Please Wait
6377
لقد وردت روایات کثیرة عن النبی الأعظم (ص) فی ذکر فضائل المهدی (ع). و من جملتها هذا الحدیث الذی یقول: «المهدی طاووس اهل الجنة» و قد ورد فی المصادر المعتبرة من الشیعة و أهل السنة و لا إشکال فیه من حیث المضمون، إذ اشتهر الطاووس فی نصوصنا الدینیة بالجمال و خلقته العجیبة، کما أشار أمیر المؤمنین (ع) إلى غرابة خلقته فی خطبة غراء جدا. و فی هذا الحدیث قد شبه جمال المهدی بین أهل الجنة (ع) بجمال الطاووس بین الطیور. لذلک على أساس هذا الحدیث، إن الإمام المهدی (عج) من أجمل أهل الجنة، کما یعد الطاووس من أجمل الطیور. و إن کانت هناک روایة فی ذم الطاووس فبغض النظر عن ضعفها لا تنافی هذه الروایة.
من جملة الروایات التی وردت عن النبی الأعظم (ص) فی المصادر المعتبرة لأهل السنة فی باب فضائل المهدی (ع) هی هذه الروایة: «المهدی طاووس أهل الجنة».[1]
و الجدیر بالذکر أن فی کل تشبیه أربعة أرکان و هی: المشبه، المشبه به، وجه الشبه و أداة التشبیه. و یجب أن یکون وجه الشبه مشهوراٌ و معروفاٌ لدى المخاطب. ففی مثال "علی أسد" علی هو المشبه و الأسد المشبه به و الکاف أداة التشبیه و شجاعة الأسد وجه الشبه. و لأننا نعلم مسبقاٌ أن من بین الحیوانات، الأسد مشهور بالشجاعة (وجه الشبه)، نعلم أن شَبَه علی بالأسد إنما هو من حیث الشجاعة لا الأمور الأخرى. إذن نفهم من هذا التشبیه أن علیاٌ شجاع.[2]
بملاحظة هذه النکتة، نقول إن المراد من الروایة النبویة هو هذا الشبه أیضا؛ یعنی کما هو مشهور و معروف بین الناس أن الطاووس من أجمل الطیور، إن الإمام المهدی من أجمل أهل الجنة. إذن أرید فی هذا الحدیث النبوی جمال الطاووس فقط، فلا ینافی الروایات التی وردت فی ذم الطاووس من وجه آخر.
بالإضافة إلى ذلک فقد ذکر الطاووس فی نصوصنا الدینیة بعنوانه طیراٌ جمیلاٌ مع عجائب بالغة، و من یستبعد أن یکون هناک ذم فی حق هذا الطیر. فعلی سبیل المثال قال أمیر المؤمنین (ع) فی نهج البلاغة حول وصف عجائب خلقة الطاووس فی خطبة له:
"وَ مِنْ أَعْجَبِهَا خَلْقاً الطَّاوُسُ الَّذِی أَقَامَهُ فِی أَحْکَمِ تَعْدِیلٍ وَ نَضَّدَ أَلْوَانَهُ فِی أَحْسَنِ تَنْضِیدٍ بِجَنَاحٍ أَشْرَجَ قَصَبَهُ وَ ذَنَبٍ أَطَالَ مَسْحَبَه...تَخَالُ قَصَبَهُ مَدَارِیَ مِنْ فِضَّةٍ وَ مَا أُنْبِتَ عَلَیْهَا مِنْ عَجِیبِ دَارَاتِهِ وَ شُمُوسِهِ خَالِصَ الْعِقْیَانِ وَ فِلَذَ الزَّبَرْجَدِ فَإِنْ شَبَّهْتَهُ بِمَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ قُلْتَ جَنًى جُنِیَ مِنْ زَهْرَةِ کُلِّ رَبِیعٍ وَ إِنْ ضَاهَیْتَهُ بِالْمَلَابِسِ فَهُوَ کَمَوْشِیِّ الْحُلَلِ أَوْ کَمُونِقِ عَصْبِ الْیَمَنِ وَ إِنْ شَاکَلْتَهُ بِالْحُلِیِّ فَهُوَ کَفُصُوصٍ ذَاتِ أَلْوَانٍ قَدْ نُطِّقَتْ بِاللُّجَیْنِ الْمُکَلَّل... وَ لَهُ فِی مَوْضِعِ الْعُرْفِ قُنْزُعَةٌ خَضْرَاءُ مُوَشَّاةٌ وَ مَخْرَجُ عَنُقِهِ کَالْإِبْرِیقِ وَ مَغْرِزُهَا إِلَى حَیْثُ بَطْنُهُ کَصِبْغِ الْوَسِمَةِ الْیَمَانِیَّةِ أَوْ کَحَرِیرَةٍ مُلْبَسَةٍ مِرْآةً ذَاتَ صِقَالٍ وَ کَأَنَّهُ مُتَلَفِّعٌ بِمِعْجَرٍ أَسْحَمَ إِلَّا أَنَّهُ یُخَیَّلُ لِکَثْرَةِ مَائِهِ وَ شِدَّةِ بَرِیقِهِ أَنَّ الْخُضْرَةَ النَّاضِرَةَ مُمْتَزِجَةٌ بِهِ وَ مَعَ فَتْقِ سَمْعِهِ خَطٌّ کَمُسْتَدَقِّ الْقَلَمِ فِی لَوْنِ الْأُقْحُوَانِ أَبْیَضُ یَقَقٌ فَهُوَ بِبَیَاضِهِ فِی سَوَادِ مَا هُنَالِکَ یَأْتَلِقُ وَ قَلَّ صِبْغٌ إِلَّا وَ قَدْ أَخَذَ مِنْهُ بِقِسْطٍ وَ عَلَاهُ بِکَثْرَةِ صِقَالِهِ وَ بَرِیقِهِ وَ بَصِیصِ دِیبَاجِهِ وَ رَوْنَقِهِ فَهُوَ کَالْأَزَاهِیرِ الْمَبْثُوثَةِ لَمْ تُرَبِّهَا أَمْطَارُ رَبِیعٍ وَ لا شُمُوسُ قَیْظ."[3]
إذن بملاحظة کلام أمیر المؤمنین (ع) حول جمال الطاووس و عجائب خلقته، نکتشف أن الطاووس من أجمل خلق الله من بین الطیور. و یتضح أیضا أن الروایة النبویة التی شبهت الإمام المهدی (عج) بطاووس أهل الجنة، هی ناظرة إلى جمال الطاووس. و بالتالی إن کانت هناک روایات فی ذم الطاووس فبغض النظر عن ضعفها لا تنافی هذه الروایة و یمکن الجمع بینها.
[1] الفیروزی، السید مرتضی، فضائل الخمسة من الصحاح الستة، ج3، ص343، إسلامیة، 1410ق؛
بحارالأنوار، ج51، ص 105، الباب الأول، حدیث 41، مؤسسة الوفاء، لبنان، 1404ق؛ الشیخ یوسف، بن یحیی، بن علی، المقدسی، الشافعی، عقد الدرر فی أخبار المهدی المنتظر، ج1، ص 34.
[2]. الدقیق العاملی، معین، دروس فی البلاغة، المرکز العالمی للدراسات الإسلامیة، 1416ق. ص 103ـ 115.
[3] السید الرضی، نهج البلاغة، خطبة 165، ص 236ـ 237.