Please Wait
6321
یذهب الحکماء الالهیون المشاء منهم و الاشراقیون، بل مدرسة الحکمة المتعالیة و استناداً الى "قاعدة الواحد" الى القول: بما أن الله تعالى موجود بسیط من جمیع الجهات و له جهة واحدیة، من هنا یستحیل صدور المعالیل الکثیرة و الکثرات منه لاستحالة صدور الکثیر من الواحد. من هنا و لحل هذه الاشکالیة اتجه الحکماء اتجاهاً آخر حیث قالوا بعالم العقول، فقد اتفقت کلمتهم على ان عالم العقل هو الواسطة بین عالم الوحدة و الکثرات، فذهبت المدرسة المشائیة الى ان عدد العقول الطولیة عشرة عقول آخرها العقل الفعال، و ان ظهور الکثرات و تدبیر العالم یتم عن طریق العقل الفعال. اما المدرسة الاشراقیة و اصحاب الحکمة المتعالیة فیذهبون ان الامر لا ینحصر بسلسلة العقول الطولیة العشرة، بل هناک طائفة أخرى من العقول هی العقول العرضیة التی لا توجد بینها ای رابطة علیة او معلولیة، بل العقول العرضیة هی مثال مجرد للانواع المادیة و انها رب نوع المادیات، و ان تدبیر ای نوع من انواع عالم المادة یکون بید رب نوعه، و لقد ساقوا مجموعة من الادلة لاثبات وجود العقول العرضیة من قبیل قانون امکان الاشرف و ... .
اتفق الحکماء الالهیون المشاء منهم و الاشراقیون و اصحاب الحکمة المتعالیة على ان عالم العقل هو الواسطة فی ایجاد عالم ما دون العقول، نعم اختلفوا فی عدد العقول و نوعیتها، فقد ذهب المدرسة الاشراقیة الى وجود العقول العرضیة الامر الذی انکرته المدرسة المشائیة.[1]
اما البرهان الذی اقامه الحکماء لاثبات الصادر الاول الذی هو موجود مجرد عقلانی- و الذی یصطلح علیه بالعقل الاول- یکون هذا البرهان بالنحو التالی:
1- ان الواجب تعالى بسیط محض لا مجال لای نوع من انواع الکثرة الیه لا الکثرة الخارجیة کالترکیب من المادة و الصورة و لا الکثرة العقلیة مثل الترکیب من الوجود و الماهیة، و لا الترکیب من الوجود و العدم و لا الترکیب من الجنس و الفصل، اذا الواجب تعالى موجود واحد.
2- طبقا "لقاعدة الواحد"، لا یصدر عن الواحد البسیط الا معلول واحد، من هنا یکون المعلول المباشر لله تعالى شیئا واحدا فقط.[2]
من هنا لایمکن ان تکون الموجودات الکثیرة قد صدرت من ذات الله بصورة مباشرة و بلا واسطة، بل ان الصادر من الذات الالهیة موجود واحد و ان هذا الصادر الاول یکون واسطة فی خلق موجودات اخرى و هذه الموجودات تکون واسطة فی خلق اخرى و بهذا تتحقق الکثرة، ثم انه قد ذکر الحکماء ان العقل الاول او الصادر الاول تتجلى فیه جمیع کمالات الحق تعالى و هو اکمل موجودات عالم الامکان، فهو اشرف و اکمل و ابسط و اقوى الاشیاء الممکنة و لکن فی الوقت نفسه نسبته الى الذات الالهیة عین الحاجة و الفقر و التبعیة. اذا الصادر الاول مع کماله فهو قرین النقصان الذاتی و المحدودیة الامکانیة تلک المحدودیة التی هی من لوازم المعلولیة و المخلوقیة، تلک المحدودیة الامکانیة تحدد و ترسم المرتبة الوجودیة للعقل الاول و تمنحه التعین و استلزام الماهیة الامکانیة لان الماهیة هی حد الوجود، فکل موجود محدود له ماهیة، اذاً العقل الاول و ان کان واحدا شخصیا الا انه یحمل کثرة نوعیة و هذه الکثرة هی التی تصحح صدور الکثیر منه، على خلاف ذات الواجب تعالى التی هی منزهة عن کل انواع الکثرة، کما انه یوجد فی العقل الاول او الصادر الاول مجموعة من الجهات من قبیل تعقل الواجب تعالى، تعقل وجوبه -ای وجوب نفسه- الغیری، تعقل امکانه الذاتی، و هذه الجهة لیست معلولة لله تعالى لان امکان العقل الاول امکان ذاتی و الذاتی لایحتاج الى خلق او علة مستقلة زائدة على خلق الذات، کما ان تعقله للواجب تعالى او تعقله لوجوبه الغیری هی الاخرى لا تحتاج الى علة لانها من لوازم وجوبه الغیری.
فعلى ای حال بما ان العقل الاول یحتوی على جهات متعددة و کثیرة فطبیعة الحال کل جهة کثرة هی بنفسها تکون علة لممکنات اخرى، فمن جهة تعقل الواجب تعالى یصدر العقل الثانی، و من جهة تعقل الوجوب الغیری لنفسه یصدر وجود نفس (الصورة) الفلک الاقصى، و من جهة تعقل امکانه الذاتی یصدر جرم (جسم) الفلک الاقصى، و هکذا... .
ثم ان المدرسة المشائیة حصرت العقول بالعقول العشرة الطولیة فقط.[3]
یقول المرحوم الملا هادی السبزواری فی المنظومة:
فالعقل الاول لدى المشائی وجوبه مبدء ثان جائی
و عقله لذاته للفلک دان لدان سامک لسامک
و هکذا حتى لعاشر وصل و الفیض منه فی العناصر حصل
یعنی ان العقول المؤثرة عند المشائین عشرة عقول، تسعة منها لتسعة افلاک و العاشر الذی هو العقل الفعال هو الذی یوجد هیولا عالم العناصر و الصور الجسمیة المنطبعة فیه الملازمه له، ثم بعد ذلک یوجد کثرات الصور الجوهریة و الاعراض بحسب استعدادها الحاصل من تاثیر الاوضاع الفلکیة و حرکاتها.[4]
اذاً المشائین یرون ان العالم صادر من العقل الفعال باعتبار ان العقل الفعال یشتمل على مجموعة من الجهات المتعددة من الکثرة من هنا یمکن ان یکون له معلولات کثیرة. و لکن الاشراقیین اثبتوا عقولا عرضیة ایضاً،یقول العلامة الطباطبائی: أثبت الإشراقیون فی الوجود عقولا عرضیة لا علیة و لا معلولیة بینها هی بحذاء الأنواع المادیة التی فی هذا العالم المادی یدبر کل منها ما یحاذیه من النوع و تسمى أرباب الأنواع و المثل الأفلاطونیة لأنه-ای افلاطون- کان یصر على القول بها. و أنکرها المشاءون و نسبوا التدابیر المنسوبة إلیها إلى آخر العقول الطولیة الذی یسمونه العقل الفعال.
فالمدرسة الاشراقیة ترى ان سلسلة العقول الطولیة تختم بالعقول العرضیة،ای ان العقول الطولیة العشرة و التی آخرها العقل الفعال تختم بسلسلة من العقول العرضیة التی لا توجد بینها ای علاقة او رابطة علیه و أو معلولیة و انها هی التی تتکفل بخلق العالم و تدبیره.[5]
و قد ارتضى الملا صدرا و مدرسة الحکمة المتعالة رأی الاشراقیین،[6] و اقاموا مجموعة من البراهین على اثبات العقول العرضیة.
الدلیل الاول: قاعدة امکان الاشرف
هذه القاعدة تتکون من مقدمتین:
الف: ان الفرد الذی تتوفر فیه جمیع کمالات نوعه بالفعل اشرف من الفرد الذی یتوفر فیه بعض کمالات النوع بالفعل و البعض الآخر بالقوة، مثلا الانسان کموجود مجرد یحتوی على جمیع کمالات النوع الانسانی بالفعل فیکون اشرف من الموجود المادی الذی تتوفر فیه بعض تلک الکمالات بالفعل.
ب: بناءً على قاعدة امکان الاشرف، اذا تحقق شیء ممکن و کانت کمالاته الوجودیة اقل من ممکن آخر فلابد ان یکون الممکن الاشرف سابقاً له فی الوجود و الحقق.
من هنا یکون وجود الافراد المادیة للنوع کاشفاً و دلیلا على وجود الفرد المجرد لهذا النوع ( العقول العرضیة)،فعلى سبیل المثال وجود الانسان المادی کاشف عن تحقق المثال العقلی للانسان فی مرتبة سابقة.[7]
الدلیل الثانی: انک إذا تأملت الأنواع الواقعة فی عالمنا هذا وجدتها غیر واقعة بمجرد الاتفاقات و إلا لما کانت أنواعها محفوظة عندنا و أمکن حینئذ أن یحصل من الإنسان غیر الإنسان و من الفرس غیر الفرس و من النخل غیر النخل و من البر غیر البر و لیس کذلک بل هی مستمرة الثبات على نمط واحد من غیر تبدل و تغیر، فالأمور الثابتة على نهج واحد لا یبتنی على الاتفاقات الصرفة ،فیجب أن یکون لکل نوع من الأنواع الجسمیة جوهر مجرد نوری قائم بنفسه هو مدبر له و معتن به و حافظ له و هو کلی ذلک النوع.[8] و هذه ما یعبر عنها بالمثل الافلاطونیة او العقول العرضیة.[9]
الدلیل الثالث: و هذا الدلیل لاثبات رب النوع یقوم على عدة مقدمات:
الف: ان التراکیب النباتیة مع ما فیها من الترکیب العجیب و النظام المتقن الغریب و الهیئات الحسنة و التخاطیط المستحسنة تحتاج الى علة.
ب: لایمکن ان تکون هذه العلة هی الطبیعة و القوة النباتیة، لانها اعراض لا إدراک لها و لا ثبات لها... .
ج : و العاقل الفطن إذا تأمل ذلک و ما انضم إلیه من الحکم و عجائب الصنع التی فی کتاب الحیوان و النبات علم أن هذه الأفاعیل العجیبة و الأعمال الغریبة لا یمکن صدورها عن قوة لا تصرف لها و لا إدراک بل لابد و أن تکون صادرة عن قوة مجردة عن المادة مدرکة لذاتها و لغیرها و یسمى تلک القوة المدبرة للأجسام النباتیة عقلا و هو من الطبقة العرضیة التی هی أرباب الأصنام و الطلسمات.[10]
الدلیل الرابع: بما ان لکل نوع افعالاً و آثاراً خاصة به، اذا لابد ان یکون لکل نوع عقل مجرد خاص به أیضاً و یکون هو مصدر الافعال و الآثار لافراد نوعه، و لایمکن ان تکون جمیع الانواع المادیة راجعة الى عقل مجرد واحد.[11]فلابد من الاعتقاد بالمثل الافلاطونیة او العقول العرضیة.
[1] علی شیروانی، ترجمة و شرح بدایة الحکمة، ج 4، ص236 .
[2] حسن زاده الآملی، حسن، وحدت از دیدگاه عارف و حکیم، ص 108؛ الطباطبائی، محمد حسین، بدایة الحکمة، ص 216؛ ابن حمزة الفناری، مصباح الانس، ص 191.
[3] الهیات الشفاء، المقالة التاسعة، الفصل الرابع و الخامس.
[4] السبزواری، ملا هادی؛ شرح المنظومة، تصحیح، حسن زادة الآملی، ج 3 ، ص 672- 674.
[5] نهایة الحکمة، ص 382- 383.
[6] صدر الدین الشیرازی، الاسفار الاربعة، ج 2، ص 46- 81، و ج 7، ص 169- 171و 258-281.
[7] حکمة الاشراق، ص143، شرح حکمة الاشراق، ص 348- 349.
[8] الأسفارالأربعة، ج 2، ص 56.
[9] حکمة الاشراق، ص 143- 144؛ شرح حکمة الاشراق، ص 348- 349.
[10] الاسفار الاربعة، ج 2، ص53- 56.
[11] المطارحات، ص 455- 459؛ الاسفار، ج 2، ص 53- 56.