Please Wait
9857
مع أن لفظ (جسر الصراط) لم یرد فی القرآن الکریم، إلا أنه ورد فی الروایات على وجه التصریح، فالإمام الصادق (ع) مثلاً عندما فسر کلمة مرصاد فی الآیة 14 من سورة الفجر، ذکر أن المرصاد جسر یمر على نار جهنم.
و من أجل أن یتضح الموضوع نوضح بعض المطالب فیما یخص کلمة "صراط"، الصراط بمعنى الطریق، و المراد من کلمة الصراط المستقیم فی بعض آیات القرآن أنه الطریق الصحیح و طریق الهدایة فی هذه الدنیا، فإذا کان الشخص سائراً على هذا الصراط، فإنه سوف یکون علیه فی الآخرة أیضاً، و إذا انحرف شخص عن هذا المسیر و زلت قدمه، فإنه سوف یسقط هناک.
و شاهد کلامنا روایة نقلت عن الإمام الصادق (ع)، حیث قال (ع): «...هو الطریق إلى معرفة الله عز و جل، و هما صراطان: صراط فی الدنیا، و صراط فی الآخرة. و أما الصراط الذی فی الدنیا فهو الإمام المفترض الطاعة، من عرفه فی الدنیا و اقتدى بهداه مر على الصراط الذی هو جسر جهنم فی الآخرة، و من لم یعرفه فی الدنیا زلت قدمه عن الصراط فی الآخرة فتردى فی نار جهنم».
و معنى هذا الکلام إن الصراطین مرتبطان ببعضهما، یعنی من یکون فی هذه الدنیا على الصراط، فإنه سوف یعبر على "جسر الصراط" فی الآخرة و بکل سهولة و لم یسقط فی نار جهنم، و فی واقع الأمر فإن جسر الصراط المشار إلیه فی الروایات یعنی بروز و ظهور جسر الصراط فی الدنیا الذی عبر عنه بالإمام و ... و قد کلف الناس بالسیر على هذا الاتجاه.
إذن - ما عبرت الروایات عن الصراط - و أنه موقف من مواقف یوم القیامة بألفاظ من قبیل جسر الصراط أو جسر جهنم و ... فإن ذلک من أجل تسهیل المسألة على أذهان الناس لیدرکوها بسهولة و یسر.ر
لابد من القول - بعنوان المقدمة - أن کلمة الصراط بمعنى الطریق الصحیح و عندما وصفت بالمستقیم، فالمراد منها الطریق الصحیح المستقیم، و قد استعملت فی القرآن الکریم عبارة "الصراط المستقیم" و قد وردت فی الآیات التالیة:
1- «اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِیمَ».[1]
2- «إِنَّ اللَّهَ رَبِّی وَ رَبُّکُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِیمٌ».[2]
3- «وَ مَنْ یَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِیَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِیمٍ».[3]
4- «وَ هَذَا صِرَاطُ رَبِّکَ مُسْتَقِیمًا قَدْ فَصَّلْنَا الآَیَاتِ لِقَوْمٍ یَذَّکَّرُونَ».[4]
و فی جمیع هذه الآیات المراد هو الطریق الصحیح و طریق الهدایة فی هذه الدنیا، بمعنى إذا کان الإنسان سائراً على هذا الطریق فی الحیاة الدنیا، فإنه یکون فی الآخرة على صراط مستقیم و طریق صحیح، أی أنه یرى نتیجة أعماله الصالحة الصحیحة التی کان یأتی بها فی الحیاة الدنیا.
و من الواضح أن مراد القرآن الکریم من لفظ "الصراط المستقیم" فی هذه الآیات هو العمل بمجموع الأوامر و الأحکام الإلهیة النورانیة باعتبارها أفضل السبل و أوضحها التی یمکن اتباعها فی حیاة الإنسان، و إن العمل بهذه القوانین و التعلیمات بمثابة السیر على طریق مستقیم ینتهی إلى هدایة الإنسان.
و لهذا السبب ورد التعبیر فی بعض الروایات بان الأئمة (ع) هم الصراط المستقیم.[5]
قال الإمام الصادق (ع): «هو الطریق إلى معرفة الله عز و جل، و هما صراطان: صراط فی الدنیا، و صراط فی الآخرة. و أما الصراط الذی فی الدنیا فهو الإمام المفترض الطاعة، من عرفه فی الدنیا و اقتدى بهداه مر على الصراط الذی هو جسر جهنم فی الآخرة، و من لم یعرفه فی الدنیا زلت قدمه عن الصراط فی الآخرة فتردى فی نار جهنم».[6]
و کذلک قال فی مورد الآیة 14 من سورة الفجر: «إِنَّ رَبَّکَ لَبِالْمِرْصَادِ»[7]: «قنطرة على الصراط لا یجوزها عبد بمظلمة».[8]
و من الطبیعی فإن بیان الإمام الصادق (ع) من قبیل ذکر أحد مصادیق "المرصاد" لأن المرصاد الإلهی غیر منحصر بالقیامة و جسر الصراط المعروف، و إن الله تعالى بالمرصاد للظالمین فی هذه الدنیا....[9]
و على هذا الأساس فإن جسر الصراط واقعیة أشیر إلیها فی القرآن الکریم أیضاً.[10] و کذلک فی الروایات حیث ورد بیان خصوصیاتها و مشخصاتها.
قال الإمام الصادق (ع): «الصراط أدق من الشعرة و أحد من السیف».[11]
و قال الرسول الأکرم (ص): «أثبتکم قدماً على الصراط أشدکم حباً لأهل بیتی».[12]
و من الجدیر بالذکر أن جسر الصراط موقف من مواقف یوم القیامة، و قد جاءت الإشارة إلیه بتعابیر مختلفة من أمثال جسر الصراط، جسر جهنم و ... و لکن مراد جمیع هذه الروایات، إیضاح ذلک الموقف الذی عبرت عنه بـ "جسر الصراط" من أجل تسهیل فهمه على أذهان عامة الناس و لیس واقع الحال أن جسر الصراط شبیه بالجسور التی نعرفها فی هذه الدنیا التی تشاد على عدة قواعد و رکائز لتمر علیها الناس و الحیوانات و سائر وسائط النقل، و لکن المراد هو أن یفهم الناس أن هذا المذهب و الطریق هو الذی یوصلهم إلى السعادة الحقیقیة الأبدیة، و أنه دین واضح له خصوصیاته و ممیزاته و أنه دین الله، و لابد أن یکون إسلاماً حقیقیاً و أن حث الخطى و السیر على هذا الطریق یمثل طریق النجاة الأوحد الذی ینتهی إلى النجاة و الفلاح، و من جهة أخرى فإن جهل خصائص و مشخصات هذا الطریق و دقائق أموره و الغفلة عنها ینتهی بالإنسان إلى الانحراف و الضلال و التیه.
و على هذا الأساس فإن تفسیر جسر الصراط فی الروایات و إنه أحد من السیف و أدق من الشعرة أمر غایة فی الدقة و الإحکام و أن بدایته فی هذه الدنیا، حیث تکون الدنیا نقطة الانطلاق المتصلة بالآخرة، و علیه فمن یرید العبور على الصراط و جسره یجب علیه أن یبدأ من هذه الدنیا و أن یواظب و یحافظ على التزام هذا الطریق القویم دون الخروج عنه. و بعبارة أدق فإن جسر الصراط فی القیامة هو ظهور و تجلٍ لسر الصراط فی هذه الدنیا الذی عبر عنه بالإمام و ... .
[1] فاتحة الکتاب، 5.
[2] آل عمران، 51.
[3] آل عمران، 101.
[4] الأنعام، 126.
[5] معانی الأخبار، ص 32.
[6] معانی الأخبار، ص 32؛ میزان الحکمة، ج 5، ص 346 "مادة صراط".
[7] إن ربک لبالمرصاد.
[8] بحار الأنوار، ج 8، ص 66.
[9] التفسیر الأمثل، ج 26، ص 458.
[10] بالإضافة إلى ما سبق فإن الآیات 71 و 72 من سورة مریم: «وَ إِنْ مِنْکُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا کَانَ عَلَى رَبِّکَ حَتْمًا مَقْضِیَّاً * ثُمَّ نُنَجِّی الَّذِینَ اتَّقَوْا وَ نَذَرُ الظَّالِمِینَ فِیهَا جِثِیَّاً» تشیر إشارة واضحة إلى وجود الصراط . للاطلاع الأکثر انظر: التفسیر الأمثل، ج 13، ص 121-171 .
[11] میزان الحکمة، ج 5، ص 346 "مادة صراط".
[12] بحار الأنوار، ج 8، ص 69.