تبدأ انطلاقته و تنتهي في حدود مصلحة الإنسان الخاصة و العامة. فلا تحريم إلا عند ما تكون المفسدة أقوى من المصلحة، و لا تحليل إلا عند ما تكون القضية على العكس، سواء في ذلك ما اعتاده الناس و ما لم يعتادوه، لأن الحرية في التشريع الإلهي ليست مزاجية تخضع لانفعالات المزاج في حالات اللذة و الألم، بل هي واقعية أساسية تخضع للمصالح و المفاسد الحيوية للإنسان في حركة الحياة و قاعدتها الرئيسية
قيل في سبب نزول الآية الاولى أنّ جماعة سألوا رسول اللّه (ص) عن حكم الخمر الّذي يذهب بالعقل، و الميسر الّذي يبدّل المال، فنزلت الآية.
وقد نستوحي من هذه الرواية أن التحريم لم يكن واردا في التشريع- آنذاك- و أنهم كانوا يعيشون في وجدانهم الشرعي أجواء التحريم من خلال طبيعة النتائج السلبية التي يعرفونها في الخمر و الميسر مما يختزنانه من فساد للعقل و المال، و ذلك من جهة ما عرفوه من دروس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في ما كانوا يسمعونه منه من آيات اللّه و أحاديثه، أن اللّه يريد بالناس الخير في تشريعاته الإلزامية على أساس المصالح و المفاسد الكامنة في الأفعال، فهم يتحسسون حرمة الأشياء المضرة في وجدانهم الديني، فيتطلعون إلى النبي محمد (ص) سائلين عن الحرام في هذا أو ذاك.[1]
و مع الالتفات إلى أنّ المجتمع الجاهلي كان غارقا في الخمر و القمار، و لذلك جاء الحكم بتحريمهما بشكل تدريجي و على مراحل، كما نرى من اللّين و المداراة و الأسلوب الهاديء في لحن الآية إنّما هو بسبب ما ذكرناه.
في هذه الآية وردت مقايسة بين منافع الخمر و الميسر و أضرارهما و أثبتت أنّ ضررهما و إثمهما أكثر من المنافع، و لا شكّ أنّ هناك منافع ماديّة للخمر و القمار أحيانا يحصل عليها الفرد عن طريق بيع الخمر أو مزاولة القمار، أي تلك المنفعة الخياليّة الّتي تحصل من السكر و تخدير العقل و الغفلة عن الهموم و الغموم و الأحزان، الّا أنّ هذه المنافع ضئيلة جدّا بالنسبة إلى الأضرار الأخلاقيّة و الاجتماعيّة و الصحيّة الكثيرة المترتّبة على هذين الفعلين.و بناء على ذلك، فكلّ إنسان عاقل لا يقدم على الإضرار بنفسه كثيرا من أجل نفع ضئيل.[2] و لعل المراد من منافع الخمر بعض المنافع الصحية كتسكين الآلام و تسهيل الهضم و كثرة الادرار و قوة الشهوة، او النشاط و الحيوية التي قد يشعر بها شارب الخمر حسب النظرة السطحية و العابرة و التي صارت السبب في اقبال الناس على تعاطي المسكرات. و كذلك ما يقال من أن لعب القمار يعلم الانسان عدم الحرص و الخضوع للمال و المادة و... و لكن الحقيقة ان الضرر المترتب عليهما اكبر من ذلك بكثير، بل الانسان انما يلجأ الى الخمر و المسكرات للهروب من الواقع الذي لا يجيد فن التعامل مع و كيفية حل المشكلات التي تعترض طريقه من هنا يحاول الهروب من تلك المشاكل من خلال تعطيل العقل كي لا يعيش حالة التفكير التي تؤرقه و تعكر عليه حياته، لانه في الحقيقة يعيش حالة مذبذبة بين الحيوانية و الانسانية و لأن شرب الخمر يخفف كثيرا من أثقال النفس و همومها، و يبعد بها عن أجزائها و واقعها السّيئ. و ربما يجدون في أنفسهم بعض الحاجة إلى الهروب من الواقع المرير إلى واقع لا أثر فيه للمرارة أو للمشاكل، تماما كما هو النوم في حياة الإنسان، حيث تستريح فيه الأعصاب، و يهدأ معه الفكر، و تتجدد فيه القوى.[3] ، و لكنه باختيار طريق المسكرات ينزل بنفسه الى مستوى الحيوانات بل الى ما هو أسفل مرتبة.
و من هنا أراد القرآن الكريم أن يوازن بين الإيجابيات و السلبيات، فيحضرهما في وعي الناس في البداية، ثم يرشدهم إلى الحقيقة الموضوعية، و هي زيادة نسبة الجوانب السلبية في ممارستهما على الجوانب الإيجابية، و يترك للعقل الواعي عملية استخلاص النتيجة التي ستكون إلى جهة التحريم، لأن العقل لا يقبل للإنسان أن يرتكب الفعل الذي يضره بنسبة كبيرة، لتحصيل منفعة ليست بذاك المستوى من الأهمية. أما كيف ذلك؟ فإننا قد نجد إلى جانب منفعة الخمر و القمار مفاسد لا تمثل المنفعة القليلة- معها- شيئا، فهناك المشاكل الصحية و المشاكل الاجتماعية التي قد تحدث كنتيجة طبيعية لغياب العقل في بعض الحالات مع بقاء الإنسان جزءا من الحياة الاجتماعية في تصرفاته و حركاته، مما يسبّب كثيرا من الجرائم و الانحرافات العامة و الخاصة.
و أمّا القمار، فقد نجد فيه انحرافا اجتماعيا خطيرا، عند ما يتحول الإنسان إلى كسب قوته من طريق القمار تاركا العمل وراء ظهره، مما يفقد المجتمع معه طاقة كبيرة أو صغيرة نافعة، و يؤدي- بالتالي- إلى تدمير حياة المقامر و حياة أسرته، لأنها لا ترتكز على أساس متين لاعتمادها على «الشطارة الذهنية» للمقامر أو على غباء ملاعبه.
و هكذا تنتهي عملية التوازن بين الربح و الخسارة إلى انخفاض نسبة الربح بشكل كبير جدا، بإزاء ارتفاع نسبة الخسارة بشكل مماثل أو أكبر، ليضع القرآن الناس أمام الحقيقة الكبيرة التي غفلوا عنها. ثم يوحي- من خلال ذلك- إليهم، بأن التشريع، في ما يخطط من تحريم و تحليل، لا ينطلق من نقطة العبث و الالتذاذ بتقييد حرية الآخرين، بل تبدأ انطلاقته و تنتهي في حدود مصلحة الإنسان الخاصة و العامة. فلا تحريم إلا عند ما تكون المفسدة أقوى من المصلحة، و لا تحليل إلا عند ما تكون القضية على العكس، سواء في ذلك ما اعتاده الناس و ما لم يعتادوه، لأن الحرية في التشريع الإلهي ليست مزاجية تخضع لانفعالات المزاج في حالات اللذة و الألم، بل هي واقعية أساسية تخضع للمصالح و المفاسد الحيوية للإنسان في حركة الحياة و قاعدتها الرئيسية.[4]
[1] فضل الله، السيد محمد حسين، تفسير من وحي القرآن، ج4، ص: 213، دار الملاك للطباعة و النشر، بيروت، 1419 ق، الطبعة الثانية.
[2] مکارم الشیرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج2، ص: 112- 113، نشر مدرسة الامام علي بن أبي طالب (ع)، قم، الطبعة الاولى، 1421هـ.
[3] انظر: الطالقاني، سید محمود، پرتوى از قرآن، ج 2، ص 125، شركت سهامى انتشار، طهران، الطبعة الرابعة، 1362 ش؛ و انظر: تفسير من وحي القرآن، ج4، ص: 217.
[4] تفسير من وحي القرآن، ج4، ص: 218- 219. و لمزيد الاطلاع انظر: حقي بروسوي، اسماعيل، تفسير روح البيان، ج 1، ص 338، دارالفكر، بيروت، بلا تاريخ؛ الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، تحقيق و تقديم، البلاغي، محمد جواد، ج 2، ص 557، انتشارات ناصر خسرو، طهران، الطبعة الثالثة، 1372 ش.