Please Wait
6186
تناولت هذه الآية المباركة و الآيات الاخرى خمس طوائف، أربع منها من المسلمين، و واحدة من غير المسلمين، و الطوائف الأربع هي: 1- المهاجرون السابقون. 2- الأنصار في المدينة. 3- المؤمنون الذين لم يهاجروا. 4- الذين آمنوا من بعد و هاجروا.
و الآية الأخيرة لا تتكلم عن الإرث، بل تتكلم عن موضوع واسع من ضمنه موضوع الإرث. و إذا وجدنا في الرّوايات الإسلامية، و في الكتب الفقهية، استدلالا بهذه الآية و الآية المشابهة لها في سورة الأحزاب على الإرث، فلا يعني ذلك أن الآية التي استدل به على الإرث منحصرة بهذا الشأن فحسب، بل توضح قانونا كليّا، و الإرث جزء منه.
و أمّا احتمال كون الآيات السابقة تشمل الإرث أيضا ثمّ نسخت الآية الأخيرة هذا الحكم منها، فيبدو بعيدا جدّا، لأنّ الترابط في المفهوم بين هذه الآيات جميعا من الناحية المعنوية، بل حتى التشابه اللفظي، كل ذلك يدل على أنّ الآيات نزلت معا في وقت واحد. و بهذا لا يمكن القول بالتناسخ بين هذه الآيات.
1. اشارت الآية الشريفة " وَ الَّذينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ في كِتابِ اللَّهِ...".[1] الى طوائف المهاجرين و الأنصار و الطوائف الأخرى من المسلمين و بيان قيمة هؤلاء جميعا، فتعطي كل طائفة قيمة.
و بتعبير آخر: إنّ هذه الآيات عالجت نظام المجتمع الإسلامي من حيث العلائق المختلفة، لأنّ خطة الحرب و خطة الصلح كسائر الخطط و المناهج العامّة، لا يمكن أن يتمّ أيّ منها دون تكوين علاقة اجتماعية صحيحة، و أخذها بنظر الإعتبار.
و قد تناولت هذه الآية المباركة و الآيات الاخرى خمس طوائف، أربع منها من المسلمين، و واحدة من غير المسلمين، و الطوائف الأربع هي:
1- المهاجرون السابقون.
2- الأنصار في المدينة.
3- المؤمنون الذين لم يهاجروا.
4- الذين آمنوا من بعد و هاجروا.
تشير الآية الأولى "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ"، إلى الطائفتين، الأولى و الثّانية [المهاجرون، و الأنصار] أي الذين آمنوا في مكّة ثمّ هاجروا منها إلى المدينة، و الذين آمنوا في المدينة ثمّ آزروا النّبي (ص) و نصروه و دافعوا عنه و عن المهاجرين، و قد وصفتهم الآية بأنّهم بعضهم أولياء بعض، و بعضهم حماة بعض. و الذي يسترعي النظر أنّ الآية وصفت الطائفة الأولى بأربع صفات هي:
الإيمان، و الهجرة و الجهاد المالي و الاقتصادي «و ذلك عن طريق الإعراض عن أموالهم في مكّة، و ما بذلوه من أموال في غزوة بدر»، و الصفة الرّابعة جهادهم بأنفسهم و دمائهم و أرواحهم.
أمّا الأنصار فقد وصفتهم الآية بصفتين هما: الإيواء، و النصرة.
و قد جعلت هذه الآية الجميع مسؤولين بعضهم عن بعض، و يتعهد كلّ بصاحبه بقولها "بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ".
فهاتان الطائفتان- في الحقيقة- كانتا تمثلان مجموعتين متلازمتين لا يمكن لأحدهما الاستغناء عن الأخرى، إذ منهما يتكون نسيج المجتمع الإسلامي، فهما بمثابة «المغزل و الخيط».
ثمّ تشير الآية إلى الطائفة الثّالثة فتقول: "وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا".
ثمّ استثنت في الجملة التي بعدها مسؤولية واحدة فحسب، و أثبتتها في شأن هذه الطائفة، فقالت: "وَ إِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ ... إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ".
و بتعبير آخر: يلزم الدفاع عن أولئك في صورة ما لو أصبحوا قبال عدوّ مشترك، أمّا إذا واجهوا كفارا بينكم و بينهم عهد و ميثاق، فإنّه يجب الوفاء بالعهد و الميثاق، و هي مقدمة على الدفاع في هذه الصورة.[2]
أمّا الآية الأخيرة فتشير إلى الطائفة الرّابعة من المسلمين، أي أولئك الذين آمنوا و هاجروا من بعد، فتقول: "وَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ".
أي أنّ المجتمع الإسلامي ليس مجتمعا منغلقا و محصورا على نفسه، بل أبوابه مفتوحة لجميع المؤمنين و المهاجرين و المجاهدين، و إن كان للمهاجرين الأوائل مقام خاص و منزلة كريمة، إلّا أنّ ذلك لا يعني أن المؤمنين الجدد و المهاجرين في المستقبل لا يعدّون جزاء من المجتمع الإسلامي و لا يكونون من نسيجه.[3]
و تشير الآية في ختامها إلى ولاية الأرحام بعضهم لبعض، و أوليتها فيما جعله اللّه في عبادة من أحكام، فتقول: "وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ".
و في الحقيقة فإنّ الآيات السابقة على الآية تتكلم عن ولاية المؤمنين و المسلمين العامّة «بعضهم إلى بعض» أمّا هذه الآية محل البحث فتؤكّد هذا الموضوع في شأن الأرحام و الأقارب، فهم إضافة إلى ولاية الإيمان و الهجرة يتمتعون بولاية الأرحام أيضا، و من هنا فهم يرثون و يورثون بعضهم بعضا، إلّا أنّه لا إرث بين غيرهم من المؤمنين الذين لا علاقة قربى بينهم.[4]
فبناء على ذلك فإنّ الآية الأخيرة لا تتكلم عن الإرث، بل تتكلم عن موضوع واسع من ضمنه موضوع الإرث. و إذا وجدنا في الرّوايات الإسلامية، و في الكتب الفقهية، استدلالا بهذه الآية و الآية المشابهة لها في سورة الأحزاب على الإرث، فلا يعني ذلك أن الآية التي استدل به على الإرث منحصرة بهذا الشأن فحسب، بل توضح قانونا كليّا، و الإرث جزء منه.[5]
و أمّا احتمال[6] كون الآيات السابقة تشمل الإرث أيضا ثمّ نسخت الآية الأخيرة هذا الحكم منها، فيبدو بعيدا جدّا، لأنّ الترابط في المفهوم بين هذه الآيات جميعا من الناحية المعنوية، بل حتى التشابه اللفظي، كل ذلك يدل على أنّ الآيات نزلت معا في وقت واحد. و بهذا لا يمكن القول بالتناسخ بين هذه الآيات.[7]
2. أما الآية الشريفة " النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ في كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنينَ وَ الْمُهاجِرينَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً".[8] فقد تطرقت الى مسألة مهمّة أخرى، أي إبطال نظام «المؤاخاة» بينهم.
و توضيح ذلك: أنّ المسلمين لمّا هاجروا من مكّة إلى المدينة و قطع الإسلام كلّ روابطهم و علاقاتهم بأقاربهم و أقوامهم المشركين الذين كانوا في مكّة تماما، فقد أجرى النّبي (ص) بأمر اللّه عقد المؤاخاة بينهم و عقد عهد المؤاخاة بين «المهاجرين» و «الأنصار»، و كان يرث أحدهم الآخر كالأخوين الحقيقيين، إلّا أنّ هذا الحكم كان مؤقّتا و خاصّا بحالة استثنائية جدّا، فلمّا اتّسع الإسلام و عادت العلاقات السابقة تدريجيّا لم تكن هناك ضرورة لاستمرار هذا الحكم، فنزلت الآية أعلاه و ألغت نظام المؤاخاة الذي كان يحلّ محلّ النسب، و جعل حكم الإرث و أمثاله مختّصا بأولي الأرحام الحقيقيين.[9]
[1] الانفال، 75.
[2] مكارم الشيرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج5، ص: 503- 504، مدرسة الامام علي بن أبي طالب (ع)، قم، الطبعة الاولى، 1421هـ؛ الطبرسي، فضل بن حسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 4، ص 864، انتشارات ناصر خسرو، طهران، 1372ش
[3] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج5، ص: 505- 506.
[4] انظر: مغنية، محمد جواد، فقه الإمام الصادق عليه السلام، ج 6، ص 199، مؤسسه انصاريان، قم، الطبعة الثانية، 1421ق؛ لارى، سيد عبد الحسين، تعليقات على رسالة في القضاء عن الميت، ص 498 و 499، مؤسسة المعارف الإسلامية، قم، الطبعة الاولى، 1418ق، و انظر تفسير الامثل ج5، ص 506.
[5] نفس المصدر.
[6] كما احتمل ذلك بعض المفسرين. انظر: الطباطبائي، سيد محمد حسين، المیزان في تفسير القرآن، ج 9، ص 142، مكتب الاعلام الإسلامي، قم، الطبعة الخامسة، 1417ق؛ الحسيني الهمداني، سيد محمد حسين، انوار درخشان، ج 7، ص 424، مكتبة لطفي، طهران، الطبعة الاولى، 1404ق؛ الاندلسي، ابو حيان محمد بن يوسف، البحر المحيط في التفسير، ج 5، ص 357، دار الفكر، بيروت، 1420ق.
[7] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج5، ص: 507؛ وانظر: الحفناوي، محمد ابراهيم، دراسات أصولية في القرآن الكريم، ص 397، مكتبة و مطبعة الاشعاع الفنية، القاهرة، 1422ق.
[8] الاحزاب، 6.
[9] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج13، ص: 166.