Please Wait
5815
1ـ ما یستنبط من مباحث التوحید أن أمور العبد بید الله تعالى، و لکن ما نقرأه و نسمعه من بعض الوسائل یوحی بأن الله فوض إدارة العالم إلى الإمام المعصوم (عج).
2ـ مع الأخذ بنظر الاعتبار أن لیلة القدر موجودة عند الأمم السابقة، و إذا صح الادعاء السابق فمن هو الشخص الذی یمضی و یوقع على هذه الأعمال فی زمن الفترة و هو الزمن الفاصل بین عیسى (ع) و محمد (ص)؟
3ـ بحدود متابعتی لتفسیر الآیات المبارکة فی سورة القدر و الدخان من خلال الفحص فی تفسیری المیزان و الأمثل لم أجد الإشارة إلى مسألة (إمضاء المقدرات من قبل الحجة(عج)، و کل ما ینقل یفتقر إلى السند الروائی، الرجاء بیان رأیکم فی هذه المسألة؟
على أساس الروایات المعتبرة أن جمیع الأمور المتعلقة بالعباد تنزل على رسول الله (ص) و الإمام المعصوم و حجة الله فی أرضه و حیث أن الإمام الحجة (عج) هو الحی الموجود الآن فإن جمیع الأمور تعرض علیه.
و أما بخصوص الإشکالات التی أوردتموها فلا بد من القول:
1ـ أن لیلة القدر غیر موجودة فی الأمم السابقة.
2ـ وإذا رفضنا القول المتقدم و قبلنا أن لیلة القدر موجودة فی الأمم السابقة فلا بد من القول أن الأرض لم تخلُ من وجود حجة حتى فی زمن الفترة ما بین عیسى (ع) و محمد (ص) سواء کان نبیاً أم وصیاً.
ولا یعنی زمن الفترة خلو الأرض من حجة لله آنذاک بل معنى الفترة عدم وجود نبی أو رسول فی ذلک الزمن، و فی هذه الفترة التی امتدت 600 عام فلا شک أن أوصیاء عیسى(ع) و خلفاءه کانوا موجودین فیها و هم حجة الله على عباده فی الأرض. و على هذا الأساس یمکن القول: إن نزول الملائکة فی زمن الفترة کان على حجج الله فی الأرض المتمثلین بأوصیاء عیسى (ع).
3ـ إن إمضاء الإمام للأعمال فی لیلة القدر لا ینافی التوحید بحال من الأحوال، لأن جمیع تصرفات الإمام و ما یقوم به من أعمال إنما تتم بإذن الله تعالى، و تأثیرها طولی فی الأمور لا عرضی.
یمکن تقسیم سؤالکم إلى أربعة أقسام:
1ـ هل أن أعمالنا ترفع فی لیلة القدر من کل عام إلى الإمام الحجة(عج) فیمضیها و یؤیدها؟
2ـ هل أن لیلة القدر کانت موجودة قبل الإسلام؟
3ـ و إذا کان الجواب بالإیجاب فعلى أی شخص یکون نزول الملائکة فی زمن الفترة؟
4ـ هل أن إمضاء الأعمال و تقدیرها فی لیلة القدر من قبل غیر الله منسجم مع مقولة التوحید؟
1ـ بحسب الروایات المعتبرة فإن جمیع شؤون العباد تعرض على رسول الله (ص) و الإمام المعصوم و حجة الله فی أرضه، و حیث أن الإمام الحجة هو الحی فی هذا الزمان فإن تقدیر الأمور و الأعمال یعرض علیه.
ینقل الإمام الجواد(ع) عن أمیر المؤمنین أنه قال لابن عباس: "إن لیلة القدر فی کل سنة، و إنه ینزل فی تلک اللیلة أمر السنة، و لذلک الأمر ولاة بعد رسول الله (ص)، فقال ابن عباس: من هم؟ قال: أنا و أحد عشر من صلبی أئمة محدثون" [1] .
2ـ هل أن لیلة القدر موجودة عند الأمم السابقة؟
ما تصرح به الروایة الکثیرة ورد فی سبب نزول الآیة الشریفة فی قوله تعالى: «خَیْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» [2] یدل على أن لیلة القدر من المواهب الإلهیة التی خص الله بها هذه الأمة، کما جاء فی الحدیث عن النبی الأکرم (ص): «إن الله وهب لأمتی لیلة القدر لم یعطها من کان قبلهم» [3] .
کما أن ظاهر آیات سورة القدر یوحی بأن لیلة القدر لا تخص زمان نزول القرآن و عصر الرسول الأکرم (ص)، بل أنها تتکرر فی کل عام «منذ عصر الرسول» إلى نهایة العالم.
لأن الفعل المضارع «تنزل» یدل على الدوام و الاستمرار، و کذلک الجملة الإسمیة فی قوله تعالى: «سَلامٌ هِیَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ» فإنها شاهد على الاستمرار أیضاً. إضافةً إلى الروایات التی قد تبلغ حد التواتر و التی تؤید هذا المعنى [4] .
3ـ و إذا لم نقبل ما تقدم و قلنا أن لیلة القدر کانت موجودة عند الأمم السابقة فلا بد أن نعلم أن الأدلة النقلیة و العقلیة تدل على أن الأرض لم تخلُ من حجة لله فی أی زمنٍ من الأزمان «إما رسول أو وصی». و أن زمن الفترة لا یعنی خلو الأرض من الحجة آنذاک و إنما یعنی عدم وجود رسول أو نبی، و لا شک فی وجود أوصیاء عیسى (ع) و خلفائه فی الفترة الفاصلة بین عیسى (ع) و محمد(ص) و البالغة 600 عام.
توضیح:
یقول تعالى فی سورة المائدة: «یَا أَهْلَ الْکِتَابِ قَدْ جَاءَکُمْ رَسُولُنَا یُبَیِّنُ لَکُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِیرٍ وَ لا نَذِیرٍ فَقَدْ جَاءَکُمْ بَشِیرٌ وَ نَذِیرٌ وَ اللَّهُ عَلَى کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ» [5] . تشیر هذه الآیة إلى الفترة الفاصلة بین عیسى (ع) و محمد (ص) و البالغة 600 عاماً. و الذی یفهم من الآیة أنه لا یوجد رسول أو نبی فی هذه الفترة الزمنیة. و لکن لا بد من التوجه أن عدم مجیء نبی لا یعنی عدم وجود حجة لله فی الأرض یکون واسطة ارتباط بین الله و عباده، بل أن الأرض لا تخلو من الحجة فی زمن من الأزمان. یقول الإمام علی (ع) مخاطباً کمیل بن زیاد: «لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة، إما ظاهراً مشهوراً، أو خائفاً مغموراً، لئلا تبطل حجج الله و بیناته... یحفظ الله بهم حججه و بیناته حتى یودعوها نظراءهم، و یزرعوها فی قلوب أشباههم...» [6] .
و على هذا الأساس فإننا نعتقد أن أول إنسان کان حجة لله و أن آخر إنسان سیکون حجة لله.
و لا شک أن زمن الفترة الفاصلة بین عیسى(ع) و محمد(ص) یحتوی على حجة لله على عباده، یقول الإمام الرضا(ع): «و أن الأرض لا تخلو من حجة الله تعالى على خلقه فی کل عصر و أوان» [7] فمن الممکن أن لا تکون على إطلاع على اسمه و مشخصاته، مثلما لا نعرف الأکثر من أسماء الأنبیاء البالغ عدد مائة و أربعة و عشرون ألفاً، و ما نعرف منهم إلا عدداً یسیراً.
و من جهة أخرى فإن حجة الله من الممکن أن یکون نبیاً أو إماماً لأن کل نبی له وصی، و قد روى الشیعة و السنة أن النبی (ص) قال: «ما من نبی إلا و له وصی» [8] و لذلک فإن الشیعة یعتقدون بوجود حجة لله فی کل زمان فی هذا العالم یکون واسطة الفیض بین الله و عباده و الحافظ لدینه و المرجع للناس. و على هذا الأساس یمکن القول أن نزول الملائکة فی زمن الفترة ما بعد عیسى(ع) یکون على أوصیائه و خلفائه و هم حجة الله آنذاک.
و الإشکال الوارد على هذا الکلام هو: مع وجود الحجة لله فی کل زمان فی هذا العالم و هو واسطة الفیض و حافظ الدین و مرجع الناس. و لکن من المحتمل أن لا نملک دلیلاً على أن الأعمال و الأمور تعرض علیه، و إن أثبتنا کونه وصیاً.
و لکننا نعتقد أن الأمم السابقة لیست لها «لیلة قدر» و لذلک لا نواجه هذه المشکلة و هذا الإیراد.
4ـ هل أن إمضاء الأعمال و تقدیرها فی کل عام و فی لیلة القدر من قبل الحجة أمرٌ ینسجم مع مقولة التوحید؟
حجة الله هو خلیفته على أرضه، و کل ما یقوم به من عمل إنما یکون بإذن من الله و تطبیق لإرادته تعالى، و له تأثیر طولی فی الأمور، أی تأثیره فی طول إرادة الله لا فی عرضها. و علیه فلا یتنافى مع التوحید بأی حال من الأحوال، یقول الإمام المهدی(ع): «قلوبنا أوعیة لمشیئة الله، فإذا شاء شئنا» [9] . و إذا قلنا أن صحائف أعمالنا تقدم إلى الإمام الحجة(عج) لإمضائها و النظر فیها نقول أن ذلک یکون بإرادة الله و إذنه و لا منافاة بینه و بین التوحید، کما قال عیسى(ع): «أَنِّی أَخْلُقُ لَکُمْ مِنَ الطِّینِ کَهَیْئَةِ الطَّیْرِ فَأَنْفُخُ فِیهِ فَیَکُونُ طَیْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَ أُبْرِئُ الأَکْمَهَ وَ الأَبْرَصَ وَ أُحْیِی الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ» [10] . فإن هذا الفعل لا ینافی التوحید قطعاً [11] .
[1] الکلینی، الکافی، ج1، ص532.
[2] وجاء فی بعض التفاسیر أنّ النّبی (ص) ذکر رجلاً من بنی إسرائیل لبس السلاح فی سبیل اللّه ألف شهر، فعجب المسلمون من ذلک فأنزل اللّه (إنّا أنزلناه فی لیلة القدر وما أدراک ما لیلة القدر لیلة القدر خیر من ألف شهر)، التی لبس فیها ذلک الرجل السلاح فی سبیل اللّه ألف شهر.
وروی أنّ أربعة أشخاص من بنی إسرائیل عبدوا اللّه تعالى ثمانین سنة من دون ذنب، فتمنى الصحابة ذلک التوفیق لهم، فنزلت الآیة المذکورة.
[3] التفسیر الأمثل، ج27، ص190، دار الکتب الإسلامیة، طبعة طهران، سنة 1374 ش، الطبعة الأولى.
[4] للاطلاع الأکثر، انظر: سؤال 312 (موقع: 371) الموضوع: تعدد لیلة القدر.
[5] المائدة، 19.
[6] نهج البلاغة، (فیض الإسلام)، الکلمات القصار، الحکمة 139.
[7] الصدوق، محمد بن علی، عیون أخبار الرضا (ع)، ج2، ص121، منشورات جهان، 1378، هـ.ش.
[8] الطبرانی، المعجم الکبیر، ج6، ص221، دار إحیاء التراث العربی، 1405 هـ.ق.
[9] المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج52، ص51، الطبعة الأولى، مؤسسة الوفاء، لبنان، 1404 هـ.ق.
[10] آل عمران، 49.
[11] للاطلاع الأکثر، انظر: سؤال 1431 (موقع: 2189) الموضوع: تعریف الشرک وأقسامه؛ سؤال 1594 (موقع: 1589) الموضوع: التوحید وطلب المدد من غیر الله.