بحث متقدم
الزيارة
7033
محدثة عن: 2009/01/17
خلاصة السؤال
هل ان جعل حیاة الامام علی (ع) فی خطر لیلة المبیت لا یتنافی مع جعله خلیفة من قبل الله و الرسول؟
السؤال
حینما هاجر النبی (ص) من مکة الی المدینة اصطحب ابابکر معه و انقذه، و من جانب آخر فانه قد جعل الامام علیاً (ع) فی معرض الخطر و طلب منه المبیت فی فراشه ... فاذا کان علی (ع) اماماً و وصیاً و خلیفة منصوباً من قبل الله، فهل یمکن ان یجعل مثله فی معرض الموت و تنقذ حیاة أبی بکر الذی لو مات لم تکن امامته ضروریة ... و السؤال هو ان ایّاً منهما کان جدیراً بالحفاظ علیه و لا یعرّض للموت؟
الجواب الإجمالي

الانبیاء الالهیون لهم درجات و مقامات متعددة، فبعضهم رسول للتبلیغ فقط و لکن البعض الآخر لهم المقامات الاربع: 1- استلام الوحی، النبوة. 2- تبلیغ و تشریع الرسالة. 3- الامامة. 4- الحکومة. و من المعلوم ان نبی الاسلام الاکرم (ص) قد کانت له المقامات الاربع، و لکن خلفاءه (حیث ان الرسول (ص) کان هو آخر نبی الله و هو خاتم النبوة و الرسالة) لهم مقامان و منصبان فقط؛ هما الامامة و الحکومة و بواسطتهما یقومون بحمایة الدین و اقامة الحدود و اجراء الاحکام الالهیة. و حیث ان نبی الاسلام (ص) کان یری ان خلیفته هو علی (ع) فان هذه المسؤولیة تشمل فی بعض الموارد زمان حیاته (ص) ایضاً، و من تلک الموارد حادثة هجرة النبی (ص) من مکة الی المدینة حیث أمر علیا (ع) بالنوم فی فراشه لکی تسلم حیاة النبی (ص) و تبقی الرسالة و النبوة مصونة و محفوظة، و من خلال ذلک کانت هذه الحرکة اشارة رمزیة الی شجاعة الامام علی (ع) و امتحاناً الهیّاً من أجل الوصول الی مقام الامامة، حیث انه لیس لاحد من الصحابة ان یکون عمله مماثلاً لعمل الامام علی (ع) او مکافئاً له.

الجواب التفصيلي

للاجابة عن هذا السؤال یجب ان تتضح مسألتان:

1. جزمیة خلافة الامام علی (ع) بعد النبی (ص).

2. عدم التنافی بین خلافة الامام علی (ع) و تعریض حیاته للخطر لیلة الهجرة و مبیت الامام علی (ع) فی فراش النبی (ص).

و المسألة الاولی واضحة تماماً فی الروایات السنیة و الشیعیة و نحن نشیر هنا الی بعض هذه الروایات:

1- حدیث یوم الدار،:[1] روی فی تفسیر آیة: "و انذر عشیرتک الاقربین"، عن البراء بن عازب قوله: لما نزلت هذه الآیة جمع رسول الله (ص) بنی عبد المطلب و هم یومئذ اربعون رجلاً، الرجل منهم یأکل المسنة و یشرب العس فامر علیاً برجل شاة فأدمها ثم قال: ادنو باسم الله فدنا القوم عشرة عشرة فاکلوا حتی صدروا ثم دعا بقعب من لبن فجرع منه جرعاً ثم قال لهم: اشربوا باسم الله فشربوا حتی رووا ، فبدرهم ابولهب فقال: هذا ما سحرکم به الرجل فسکت (ص) یومئذ و لم یتکلم. ثم دعاهم من الغد علی مثل ذلک من الطعام و الشراب ثم انذرهم رسول الله (ص) فقال: یا بنی عبد المطلب انی انا النذیر الیکم من الله عزوجل فاسلموا و اطیعونی تهتدوا. ثم قال: من یؤاخینی و یوازرنی و یکون ولیی و وصیی بعدی و خلیفتی فی اهلی و یقضی دینی؟ فسکت القوم فاعادها ثلاثاً کل ذلک یسکت القوم و یقول علی: أنا. فقال فی المرة الثالثة: انت. فقام القوم و هم یقولون لأبی طالب: أطع ابنک فقد امّر علیک،[2] و قد نقل هذا الحدیث احمد بن حنبل فی مسنده باسناد مختلفة.[3]

2- حدیث المنزلة: قال رسول الله (ص) لعلی (ع): "انت منی بمنزلة هارون من موسی الا انه لا نبی بعدی".[4] و هذه الاحادیث تبین بوضوح أن خلافة الامام علی (ع) کانت امراً مسلماً منذ بدایة بعثة النبی (ص).

و اما بالنسبة للمسألة الثانیة، ای عدم التنافی بین خلافة الامام علی (ع) و تعریض حیاته للخطر فی لیلة الهجرة و مبیت الامام علی (ع) فی فراش النبی (ص) فینبغی ان یقال: ان الاسلام تعرض طیلة ثلاث عشرة سنة من بعثة النبی (ص) فی مکة لمختلف الصعوبات و المضایقات الشدیدة مما ادی بالمسلمین للهجرة (بأمر النبی (ص) ) الی بلاد اخری للتخلص من هذه الضغوط، و فی هذا الاتجاه و نظراً لکون الظروف مهیئة لانتشار الاسلام خارج مکة فقد هاجر تسعون فی المائة من المسلمین الی یثرب (مدینة النبی) فی السنة الثالثة عشرة و الرابعة عشرة.[5] فبقی عدد قلیل من المسلمین الی جنب شخص رسول الله (ص) فی مکة، و أدّی ذلک الی اثارة المخاوف الشدیدة لدی مشرکی مکة؛ فاجتمعوا فی دار الندوة (مجلس اتخاذ القرار) و ابدوا مخاوفهم من اختیار المسلمین لیثرب مقراً لهم (المکان الذی یمکنه قطع شریان الحیاة عن مکة) فعزموا علی قتل النبی الاکرم (ص) و قطع جذر النبوة و الوحی و أعدوا مقدمات ذلک، و لکن الله تعالی (و الله خیر الماکرین)،[6] إطلع نبیه علی هذه المؤامرة، و حینئذٍ فماذا کان علی النبی ان یفعل؟

اختیار علی (ع):

و الآن و بعد ان اطلع النبی (ص) علی خطة الکفار و وجب علیه اتخاذ القرار بسرعة لیتمکن من وقایة نفسه فی هذه المعرکة من أجل حفظ الاسلام و أیضاً لکی یستطیع اتمام بعض أعماله فی مکة بواسطة شخص موثوق به تماماً. و من تری یکون افضل الاشخاص و اوثقهم للقیام بهذا العمل؟ ان له وزیراً و مستشاراً و اخاً و خلیلاً کان قد اعلن خلافته مراراً للجمیع فی یوم الانذار، و لکن حیث انه لم یجد شخصاً انسب من الامام علی (ع) فاضطر الی ان یترک أفضل أنصاره وحیداً بین کل هؤلاء المقاتلین و سیوفهم المشهرة و یضع علی عهدته أیضاً مسؤولیة اداء الامانات و نقل اسرته من مکة الی المدینة. فهل من العقل ان یترک الانسان نفسه و وارثه و حاصل العلوم النبویة علی فراش الموت وحیداً و یخاطر بحیاته؟ نعم انه کان علیه ان یفعل ذلک لعدة اسباب:

1- اطاعة لله:

من المسلم عندنا طبقاً لصراحة القرآن الکریم ان رسول رب العالمین لا ینطق عن الهوی ابداً و ان کل ما یقوله وحیٌ و من قبل الله تعالی.[7] و کان هذا المورد أیضاً – و بملاحظة أهمیته و حساسیته الشدیدة – بامر من الله تعالی قطعاً.

2- حفظ حیاة النبی (ص) و الرسالة:

فی لیلة المبیت و هجرة الرسول (ص) حیث کان الاعداء عازمین بأجمعهم علی قتله و یحرصون علی ان لا یغادر النبی (ص) فراشه و کانوا أحیاناً (و للاطمئنان من وجوده) یرمون نحوه بصغار الحصی،[8] لکی یعلموا بمغادرته فراشه و غرفته حتی یتمکنوا من مهاجمته فی اول فرصة. فکان من المسلم عند الجمیع ان النبی (ص) سیقتل خلال لحظات، و من بعده لا یبقی أثر للرسالة و الوحی و النبوة. فما الذی کان یجب فعله فی تلک اللحظات من أجل حفظ الدین؟

قطعاً کان یجب ان یبقی النبی (ص) سالماً و مصوناً من البلاء. فلو کان رسول الله (ص) قد قتل فی ذلک الوقت حیث لم یصل الدین الی مرحلة الکمال فما تکون فائدة خلافة الامام علی (ع) حینئذٍ؟ اذن فقضیة خلافة الامام علی (ع) متفرعة علی اصل وصول التعالیم الدینیة التی هی أیضاً متفرعة علی حفظ حیاة سید الکائنات النبی الاکرم (ص). و بملاحظة دقة و نباهة العدو و خطته المدروسة، فان ای حرکة صغیرة زائدة یمکنها ان تنبّه الاعداء الی عدم وجود النبی (ص) فی الفراش، و هذا هو ما حصل بعد عدة ساعات، فبذل العدو کل ما بوسعه و قد استطاع الی حد کبیر الاقتراب من محل اختفاء النبی (ص) و لکنه لم یصل الی نتیجة.

و بناء علی هذا فانه لا شک انه لولا تضحیة الامام علی (ع) و ایثاره و مراعاة الجوانب الأمنیة و کتمان الاسرار لم یکن بالامکان الحفاظ علی حیاة النبی (ص) و لم یکن یمکن لای شخص آخر القیام بذلک.

3- ان هذا الایثار و التضحیة فی تلک اللحظات المصیریة الحاسمة للدین الاسلامی یثبت للجمیع أفضلیة الامام علی (ع) و جدارته لاحراز مقام الخلافة. و یکفی لبیان قیمة تضحیة الامام فی لیلة المبیت ان تنزل آیة من الله تعالی تمجّد بهذا العمل الکبیر حیث یقول تعالی: "و من الناس من یشری نفسه (کما فعل الامام علی (ع) فی لیلة المبیت حین بات علی فراش النبی) ابتغاء مرضاة الله و الله رئوفٌ بالعباد".[9]



[1] الطرائف، ج 1، ص 21- 22.

[2] الطرائف، ج 1، ص 66- 67.

[3] المسند، ج 1، ص 111 و 159؛ ابن بطریق، العمدة، ص 42؛ و نقل هذا الحدیث بهذا التفصیل علی بن برهان الحلبی الشافعی فی السیرة الحلبیة، ج 1، ص 323 و قال: قال النبی لعلی (ع): فانت اخی و وزیری و وصیی و وارثی و خلیفتی من بعدی، و ایضاً نقله المتقی الهندی فی کنز العمال، ج 6، ص 397؛ ابو الفداء فی تاریخه، ج 1، ص 116 ؛ النسائی فی الخصائص، ص 6؛و ابوجعفر الاسکافی المعتزلی فی کتاب (نقض العثمانیة) بناء علی نقل ابن ابی الحدید، ج 3، ص 263 ؛ و ابن سعد فی الطبقات أورده بنفس هذا المضمون.

[4] العلامة الامینی، الغدیر، حدیث المنزلة، و باقی الکتب.

[5] لاحظ: سیرة رسول الله (ص)، رسول جعفریان؛ السیرة الحلبیة؛ تاریخ بن الاثیر؛ السبحانی، جعفر، تاریخ الاسلام.

[6] آل عمران، 54.

[7] النجم، 3.

[8] لاحظ: السیرة الحلبیة.

[9] البقرة، ص 207.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280465 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259118 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129816 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116202 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89697 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61314 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60564 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57472 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52091 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48156 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...