Please Wait
5616
3- : هل أن الموجودات المادیة لها علم حضوری بعللها الموجدة لها کما أن للعلة الموجدة للموجودات المادیة علماً حضوریاً بالمادیات؟
لم تشیروا فی الجواب الی دلیل إثبات العلم الحضوری للمعلول بعلته الموجدة، و فی بعض کتب الفلسفة استفید لإثبات العلم الحضوری للمعلول المجرّد (غیر العرض) بعلته الموجدة من تجرّد المعلول و وجوده الجمعی و بعده عن الامتدادات (المکانیة و الزمانیة) التی توجب التفرّق و التشعّب.
و لکن کیف یمکن بهذا الاستدلال إثبات العلم الحضوری للمعلول المادی (الذی له امتداد و تفرق و تشعّب) بعلته الموجدة؟
4- نظراً لکون أوضح خاصیّة لکل الأجسام هی الامتداد (الطول، العرض، الارتفاع) و من هذا الامتداد یحصل الحجم للأجسام و حینما نقارن حجم الاجسام مع حجم العالم کله فإنه ینتزع من ذلک مکان الأجسام، و هذا یعنی ان کل جسم له مکان.
فإذا سلّمنا بهذه الامور فکیف یمکن إثبات ان کل موجود جسمانی و مادی هو زمانی أی له بُعد زمانی؟
و قد قلتم فی الجواب:
حیث ان الموجودات المادیة سیّالة فهی دائماً فی حالة خروج من القوة الی الفعل، و الحرکة تعنی الخروج من القوة الی الفعل، فالمادیات متحرکّة و الحرکة لها مقدار و مقدار الحرکة هو الزمان، فالموجودات المادیة متزمّنة دائماً.
و فی الحقیقة انکم استخدمتم هذه المقدمة و هی (ان الموجودات المادیة سیّالة) و لکننا فی الواقع نرید إثبات نفس هذا الأمر، لان معنی کونها سیالة، هی ان للمادیّات امتداداً سیّالاً و هی تمرّ عبر الزمان، و نحن فی الأصل نرید إثبات نفس هذا الأمر، فلا یمکن جعله مقدمة لإثبات الزمان.
بالاضافة الی انه فی هذا الاستدلال قد استنتج کون المادیّات متزمّنة من الحرکة الجوهریة فیها، و الحال انه طبقاً لما ورد فی کتاب (تعلیم الفلسفة) فإن أقوی و أتقن دلیل لإثبات الحرکة الجوهریة هو الدلیل الذی استفید فیه من هذه المقدمة و هی: (ان کل موجود مادی فهو متزمّن) إذن فیجب أولاً إثبات هذه المقدمة.
ان من طرق إثبات العلم للموجودات المادیة هو أن هذه الموجودات من حیث إنها موجودة و متلبّسة بالوجود، فإن لها جمیع الکمالات الوجودیة فی حدّ نفسها و إن کان ذلک بدرجة ضعیفة جداً، و من تلک الکمالات العلم.
و ببیان آخر: حیث ان جمیع الموجودات مظهر و تجلی لحضرة الحق، فکل منها بحسب ذاته علامة و آیة للأسماء و الصفات الإلهیة و مرآة لجلال الله و جماله و هی تشیر إلیه، و بناء علی هذا فالموجودات المادیة أیضاً یجب أن تکون واجدة للعلم لکی تکون بحسب ذاتها مظهراً و تجلّیاً لهذا الإسم الإلهی. و بعد إثبات العلم للمادات یتضح أن المعلولات المادیة لها علم حضوری بذاتها.
و اما انه کیف یکون العلم الحضوری للمعلول بذاته مستلزماً للعلم الحضوری بالعلة؟
فبیان ذلک هو ان حقیقة و ذات المعلول هی عین الفقر و الحاجة و الاستناد الی العلة و کونه غیر مستقل.
و من جانب آخر فإن العلم الحضوری و الحقیقی بموجود هو عین الفقر و الحاجة، لا یمکن أن یحصل الّا بأن یدرک الموجود المستقل أولاً، لأن الموجود الذی تکون ذاته مستندة، لا وجود له من دون ذلک المستقل و العلّة.
فهذا الموجود المستند مظهر و ذاک وجود و علة و مستقل. و بناء علی هذا فالعلم الحضوری بالمعلول یستلزم إدراک العلة بالعلم الحضوری فی المرتبة السابقة، و عن هذا الطریق یمکن إثبات ان للمعلولات المادیة أیضاً علماً حضوریاً بعلتها.
إثبات العلم الحضوری للمعلولات المادیة بالنسبة لعلتها یستلزم ذکر عدة مقدّمات:
1- إثبات العلم للمعلولات المادیة:
ان من طرق إثبات العلم الحضوری للمعلولات المادیة بعلتها، هو إثبات العلم للمعلولات.
و من طرق إثبات العلم للموجودات المادیة هو أن الموجودات من حیث أنها موجودة و متلبّسة بالوجود فلها جمیع الکمالات الوجودیة بحسب ذاتها و ان کان بدرجة ضعیفة جداً، و من تلک الکمالات العلم.
و ببیان آخر: حیث أن جمیع الموجودات مظهر و تجل لحضرة الحق، إذن فکل منها فی حدّ ذاتها علامة و آیة للأسماء و الصفات الإلهیة و مرآة لجلال و جمال الله و هی علامة تشیر الیه. و بناء علی هذا فیجب أن تکون الموجودات المادیة أیضاً واجدة للعلم لتکون بحسب ذاتها مظهراً و تجلّیاً لهذا الإسم الإلهی. و هناک بالطبع طرق اخری لإثبات علم الموجودات المادیة نغضّ الطرف عنها خوفاً من الاطالة.
2- العلم الحضوری للمعلول بذاته یستلزم العلم الحضوری بالعلة:
و المقدمة الثانیة لإثبات العلم الحضوری للمعلول المادی بعلته هی ان العلم الحضوری للمعلول بذاته یستلزم العلم الحضوری بالعلة. و لتوضیح هذه المقدمة نقول:
بعد إثبات العلم للمادیّات یتضح ان المعلولات المادیة لها علم حضوری بذاتها. و اما انه کیف یستلزم العلم الحضوری للمعلول بذاته العلم الحضوری بالعلة؟
فذلک لأن حقیقة و ذات المعلول هی عین الفقر و الحاجة و الاستناد الی العلة و کونه غیر مستقل. و من جانب آخر فإن العلم الحضوری و الحقیقی بموجود هو عین الفقر و الحاجة، لا یمکن أن یحصل الّا بأن یدرک الموجود المستقل أولاً، لأن الموجود الذی تکون ذاته مستندة، لا وجود له من دون ذلک المستقل و العلّة.
فذلک الموجود المستند مظهر و العلة و المستقل هو الوجود، و بناء علی هذا فالعلم الحضوری بالمعلول یستلزم إدراک العلة بالعلم الحضوری فی المرتبة السابقة، و عن هذا الطریق یمکن إثبات ان للمعلولات المادیة أیضاً علما حضوریا بعلتها.[1]
و اما فیما یتعلّق بالمکان، فما ذکرته من أنه حینما نقارن حجم الأجسام مع حجم کل العالم ینتزع من ذلک مکان الأجسام، فهو لیس تعریفاً دقیقاً للمکان، بل التعریف الدقیق للمکان هو عبارة عن نهایة السطح الداخلی للجسم الحاوی المماس للسطح الخارجی للجسم المحوی، کالسطح الداخلی للاناء المماس للسطح الخارجی للماء الموجود فیه.[2]
و أما فیما یتعلّق بالزمان فیقول الحکماء:
نری فی عالمنا الذی نعیش فیها. التغیر و التحوّل، فمثلاً حینما تزرع حبة الحنطة فإنها تبدأ بالحرکة و التغییر و تتخذ لنفسها أشکالاً مختلفة، فمع کونها شیئاً واحداً الا إنها تحصل علی صور مختلفة و هذه الصور لا تکون موجودة معاً فی آنٍ واحد، بل ان تحقق کل صورة و شکل یتوقّف علی زوال الصورة و الشکل السابق، و هذا النوع من التغییر و التحوّل سمّوه بالحرکة، أی تبدّل الاستعداد و القابلیة لکل شیء الی الفعلیة و العینیة و استمرار هذه الحالة و حیث ان هذا التبدّل لا یحصل بصورة دفعیة بل یحصل بالتدریج و بهدوء فیسمی ذلک بالحرکة و یستنتج من ذلک ان کل حرکة تحتاج الی ستّة أشیاء:
1- مبدأ الحرکة 2- هدف و غایة الحرکة 3- مسافة الحرکة أو المقولة التی تجری فیها الحرکة 4- موضوع الحرکة أی المتحرک أی الشیء الذی یتحرّک 5- فاعل الحرکة أو المحرّک 6- المقدار الذی تقاس فیه تلک الحرکة.[3]
و یقولون فی توضیح الزمان: إننا نشاهد حولنا حوادث متتابعة و الحوادث اللاحقة متوقّفة علی الحوادث السابقة، و لا تجتمع معاً أبداً فی آنٍ واحد. و من جانب آخر هی مستقلّة عن بعضها، و نری ان هذه البعدیّة و القبلیّة هی نوع من العرض الذی یحتاج الی معروض بحیث انه إذا لم یکن المعروض موجوداً فإنها لا تکون موجودة أیضاً و ذلک المعروض هو الحرکة.
فینبغی أن یقال فی تعریف الزمان انه مقدار مستقل غیر قار و ثابت، یعرض علی الحرکة،[4] و بناء علی هذا فالحرکة أمر مشهود و لا نحتاج فی إثباتها الی الزمان، بل الزمان یحصل من التدقیق و تحلیل الحرکة.
و النتیجة هی ان ما نقل عن تعلیم الفلسفة ربّما یکون من سهو القلم، و الّا فقد صرّح فی مواضع اخری بأن الزمان هو مقدار و کمیة مستقلة غیر قارة یحصل بواسطة الحرکة العارضة علی الأجسام.[5]
[1] جوادی الآملی، عبد الله، الرحیق المختوم، ج9، ص12، مرکز نشر الأسراء، الطبعة الثانیة 1382 ش.
[2] ابن سینا، الشفاء الطیّبات، ج1، ص137، منشورات مکتبة آیة الله العظمی المرعشی النجفی، قم 1405 هـ.ق.
[3] العلامة الطباطبائی، نهایة الحکمة، ص201، مؤسسة النشر الإسلامی، جامعة المدرسین، 1363 ش.
[4] نفس المصدر، ص214.
[5] مصباح الیزدی، محمد تقی، تعلیم الفلسفة، ج2، ص142، منشورات منظمة الإعلام الإسلامی، 1366 ش.