بحث متقدم
الزيارة
5890
محدثة عن: 2010/09/19
خلاصة السؤال
مع الاخذ بنظر الاعتبار أن الدین الاسلامی یمنع زواج المسلمة من غیر المسلم، فهل هذا الحکم یعکس انغلاق المجتمع الاسلامی وتقوقعه من زاویة علم الاجتماع أم لا؟
السؤال
مع الاخذ بنظر الاعتبار أن الدین الاسلامی یمنع زواج المسلمة من غیر المسلم، فهل هذا الحکم یعکس انغلاق المجتمع الاسلامی و تقوقعه على نفسه من زاویة علم الاجتماع أم لا؟
الجواب الإجمالي

یرى علم الاجتماع الحدیث أن هذا الحکم الذی لایختص بمنع زواج المسلمة من غیر المسلم بل یشمل الأمر الرجال المسلمین أیضاً، أن هذا الحکم یمثل نوعاً من الانخلاق و التقوقع على الذات فی المجتمع الاسلامی، لکن یجب الأخذ بنظر الاعتبار نسبیة الانغلاق و الانفتاح فی المجتمعات، فلا تصح إدانة کل مجتمع مغلق و اعتبار الانغلاق سبة و منقصة یستحق اللوم و التوبیخ بسببها و لابد من التنکر لها. أضف الى ذلک أن المجتمع الاسلامی یعد من المجتمعات المنفتحة من زوایا و أبعاد أخرى من قبیل الحوارات الدینیة التعایش السلمی المعاهدات الدولیة، التجارة و....

الجواب التفصيلي

من المناسب جداً الالتفات الى أن حرمة الزواج من الکافر لا یختص بنساء المسلمین بل یشمل الرجال أیضاً حیث لا یحق لهم الزواج من الکافرات لکن مع بعض الاستثناءات الطفیفة[1].

و لکن هل الحکم المذکور یکشف عن کون المجتمع الاسلامی مجتمعاً منغلقاً على الذات و منطویاً على نفسه؟

فجوابه یتم من خلال البحث فی موضوعین:

1- ما المراد من المجتمع المنغلق؟ و هل من اللازم تنظیم سلوکیاتنا بنحو لا ندخل تحت مظلة هکذا مجتمع؟!

2- هل یمکن إعتبار المجتمع الاسلامی مجتمعاً منفتحاً أم أنه مجتمع منغلق على الذات؟

من هنا نحاول تفصیل الکلام فی البحث حسب الترتیب المذکور:

1- یرى علماء الاجتماع الحدیث أن المجتمع المنفتح هو المجتمع القادر على تشکیل شبکة من العلاقات النشطة و الفاعلة بینه و بین سائر المجتمعات، و الا فهو من المجتمعات المنغلقة على الذات؛ و یرون أن المجتمعات المنفتحة أکثر تجربة و رقیاً من المجتمعات المنغلقة و ذلک بسبب عامل الانفتاح و الاستفادة من تجارب و ثقافات المجتمعات الأخرى؛ لکنهم مع ذلک أغفلوا تحدید المائز و الحد الدقیق بین المجتمعین المنغلق و المفتوح. أضف الى ذلک إنا عندما نطالع تاریخ الحضارات و المدنیات المختلفة نشاهد أن لکل مجتمع محدودیاته الخاصة، بل لا یوجد الیوم على الصعید الدولی مجتمع بلا محدودیات و ضوابط و تقییدات، و بحسب تعبیر أحد علماء الاجتماع: " إن القول بالمجتمع المنفتح انفتاحاً تاماً مثالیة لا واقع لها الا فی المخیلة و التنظیر"[2] أضف الى ذلک أنه لیس من الضروری کون المجتمع المنفتح هو المجتمع المثالی المطلوب و ذلک " لان المجتمع المفتح فی الوقت الذی یوفر لعناصره الکثیر من الفرص للحرکة الاجتماعیة الا انه فی الوقت نفسه یضع أمامهم مجموعة من المحاذیر و النواقص"[3].

فمن غیر الصحیح القول بان علماء الاجتماع یفضلون و یرجحون المجتمعات المنفتحة على المجتمعات المنغلقة دائماً. فعلى سبیل المثال نطالع العبارة التالیة: "إن مجتمع النخبة - لهذه العلة- یعد من المجتمعات المنغلقة و أن أعضاءه لا ینفتحون الا على من یتصف ببعض الصفات الاجتماعیة التی یرونها منسجمة مع صفاتهم، منها: العناوین الأسریة، المدارس، المؤسسات، الانتماءات الحزبیة"[4]

نحن نعتقد؛ أن عمل النخبة و تلک الموازین التی یقیمون الامور على أساسها غیر صحیحة و قد ذم الائمة (ع) تلک السلوکیات بشدة فقد روی عن الامام علی (ع) أنه کتب الى والیه عثمان بن حنیف بسبب الاشتراک فی ولیمة دعی لها هو و المرفهون و اصحاب الثروة فقط و لم یدع الیها من الفقراء أحد: "أَمَّا بَعْدُ یَا ابْنَ حُنَیْفٍ فَقَدْ بَلَغَنِی أَنَّ رَجُلا مِنْ فِتْیَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ دَعَاکَ إِلَى مَأْدُبَةٍ فَأَسْرَعْتَ إِلَیْهَا تُسْتَطَابُ لکَ الأَلْوَانُ و تُنْقَلُ عَلَیْکَ الْجفَانُ و مَا ظَنَنْتُ أَنَّکَ تُجِیبُ إِلَى طَعَامِ قَوْمٍ عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ وَ غَنِیُّهُمْ مَدْعُو".[5] فی الوقت الذی نرى فیها علماء الاجتماع الغربیین یعتبرون مثل هکذا سلوکیات اموراً طبیعیة جداً و لا یشعرون بالخجل من انغلاق النخبة و انطوائها على نفسها.

من هنا، لا یجدر بنا نحن معاشر المسلمین أن نحصر أنفسنا فی دائرة تلک التعاریف التی طرحها علماء الاجتماع؛ و ان إجراء حکم من الاحکام الاسلامیة لا یعنی بحال من الاحوال جعل المجتمع الاسلامی مجتمعاً منغلقاً کما یتصور هؤلاء، بل لا ینبغی الخشیة من تلک الصفات و الالقاب التی یثیرها علماء الاجتماع، خاصة اذا أخذنا بنظر الاعتبار أن قضیة الانفتاح و الانغلاق من الصفات النسبیة فقد یکون المجتمع منفتحاً بلحاظ معین و منغلقاً بلحاظ آخر، و هذا ما سنشیر الیه فی القسم الثانی من البحث.

2- کما مر فان کل مجتمع من المجتمعات یتحرک فی دائرتین دائرة المباحات و المحظورات، فیصنف على أساسها فی دائرة المجتمعات المنغلقة او المفتوحة. و المجتمع الاسلامی غیر خارج عن هذه القاعدة و له قوانینه الخاصة؟

بعض تلک القوانین الاسلامیة تمثل المعاییر و القیم الثابتة للمجتمع الاسلامی من قبیل أصل التعایش السلمی مع غیر المسلمین و التعامل معهم على أساس القیم و العدالة و المحبة[6]، أصالة الحوار المنطقی و الجدال بالتی هی أحسن[7]، عقد معاهدات الصلح وحسن الجوار[8]، حریة التجارة و العلاقات الاقتصادیة المتبادلة و....، و لا ینبغی التنکر أو إهمال وصیة النبی الاکرم (ص) حیث قال: "أکرم الجار و لو کان کافراً و أکرم الضیف و لو کان کافراً و أطع الوالدین و لو کانا کافرین و لا ترد السائل و إن کان کافراً"[9].فاذا کانت کل تلک التوصیات و القیم لا تکشف عن کون المجتمع مجتمعاً منفتحاً فأی شیء یعد کذلک؟!!

نعم، هناک توصیات و أحکام أخرى تختلف عن تلک التی مرت من قبیل ما جاء فی متن السؤال، أی عدم السماح للمسلمة الزواج من الزواج مع الکافر، فقد یعکس ذلک انغلاق المجتمع المسلم، لکن من غیر الصحیح أن تقیّم الامور على أساس الجزئیات بل لابد من دراسة القضایا مجتمعة و تقییمها بنحو عام و الخروج بنتیجة نهائیة؛ فاذا ما أخذنا بنظر الاعتبار عدم وجود مجتمع یتصف بالانفتاح التام و الکامل و لاحظنا من جهة ثانیة التعالیم الاسلامیة التی تجیز التعامل مع غیر المسلمین فی کثیر من الاحیان، فحینئذ لا یصح الحکم على المجتمع الاسلامی بالانغلاق لوجود بعض المحدودیات، بل ان المجتمع الاسلامی من المجتمعات المنفتحة حتى وفقاً للمعاییر التی قررها علماء الاجتماع الغربیون.

هذا من جهة، و من جهة أخرى إن تلک المحدودیات تکمن وراءها مجموعة من المبررات فعلى سبیل المثال یمکن ملاحظة السبب فی ممنوعیة ذلک الزوج فی المصادر الاسلامیة التی تعرضت لبیان ذلک[10].



[1] انظر: الحر العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ج 20، ص 533، باب تحریم مناکحة الکفار حتی أهل الکتاب، مؤسسة آل البیت، قم، 1409 ق.

[2] بروس کوئن، مبانی جامعه شناسی " مبانی علم الاجتماع"، ترجمة و اقتباس غلام عباس توسلی و رضا فاضل، ص 263، نشر سازمان سمت، طهران، 1372 ش.

[3] نفس المصدر، ص268.

[4] نفس المصدر،393.

[5] نهج البلاغة، ص 416، الکتاب رقم 45، انتشارات دار الهجرة، قم، بلا تاریخ.

[6] الممتحنة، 8، "لا ینهاکم الله عن الذین ...أن تبروهم و تقسطوا إلیهم".

[7] الزمر، 18، "الذین یستمعون القول ..."؛ العنکبوت، 46، "و لا تجادلوا أهل الکتاب إلا بالتی هی أحسن" و....

[8] النساء، 90؛ الأنفال، 72؛ التوبة، 4؛ النحل، 91 و ... .

[9] الشعیری، تاج الدین، جامع الأخبار، ص 84، انتشارات الرضی، قم، 1363 ش.

[10] منها الانعکاس السلبی على الاولاد وغیر ذلک من الاسباب التی لا یسع المجال لذکرها هنا. انظر: حر عاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ج 20، ص 534، ح 26276.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280273 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258850 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129648 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115694 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89575 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61076 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60380 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57382 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51659 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47724 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...